“اكتشاف المجهول”.. أسرار السكان الأصليين في أعالي الأنديز وغابات الأمازون

خاص-الوثائقية

سلسلة من الوثائقيات جال فيها المغامر العربي لؤي العتيبي على حضارات ضاربة في القدم وقبائل أكلت لحوم البشر وحيوانات غريبة وخطيرة. إنها سلسلة “اكتشاف الأمازون” التي أنتجتها قناة “الجزيرة الوثائقية” وعرضت تباعا على شاشتها، وقد استغرقت الفكرة من بدايتها حتى تسليم العمل نحو عامين، كما واجه فريق عمل العتيبي محاذير تفشي فيروس كورونا وعملوا بجد وجهد لإخراج هذا العمل بطريقة مميزة على كافة الصعد صورة ونصا وإخراجا.

كانت البداية مع “أسرار حضارة الإنكا” الذي امتد لثلاثة أجزاء وصل فيها فريق العمل إلى أماكن من الصعب أن يصلها بشر بسبب وعورة الطرق وبرودة الطقس ونقص الأوكسيجين في جبال ترتفع آلاف الأمتار. فالعتيبي يأخذنا في رحلة عبر الزمن تعود بنا إلى الوراء مئات السنين، لنقف على آخر من بقي من شعب الإنكا أو هنود أمريكا الجنوبية الذين حكموا إمبراطورية امتدت على طول ساحل المحيط الهادئ ومرتفعات جبال الأنديز، وهم أول من زرع البطاطس، واعتبروا الطعام منحة إلهية.

 

 

مدينة الشمس المقدسة.. تاج الإنكا على جبال الأنديز

منذ فجر التاريخ قامت حضارات واندثرت أخرى، ولكن بقيت أطلالها خالدة وحيرت العالم بتنوعها الثقافي والعلماء بتطورها العلمي، وشعب الإنكا هو الصورة الرمزية الأخيرة لحضارة عمرها 5 آلاف عام على جبال الأنديز، وهي واحدة من أكثر الحضارات انتشارا في أمريكا الجنوبية، إذ تشمل الإكوادور والبيرو وبوليفيا وجزءا من تشيلي والأرجنتين، وما زالت ثقافتها موجودة إلى الآن عند السكان الأصليين شعب كيروس.

تعد مدينة كوسكو العاصمة المقدسة لإمبراطورية الإنكا، وتقع في جنوب شرق البيرو على ارتفاع 3350 مترا فوق سطح البحر في جبال الأنديز، وهي خير شاهد على هذه الحضارة.

ويطلق على المدينة مدينة الشمس المقدسة وهي أقدم مدينة مأهولة في الأمريكيتين الجنوبية والشمالية، وتمثل فسيفساء فريدا من نوعه يجمع بين حضارة الإنكا والاستعمار الإسباني الذي بنى هذه المدينة على أنقاض الإمبراطورية، ورغم تعمد المستعمر هدم كل مباني المدينة القديمة ومعابد الإنكا، فإنه أبقى على الجزء السفلي منها بسبب أساساته القوية وبنى عليها. كما توجد فيها شرفات على الطراز الأندلسي وهي بقية من تراث عربي صار جزءا من هوية المدينة.

ورغم التطور ومرور آلاف السنين على اندثار إمبراطورية الإنكا؛ ما يزال هناك 6 ملايين شخص في دول الأنديز يتحدثون بلغة الكيشوا وهي اللغة الأم لشعب الإنكا، وقد شق هذا الشعب طرقات للربط بين مناطق إمبراطوريتهم الممتدة على طول الساحل الغربي لقارة أمريكا الجنوبية، وكانت تمتد شبكة الطرق هذه إلى عشرات آلاف الكيلومترات. وبنيت بشكل لا يصدق في مناطق جبلية وعرة، وبعضها أنشئ على ارتفاع 5 آلاف متر فوق مستوى سطح البحر.

منطقة موراي التي تعد من أكثر مناطق الإنكا ندرة، وكانت تستخدم كحقل للتجارب الزراعية

 

مختبرات الزراعة في أعالي الجبال.. ثورة التقدم العلمي

كان شعب الإنكا متقدما علميا عن باقي شعوب زمانه، على أكثر من صعيد؛ ولا أدل على ذلك من منطقة موراي التي تعد من أكثر مناطق الإنكا ندرة، وكانت تستخدم كحقل للتجارب، وفي ذروة وجودها كانت إمبراطورية الإنكا أكبر دولة على وجه الأرض، وبسبب وفرة الثروة والذهب والأحجار الكريمة ورقي الشعب، تحولت لمطمع للمستعمرين والغزاة، ومن بعدهم علماء الإنسان والآثار الذين سعوا لفهم طرقهم المتطورة.

وعلى ارتفاع أكثر من 3500 متر عن مستوى سطح البحر، يوجد أهم مختبرات الإنكا الزراعية الذي يقع بعمق 30 مترا، ويعتقد الباحثون أن عمقه وتصميمه واتجاه بنائه فيما يتعلق بالرياح والشمس، يصنع فارقا في درجات الحرارة بين القمة والجزء السفلي، ويعتقد أن الإنكا صمموا هذا المختبر ليختبروا زراعة أنواع مختلفة من المزروعات في درجات حرارة متنوعة، وبعد صدور النتائج تُعاد زراعتها على نطاق واسع في الإمبراطورية.

وفي منطقة شينزبري توجد منحدرات صخرية كان الإنكا يدفنون فيها موتاهم، والدفن لم يكن بطريقة عادية، بل كانوا يحنطون الجثة قبل دفنها، ولم تستطع الهيمنة الأوروبية لـ500 عام طمس روح شعب الإنكا، وسر ثقافة هذا الشعب يكمن في الأرض وعلاقتهم القوية بها.

