“حراس الحب”.. مأوى العشاق الهاربين من جور التقاليد في الهند

خاص-الوثائقية

في الهند ذلك البلد الذي يتجاوز عدد سكانه المليار، يخضع الشباب لحكم الآباء والأقارب والطائفة والطبقة الاجتماعية والدينية، وهذه السلطات الاعتبارية جميعا هي التي تحدد الشريك المستقبلي في مؤسسة الزواج.

يجري الزواج بطريقة تقليدية تخضع لعادات وتقاليد صارمة توارثها الهنود منذ آلاف السنين، ولا تزال تحكمهم حتى يومنا هذا، لكن مع التقدم والانفتاح أصبح من السهل على الشباب التعارف عبر الإنترنت مع من يريدون.

وقد ظهر خلال العقود القليلة الماضية ما بات يعرف بزواج الحب غير المرحب به في هذه المنظومة، لكن غالبا ما تمتلئ الصحف في الهند بتقارير عن مقتل أزواج شباب في قراهم لأنهم قرروا معارضة إرادة آبائهم، أو يتعارضون مع نصيحة شيوخهم أو يثورون ضد زواج مدبر.

في هذا الوثائقي نتعرف على مجموعة من الرجال العاديين في مهمة غير عادية، لتغيير وجهات نظر آبائهم القديمة عن الحب والشرف والزواج.

ونتعرف على جمعية “حراس الحب” التي أسست من أجل حماية الشبان والفتيات الذين يرتبطون معا عن طريق الحب، سواء عبر وسائل التواصل أو من خلال الدراسة وغيرها.

 

“لقد خسرت عائلتي شرفها”.. هروب من أجل الحب

قدم “ساهيل” و”داييتا” من مدينة بونا في غرب البلاد إلى العاصمة دلهي للجوء إلى جمعية “حراس الحب” التي تمتلك سبعة مراكز في العاصمة، وقد ساعدت آلاف الشباب الذي لجأوا إليها للنجاة بحبهم.

بدأت قصة “داييتا” عندما قرر والدها تزويجها برجل لا تحبه، ولم تستطع البوح لعائلتها بحبها وعلاقتها مع “ساهيل” لأن والدها صارم جدا، فقررت أن تتخذ الخطوة الأخطر في حياتها وهي الهرب مع حبيبها إلى دلهي.

لقد تعارفا عبر الإنترنت ولم يكونا يعلمان أنهما من طائفتين مختلفتين، لأنهما كانا يحملان نفس اسم العائلة، وقد أغرما ببعضهما ولم يعد لديهما مجال للتراجع، فقاما بالخطوة الكبرى وهربا معا.

تقول “داييتا” إنها بحكم الميتة بالنسبة لوالدها الآن، ومن المؤكد أنه غاضب جدا لأن العائلة كانت تحضر لزفافها إلى شخص آخر، “لقد خسرت عائلتي شرفها بنظر المجتمع، وبكل تأكيد سيلقي والدي باللوم على والدتي”.

ثلاثة أزواج لجأوا إلى جمعية “حراس الحب” في بيت صغير بالكاد يتسع لمن فيه

 

بيت الجمعية.. مخبأ العشاق في انتظار الرابط المقدس

في بيت الجمعية هناك ثنائي آخر هما “شيفاني” و”غوراف”، لقد وقعا في الحب عندما كانا يدرسان في نفس المدرسة، ورفض والدا “شيفاني” حبيبها “غوراف” لأنه قدم مهرا قليلا ولأنه من طبقة أقل، فقرر الاثنان اللجوء إلى هذه الجمعية.

أما “بوجا” و”أنيل” فهما الثنائي الثالث، “بوجا” انتهت من دراستها الثانوية للتو، وحبيبها “أنيل” لا عمل له ولا أفق بوجود عمل، وقد تعارفا من خلال الهاتف وعندما توطدت علاقتهما التقيا، وبعدها قررا الهرب.

الثنائي الذي يتبع قلبه في الهند لا مكان له ما دام بدون رابط مقدس، فلا يمكنهما استئجار شقة ولا فندق، ويبقيان في مخبئهما حتى يوم الزفاف. كانت مساحة الجمعية عبارة عن 50 مترا مربعا، يسكنها عشرة أفراد مع كلبي حراسة.

