“جيران البراكين”.. صلوات وقرابين حول حمم النار والرماد المقدس

خاص-الوثائقية
البراكين ظواهر طبيعية مذهلة يعيش حولها  نحو نصف مليار إنسان، وأمام غضبها وحممها الملتهبة المرعبة تقام  طقوس ومراسم واحتفالات دينية، من أجل وقف زحفها.

يؤمن كثيرون حول العالم بأن الآلهة والأرواح تسكن البراكين، وقد شهد عالمنا على مر العصور رحلات روحية، وصلوات تقام وحشودا من ملايين البشر قدموا قرابينهم أمام فوّهات البراكين، قرابين يظنون أنها ستقيهم من غضب وسخط –ما يعتقدون أنها- آلهة، وطلبا للحماية والعون.

فيلم جيران البراكين – براكين مقدسة

 

في هذا الفيلم الذي بثته الجزيرة الوثائقية تحت عنوان “جيران البراكين”؛ نتعرف على أقدم البراكين حول العالم، وكيف تسيطر هذه الجبال النارية على حياة الناس حولها بطرق مدهشة، فهي تمثل بالنسبة للبعض العائلة، والبعض الآخر يعتبرونها آلهة تعطي الحياة وتسلبها.

جبل برومو.. قمة الطقوس الهندوسية منذ ستة قرون

يوجد في الأرخبيل الإندونيسي نحو 500 بركان نشط، من بينها بركان جبل برومو الواقع في الجنوب الشرقي من جزيرة جاوا، الذي يحظى بتبجيل وتقديس من مجتمع التنغريس، وهم من الأقلية الهندوسية الموجودة في إندونيسيا، إذ يعتبر التنغريس هذا البركان تجسيدا للإله براهما، وفي كل عام يذهبون إلى حافة فوهته ليحتفلوا بعيد “يادنيا كاسادة” الذي يقام منذ القرن الخامس عشر.

بركان جبل برومو في الأرخبيل الإندونيسي على ارتفاع 2329 مترا  يحظى بتبجيل وتقديس مجتمع التنغريس الهندوسي

 

يبلغ ارتفاع الفوهة 2329 مترا، ويسلط الموكب الذي ينطلق للفوهة الضوء على الحياة الروحية عند مجتمع التنغريس، حيث يقوم الكاهن “كادي” القادم من قرية نوكتري بالتحضير للمراسم، فيجمع المياه التي جرت تنقيتها من خلال الصخور البركانية  لحماية حياتهم المستقبلية من الإله براهما.

ويرى عالم الجيولوجيا والبراكين “إيان ستيورات” أن البراكين مواقع ديناميكية مذهلة لذا يبحث السكان حولها عن سبب لهذا النشاط، فيلجؤون للصلاة حتى تكون الآلهة راضية عنهم، وتغادر برضى لا بغضب وعند ثورانها يعتقدون بأنها غاضبة، فثوران البراكين أمر مذهل تكمن فيه قوة جوهرية، مما يجعل الناس يربطونه بالروحانيات.

“لكي لا يموت أحد”.. قرابين الثمار التي تطعم البركان

يثور بركان برومو كل خمس سنوات، ويغطي النشاط البركاني المنطقة بطبقة سميكة من الرماد، فيخلف مناظر قمرية على امتدادات  شاسعة، ويعتبر آلاف السكان الذين يعيشون حوله بأنه قوة خيّرة، فالمعادن التي يقذفها تجعل الأراضي خصبة ووفيرة المحصول.

يقول المزارع “أتسوكو”: يجب إعادة بعض ثمار عملنا إلى البركان، وهذا هو جوهر صلواتي في “كاسادة”، فهو يأخذ الكرنب والبطاطا الحلوة والفلفل كقرابين، لكي لا يموت أحد.

صلوات وطقوس وقرابين من خضار وحيوانات تقدم استرضاء للبراكين في الأرخبيل الإندونيسي

 

وتختلط الطبيعة والبشر بشكل كبير في كثير من الثقافات، ويعتبر هؤلاء الناس أنفسهم جزءا من الطبيعة، ففي الليل تبدأ المراسم في جبل بركان برومو، حيث يقوم سكان مجتمع  تنغريس بإعادة بعض كنوز الطبيعة حين يصعدون في الليل حاملين معهم قرابينهم من الخضار والفاكهة والدجاج، وتقام الصلوات عند السفح، ويقوم الكاهن برش المياه المقدسة التي جمعها على القرابين، ومن ثم يلقونها في فوهة البركان التي تنفث الدخان.

