“ريو دي جانيرو”.. مدينة تحمل تاج عاصمة الألعاب الرياضية في العالم

خاص الوثائقية

مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية المشهورة عالميا بشواطئها وأحزمة الفقر فيها وأهلها “الكريوكس”، توجت عاصمة العالم للرياضة بعد استضافتها كأس العالم لكرة القدم عام 2014 والألعاب الأولمبية عام 2016، وأتاح التنوع الجغرافي في ريو احتضان عدد وافر من الرياضات على الشاطئ وفي الشوارع والقاعات الرياضية كما في ملاعب كرة القدم إذ أن ما يجمع سكان ريو هو شغفهم بالرياضة. وفي الفيلم الوثائقي “ريو.. مدينة الرياضة” الذي أنتجته الجزيرة الوثائقية، نروي قصة الرياضة فيها بلسان أبنائها من الشباب البرازيلي الطامح إلى النجومية وإلى محترفيها الذين يعيشون هذا الحلم.

 

يوم الأحد.. عطلة المدينة المليئة بالألعاب الحضرية

قلب مدينة ريو هو خليط كبير من الأحياء الفقيرة والأبنية السكنية وناطحات السحب، وبعيدا من شواطئ “كوبا كبانا” و”إيبانيما”، هناك امتداد عمراني يؤوي أكثر من 6 ملايين نسمة، وهذه العاصمة هي موطن لممارسي الرياضات العنيفة، ومجموعة من راكبي ألواح وأحذية التزلج والدراجات في مسارات غير اعتيادية، وهم الذين جعلوا أدغال ريو الإسمنتية ملعبهم الخاص.

وبعد أن كانت هذه الرياضة شبه سرية في الماضي انتقلت “الرياضات الحضرية” في ريو الآن إلى واجهة الثقافة الرياضية داخل المدينة، وهي تضم الكثير من الأحواض والمنحدرات ومتنزهات لوحات التزلج من الطراز العالمي.

“ريو دي جانيرو ” البرازيلية عاصمة العالم للرياضة منذ استضافتها لكأس العالم 2014 والألعاب الأولمبية 2016

 

ونظرا لبحثهم الدائم عن أرضيات تمثل تحديا، نجح الرياضيون في ريو باستغلال التضاريس الطبيعية للمدينة، فقد أقام المخططون المدنيون -عن طريق المصادفة- مسرحا لممارسي هذه الرياضات.

يبذل ممارسو “الرياضات الحضرية” في ريو دماء وعرقا ودموعا في محاولة مستمرة لأداء القفزات والحركات الأكثر جنونا.

في كل يوم أحد وقرب شواطئ “إيبانيما” و”كوبا كابانا”، يقفل المجلس البلدي الطرق ليتيح لسكان ريو التنعم بأشعة الشمس والتعبير عن نمط سكان المدينة خارج منازلهم، ويحرر المجلس أكثر من 7 كيلومترات من الأسمنت بعرض 3 مسارات، موفرا مكانا مثاليا لممارسة الرياضة، ويخرج الجميع حاملين معهم أدوات التزلج من الألواح الصغيرة والكبيرة إلى الأحذية، ناهيك عن الدراجات الهوائية.

المجلس البلدي يغلق بعض الطرق ليتيح لسكان “ريو” التنعم بأشعة الشمس وممارسة الرياضة

 

ويتحدث ممارسون للعبة عن شعورهم الجميل  عندما يستخدمون أدوات رياضة التزلج المختلفة، فقد اعتبروا أن إقفال الطريق يشجع على نمط حياة أكثر صحة، ويستمتع الجميع بهذا، وأكدوا أن الرياضة في الشارع تجمع مختلف الثقافات والطبقات الاجتماعية، فهنا يجتمع الفقراء والأثرياء ومتوسطو الحال، ولا فرق بينهم.