وبعد يومين من البحث، تمكن لؤي العتيبي وفريقه من إيجاد مومياوات لأطفال من الإنكا كانوا يضحون بهم عبر وضعهم في المغارات على قمم الجبال للتقرب من إلهي الشمس والجبال، وكانت التضحية تعد شرفا كبيرا للعائلة، وهي من أهم عادات وتقاليد شعب الإنكا.

 

الابن الأوحد للشمس.. هندسة مائية فريدة لدى نسل الإله

تعد حضارة الإنكا من الحضارات السحيقة التي أبهرت العالم، بسبب ما تركته من آثار وما توصلت له من علوم، ويقع الوادي المقدس في قلب إمبراطورية الإنكا في قلب جبال الآنديز، ويبعد عن كوسكو 70 كيلومترا، ويحتوي على المعالم التاريخية كالقلاع والمستودعات والقرى القديمة وغيرها.

وتعني كلمة الإنكا في اللغة المحلية الابن الأوحد للشمس وهو الحاكم، ويعتقد شعب الإنكا أن شعوبهم تنحدر من نسل الإله الذي يدعى “أنتي” وهو إله الشمس، وكان لا بد للملك من أن يتزوج أخته ويطلق عليها اسم “كويا” للحفاظ على النسل العائلي الملكي القادم مباشرة من الإله، ويقال إن العائلة التي حكمت شعب الإنكا كان لديها 400 طفل بهذه الطريقة.

واشتهر شعب الإنكا بالزراعة، وبسبب وعورة المناطق التي سكنوها فقد بنوا مدرجات من الحجر، ويرتفع كل مدرج عن الآخر بنحو مترين، كما أنشأوا نظام تصريف مياه، وآخر للحفاظ عليها، لكي يضمنوا الزراعة طيلة العام.

وفي أحد الوديان المنحدرة بنوا مستودعات لتخزين الحبوب وغيرها، فقد كان يعد طعاما إستراتيجيا، وكان الهدف حمايته خلال المعارك والحروب، ولإبقائها صالحة للأكل بفضل الرياح وبرودة الجو، وقد دخل لؤي العتيبي إلى أحد البيوت التي سكنها شعب الإنكا، ويقال إنه من أقدم المنازل المأهولة في أمريكا الجنوبية، ولم يزل على حاله حتى يومنا هذا لم يضف له سوى المغسلة.

ماتشو بيتشو هي إحدى المدن الأسطورية، ويطلق عليها المدينة الغامضة

 

ماتشو بيتشو.. معجزة حضارية اختبأت عن عيون المستعمر

ماتشو بيتشو هي إحدى المدن الأسطورية، ويطلق عليها المدينة الغامضة، وتقع على جبال الأنديز على ارتفاع 2300 متر عن مستوى سطح البحر، وعلى الرغم من أن الاحتلال الإسباني استمر من العام 1532 وحتى 1820، فإنه أخفق في اكتشاف أهم مدينة بناها الإنكا، ويعتقد البعض أن شعب الإنكا كان يرفض احتلال الإسبان لمدينتهم وطمس حضارتهم، ولهذا لم يتحدثوا عن هذه المدينة التي بنيت على قمة جبل محاطة بغابات كثيفة.

استخدم شعب الإنكا مئات آلاف الصخور لبناء مدينة ماتشو بيتشو، ومدّوا قنوات مياه نقية من النهر إلى المدينة بشكل دائما، كما بنيت على طريقة أحجار الدومينو ودون مواد لاصقة، لكي تقاوم الزلازل والبراكين، وتروي هذه المدينة الساحرة قصة حضارة ضاربة في القدم، وتحتوي على مئات مدرجات الزراعة ونحو 200 مبنى، فيها معابد وأضرحة وقصور ونوافير ومرصد فلكي.

وقد استطاعت هذه الحضارة إبهار العالم بما تركته من آثار في غاية الأصالة والروعة والتفرد، لأن آثارها لا تشبه أي حضارة أخرى مجاورة لها، وهي تدل على بلوغ شعب الإنكا مبلغا مهما من التقدم والرقي.

يشرق شعوب الأنديز أو يمضغون نبتة “الكوكا” لأنها تمنحهم الطاقة وتساعدهم على تحمل برودة الجو

 

شعب كيروس.. رحلة إلى قرى آخر الثقافات القديمة الحية

يعيش شعب كيروس منعزلا على قمم جبال ترتفع بين 4-5 آلاف متر عن مستوى سطح البحر، وهذا الشعب لا يزال حتى الآن يمارس عادات وتقاليد مارسها منذ آلاف السنين، ويخوض الفريق الوثائقي رحلة صعبة عبر الزمن للعودة إلى الوراء آلاف السنين، لنختبر كيف عاش هذا الشعب في هذه الجبال الرائعة.

وشعوب الأنديز عموما، يشربون أو يمضغون نبتة “الكوكا” لأنها تمنحهم الطاقة وتساعدهم على تحمل برودة الجو التي تنخفض ليلا إلى ما دون الصفر، وهذه النبتة هي التي تستخرج منها مادة الكوكايين، ولكن تناولها دون أي إضافات يشكل محفزا طبيعيا للجسم.

ويعتبر شعب كيروس آخر ثقافة قديمة حية يمكن من خلالها أن نتعرف على كيفية عيش الشعوب القديمة على جبال الأنديز. ولا يزال هناك مجموعة من الشعوب الأصيلة لا يتجاوز عددهم المئات ويتوزعون على 3 قرى صغيرة. وقد لاقى لؤي وفريقه استقبالا حافلا عند وصولهم إلى إحدى القرى الثلاث التي يوجد بها ما بقي من شعب الإنكا الأصلي.

