المسرح القطري والإماراتي.. حاضر باهت يتطلع إلى ألق الماضي العالمي

تفتح الجزيرة الوثائقية ملف “المسرح العربي” الذي يناقش وضعه وأحواله في سلسلة من عشرة أفلام وثائقية تبحث نشأة المسرح العربي والقُطري في معظم البلدان العربية التي اشتهرت بهذا النوع من الفن ابتداء من الحكواتي أو القصّاص مرورا بمسرح خيال الظل ثم القاراقوز وأخيرا باعتلاء خشبة المسرح التي جاءت تتويجا لكل التقنيات البسيطة التي سبقتها، وكيف تنوع شكل المسرح بتنوع الثقافة والقُطر الجغرافي، وما هو نصيب اللغة العربية الفصحى على ذلك المسرح.

وتستعرض الحلقة الخامسة المسرح القطري والإماراتي، حيث إن التشابه الكبير بين قطر والإمارات في العادات والتقاليد والمناخ الثقافي والسياسي وموقعهما الجغرافي المتشابه على سواحل بحر الخليج أثّر كثيرا في ثقافة البلدين وصقل شخصيتهما بشكل عام، فأفرز تشابها فريدا في تجربتهما المسرحية.

 

الوثائقية-خاص

يعتبر المسرح أحد الفنون الأدبية الأدائية وجزءا مهمّا من ثقافة أي مجتمع، ووسيلة لطرح وجهات النظر والرؤى وترسيخ الأفكار في ذهن المتلقي، أكثر من كونه وسيلة للترفيه والمتعة وإن كان هذا الجانب مما لا يمكن تعدّيه أيضا؛ لذلك أصبح المسرح بمثابة مؤسسة تربوية وثقافية تهمّ الجميع على مختلف مستوياتهم الثقافية والاجتماعية.

وفي حالة المسرح القطري نجد أنه عبر سنوات قليلة تجاوز الكثير من المراحل البنائية المهمّة، بل وتعدّى فكرا وتطورا وفنّا حدودا كبيرة قياسا مع دول أخرى عربية وعالمية، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الفترة الزمنية القصيرة لنشأة المسرح القطري ومحدودية الذاكرة المسرحية لهذه الدولة الصغيرة في مساحتها وعدد سكانها، فلقد كانت البداية الحقيقية للمسرح القطري عام 1972 وذلك بإنشاء فرقة المسرح القطري بعدما جاءت أولى إرهاصات التجربة المسرحية في الخمسينيات من القرن العشرين، وذلك في عدد من المدارس في الدوحة التي أفرزت وجوها وشخوصا سيصبحون في المستقبل من أهمّ المسرحيين؛ ومنهم الفنان موسى عبد الرحمن الذي أصبح قائد الفرقة الشعبية للتمثيل فيما بعد.

قائد الفرقة الشعبية للتمثيل موسى عبد الرحمن التي قدّمت “حلم علي بابا” و”باي باي مشمش”

 

“أم الزين”.. فاتحة الحراك المسرحي القطري

في الوقت الذي كان فيه الإعلام القطري ناشئا لم يتكوّن بعد، ورغم الصعوبات التي واجهها موسى عبد الرحمن، فقد استطاع إنشاء الفرقة الشعبية للتمثيل التي انضمت إليها فرق شعبية أخرى، ومن المسرحيات التي قدّمها “حلم علي بابا” و”باي باي مشمش”، ثم كان لفرقة “دار المعلمين” السبق في تقديم أعمال مسرحية ناضجة أكثر مما قدمته الفرقة الشعبية للتمثيل أو الفرق الأخرى، وكانت بدعم من الشاعر والتربوي محمد عبد الله الأنصاري.

ثم خرجت بعد ذلك من أعطاف وثنايا دار المعلمين فرقة المسرح القطري عام 1972 التي تأسست عن طريق بعض الشباب المشغوفين بحب المسرح بقيادة محمد عبد الله الأنصاري نفسه، وكان للعرب الوافدين إلى قطر دور هام في إنشاء هذه الفرقة؛ ومن أهمهم الفنان الأردني هاني صنوبر مخرج مسرحية “أم الزين” التي اعتبرت من أهم الأعمال التأسيسية للمسرح القطري بما احتوته من تكامل في العناصر المسرحية من نص وأداء وإخراج، ولاقت نجاحا ورواجا كبيرين.