يتطلب الأمر إجراءات مشددة وصارمة حتى لا يتتبع الأهل آثار المحبين، لكن المكان يفتقر إلى النظافة والترتيب.

“سانجوي” مدير جمعية حراس الحب في دلهي حيث يستقبل الكثير من المحبين ليحقق لهم حلمهم في الزواج

 

“سانجوي ساشديف”.. قِبلة العشاق والشرطة والمحامين

ها هو مؤسس الجمعية “سانجوي ساشديف” الذي لا يتوقف هاتفه عن الرنين، فهو يستقبل مكالمات من طالبي اللجوء والشرطة والمحامين، ويقوم بإدارة الجمعية القائمة على التبرعات والإشراف عليها.

يقول “سانجوي”: عندما يقع الأبناء في الحب لا يطلبون إذن آبائهم، لكن عند الزواج يطلبون رضى الأهل، وهنا تبدأ المشاكل ويبدأ العنف وتحطيم الفتاة وحرمانها من التعليم، وقد يلجأ البعض إلى الحل النهائي وهو القتل.

يلتقي العشاق في دلهي في حدائقها، ويختلف الناس في نظرتهم للزواج، فمنهم من يفضل خيار القلب، وآخرون يفضلون الزواج التقليدي الذي يعتبرونه أكثر أمانا، لأن الحب قد يتغير وقد يكون وهما.

مهرجان كارفاشوت، حيث تقوم المرأة في هذا اليوم بإعداد القرابين وتصوم حتى ترى القمر

 

مهرجان كارفاشوت.. صيام المرأة الهندوسية من أجل زوجها

بعد أسبوع من المكوث في بيت الجمعية سمح لهم بالخروج، ففي هذا اليوم الذي يصادف مهرجان كارفاشوت تصوم المرأة الهندوسية من أجل زوجها ويكون في أول اكتمال قمر من شهر أكتوبر/تشرين الأول.

تقوم المرأة في هذا اليوم بإعداد القرابين وتصوم حتى ترى القمر، وها هي “داييتا” تشارك الفتيات ويعجبها الطقس رغم أنه لا يقام في بلدتها، ولكنها تصوم لأجل حبيبها، كما أنهن ينقشن الحناء ويتزين بأجمل حلة.

ويعتبر هذا العيد يوما تضامنيا للنساء إذ يتشاركن التحضيرات ويدعمن بعضهن بعضا، كانت “داييتا” قلقة بعض الشيء، أما “شيفاني” فكانت سعيدة ولا تخشى أحدا طالما أنها مع حب حياتها.

في صبيحة اليوم التالي تزوجت “شيفاني” و”غوراف”، وقامت بالاتصال بوالدتها لأنها الأقرب لها وأخبرتها عن زواجها، لقد كانت قلقة وخائفة على أمها فهي الشخص الذي تهتم لأمره، كان رد فعل والدتها الأولي إيجابيا نوعا ما، وسألتها هل يمكنني إخبار والديه فقالت لها نعم بكل تأكيد، بعد ذلك عاد الزوجان إلى مدينتهما.

“بوجا” و”أنيل” تزوجا أيضا لكن لا يسمح لهما بالمغادرة، إلا إذا حصلت الجمعية من الشرطة على قَسَم من والديهما أن لا يمساهما بسوء. “أنيل” هو الحب الأول لدى “بوجا”، لكنه عاطل عن العمل ولا يمكنه الإنفاق عليها، لقد تزوجا عن طريق الهاتف ويسمونه في الهند عاشق الهاتف، أي الرجل الذي يزعجون النساء على الهاتف، وهذه ظاهرة ووباء للنساء في الهند.

في كلاكوت في ولاية كيرلا خصص مركز الشرطة خطا ساخنا للنساء اللاتي يتعرضن للتحرش

 

شرطة كلاكوت.. خط ساخن لترصد عشاق الهاتف

زينب منصور هي راقصة كاتاكت تعرضت لملاحقة شخص مترصد سنوات عديدة، حتى أنه هدد باغتصابها. تقول زينب أنا أتفهم ما يحصل لبعض الشبان اليافعين الذين يتعاملون بهمجية، لكن بعد مرور الوقت يجب أن يفهموا أن ما يفعلونه كان خطأ.

