طلاب بلا حدود.. تعلّم تدبير أمورك مع المواد التقليدية

في ذكرى اليوم العالمي للمعلم الذي يوافق الخامس من أكتوبر/تشرين الأول من كل عام، تفتح الجزيرة الوثائقية سلسلة بعنوان “طلاب بلا حدود” تتتبّع تجربة تعليمية غير اعتيادية في ثلاثة بلدان أوروبية، حيث تختبر ثلاثُ مجموعات لطلاب مراهقين بصحبة مدرّسيهم الحياة المدرسية والنظم التعليمية في هذه البلدان ومقارنتها بالنظام التعليمي في بلادهم. وفي الحلقة الرابعة من هذه السلسلة يكتشف الفيلم مع الطلبة مزيدا من التميز للمدارس التي ذهبوا إليها في فنلندا وبولندا وإسبانيا عن مدارسهم الأصلية في إيرلندا.

خاص-الوثائقية

نتابع رحلتنا مع مجموعة من الطلاب الإيرلنديين الذين يخوضون تجربة تعليمية غير اعتيادية على مدار أسبوعين في ثلاثة بلدان أوروبية بغية اختبار الحياة المدرسية واستكشاف النظم التعليمية المختلفة فيها.

وفي الحلقة الرابعة من سلسلة “طلاب بلا حدود” التي عرضتها الجزيرة الوثائقية نتابع حياة المجموعات الطلابية الثلاث الذين تم توزيعهم على ثلاثة بلدان أوروبية هي فنلندا وبولندا وإسبانيا.

فقد أوشكت أيام إقامة الضيوف على الانتهاء، وهاهم يعدون آخر الساعات الجميلة التي قضوها في استكشاف تجارب وإبداعات جديدة عليهم في حياتهم الدراسية، كما أن الفرصة أتيحت لهم لاختبار أسلوب حياة جديد في البلدان التي زاروها.

بولندا.. موسم الامتحانات

مع مرور الأيام على الطلاب الأربعة من مدرسة بالينامور الإيرلندية في بلدة سمارت دفايس (108 كيلومترات جنوب العاصمة البولندية وارسو) أصبحوا يتصرفون وكأنهم في منزلهم، ويعود ذلك إلى حفاوة الاستقبال من قبل العائلات المضيفة وكرم الضيافة.

يستعد الطلاب في المدارس البولندية للدخول في موسم الامتحانات الرسمية، التي تعد أحد أبرز الجوانب في التعليم هناك، وهذه الامتحانات تُنظم على عدة مستويات، فهناك امتحانات للطلاب البالغين من سن 16 إلى 18 سنة للانتقال إلى الجامعات والكليات المهنية، وهناك مستوى للانتقال من مرحلة الابتدائي إلى الإعدادي المتوسط، وتُنظم الامتحانات خارج المدرسة وتشرف عليها هيئات إقليمية تابعة للحكومة في وارسو.

يقول معلم الاقتصاد روبرت أورايلي المرافق للضيوف إن أعمار الطلاب في المدرسة التي زاروها تتراوح بين 6 و16 سنة، وهم يقدمون اختبارات قياسية على مستوى الدولة للانتقال من المرحلة الابتدائية إلى المتوسطة. ويتابع: أعلم أن الدخول في امتحان قد لا يكون أفضل مقدمة للمرحلة الثانوية، لكن هذا هو النظام.

لكن، ورغم أجواء الامتحانات الحازمة، فإن الطلاب الضيوف أبدوا استغرابهم من السماح للطلاب في المدارس البولندية بأداء الامتحانات بملابسهم العادية بينما يُطلب منهم في إيرلندا ارتداء الملابس الرسمية.