ويقول أحد هؤلاء السكان الأصليين: يقول أسلافنا إن الأرض كانت مظلمة منذ زمن بعيد ولا يوجد فيها إلا ضوء القمر، وبعد ذلك جاءت الشمس ووهبتنا ابنها الذي أصبح أول ملك لشعب الإنكا، ومنذ ذلك الوقت بقي أسلافنا هنا، علمونا كل ما نحتاج له للبقاء على هذه الأرض، كالعلاج بالنباتات وحياكة ملابسنا، وتركوا لنا على الملابس تعليماتهم وكأنها رسالة لنا، نحن نعيش على هذه الجبال وهي آلهتنا، لهذا نقوم بتقديم الأضاحي لها، وهي في المقابل تعطينا حياة صحية وطعاما جيدا ومياها نقية ومحاصيل لماشيتنا.

 

طقوس القرابين.. تكريم الآلهة واللاما والأرض

إن لهذا الشعب طقوسا روحية تقدم من خلالها العطايا لإله الشمس وآلهة الجبال، كما يعزفون موسيقى تقليدية لتكتمل هذه الطقوس الروحية، لكن طريقة غنائهم وعزفهم تكون غير متناغمة، فالرجال يعزفون والنساء تغني، وخلال العزف والغناء تقدم العطايا.

كما يقومون بطقس مرة واحدة في السنة لتكريم حيوان اللاما عبر تزيين آذان الذكور منها بخيوط ملونة، فهم يشربون من حليبه ويستخدمون فراءه للتدفئة وشحومه لإضاءة المصابيح، وهو وسيلة نقلهم الوحيدة -كالجمال في الصحراء- في هذه الجبال الوعرة والأجواء الباردة. وفي السابق، كانوا يدفنون مع كل شخص يموت، حيوان لاما صغير من أجل مرافقته في الحياة الأخرى.

ويتعامل شعب حضارة الإنكا مع الأرض باحترام كبير لأنه يعتبرها سبب بقائه على قيد الحياة، وهذا الشعب يزرع البطاطس على ارتفاع 4500 متر عن مستوى سطح البحر. ويقول أحد أفراد شعب كيروس إنهم يزرعون البطاطس -التي تعد من وجباتهم الرئيسية- ويطلبون من الأرض مباركتها إلى أن تنضج ثم يقومون بحصادها.

وبعد حصدها يتركون البطاطس طيلة الليل في العراء حتى تتجمد، وخلال النهار يسيرون عليها لإخراج عصارتها، ويكررون هذه العملية لعدة أيام وليال حتى تجف تماما وبهذا يكون قادرين على تخزينها لعدة سنوات.

ويستخدم شعب “كيروس” نظاما زراعيا يسمى “نظام الأرخبيل”، وهذا يضمن زراعة عدد كبير من الجزر الزراعية على ارتفاعات مختلفة وأيضا تنوع المزروعات بمناطق مناخية مختلفة.

يتولى المشعوذ إضافة إلى طقوس الآلهة علاج المرضى

 

“منذ عهد أجدادنا ونحن نعيش هنا”.. بيئة مقدسة

يبني شعب كيروس منازلهم من مواد صديقة للبيئة، وهي الحجارة وأوراق الأشجار، ولا يضرون بالبيئة المحيطة بهم بل يقدسونها ويتعاطون معها باحترام، كما لديهم اكتفاء ذاتي، لأنهم يأكلون مما تزرع أيديهم والمواشي التي يربونها، ويلبسون مما يحيكون ومياههم نقية من ذوبان الثلوج على قمم الجبال.

وكاهن شعب الكيروس ليس فقط رجلا يؤدي الطقوس ويتواصل مع الآلهة، ولكنه أيضا يعالج المرضى بالنباتات والأعشاب، حتى بات مقصدا لعدد من سكان المدينة المرضى الذين يأتونه بحثا عن دواء لدائهم.

أما عن أسباب تفضيلهم للعيش في هذه الجبال القاسية عن المدن والتمتع بالتطور، فيقول أحدهم: منذ عهد أجدادنا ونحن نعيش هنا، ونتبع طريقتهم في تفاصيل حياتنا اليومية، نحن نعيش على أرضنا، ولا نريد الذهاب لأي مكان آخر، كان أجدادنا الإنكا يضحون بأبنائهم الصغار للآلهة، وذلك من أجل أن تحمينا من الزلزال، وكان هذا الأمر مهما للنجاة من الكوارث، لكننا في هذه الأيام لم نعد نفعل ذلك، واستبدلناها بالتضحية بنبتة الكوكا وحيوان اللاما وبعض أجنة الحيوانات.

تتولى فتيات القبيلة جمع روث اللاما لاستخدامها في الطهي والتدفئة

 

“في السابق كان الرجل يتحكم بالمرأة”.. يوميات العمل

عند شعب كيروس ليس هناك أعمال مخصصة للرجال وأخرى للنساء فالجميع يعمل يدا واحدة في كل النشاطات الحياتية. تقول إحدى السيدات: في السابق كان الرجل يتحكم بالمرأة، أما حاليا فقد أصبح هناك مساواة بين المرأة والرجل ونتقاسم جميع المهام فيما بيننا ونتعاون في الحياة.

أما الفتيات فلديهن عمل آخر يقمن به، وهو جمع روث اللاما لاستخدامه في إشعال النار، وفي الصباح الباكر تخرج نساء القرية إلى الجبال والوديان المحيطة للبحث عن الأزهار والنباتات التي تستخدم في تلوين الأقمشة الخاصة بهن، فنساجو الإنكا كانوا من الأفضل في أمريكا الجنوبية على الإطلاق، حتى أن الإسبان عندما غزوهم اعتقدوا أن نسيجهم مصنوع من الحرير.