وتتابع أن بعض الرجال لا ينضجون ولا يتغيرون في نظرتهم وتعاملهم مع الجنس الآخر، يمكن للشخص أن يعبر عبر الإنترنت كما يحلو له وبدون أن يتعرف عليه أحد، لكن زينب قررت الاستمرار بشغفها وحبها للرقص، وكذلك أبلغت الشرطة عن متتبعها.

في مدينة كلاكوت في ولاية كيرلا خصص مركز الشرطة خطا ساخنا للنساء، وهناك وحدة ترصد لعشاق الهاتف تتلقى المكالمات ضابطة شرطة شابة من اللواتي كن ضحايا هؤلاء المترصدين.

تقول الضابطة إنها تتلقى يوميا ما يزيد عن 150 مكالمة، 50% منها لنساء يتعرضن لملاحقة عشاق الهاتف، و30% من النساء يتصلن لمضايقات أهل الزوج، والبقية إما لحادث تحرش باللمس في الشارع أو تعرض للعنف والضرب من قبل الآباء.

الاجتماعية “رافيندا كور” تجري دراسة عن الزواج عبر الإنترنت، وأثر التكنولوجيا على تجارب الزواج غير التقليدي

 

“هذه ميزة التكنولوجيا”.. فوائد قوم عند قوم مصائب

عندما يكتشف رقم المترصد يقوم رئيس الشرطة بتحذيره بشدة، ويكون التحذير الأول والأخير، وترفع دعوى قضائية في حالة إصراره على معاودة الاتصال وحرمانه من شهادة حسن السلوك، وبالتالي يحرم من جواز السفر ورخصة القيادة. يقول رئيس الشرطة هذه ميزة التكنولوجيا، فإن استخدمت لملاحقة سيدة فإننا نقوم بالتقاط المتتبع على نفس الرادار.

يعد الهاتف النقال القوة الدافعة للتحديث في الهند وهو في متناول الجميع، لكن هل من الممكن أن تدمر التقنيات الحديثة التقاليد الراسخة؟

لقد أجرت العالمة الاجتماعية “رافيندا كور” دراسة عن الزواج عبر الإنترنت، وكان سؤالها هل تؤدي التكنولوجيا الحديثة لمزيد من تجارب الزواج غير التقليدي؟ وكانت الإجابات بين مؤيد ورافض.

وقد توصلت العالمة إلى أن الزواج عن طريق النت دعم للزواج التقليدي، وما تقوم به المواقع هو عبارة عن جمع أشخاص من نفس الطائفة، بل حتى من الطائفة الفرعية، ويجري عمل مقارنة دقيقة لإتمام الزواج التقليدي.

“داييتا” و”ساهيل” يعقدان قرانهما في معبد رياسماج

 

معبد رياسماج.. زواج تشهده الآلهة بدل الأهل

بعد بضعة أيام حان موعد زفاف “داييتا” و”ساهيل”، ووجدت الجمعية كاهنا سيعقد قرانهما في معبد رياسماج، وهي حركة هندوسية إصلاحية ترفض النظام الطائفي.

في حفل الزفاف أشهد العروسان الآلهة على زواجهما بدل أهلهما، وقد قربا للنار السمن والأرز، وقاد “ساهيل” عروسه حول النار أربع مرات وقادته هي ثلاثا، ثم صليا معا للصحة والطعام والأطفال والثروة، وليسمح الإله بحبهما الأبدي واحترامهما لعائلتيهما ويمنحهما النضوج والصداقة مدى الحياة.

ثم وضع لها الصبغ الأحمر في مفرق شعرها، وهي إشارة تعني أنها أصبحت امرأة متزوجة.

انطلقا في اليوم التالي كأزواج، ولم تخبر “داييتا” والدها بعد لأنها خائفة من فكرة ما سيحدث لها، بعد ذلك ذهبا إلى ساحة نهرو في دلهي وهي مركز اقتصاد المعلومات.

يبحث “ساهيل” عن عمل كمصمم صور، لأن مدخراتهما لا تكفي أكثر من ثلاثة أشهر، وهو يعلم أن العثور على عمل ليس سهلا، لكنه في النهاية سيكون المسؤول عن العائلة .