يقول عالم البراكين “كليف أوبنهايمز”: هناك معبد هندوسي عند برومو، لكن القرابين تقدم ضمن معتقدات توفيقية، حيث تمتزج المعتقدات التي تؤمن بالأرواح مع التوحد كالحالة الموجودة في الهندوسية، وهنا يعتقد الناس أنهم يستطيعون التأثير على الطريقة التي سيتصرف بها الإله، فيسترضونه ليحميهم.

مونجيبيلو.. صلوات حول أكبر بركان نشط في أوروبا

بركان إتنا أو مونجيبيلو كما يسميه الإيطاليون، هو أكبر بركان نشط في القارة الأوروبية ويعد أبرز معالم جزيرة صقلية الإيطالية. وقد سجل في القرن الماضي أكثر من مئة ثوران، مما جعل المنطقة حوله أغنى بقعة في البحر المتوسط في مادة الكبريت.

تقع على سفح البركان مدينة كاتانيا ويبلغ تعدادها السكاني300 ألف نسمة، وهم على علاقة وثيقة بالجبل. تقول “ماتيلد روسو”: إتنا هو جوهر المدينة الحقيقي، فكل العالم ينظرون إلى نجم القطب ليدلهم على الشمال، ونحن نستعين بإتنا، فهو يقذف كميات هائلة من الحمم التي تهدد السكان دوما.

بركان إتنا بإيطاليا .. أكبر بركان نشط في القارة الأوروبية

 

ويقول عالم البراكين “دايفيد بيلي”: إتنا نشط للغاية، وهو جبل كبير جدا، ويشكل خطرا دائما على سكان القرية القريبة منه، التي تغمرها الحمم مرة كل مئة عام، والناس يؤدون طقوسا دينية لبركان إتنا، وفي جعبتهم كثير من الحكايات غدت جزءا من تاريخهم الشفوي.

القديسة أغاثا.. موكب الامتنان الضخم للحامية المقدسة

عند تدفق الحمم يلجأ السكان إلى الحامية المقدسة؛ القديسة أغاثا، فوفقا للأسطورة فإن أغاثا هي التي حمت كاتانيا في أكبر ثوران للبركان عام 1639، ومنذ ذلك التاريخ يقوم المصلون بإعداد موكب ضخم كل عام امتنانا لحاميتهم المقدسة.

تسرد الأسطورة وقائع ذلك اليوم عندما ثار البركان فحرق الكنيسة الموجودة أمام الجدران الخارجية للمدينة، كانت تحمل صورة القديسة أغاثا، وكانت تشير إلى الاتجاه الذي ستسلكه، حينها غيرت الحمم مسيرها، وبدلا من أن تصب حممها على المدينة صبتها في مياه البحر بعد أن أحرقت كشهيدة، وقد ربطت القديسة بالطبيعة المتوهجة في المكان، يحاول المصلون في كاتانيا إقناع القديسة بحمايتهم من خلال الصلاة لها.

يفعل السكان ما ينصحهم به العلماء لكنهم بالتوازي مع ذلك يقومون بالصلاة وأداء الطقوس الدينية ثلاثة أيام بلياليها، ولا يعلمون أي الطريقتين ستجدي نفعا، ويقومون بالتعامل مع البراكين بطريقة ازدواجية تستند للمعتقدات الدينية والعلم جنبا إلى جنب.

حشود الإيمان المسيحي.. إرث عمالقة النار العريق

جمع الإيمان المسيحي الحشود لقرون في هذه المنطقة، لكن هذه الطقوس تعود لما قبل الاستعمار الإسباني، فهذه الأرض ذات الصلة بعمالقة النار تعود بتقاليدها لشعب المايا، فقد ولدت بحيرة أتيتلان من انفجار لوس تشوكويس البركاني الهائل، وهو من أكبر الانفجارات البركانية.

بعد أكبر ثوران للبركان في إيطاليا عام 1639 انتظم المصلون بموكب ضخم كل عام امتنانا لحاميتهم المقدسة أغاثا

 

حدث الانفجار قبل نحو 80 ألف سنة، وشكّل البحيرة التي يحوي قعرها فوهة بركانية، وتعتبر البحيرة واحدة من مقدسات شعب المايا، هناك وجدوا الثروة والوفرة على شواطئها.

توجد ثلاثة براكين عملاقة في تلك المنطقة، وعلى بعد خطوات يوجد بركان صغير عرف بثوراته العنيفة، وقد ظهر في عام 1922، وتبث فوهته الدخان باستمرار، وبالنسبة للذين يعيشون حول البركان، فهم يعتبرون أن الطبيعة بهذا تعبّر عن نفسها وتحدثهم، ويقوم “ماريو” وهو من “الشامن” الروحانيين بتفسير الرسائل البركانية الروحانية لهم.