مدينة ريو مقسمة بغابة “تيجوكا”، ففي الشمال وبعيدا من المواقع السياحية، يقع امتداد عمراني شاسع، وإلى الجنوب تقع مناطق الطبقة الوسطى “بوتافوغو” و”كوبا كبانا” و”إيبانيما” وبعض الأحياء المختلفة كليا.

رياضة التزلج.. ثقافة بديلة داخل أحياء الفقراء

يسكن خمس سكان ريو في أحياء الفقراء، وظلت مدن الأكواخ تلك تتمدد على سفوح تلال ريو في مساحات لم يشملها أي تخطيط عمراني منذ القرن الـ19 وهي في أغلبها ناتجة من هجرة اليد العاملة إلى المدينة بحثا عن عمل.

تتوازى أحياء الطبقات الوسطى والثرية في “ريو، ويعد حي روسينها هو الأضخم والأشد وقعا، فهو يضم 150 ألف شخص، ونجح سكانه -بدرجة نجاح كبيرة- في التخلص من صورة العنف والعصابات، فالحياة في أحياء الفقراء ناشطة ومتنوعة، وأخيرا أصبحت آمنة بشكل مضطرد وبات السكان ينعمون بمستوى معيشة أفضل.

المتزلج المحترف الشاب” ماكسويل أليكساندر” أمضى حياته في حي روسينها ويفتخر أنه ينحدر منه، ويقول: رياضة التزلج ثقافة بديلة داخل أحياء الفقراء، أردت دائما أن أكون مختلفا، وهذه الرياضة جعلتني أكون مميزا في منطقتي، فأنا لم أمارس كرة القدم أو ركوب الأمواج، بل كنت تواقا للبحث عن رياضة غير تقليدية، فقد ولدت وكبرت في روسينها ورأيت الكثير خلال حياتي، وقد تغير الحي كثيرا في أيامنا هذه وأصبحت الثقافة والمعرفة في متناول الناس وقد اكتسبتهما بفضل رياضتي.

ماكسويل أليكساندر من حي “روسينها” بمدينة ريو يحترف التزلج بالحذاء

 

وتابع قائلا: أصبح بمقدور سكان روسينها فك عزلتهم ورؤية العالم، ويظن الناس أحيانا أن كل شيء موجود في الحي وغالبا ما ينسون العالم الخارجي. وفي السنوات الأخيرة، أصبحت روسينها منطقة يشعر فيها سكانها بأنهم قادرون على التعبير بحرية أكبر مع انحسار نفوذ العصابات عن المجتمع.

هوية “ماكسويل” صقلها حيّه وشخصيته، وهو في ظهوره الإعلامي المتكرر لا يمثل رياضته فقط بل بلدته روسينها أيضا، إذ أصبح مشهورا داخل منطقته الفقيرة وعكس عنها صورة إيجابية.

ويعود “ماكسويل” بالذاكرة إلى بداياته في هذه الرياضة فيقول: تأثرت بلعبة فيديو يجوب بطلها المدينة بحذاء تزلجه، ثم اشترت لي أمي حذاء التزلج الأول، ومنذ لحظة انتعاله علمت أنني أريد أخذ هذه الرياضة على محمل الجد، فهي التي جعلتني على ما أنا عليه، فرياضتنا ولدت في الشوارع. والناس في ريو على اتصال أكبر بالطبيعة، وبفضل رياضتي أكتشف المدينة، وأبحث دائما عن أماكن جديدة لأداء حركاتي، فأنا أريد أن أمارس رياضتي في أماكن لم تقم خصيصا لها.

“شعرت بأن حلمي يتحقق”.. منشآت الألعاب الأولمبية تصنع الأبطال

بالنسبة للأطفال والشبان الآخرين الذين يعيشون في روسينها فإن مركز المجمع الرياضي -الذي شيد في السنوات الماضية- يؤمن منشآت مناسبة للرياضات الحضرية كجزء من برنامج تراثي خاص للألعاب الأولمبية التي أقيمت في ريو عام 2016.