اللقاء الأول في المقهى بعد التعارف عن طريق “الخطابة” “غيتا غونتا”

 

لقاء في المقهى.. قصة حب حديثة في ثوب زواج تقليدي

في مقاطعة كيلاج الغنية سيرى “كاشيش” عروسه المستقبلية لأول مرة، فقد لجأ إلى الخاطبة “غيتا غونتا” التي رشحت له مجموعة من الفتيات، وإنما تختار الفتاة في البداية عن طريق الشكل بصور تقدمها “غيتا” التي تفضل الزواج التقليدي وأن يقع عن طريق تعارف الأهل، فالزواج بالنسبة لها جمع بين عائلتين وثقافتين مختلفتين.

بعدما اختار “كاشيش” الفتاة التي اعتبر أنها تناسبه التقيا في المقهى، ويقول إنه التقى بفتيات قبل “شينو” لم يعجبنه، لكنه وجد ضالته أخيرا.

العروس “شينو” هي ابنة أحد التجار، ويمتلك والدها عدة محلات، وقد كانت تستغرب كيف ستقول نعم بعد ساعتين من لقاء أحدهم وهي لا تعرفه، لكن الأمر نجح، وهذا ما يحدث في زواج الحب، فإذا وقعت في الحب فهذا رائع، وحينها ستملك زمام المبادرة بينما في الزواج التقليدي تقول نعم قبل الوقوع في الحب.

الخطوة التالية للخاطبة “غيتا” هي وسيطة الزواج والذهاب إلى المعبد، وأن تتأكد أن برجيهما متلائمان، وهذا ما يقرره الكاهن ثم يقرر يوم الزفاف أيضا، وتقوم مسبقا بطلب التبريك من قبل الآلهة.

الخطابة “غيتا غونتا” تتابع طالع الزوجين الجديدين عند كاهن المعبد الذي يرسم لهما خريطة الهوروسكوب

 

مقارنة الأبراج.. دراسة التلاؤم في السماء وفي الأرض

تعطي الخاطبة الكاهن تاريخ ميلاد العروسين بالتفصيل وساعة الولادة ومكانها، بعدها ينسحب الكاهن ليدرس كواكب النجوم الخاصة بالثنائي ومقارنة الأبراج الذي يعد علما دقيقا في النصوص الهندوسية القديمة، وتعتبر الفترة ما بين نهاية أكتوبر حنى نهاية ديسمبر أكثر الأيام مباركة للزواج في الهند.

بعد ذلك تقوم غيتا بالتحري الدقيق عن العريس وعائلته، وعن الفتاة وشخصيتها وتلتقي بمحقق خاص لتوكل له المهمة، وهذا أغلب عمل المحققين في الهند، يتأكدون من سلوكه وهل لديه علاقات طويلة الأمد مع فتيات؟ وهل له أولاد أو يتعاطى المخدرات؟ وعن عائدات الضرائب، وتعتبر هذه المهمة من المهمات الخطرة ويحتاج التحري لما يقرب من عشرة أيام.

يقول المحقق: هناك بعض الأشخاص من الجنسين يقومون بإغواء أحدهم والتقرب منه بهدف الضرر به، لذا نقوم بجمع كل المعلومات بسرية تامة ونقلها إلى زبوننا.

الخطابة “غيتا غونتا” تجني الكثير من المال فتقيم وليمة سنوية للفقراء حتى تبقى آلهة الثروة لاكشمي وفيّة لها

 

وليمة الفقراء.. صفقة للحفاظ على وفاء آلهة الثروة لاكشمي

تجني “غيتا” الكثير من المال من عملها هذا، وتقوم بعمل وليمة للفقراء حتى تبقى آلهة الثروة لاكشمي وفيّة لها، وهو تقليد يخص طائفتها، وترى “غيتا” أنه لكثرة الطقوس لديهم يجب أن يقع الزواج من نفس الطائفة، لأن العائلتين تتشاركان في كل الطقوس الدينية والأعياد ويدعم بعضهم البعض ويصبحون أصدقاء.

بدأ “كاشيش” و”شينو” بالتحضير للزفاف، فالتسوق وفستان الزفاف هما البداية فقط، إذن يحتاج كل منهما خمسة أزياء مختلفة للطقوس المختلفة، أولها حفلة الخطوبة ثم ديفالي ثم سنغرن وسندركانت وأخيرا الزفاف بحفل أسطوري ضخم.

الزفاف في الهند مكلف للغاية وقد تكلف بطاقات الدعوة المرفقة بصناديق الهدايا فقط عشرات الآلاف من الدولارات. تقول “سافينا شهران”: يبدأ الأهل بالتفكير بالزفاف منذ ولادة الطفل.