ولا تزال ثقافة “الإنكا” موجودة في العباءة وأنواع الملابس الأخرى، وكانت منسوجات الإنكا المزخرفة ترمز إلى “الثروة والمكانة الاجتماعية للفرد في ذلك الوقت.

وفي كل عام يصعد شعب كيروس للحج إلى قمم الجبال الباردة، وهذا الطقس بالنسبة لهم أمر مقدس، فهم لا يعتبرون الجبال مجرد صخور صماء، بل هي كائنات حية مقدسة. وقد كان الكهنة يتسلقون جبالا يصل ارتفاعها إلى 6500 متر فوق مستوى سطح البحر لتقديم القرابين، وعثر على مومياوات لفتيات على قمم الجبال جرت التضحية بهن كقرابين للآلهة.

يلبس شعب الأنكا من حياكتهم بألوانهم التي يصبغونها بأنفسهم

 

صراع الملوك وأحقاد القبائل ووباء الغزاة.. سقوط الإنكا

كانت إمبراطورية الإنكا دولة عظمى مترامية الأطراف وقوية وتملك الموارد الطبيعية والمالية والبشرية، مما يدفعنا إلى التساؤل لماذا لم تنخرط جيوشها للدفاع عن إمبراطوريتهم ضد مجموعة من المستعمرين الإسبان؟

لم يستطع العلماء والخبراء والباحثون فهم السبب، لأن الإنكا لم تكن لديهم كتابات ووثائق، ولم يكن أمامهم سوى الآثار والأنقاض والمؤشرات التاريخية لمحاولة فهم ما جرى.

ويعتقد الباحثون أن العوامل التي أدت لهزيمة الإنكا متعددة، تبدأ من الصراع الداخلي والتنازع على السلطة بين آخر ملوكهم، إضافة لانتشار الأوبئة التي جلبها الغزاة معهم، فقد فتكت بالملايين منهم، وانتهز الغزاة هذا الضعف، كل ذلك إضافة لنقمة الكثير من القبائل على شعب الإنكا، وقد ساهمت هذه القبائل في التخلص منهم بعد معارك طاحنة ومتتالية، لتقضي على شعب الإنكا وحضارتهم.

الوصول إلى قبيلة الماتسيس يلزمه ركوب القارب وعبور النهر

 

مدينة إيكيتوس.. عاصمة شعب يأبى الخضوع للعصر

منذ آلاف السنين استوطن غابات الأمازون سكان المنطقة الأصليين، ورغم أننا في القرن الـ21 فإن هناك من لا يزال يعيش في هذه الغابات المنسية رغم بعدها عن العالم المعاصر، فمدينة إيكيتوس عاصمة الأمازون من المستحيل الوصول إليها في البر، وطريقها الوحيد إما بالنهر أو والجو، فهي أكبر مدينة معزولة في العالم وسط غابات الأمازون، وهي مدينة فاتنة وسادس أكبر مدينة في البيرو من حيث عدد السكان، إذ يقطنها مليون و200 ألف نسمة.

وللوصول إلى قبائل الماتسيس كان لا بد من أن يستقل العتيبي وفريقه قوارب لعبور النهر، لأن هذه القبائل لا تزال معزولة في غابات الأمازون بين البيرو والبرازيل، فالحياة في الغابات المطيرة الاستوائية تتركز عند الأنهار لوفرة الحياة البرية فيها من أسماك وثديات وغيرها، وهذا أعطى وفرة من الغذاء للسكان المحليين.

فقد عاش شعب الماتسيس طوال قرون في عمق غابات الأمازون، وتحديدا في الشمال الشرقي للبيرو وغرب البرازيل، ويبلغ عدد أفراد هذه القبيلة نحو 2200 فرد، ولا يزال بقي منهم يعيش في أعماق الغابات وفي مجموعات صغيرة تصل إلى العشرات، وتصر على العيش بعزلة تامة، رافضة التواصل مع العالم الخارجي، فشعوب الأمازون عامة لديهم أسلوب خاص في الحياة يحافظ على ممارسة طقوسهم التي توارثوها عن أسلافهم، ولا بد من خوض التجربة إذا أردنا أن نفهم طريقة تفكيرهم بصورة أوضح.

غابات الأمازون المقدسة.. وجود مستدام منذ 30 ألف عام

تنحدر قبيلة الماتسيس من شعوب أمازونية متفرقة، والغابات الشاسعة في الأمازون هي العنصر الأساسي لبقائهم على قيد الحياة واستمرارية تقاليدهم، وهم يقدسون الغابة لأنها تمنحهم كل حاجياتهم، فوجودهم بالغابات يمكن أن يطلق عليه الوجود المستدام، لأنهم يستخدمون الأرض دون الإضرار بالنباتات والحيوانات، فالأرض بالنسبة لهم هي التاريخ والحاضنة والمأكل والملبس، وبكلام آخر “الأرض هي أم أجناسها”.

ويقول بعض المؤرخون إن أول المستوطنات البشرية كانت في منطقة الأمازون قبل مدة تتراوح بين 32-39 ألف سنة، ومنذ ذلك الوقت تعايش سكان غابات الأمازون بشكل جيد مع فوائد وقيود الغابات المطيرة.

أساس نجاح شعب الماتسيس هو فهمهم العميق لهذه الغابات، فنباتاتها توفر لهم كل شيء لأنهم يستخدمونها في الطعام والطب وبناء منازلهم وأسرتهم.