ويقول “روبنز كارباليو” (أحد الرياضيين): بعد عمل مضن وكثير من التضحيات، حصلنا على هذا الحيز داخل مجتمع روسينها الرياضي، فقد كان هدفنا في البداية مجرد اللهو وركوب الدراجات وألواح وأحذية التزلج، واليوم نحاول أن نثبت للمجتمع أن بإمكاننا تحقيق إنجازات أكثر مما تصورها الجميع.

مركز المجمع الرياضي للرياضات الحضرية في “روسينها” يوفر برامج تدريب للأولاد ما بعد الدوام المدرسي

 

وإضافة إلى اللهو والمرح، يؤمن المركز برامج وورشات عمل للأطفال بعد الدوام المدرسي، وهناك جوانب لا ينتبه لها كثيرون وهي أن هناك مِهنا قد تنشأ على هامش هذه الرياضات العنيفة، وهي التصوير وصناعة الأفلام والميكانيكا.

ويوضح “ويلتون سيمبليثيو” (ممارس لرياضة التزلج) إنه لم يحظ بأي مدرب يعلمه حركة أو يعطيه نصيحة فيقول: عندما سنحت لي فرصة التدريب في المركز شعرت بأن حلمي يتحقق، فأنا أستطيع تسديد مصاريفي ودفع فواتيري وتعليم أبناء مجتمعي، وكل هذا بفضل الرياضة.

“أشعر بالحرية وراحة البال عندما أركب لوحي”

متأبّطا لوح التزلج، يذهب المتزلج المحترف “رافاييل إينديو” إلى وسط مدينة ريو، حيث القلب الاقتصادي والتجاري النابض للمدينة، فكل قطعة أسمنت فيها تعد مسرحا له لممارسة هوايته.

يقول “إينديو”: بدأت ممارسة هذه الرياضة عندما كنت ابن 13 عاما، وكانت كرة القدم هي اللعبة الشعبية الأكثر انتشارا في البرازيل، لكنني كنت لاعبا سيئا، وكنت دائما مولعا بالسرعة والحركة، ولوحة التزلج هذه تجمع عنصري السرعة والصعوبة، وقد باتت عشقي الأول بعد سنوات من ممارستها.

ويضيف: شعوري لم يتبدل منذ كنت طفلا، فأنا أشعر بالحرية وراحة البال عندما أركب لوحي، وبعد احترافي لهذه الرياضة فتحت لي آفاقا جديدة، وعرفتني على أشخاص وأماكن جدد، فممارسة رياضة التزلج في ريو ممتعة.

رافاييل إينديو وصديقه بريكويتو يحترفان اللعب على لوح التزلج

 

وقد توسع في السنوات الأخيرة حيز ركوب ألواح التزلج كثيرا في ريو، فأقيمت متنزهات خاصة جديدة في مختلف أرجاء المدينة، وبدأ محترفو هذه الرياضة ينتجون علاماتهم التجارية الخاصة، ويوزعون لوازم تلك الرياضة، ويفتتحون محال خاصة بهم.

فقد كانت هذه الرياضة قبل سنوات ميتة في ريو، وكان ممارسو اللعبة يسافرون إلى مدن برازيلية أخرى أو ربما إلى الولايات المتحدة وأوروبا، أما الآن فبات المحترفون غير راغبين بمغادرتها.

ويقول “إينديو”: تدخل ريو مرحلة جديدة من رياضة التزلج، وستقام متنزهات خاصة بهذه الرياضة تجتذب كثيرا من السياح وأشياء جديدة بالنسبة إلينا أيضا، وأعتقد أن مستوى هذه الرياضة سيتحسن وسنصل إلى مرحلة أعلى، مما يفتح المجال لإنشاء إرث جديد في المدينة.