ويحتفل الناس هناك بيوم “إتشبنور” أو يوم  المعارك الثلاث، وفيه يكرمون البركان ويستشعرون الأسلاف والأجداد، ويعتقدون أن البركان يتحدث إليهم، ويعد ثورانه لحظة عالية الرمزية. يقول “نهولكان”: عند اندلاع البركان نكون في تناغم، فالبركان يتكلم لنا عن نفسه، وهو مصنوع من المادة الحية، ويخبرنا أن كل شيء على الأرض حي.

يفسر الناس الذين يعيشون حول البراكين النشطة ثورانها ضمن علم الكونيات الذي يعتقدونه ويتبعونه، وتعتبر الدكتورة “جيني باركلي” عالمة الجيولوجيا أن البراكين مصدر إلهام بسبب الأشياء التي تفعلها، وهي التي نستطيع من خلالها إدراك موقعنا على هذه الأرض.

يقوم المخلصون للبراكين بطقوس سرية، حيث تلتقي أرواحهم مع الأرواح التي تسكن الجبل الحي، فهم معه في عزلة وانفراد.

كولديرا الأنديز.. طقوس أكبر سلسلة بركانية في العالم

في الإكوادور توجد أكبر سلسلة بركانية على سطح الأرض، وهي كولديرا الأنديز، ويعد بركان كوتوباكسي أعلى براكينها، وهو معلم بارز وعامل جذب سياحي، كما أنه مدخل وبوابة لعالم آخر.

كولديرا الأنديز في الإكوادور هي أكبر سلسلة بركانية على سطح الأرض

 

تقام هناك طقوس دينية متوارثة تبدأ من داخل  خيمة “تيماسكال” وهي خيمة تقليدية توضع بالتوازي مع البركان لجذب طاقاته، ويتشكل خط مستقيم بين البركان والخيمة والنار لتعزيز الشفاء، فنصب الخيمة جزء من الطقوس فيه يطلبون من الطب التقليدي العودة لشعبهم.

تحوي البراكين على جميع العناصر التي تشكل الحياة للكون من الماء والنار، الأبيض والأسود، الذكر والأنثى، وهكذا كل شيء يسير بنفس الازدواجية.

طقس التطهير.. “تنقي هذه الخيمة طاقاتنا”

يسمى “تيماسكال” طقس التطهير، وفيه تسخن الأحجار البركانية، ويلامس “الشامن” الروح المقدسة للبركان، ويهب نفسه له وتمكنه من شفاء أمراض العقل والجسد. يقول “سانتياغو”: تنقي هذه الخيمة طاقاتنا.

تجري الطقوس في كوخ دائري يمثل رحم الأم، ويمكننا من قتل الشر، ويسمح للحياة أن تولد من جديد. يقول “سانتياغو”: توجد في الخيمة العناصر الأربعة التي شكلت الكون، فنحن نسخن الأحجار البركانية لتستعيد حكمة العصور الغابرة يغمرها الجمر المتوهج، ثم نصب الماء فينتج البخار الذي ينقي الطاقات.

يقوم سكان الإكوادور بتسخين الحجارة البركانية حتى التوهج لشفاء أمراض العقل والجسد

 

وتستخدم الآلهة لشرح وتفسير السلوك البركاني، بصفتها مصدرا للقوة، وكذلك شرح طريقة ظهورها أو عندما تخمد، ولكن لكل من الآلهة مزاجها الخاص.

ومن الشائع بين بعض الثقافات أن للبراكين صفات إنسانية، وترى الدكتورة “جيني باركلي” أن بعض هؤلاء يستخدمون صيغة المذكر، ومن الشائع أيضا استخدام صيغة المؤنث هي، وهي تمتلك مزاجا لا تخشى التعبير عنه.

بركان كيلاويا.. ثورات إلهة النار والأرض والبراكين الغاضبة

يعد أرخبيل هاواي موطنا لأكثر البراكين نشاطا، حيث تتدفق حمم بركان كيلاويا، فتتوسع اليابسة على حساب مياه البحر، ولذا تتوسع الجزيرة عشرات الهكتارات كل عام، وينسب سكان هاواي هذا التوسع المذهل للإلهة بيلي، وهي إلهة النار والأرض والبراكين التي حكمت الأرض لآلاف السنين وأخرجت النيران من باطنها.