وقد تحدثت المسرحية عن المرحلة الانتقالية ما بين حياة البحر والحياة الجديدة وتأثيرها في سلوك الناس ومعيشتهم وأسلوبهم الجديد في الحياة، وتميزت بالأداء الغنائي المباشر من فرقة موسيقية على المسرح أدّى فيها الغناء الفنان القطري صقر صالح، فكانت البداية الحقيقية للحراك المسرحي في قطر، حتى أنها جذبت أنظار القيادة السياسية نحو المسرح وذلك لأثره الكبير في المجتمع وثقافته.

“خميس في باريس” من أهم مسرحيات “فرقة السّد” التي سُميت تيمّنا باسم نادي السّد القطري الرياضي

 

“خميس في باريس”.. فرقة السّد المسرحية

لعبت فرقة المسرح القطري دورا كبيرا في إنشاء فرق مسرحية أخرى ومنها “فرقة السّد” التي سُميت تيمّنا باسم نادي السّد القطري الرياضي الذي رعاها ودعم أنشطتها، واعترفت بها وزارة الإعلام كفرقة مسرحية رسمية عام 1975، لتصبح فيما بعد فرقة مستقلة تتلقى التمويل والدعم من وزارة الإعلام والثقافة.

ومن المسرحيات التي قدمتها هذه الفرقة مسرحية “نادي العزوبية” و”خميس في باريس” ومسرحية “خلود”، وكان لتراكمات التجارب المسرحية قبل ذلك أثر واضح في نضوج هذه الفرقة وتقديم منتج ناضج متميز.

بعد أن كانت “فرقة الأضواء” فرقة غنائية، تحولت في 1975 إلى فرقة مسرحية قدمت “الحادث والكائن” و36 مسرحية أخرى

 

مسرحية “اللوحات الثلاث”.. فرقة الأضواء

أُنشئت “فرقة الأضواء” عام 1975 بعد أن كانت فرقة غنائية، ومن المسرحيات التي قدّمتها مسرحية “اللوحات الثلاث” ومسرحية “الحادث والكائن” و”المهرج” وغيرها من العروض المسرحية التي تبلغ 37 عرضا مسرحيا في الفترة بين عامين 1977-1994.

وفي بداية التسعينيات من القرن الماضي تأثرت قطر بحرب الخليج الثانية، وهذا بالطبع أثّر على الحركة الثقافية بشكل عام وحركة المسرح بشكل خاص، مما دعا وزارة الثقافة والإعلام إلى دمج الفرق المسرحية، فدُمجت فرقة المسرح القطري والفرقة الشعبية للتمثيل فكوّنتا “فرقة قطر المسرحية”، ودُمجت فرقة السّد مع فرقة الأضواء فكوّنتا “فرقة الدوحة المسرحية”، وكان أول من ترأس إدارتها الأستاذ عبد الرحمن المناعي الذي ألّف وأخرج العديد من المسرحيات للفرقة، أولها “رسائل بو أحمد الحويلي” عام 1995، ومسرحية “هلوسات”.

ومن خطط هذه الفرقة المسرحية إعداد وتدريب طواقمها، وذلك من خلال عمل جديد هو مسرحية “مهرة” التي تخطط الفرقة للمشاركة بها في مهرجان الدوحة المسرحي.

مسرحية “أوركسترا تايتنك” أولى إنتاجات الدمج بين فرقة المسرح القطري والفرقة الشعبية للتمثيل

 

“أوركسترا تايتنك”.. فرقة قطر المسرحية

فرقة قطر المسرحية هي الفرقة التي كانت وليدة الدمج بين فرقة المسرح القطري والفرقة الشعبية للتمثيل، وكان لهذا الدّمج تأثير في تغيير أفكار وتوجّهات أعضاء الفرقة، فصار التوجّه لتقديم أعمال سياسية وقومية وعربية متميزة كما في مسرحية “مظلوم ظلم مظلوم” لـ”حمد الطميحي”.

ومما زاد في تألّق هذه الفرقة انضمام الفنان ناصر عبد الرضا إليها، الذي قدّم مع الفرقة عملا متميزا في مسرحية “أوركسترا تايتنك” التي احتوت على أربع لغات أجنبية وثلاث لهجات عربية مختلفة بالإضافة إلى اللغة العربية الفصحى، فكانت تجربة متميزة لفتت أنظار عالم المسرح العربي والعالمي وعُرضت في مهرجانات عديدة في مصر وبلغاريا وتركيا.