تضع نساء الماتسيس عيدانا في أنوفهم كتقليد تراثي

 

“إننا محاربون أشداء مثل حيوان الجاكوار”.. آكلو البشر

يقول أحد شيوخ القبيلة: تضع النساء في شعب الماتسيس عيدانا في أنوفهن أما الرجال فيرسمون الوشم على وجوههم للحفاظ على تقاليد أجدادهم، وبهذه العيدان الحادة نميز أنفسنا عن باقي القبائل، جميع القبائل من حولنا يقولون إننا محاربون أشداء مثل حيوان الجاكوار.

أما عن معتقداتهم فإنهم “يؤمنون أن الشخص عندما يموت يعود إلى عالم الأحياء في أجساد باقي أفراد القبيلة، وهذه الأرواح تعطينا القوة، اليوم نأكل الطيور والأسماك والحيوانات، وفي السابق كنا نأكل لحوم البشر، فرجال القبيلة أشداء ولهذا كنا نأكل كل شخص يموت في قبيلتنا، وكان رجال الشامان (الكهنة) يسحرون الناس ويقتلونهم ويأكلونهم، كنا نبدأ بأكل الأعضاء التناسلية للرجل والمرأة حتى ننتهي من أكل الجسم كاملا”.

ومعلومة أكل لحوم البشر كانت معروفة عن هذه القبيلة ولكنها وثقت لأول مرة مع فريق العتيبي، حتى أن باقي أفراد القبيلة تضايقوا من إفشاء أحد أسرارهم للعالم الخارجي. ويتابع أحد أفراد القبيلة إنهم “زاروا قبائل أخرى وشاهدوا كيف كانوا يقومون بدفن موتاهم، وتعلموا منهم طريقة دفن موتاهم، ووقتها أدركنا أننا نأكل موتانا كما نأكل الحيوانات، وتوقفنا عن أكل موتانا وبدأنا ندفنهم”.

يستخدم سم الضفادع كمناعة للأجسام

 

سم الضفدع.. إعادة التوازن بين الجسد والروح

يقول أحد الشيوخ مخاطبا العتيبي: إن كنت تريد فهمنا بعمق فعليك أن تجرب طقس كامبو، الليلة سأبحث عن الضفدع (أكاتي) وسنعطيك سم هذا الضفدع.

في هذا الطقس يقومون بربط الضفدع من يديه وقدميه حتى يفرز جسمه السم ويقومون باستخراجه، ثم يقومون بحرق جزء صغير في الجلد ليدخل السم إلى الجسم، وفي هذا الطقس يصل الشخص إلى حالة من الصفاء الذهني والتركيز، ويزيل العقبات الروحية بعد أن يتفاعل السم داخل الجسم.

وبمجرد دخول السم إلى الجسم يصبح ساخنا، ويشعر الشخص بأنه مخدر، ويبدأ الأمر يزداد سوءا، ويؤثر سم الضفدع على الجهاز الهضمي والدورة الدموية والأمعاء، ويحفز الغدة النخامية في المخ، وهذا يؤدي لتحفيز جهاز المناعة، فطقس كامبو في معتقداتهم يعيد التوازن الطبيعي بين الجسد والروح.

 

“قتلوا عائلة جدتي”.. عادات الإنسان البدائي

يقول أحد أعضاء القبيلة: في غابات الأمازون يوجد ما نحتاج إليه من الطعام والفواكه المتنوعة، إضافة إلى الحيوانات البرية كالخنازير والقرود، وكل هذه أسباب لبقائنا هنا في هذه المنطقة وعلى قيد الحياة.

تأكل قبائل الأمازون كل شيء من حيوانات ونباتات موجودة في الغابات، ولا يزالون يصطادون هذه الحيوانات بالوسائل البدائية التي كانت موجودة منذ بدء البشرية.

أما عن موضوع الزواج بين أفراد القبيلة، فتروي إحدى السيدات أن “زوجها طلب يدها من والدها ولم تكن تعرفه، ولم تعلم كيف أصبحت زوجته، هكذا تسير الأمور عند الماتسيس، وحتى الآن أعيش مع زوجي وأولادي، وفي السابق كان الرجل يتزوج أكثر من سيدة لأنها كانت من نفس القبيلة، أما الآن وبعد الاختلاط بالقبائل الأخرى باتت الأمور أصعب، والرجل يتزوج إما امرأة واحدة أو اثنتين فقط”.

وتتابع “هناك عادة خطف النساء من القبيلة نفسها أو من غير قبائل وحتى مناطق أخرى، ففي إحدى عمليات الخطف، قتلوا عائلة جدتي كاملة تقريبا، وبقيت فتاة واحدة في العائلة وقع خطفها، فحين أفكر بهذه العادة أشعر بحزن جديد”.

تجمع نساء القبيلة الزهور لصباغة الأقمشة

 

تربية الأطفال والصيد.. تقاسم الأدوار بين الجنسين

عند قبائل الماتسيس تتوازن أدوار الرجل والمرأة، فمهمات المرأة تربية الأطفال وإعداد الطعام وجلب الخضراوات والفواكه من الغابة، أما الرجل فدوره الذهاب للغابة واصطياد الحيوانات والطيور، إذ يعد صيد الحيوانات المصدر الوحيد للحصول على البروتين، وهذه المهمة يقوم بها الرجال الأقوياء والأشداء، ويمنع على الأطفال المشاركة بهذه المهمات.

ويؤكد رئيس القبيلة أنهم يحبون الاختلاط والتعرف على ثقافات وعادات وتقاليد القبائل الأخرى، لكنه يخشى على عاداتهم وتقاليدهم من التغيير التدريجي، ولهذا يقوم بنقل كل ما تعلمه من آبائه وأجداده إلى الشباب والأطفال، لـ”نحافظ على عاداتنا وتقاليدنا التي تميز الماتسيس”.