ويعتبر “كليف أوبنهايمز” أن بيلي هي الإلهة الأهم في هاواي، ولديها محبون وحاشية، وتسرد كثير من الأساطير حول مآثرها وغضبها، وهي مصدر التجديد لا الدمار حسب اعتقادهم، ومع كل ثورة تقدم أرضا جديدة لهم .

 

“بيلاني” هي امرأة من قرية كلبانه، وقد مسحت قريتها بشكل كامل، ونجا بيتها بأعجوبة. تقول “بيلاني”: عندما وصلت الحمم في ثوران عام 1986 ملأت المكان، وكانت تتدفق على طول الشارع السريع، وقد رفضت جدتي الخروج وطلبت منا تنظيف البيت والفناء الخارجي وقالت: ننتظر ضيفة، فإذا أرادت البقاء فيمكنها الحصول على هذا المنزل، فهو لها.

في عام 1986 وصلت حمم بركان كيلاويا بأرخبيل هاواي إلى شوارع المدينة وبيوتها

 

وقد حوّل السكان دورة الحياة هذه لأسلوب حياة عندهم، يقول “باتريك دي نون” عالم الجيولوجيا: ما تقيّمه الثقافة الغربية على أنه كارثة لا يرى بهذا الشكل في أجزاء أخرى من العالم، وكثير منهم يرفضون مغادرة منازلهم، ولديهم معتقدات دينية تكسبهم مسحة عقلانية، وبذلك أصبحت البراكين جزءا من ثقافة لها دورات حياتية ذات رخاء ورغد حياة، ثم دمار وخراب.

في أعماق كيلاويا توجد بحيرة الحمم البركانية ألي ماوماو، وهي نافذة مفتوحة على أحشاء البركان، تنفجر الحمم البركانية قبل أن تتراجع وتذوب في الصهارة الأساسية.

بقدر حب السكان للإلهة بيلي فهم يخشون غضبها فيغنون لها ويرقصون، وقد نتج عن إيمانهم هذا فن فريد في العالم، وكذلك التقليد العلماني المسمى “أولى”، وهو يقام حبا للإلهة بيلي واحتراما لها وللطبيعة أيضا، ولديهم اسم لكل جزء من التدفقات البركانية، ويعتبرون ذلك علاقة للعناصر التي تحيط بهم.

الجبل الرب.. قرابين الإنجاب للإله العظيم

في تنزانيا يقع بركان أولدوينيو لنغاي أي الجبل الرب، و”لنغاي” هو الإله العظيم في عقيدتهم، وهو المكون لكل شيء، وهو الذي يسكن البركان.

“موينغا” شاب تنزاني يتسلق ذلك البركان الخطر لإرضاء الإله، ويقول إن شعب الماساي يعتبرونه إلها لأنه يقذف النار، يؤمنون به لأنه وهبهم الأبقار والأغنام، وهو الذي أوجد السافانا، وهو صانع المطر والقطعان والناس.

عندما تريد امرأة الإنجاب وقد حرمت منه تقوم بتقديم القرابين للإله ليسمح لها بالإنجاب، يأخذ شعب الماساي المواشي معهم كقرابين يصعدون الجبل، وعند سفح الجبل الحي يغنون ويقدمون القرابين، تبعد هذه المنطقة ساعات من المسير عن أقرب مدينة، يعيش هذا الشعب وفقا لثوران البركان، فهو رمز لهم وليكنونتهم.

بركان أولدوينيو لنغاي في تنزانيا البركان الوحيد على سطح الأرض الذي يقذف الصودا وتحتوي حممه على الكربون

 

ويعتبر “كليف أوبنهايمز” بركان أولدوينيو لنغاي متفردا، وهو الوحيد على سطح الأرض الذي يقذف الصودا، وتحتوي حممه على الكربون، وهذا يشير إلى وجوده منذ الزمن الجيولوجي القديم، وهو مستمر لغاية يومنا هذا.

حمم هذا البركان سائلة تماما، وتبدو كمياه تسيل على اليابسة، وعند الثوران تشكل نوعا من الكتل الرمادية الداكنة، وبفعل رطوبة الطقس تتحول إلى اللون الأبيض أو الرمادي الفاتح، ويصبح قوامها كالحبيبات، ويعتبر شعب الماساي هذا الرماد مقدسا.

ويقوم المرشد الروحي “لاي بون” بالاتصال بالإله لنغاي من خلال الرماد ويستعين بالحصى لتخبره عن ما سيحدث على الجبل.

يعد تسلق بركان أولدوينيو لنغاي صعبا، لأنه خطر جدا وشديد الانحدار وممتد وتجربة التسلق فيه صعبة للغاية. يقول “ديفيد بيلي”: لا يوجد مكان على الأرض تحصل فيه على هذه الإطلالة الحية، وتجد قوة بهذا الحجم تحت قدميك، وهو أكبر بكثير مما نتخيل.