ومن أعمال هذه الفرقة أيضا مسرحية “مجاريح” ومسرحية “البوشية”، وقد اهتمت الفرقة بالعنصر الشبابي وقدّمت مسرحيين شباب بعروض شهرية دورية، منهم الفنان الشاب فيصل رشيد، ومن بين هذه العروض مسرحية “نيجاتيف” وهي مسرحية تنتمي الى مسرح العبث وكانت فريدة من نوعها، ومسرحية “ثامن أيام الأسبوع)”.

وبأمنيات وأحلام المتحدثين في الفيلم من فنّانين وكُتّاب ومسرحيين لمواصلة رسالة المسرح القطري التي حفر أوائل الفنّانين القطريين اسمه على الصخر، وتأكيدهم على أن المسرح القطري بحاجة إلى رجال يحبّون المسرح؛ يُنوّه وزير الثقافة والفنون والتراث القطري حمد عبد العزيز الكواري إلى أن هنالك صعوبات كبيرة وتحديات للمسرح القطري فهو بحاجة إلى التدريب وورش العمل وصقل المواهب، ويؤكد أنهم مع توفر البُنية التحتية القوية والحراك الثقافي في المسارح، سيكونون قادرين على توفير مستقبل مسرحي قَطري ناضج متميز.

مسرحية “جابر عثرات الكرام” للشيخ الأديب سلطان القاسمي هي باكورة أعمال المسرح الإماراتي

 

“من أجل ولدي”.. ما قبل ميلاد الإمارات

كانت بداية التجربة المسرحية في الإمارات في خمسينيات القرن الماضي من خلال تقديم العروض المسرحية في المدارس والتي كانت باكورة أعمالها مسرحية “جابر عثرات الكرام” للشيخ سلطان القاسمي. ثم بوجود المهندس العراقي واثق السامرائي الذي كان مُحبا للمسرح ونقل تجربته المسرحية في العراق إلى الإمارات بعد وصوله إلى هناك في أوائل الستينيات ولقائه بمجموعة من الشباب الذي كوّن معهم أول فرقة مسرحية، قدمت هذه الفرقة أول أعمالها في مسرحية “من أجل ولدي” ولاقت نجاحا كبيرا، وزاره على إثرها موفد الشيخ آل مكتوم طالبا منه التعاون معه في نادي الشباب بدبي، حيث قام هناك بعرض مسرحية “سامحيني” ومسرحية “العدالة” و”طبيب في القرن العشرين” بين عامي 1963-1964.

في عام 1971 توحّدت الإمارات العربية تحت علم واحد باسم دولة الإمارات العربية المتحدة، وبدأ المسرح يحظى بدعم وزارة الشباب والرياضة، واستدعي جميع المهتمّين بالمسرح من جميع الإمارات ليصل عددهم إلى 75 شخصا، فكوّنوا “فرقة المسرح القومي للشباب” الذي كانت من أهمّ أعماله مسرحية “منديل” المقتبسة من مسرحية “عُطيل” لشكسبير ومسرحية “ما كان لأحمد بنت سليمان” التي حازت على اهتمام كبير من فئات المجتمع، وهي مقتبسة من رواية “طفل الرمال” لمؤلفها المغربي طاهر بن خلدون وإخراج المسرحي ناجي الحاي، وتعالج قضية مجتمعية مهمة هي قضية “الذُكورة” في العائلة.

مسرحية “مقهى بوحمده” لسميرة أحمد وأحمد الجسمي تجني جائزة أفضل ممثلين في أيام قرطاج المسرحية

 

فرقة مسرح الشارقة الوطني.. نخبوية تقصم الظهر

تعد “فرقة مسرح الشارقة الوطني” من بين أهمّ التجارب المسرحية في الإمارات، حيث لم يقتصر عملها على المسرح فقط، وإنما كانت مؤسسة ثقافية اضطلعت بدور ثقافيّ هام في الشارقة، ومن أهمّ عروضها مسرحية “مقهى بوحمده” لسميرة أحمد وأحمد الجسمي، وقد حصلت على جائزة أفضل تمثيل في مهرجان قرطاج المسرحي.