عاشت قبائل الأمازون في المنطقة منذ آلاف السنوات وتأقلموا مع حياتها القاسية، حتى أصبحت ديدنا لهم في يومياتهم. يقول أحد أفراد القبيلة: نحن نعمل طوال اليوم وعندما نسهر إلى هذا الوقت نقوم بطقس النونو، من أجل أن ننام بصورة أفضل وننهض باليوم التالي ونشعر بالنشاط والقوة.

 

شعب الماتسيس.. اكتشاف بالصدفة في بيرو

تبلغ مساحة البيرو مليونا و285 كيلومترا مربعا، ويبلغ تعداد سكانها 31 مليونا و500 ألف نسمة، وهم متعددو الأعراق، ويمكن تصنيف المجموعات العرقية كالتالي:

–       نحو 45% من الهنود الأمريكيين.

–       37% من الميستيسو (خليط من الهنود الحمر والأوروبيين).

–       15% من الأوروبيين.

–       3% من العرب واليابانيين والصينيين.

ويعيش في العاصمة ليما 9 ملايين نسمة، ويتوزع الباقون على المدن الأخرى، بينما لا يزال هناك سكان أصليون يعيشون معزولين وسط غابات الأمازون، ويعتبرون الأمازون موطنهم الأول وملاذهم الأخير.

كثير من السكان الأصليين عاشوا في غابات الأمازون ومن بينهم قبيلة الماتسيس التي يقدر عددها بـ300 فرد، وهذه القبيلة جزء من مجموعات ممن بقي من الشعوب الأصلية التي لديها عادات وتقاليد ولغة خاصة بها.

وقبل عامين ونصف لم يكن أحد يعلم بوجود شعب الماتسيس، حتى اكتشفتهم الحكومة البيروفية بالصدفة، حيث يعيش هذا الشعب وسط غابات الأمازون منذ آلاف السنوات، ويعد فريق الجزيرة الوثائقية أول فريق تلفزيوني يصل إلى هذا الشعب.

يتعاون أفراد القبيلة في الصيد لتأمين وجبات كافية للجميع

 

أحضان الغابة المقدسة.. بدو رحل في الأمازون

لا يبقى الشعب الماتسيس لفترات طويلة في المنطقة نفسها، بل يغيرها كل بضع سنوات للبحث عن مناطق صيد أفضل وأرض زراعية أكثر خصوبة، ولا يعدون أي بقعة جغرافية منطقة حصرية لهم، وهم يعيشون في مجموعات صغيرة مؤلفة من 7 إلى 25 شخصا، وتتألف كل مجموعة من عائلة إلى 4 أو 5 عائلات تكون معزولة نسبيا عن العائلات الأخرى، وهذا لمنع المنافسة عن موارد الغابة.

بداية، لم يكن الاستقبال وديا ورفضوا بقاء لؤي العتيبي وفريقه لأنهم يرفضون الاختلاط ودخول الغرباء لقريتهم، ولكنهم عادوا ووافقوا مشترطين أن تُحترم عاداتهم وتقاليدهم وأن يشاركوهم هذه العادات والتقاليد.

الماتسيس شعب مسالم لا يخوض حروبا مع القبائل الأخرى، لكنهم مقاتلون أشداء عندما يعتدى عليهم من طرف القبائل الأخرى، فغابات الأمازون الشاسعة تحمل أسرارا غامضة، ورغم ذلك استطاع شعب الماتسيس التأقلم معها منذ آلاف السنين للبقاء على قيد الحياة والاستمرار، فكل شجرة في غابات الأمازون لديها دور في حياة الماتسيس.

ومن بين هذه الأشجار ما يصنعون منها ملابس النساء والرجال التي يقومون بحياكتها كل عامين تقريبا، ويصنعون منها الأغطية التي تكون أقل سماكة من الملابس لكنها أكبر حجما، وتستخدم في بعض المواسم عندما تنخفض درجات الحرارة في الليل.

ولهذا الشعب فهمهم الخاص للحياة والمعتقدات الروحية، فهم يعتقدون أن كل الكائنات الحية في الغابة لديها أرواح والشخص الوحيد القادر على التواصل معها هو “الشامان”، وهو أيضا الذي يعالج المرضى في القبيلة مستخدما نباتات طبيعية من الغابة، فشعب الماتسيس لديه معرفة بأكثر من 300 نوع من الأعشاب الطبية التي يستخدمها لمعالجة عدد كبير من الأمراض الشائعة كالإسهال والحمى والالتهابات الفطرية وأمراض أخرى.

يقدس الماتسيس الطبيعة المحيطة بهم، ويعتقد أفرادها أن الغابات وجدت لرعايتهم وحيواناتهم وكل ما يبقيهم على قيد الحياة.

ثمة طقوس تمارسها قبيلة الماتسيس خاصة بالفتيات من حيث البلوغ والزواج

 

فترة الحمل.. قتل المرأة للأفعى كي لا يشبهها الجنين

لدى الماتسيس عاداتهم وتقاليدهم في الحياة الزوجية والعائلية، ويعيش الشاب والفتاة المتزوجان حديثا في منزل عائلة الزوجة، حتى تحصل الزوجة على دعم والدتها عندما تلد طفلها الأول، ثم يبنون منزلهم الخاص، وينتقلون إليه كعائلة جديدة.