“نيلو بيكانيا”.. محترف يبحث عن هواة اللعبة في مدارس التزلج

“نيلو بيكانيا” شاب من الكاريوكاس (سكان ريو) يتمرن بانتظام في “ريو سولبول” المصنف -بحسب عدد من المحترفين- كواحد من أفضل المواقع في العالم، وكان يقيم قرب هذا المتنزه، ويشاهد عددا من اللاعبين البارعين يمارسون هذه الرياضة هنا، لذا قرر ممارسة هذه الرياضة وحظي ببعض الرعاة الذين ساندوه حتى أصبح محترفا.

يقول “نيلو”: كنت ألعب كرة القدم، ولكنني أكره الخسارة بسبب أخطاء الآخرين، أما عند ركوبي للوح التزلج فإنني أكون وحدي ولا أضطر للدخول في منافسة، إذ يمكنني أن أكون محترفا من دون أن أنافس، وهذا هو الجزء الممتع في الأمر، واحتراف هذه الرياضة يعني السفر والتقاط صور لافتة أو صنع فيلم جديد.

نيلو بيكانيا يتمرن بانتظام في “ريو سولبول” المصنف كواحد من أفضل المواقع في العالم

 

وعندما تُمارس هذه الرياضة يوميا يصبح -بحسب “بيكانيا”- يصبح التعرض للإصابة أسهل، وهذا هو الجزء الأصعب، فرياضة التزلج في ريو تتنامى كثيرا بعد إقامة المونديال في البرازيل والأولمبياد فيها، وقد بنت الحكومة متنزهات كثيرة في البلاد، مما دفع كثيرين لممارسة هذه الرياضة.

بحثا عن مجندين جدد لرياضته، غالبا ما يقوم “نيلو” بزيارة إحدى مدارس التزلج، حيث يحظى الأطفال في هذا النادي الخيري بفرصة للتدرب على أيدي مدربين محترفين يحلمون بأن يكونوا مثل المحترفين المشهورين في العالم.

الأطفال في إحدى مدارس التزلج يحظون بفرصة التدرب على أيدي مدربين محترفين

 

ويأمل المدربون أن تشكل هذه الرياضة طريقا لحياة أفضل، فهم يؤمنون أنهم إذا أبلوا حسنا بهذه الرياضة فستتحول إلى مصدر دخل كبقية المحترفين في ريو، ولهذا فهم يثابرون ويواظبون على العمل الجاد، ويتطلع القائمون على اللعبة أن يشكل هؤلاء الأطفال والفتيان نواة صلبة للرياضات الحضرية في المدينة.

“هناك صلة بين المدينة ودراجتي”.. شغف منذ الطفولة

للدراجات الهوائية حصة كبيرة أيضا في الرياضات الحضرية بالمدينة، إذ يقول “براين سانتوس” أحد نجوم لعبة التزلج بالدراجات في البرازيل: أغرمت بالدراجة الهوائية من أول نظرة، وكما أحب الدراجات الهوائية، فإنني أحب مشاهدة الدراجين على التلفاز، وعندما حصلت على أول دراجة نارية تعلمت في اليوم الأول إحدى الحركات ومنذ ذلك الوقت تعلقت بهذه الرياضة.

“براين سانتوس” أحد نجوم التزلج بالدراجات في البرازيل

 

ويتابع أنه يريد أن يكسب رزقه من هذه اللعبة، ويرى أن “هناك صلة بين المدينة ودراجتي، وكل مرة أعثر على مكان جديد أجرب فيه أو عليه حركة جديدة، وفي اليوم التالي أدعو الفريق لمشاركتي هذه التجربة”.

ويؤكد سانتوس أن مدينة “ريو” تقدم الكثير لمحبي الرياضات العنيفة، كالمناظر الطبيعية ومتنزهات التزلج إضافة إلى المنحدرات، فهناك أمور مشتركة بين الرياضات العنيفة الثلاث: ركوب الدراجات وألواح التزلج وأحذية التزلج، لذا يمكن أن ننمو ونتطور أكثر، فركوب الدراجات، صنفت رياضة أولمبية وهذا ما سيؤدي إلى انتشار اللعبة وتعريف جمهور أوسع عليها، وأنا سعيد بذلك”.