ومن أهم المسرحيات أيضا في أوائل التسعينيات مسرحية “راعي البوم عبّرني” من إخراج جمال مطر، وقد لاقت اهتماما واسعا في مهرجان قرطاج الدولي بتونس، ومسرحية “البشتخته” للدكتور حبيب عوف.

يقول الكاتب المسرحي إسماعيل عبد الله الذي قدم له مسرح الشارقة الكثير من الأعمال: صار مسرح الشارقة الوطني طموح وغاية الكثيرين من الكُتّاب المسرحيين، حتى أصبح بمثابة مشروع مسرحي، بدءا من مسرحية “اللوال”، ومرورا بمسرحية “حرب النعل” و”صهيل الطين”.

وعلى الرغم من نجاح فرقة مسرح الشارقة الوطني في كثير من المهرجانات الوطنية والإقليمية، فإنها تعرّضت للنّقد لعدم اكتراثها بجذب الجماهير.

مسرحية “بهلول” لفرقة “بني ياس” تفوز بمهرجان محمد تيمور بالقاهرة بجائزة أفضل نصّ مسرحي عربي

 

“مسرحية بهلول”.. أفضل نص مسرحي عربي

كما ظهرت في الوقت الحاضر فرق مسرحية عديدة وصل تعدادها زهاء 16 فرقة، أبرزها “فرقة مسرح دبيّ الأهلية” و”فرقة مسرح أم قوين” و”فرقة بني ياس” التي كانت من أهمّ عروضها مسرحية “بهلول” للكاتب الإماراتي جمال سالم.

يقول المخرج الدكتور حبيب غلوم: فازت مسرحية “بهلول” في مهرجان محمد تيمور بالقاهرة بجائزة أفضل نصّ مسرحي عربي؛ وقد قُدّم في “أيام الشارقة” عام 2012، ونال إعجاب الجميع، ثم عُرض في المغرب ونال أربع جوائز رئيسية في “مهرجان المغرب المسرحي”.

وقد قدم الكاتب الإماراتي جمعة علي نصا بعنوان “المذنب”، لكنه أدخل عليه بعض التعديلات وغيّر عنوانه إلى “سيد القبو” وأدخل عليه أشعارا للشاعر العراقي أحمد مطر ليأخذ بُعدا عربيا أكثر من كونه عملا محلّيا.

مشهد من مسرحية “عنبر” للمخرج الشاب مروان عبد الله صالح في مهرجان دبيّ لمسرح الشباب

 

مهرجان أيام الشارقة المسرحية.. طريق العالمية

يعتبر “مهرجان أيام الشارقة المسرحية” من أهمّ وأبرز المهرجانات التي تقام في الإمارات، حيث يقام بشكل سنوي منتظم مع وجود لجنة تحكيم، إلى جانب الجوائز المتعارف عليها في المسرح الدوليّ، وقد حقّقت الإمارات نجاحات وخطوات مهمّة في صناعة المسرح ولاقت دعما كبيرا من الدولة، لكن التّحدي الأكبر لهذا المسرح هو في إعطاء الأجيال الشابة الجديدة الفرصة لتجسيد روح العصر في المسرح وانتقال المسرح الإماراتي نحو العالمية وآفاق جديدة.

يقول المخرج الشاب مروان عبد الله صالح: “من السهل أن تكون مُخرجا، لكن من الصعب أن تكون مُبدعا”. وقد شارك مروان عبد الله كمخرج لأول مرة في مسرحية “عنبر” في مهرجان دبيّ لمسرح الشباب برفقة صديقه الفنان طلال محمود. ومن أعماله أيضا مسرحية “راح ملح” التي جسّد فيها كثيرا من الشخصيات العالمية المهمّة التي أثّرت في بلادها وفي العالم مثل غاندي وجيفارا والإسكندر المقدوني، إضافة إلى مسرحية “ألف ليلة وديك”.

وتبقى الأحلام والأمنيات قائمة في المسرح الإماراتي ذي النكهة الخاصة والسّمة المتميزة بين غيره من التجارب في المنطقة الخليجية، وتبقى الثقة في جيل الشباب المسرحي الإماراتي لتقديم الأفضل والأكثر تميزا، سيرا على خطى من سبقهم من المسرحيين الإماراتيين، ووصولا إلى مسرح إماراتي عالميّ.