تقول إحدى السيدات: لم تتغير حياة النساء في القبيلة منذ الأجداد والأسلاف، فيجب أن تتعلم الفتاة منذ الصغر تدبير الأمور العائلية، مثل صناعة السجاد والملابس وخصوصا زراعة المانيهوك وكذلك تحضير شراب “الماساتو” في المناسبات وعند الزيارات، بينما مهمة الرجل الأساسية هي الصيد، ومن عاداتنا أن نتشارك جميعا في الأكل والشرب.

وهناك أمر متعارف عليه لدى شعب الماتسيس، وهو أن النساء يتزوجن من رجال أصغر منهن كثيرا في السن والعكس صحيح.

وخلال فترة حمل المرأة، فإنها لا تأكل حيوان التابير ولا الفئران حتى لا تواجه صعوبات في الحمل، وإذا وجدوا أفعى خلال فترة الحمل، فعلى المرأة قتلها وليس الرجل، وإلا فشكل المولود سيكون كالأفعى، ولتسهيل الولادة يجب أن تتناول نبتة البيدي بيدي.

وفي قصة مثيرة عن عادات وتقاليد الماتسيس أن الفتاة عند أول عادة شهرية لها، يضعها والدها في كوخ لمدة عامين لا ترى فيهما النور ولا تخرج منه إلا للاغتسال في الليل ثم تعود للكوخ، وخلال هذه المدة تعلمها والدتها صنع السجاد والملابس وتدبير الأمور المنزلية، وتعد لها والدتها طعاما خاصا، ولا أحد يأكل من هذا الطعام لأنه معد خصيصا لها، وبعد عامين تذهب لمنزل زوجها، وهذا ما تفعله كل والدة مع ابنتها.

اللغة في قبيلة الماتسيس غير مكتوبة، ومن أجل العد يستخدمون أصابع أيديهم وأرجلهم

 

ميدان اللغة والارتباط والغذاء.. عوالم من البساطة

شعب الماتسيس ليست لديه لغة مكتوبة، بل محكية تتوارث من الأجداد إلى الأحفاد، وللحفاظ على هذا الإرث البشري والاجتماعي لا يحبون الاختلاط حتى يحافظوا على لغتهم من الاندثار، فهذا الشعب لا يقرأ أو يكتب، لكن لديه طريقة في العد وهي استخدام أصابع اليدين والقدمين لمعرفة أعمارهم.

وتختلف مفاهيم الارتباط والزواج لدى شعوب غابات الأمازون، فعندما يولد لعائلة مولود ذكر، وفي عائلة أخرى تولد أنثى، فيتفق رجلا العائلتين على تزويج الطفلين ويجرحان لهما أصبعيهما الصغيرين، ثم يعيشان في منزل واحد حتى يكبرا ويتزوجا.

أمنيات شعب “الماتسيس” بسيطة جدا لأنهم يعيشون ببساطة وبعزلة كاملة عن العالم الخارجي، ويقول لؤي العتيبي إنه منذ اليوم الأول لقدومه لم ير أحد غاضبا أو متجهم الوجه، إضافة إلى عدم وجود الأمراض الشائعة في مجتمعاتنا كالسكر والضغط والقلب، ورغم أن أحدهم يجاهد لتأمين قوت يومه، فإن باله مرتاح ولا يفكر بهموم الدنيا، وتبقى أمنياته بسيطة ومحدودة.

والمواد الغذائية الرئيسية عند الماتسيس هي الموز والبطاطس والذرة والمانيهوك التي تعد ثالث نبتة في العالم غنية بالكربوهيدرات.

بصعوبة بالغة وافق زعيم قبيلة الماتسيس على استقبال فريق لؤي العتيبي للتصوير

 

“يصبح المتوفى جزءا من النهر”.. طقوس الجنائز

يقول زعيم القبيلة: عندما نعجز عن علاج المريض في قبيلتنا نتركه وحده في الغابة حتى يموت، ثم نعود إليه بعد 6 أيام لنلف جسده بالقماش ورأسه بقماشة أخرى، ثم نأخذه إلى النهر بجانب الشلال ونرميه فيه، ونلحق بالجثة في المياه حتى يجرفه التيار إلى الأسفل، وفي هذه اللحظة يصبح المتوفى جزءا من النهر ولن يجف أبدا، بعدئذ نعود للقرية.

وعندما يكون منسوب المياه في نهر الأمازون مناسبا، يستعد أفراد القبيلة نساء ورجالا للذهاب إلى صيد الأسماك، مستخدمين سما يستخرجونه من إحدى نباتات الأمازون ويضعونه في مياه النهر.

وعن معتقداتهم يقول أحد رجال الماتسيس إنهم يؤمنون بأن أسلافهم ولدوا عند الشلال في الجزء العلوي من النهر، وهم كذلك جميعا أتوا من الشلال، كان والده يعيش في منطقة تبعد 25 يوما سيرا على الأقدام، فالماتسيس الذين جاءوا من الشلال أناس هادئون محبون للسلام ويبغضون الحروب، أما النانتي الذين أتوا من شجرة النخيل، فهم قتلة يغزون القبائل الأخرى ويقتلون الرجال ويأخذون النساء، وهناك مجموعة أخرى من النانتي أتوا من المغارات، وهؤلاء أيضا قتلة.

وتابع: عندما يموت شخص من الماتسيس، نضعه في النهر بجانب الشلال، فيعود إلى أصله ويصبح ماء وكأنه لم يولد أصلا، أما النانتي الأشرار الذين أتوا من شجر النخيل أو المغارات، فعند موتهم يُرمون في النهر بجانب الشلال، لكنهم يعودون مرة أخرى بشكل أفعى أو أحد أنواع الزواحف، ولأنهم أرواح شريرة فإنهم لا يموتون.