جبل أونز.. علاقة باطنية بأكثر البراكين نشاطا في اليابان

البراكين جذابة وجميلة، ويمكن أن يكون العيش حولها رائعا وممتعا، وقد يصبح البركان جارا أو صديقا، ففي اليابان تحتل البراكين قيمة في تقاليد الشنتو، ويعتبرون الطبيعة أماكن تعيش فيها الأرواح.

ويعد بركان جبل أونز من أكثر البراكين نشاطا في اليابان، ويعتبر “هوندا” أن هناك علاقة باطنية تربطه مع الجبل الحي، وهو بمثابة الإله.

لقد نجا “هوندا” من ثوران البركان في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، وقد أحرقت الحمم وقتها كل شيء وجدته أمامها، بينما كان منزله الأقرب إلى الجبل هو المنزل الوحيد الذي نجا من غضب البركان.

بركان جبل أونز .. أحد أكثر البراكين نشاطا في اليابان

 

وحاول “هوندا” إنقاذ بعض الأشجار التي تضررت أثناء الثوران، فقصها ونقلها إلى منزله كشجرة الكافور التي ترمز للبقاء بالنسبة لهم، لقد تمسك بالمكان وأصغى للأشجار، وفقا لثقافة الشنتو، “هوندا” ينعم بالسلام الداخلي في هذا المكان والاستقرار الروحي.

أصبح “باتريك دي نون” مهتما بطريقة تفسير الآخرين للبراكين وثورانها، فقد سمع كثيرا من القصص، ويرى أنه من الضروري أن يحاول العلم محاولة فهم تلك الآراء وعدم رفضها بالمطلق.

ويتنافس العلم والدين على تفسير ثوران البراكين، فالذين يعيشون حولها يسردون الأساطير، أما العلم فيحاول فك أسرار التحولات والهزات الأرضية باستخدام الآلات الحديثة.

بركان روبيهو.. استنطاق التاريخ الشعبي للتنبؤ بالمستقبل

في نيوزيلندا التقى العلم بالأسطورة، إذ يعتبر شعب الماوري أن آلهتهم سكنت أعماق البراكين وملأت الينابيع الساخنة والمرتفعات الحادة للجبال الحية، فهم يسمونها تابو، أي المقدسة.

عندما يريد العلماء دراسة بركان روبيهو -وهو بركان تكثر فيه الروايات والأساطير- يرافقهم في ذلك مرشد القرية الروحي، وفي البداية يقدم تقديره وإجلاله للأرواح التي تعيش في البحيرة البركانية.

وبالنسبة للعلماء، فلا يمكن التنبؤ بثوران بركان روبيهو، لذا يلجؤون لمعرفة المزيد من الناس عن تاريخه ليحددوا مستقبله، ولدى هذا الشعب كثير من القيم حول ثورانه.

بركان روبيهو بنيوزيلاندا.. حيث يعتبر شعب الماوري أن آلهتهم سكنت أعماق هذا البركان وملأت الينابيع الساخنة بالماء

 

وتقول “آنييس مازو”: في نيوزيلندا يعمل العلماء وشعب الماوري معا، على المستوى العلمي نحاول استخدام التكنولوجيا في فهم البركان والتنبؤ بالمستقبل، ومن خلال الناس نستطيع معرفة الثورانات في الماضي، وفي هذا التناغم نستطيع مقارنة ما لديهم وما توصلنا إليه لفهم ما يجري داخل البركان، وما سيكون عليه مستقبلا، يلتقي هناك العلماء ورجال الدين تجمعهم نقطة واحدة، وهي احترام تلك الأماكن.

يقول “جون تاو” من شعب الماوري: الأمر لا يتعلق بالملكية، بل العناية بما يحيط بنا والأرض لدينا، ويقول زعيمنا إن الكائنات الحية تختفي عند المغيب، لكن عندما تشرق الشمس تجد الجبال والأرض باقية أبدا، وبناء على ذلك هناك كلمات نذكر بها الجميع: المعرفة تجلب الاحترام، والاحترام يجلب الوعي، وبهذا تدوم أرضنا وما يحيط بنا لفترة طويلة.

ويرى “إيان ستيورات” أن الناس استخدموا معتقداتهم لآلاف السنين لفهم سير الكوكب، وأما العلم فهو وليد القرن الماضي، وليس من الإنصاف أن يتخلى الناس عن آلاف السنين، من أجل أن بعض العلماء يخبرونهم كيف يسير الكون.