وقبل مغادرة لؤي لقبيلة الماتسيس أصروا على أن يودعوه بطريقتهم التقليدية ويعبروا له عن سعادتهم بوجوده، ويقدموا له الهدايا التذكارية المتواضعة، فمن ينظر إلى السكان الأصليين على أنهم متخلفون وغير متحضرين، هو بالتأكيد مخطئ، فهؤلاء خبراء في فهم الطبيعية ويسخرون مواردها لخدمتهم. فهؤلاء الناس غير ملوثين بالحضارة.

 

غابات الأمازون.. موطن ثلث الحيوانات البرية في العالم

يعيش في هذه الغابات الرطبة نحو ثلث الحيوانات البرية في العالم، فهي من بين أكثر الأماكن هشاشة في العالم، حيث يقع حوض نهر الأمازون في النصف الشمالي من أمريكا الجنوبية، ويبلغ طوله 6437 كيلومترا وتوصف غابات الأمازون بأنها رئتا كوكب الأرض، ويعتبر هذا النهر من أكثر الأنهار تدفقا في العالم وثاني أطول نهر في العالم بعد نهر النيل، تعيش فيه نصف الكائنات الحية الموجودة على كوكب الأرض.

ورحلة لؤي العتيبي هدفها البحث عن الحيوانات التي شارفت على الانقراض ولا يمكن رؤيتها إلا في عالم الأمازون.

الغابة هي مصدر كبير للكربون، ودمارها يعني انطلاق كميات كبيرة من ثاني أوكسيد الكاربون، وهذا يؤدي إلى التغير المناخي، وتراجع عدد الأشجار في الغابة، يؤثر سلبا على الحيوانات التي تعيش فيها.

غابات الأمازون هي متحف بيولوجي يحتوي على أفضل الحيوانات وأكثرها تنوعا على كوكب الأرض، ويعيش فيها مليونان و500 ألف نوع من الحشرات بينها 4 آلاف من الفراشات. وهذا العدد الكبير والمتنوع من الحشرات يؤكد أنها من أفضل البيئات الطبيعية في العالم.

ويقدر أنواع الأسماك التي تعيش في الأمازون بنحو 3 آلاف نوع، ومياه نهر الأمازون هي موطن لأكثر الأنواع خطورة وعدوانية.

وهناك 200 نوع من الأفاعي، معظمها موجود في الغابات المطيرة لأنها تؤمن لها البيئة المناسبة للعيش والتكاثر، ففي كل عام يتعرض 2.7 مليون شخص للدغات الأفاعي، يموت منهم 125 ألف شخص، نصف هذا العدد تكون لدغات “فير دي لانس”.

في غابات الأمازون تعيش أكثر من ثلث حشرات العالم

 

موسم الأمطار.. فيضان يصنع ثروة نباتية

الأشجار في الغابات المطيرة شامخة منذ آلاف السنوات، ويصل طول بعضها إلى أكثر من 60 مترا، وفي الأمازون هناك 390 مليار شجرة مقسمة على 16 ألف نوع من الأشجار و40 ألف نوع من النباتات المختلفة، فمن بينها أشجار ونباتات ليست موجودة سوى في الأمازون. ولا يزال العلماء يكتشفون سنويا عشرات الأنواع من الكائنات الحية في الأمازون.

كل عام وخلال موسم الأمطار، يفيض نهر الأمازون ويزيد عرضه أكثر من 5 مرات، ويغطي مساحة أكبر من بريطانيا، وتبقى الغابات مغمورة في المياه سبعة أشهر من السنة، وتعد بمثابة مختبر حي تجري فيه الطبيعة اختبارات منذ ملايين السنين، لكن جمال الأمازون وغزارة موارده عادة ما يخفي مخاطر مخيفة وأسرارا غامضة.

ويعود تاريخ غابات الأمازون لأكثر من 55 مليون سنة، وتضم أكبر تنوع بيئي على الأرض، وتمثل الحياة في الأمازون مظهرا من مظاهر الصراع المستمر، فجميع المخلوقات أوجدت وسائل للدفاع عن نفسها من أجل البقاء وحتى النباتات فقد تسلحت بالأشواك والسموم.

لؤي العتيبي مع أفعى الأناكودا

 

في مواجهة أفعى الأناكوندا.. كنوز الأمازون الخفية

يعد عالم الأمازون كنزا لم يعلم الكثيرون قيمته بعد، ومع سقوط أول قطرة من المطر يتجدد الأمل باستمرارية الحياة، والمخلوقات التي تعيش في هذه الغابات اعتادت على الكمية الكبيرة من الأمطار التي تسقط على هذه المنطقة وهي الأكثر في العالم.

هناك عدد من المخلوقات تتكاثر هنا، ولكن أنجحها هي الحشرات، ففي كل كيلومتر يوجد أكثر من 30 ألف فصيل من الحشرات، وأكثرها عددا النمل، إذ يمثل نسبة 30% من عدد الحيوانات في الأمازون. وعندما يحل الليل يخرج عالم مختلف تماما إلى الحياة في هذه الغابات العذراء المنسية، فالغابات المطيرة تضم نظاما بيئيا متطورا جدا، مع وجود آلاف من الحيوانات والنباتات تعيش فيها.

وقد استعرض لؤي العتيبي عددا من الحيوانات النادرة والمهددة بالانقراض والسامة، كما تمكن من مواجهة أفعى الأناكوندا أكبر أنواع الأفاعي في العالم على الاطلاق.

هذه الطبيعة الصعبة والمعقدة وفرت للعالم الكثير من النباتات والحيوانات والطيور النادرة. وتعد غابات الأمازون نافذة على العالم الماضي، وهذا يجعلنا نبحث ونكتشف كيف كانت الحياة قبل ملايين السنوات.