امتحانات بولندا تُنظم خارج المدرسة وتشرف عليها هيئات إقليمية تابعة للحكومة في وارسو
امتحانات بولندا تُنظم خارج المدرسة وتشرف عليها هيئات إقليمية تابعة للحكومة في وارسو

التهيئة لتخصص المستقبل

يتوجه الطلاب البولنديون في سن الـ16 بعد الامتحانات ليوم مفتوح في إحدى الكليات التقنية، وذلك لتهيئتهم لاختيار تخصصاتهم في المستقبل، وهو ما يمنحهم فرصة مبكرة للتفكير في التخصصات التي قد يختارونها.

يتطلب هذا اليوم -الذي ربما يقرر فيه الطالب مستقبله- فقرة من المراسم الاحتفالية، إذ إن اختيار المرحلة المقبلة من التعليم ليس بالأمر السهل.

للطلاب في بولندا حق الاختيار بين إكمال دراستهم في الجامعة مباشرة بعد إنهاء الدراسة أو التوجه إلى كلية تقنية للتعلم بعض الوقت ثم الالتحاق بالجامعة، وتقدم هذه الكليات دروسا في الهندسة ومهن أخرى.

يعرض الفيلم فقرة إعداد الطلاب للطعام في هذا اليوم الاحتفالي، وهو ما يمنحهم وقتا من المتعة والفرح والتعلم في نفس الوقت، فالنشاط لا يكتفي بإعداد الطعام وإنما يتعداه إلى التعلم على تقديمه والاستقبال وإدارة الفنادق.

بعد ذلك ذهب الطلاب إلى المخبز، ويشير المعلمون هنا إلى أن الطلاب حين يُنهون المرحلة الابتدائية في سن الـ15 سنة، يصبحون جاهزين للعمل طهاة ومؤهلين في عمل المعجنات، ويمكنهم الانطلاق للعمل أو الذهاب للجامعة، والأمر نفسه في مهن أخرى.

مواد التدبير المنزلي والطهو من الحصص المهمة جدا في المنهاج الفنلندي
مواد التدبير المنزلي والطهو من الحصص المهمة جدا في المنهاج الفنلندي

العلوم ومشتقاتها

يلاحظ الطلاب الضيوف أن المنهج البولندي يقدم الكيمياء والأحياء والفيزياء، بينما في إيرلندا تجمع هذه المواد في مادة واحدة تسمى مادة العلوم.

وفي الدول الأوروبية بشكل عام، يكون الاهتمام بالمواد العلمية كبيرا، ورغم هذا الاهتمام فقد لاحظ الطلاب الضيوف أن المعدات العملية وتجهيزات المختبرات في بولندا ضعيفة مقارنة مع بلادهم، لكن معايير الدراسة والتصحيح في الامتحانات مرتفعة.

فقد قدم الطلاب رسوما بدائية للخلايا أثناء شرح الدرس، بينما في إيرلندا تقدم هذه المواد على الألواح الذكية وباستخدام تقنيات عرض متقدمة، لكن المحصلة العلمية هي نفسها، بل لاحظوا أن هناك اجتهادا كبيرا لدى الطلاب البولنديين يفوق ما عندهم في مدارسهم، فـ”لا يوجد طلاب كسالى في بولندا”.

يدعو الطالب البولندي بارت زملاءه الإيرلنديين لقضاء وقت متميز هذا اليوم، فهو متطوع في فريق الإطفاء في المدينة، ورتب لهم مع السلطات المحلية يوما للتدريب في هذا المجال، حيث عاشوا جميعا ساعات ممتعة لم يسبق لهم أن عاشوا مثلها من قبل.

في الدول الأوروبية بشكل عام، يكون الاهتمام بالمواد العلمية كبيرا
في الدول الأوروبية بشكل عام، يكون الاهتمام بالمواد العلمية كبيرا

فنلندا.. حصص الطهي

ننتقل إلى مجموعة من مدرسة سانت كياران الإيرلندية الذين كانت وجهتهم إلى مدرسة أليكس كيفين في بلدة سيانت جو (47 كيلومترا جنوب غرب العاصمة الفنلندية هيلسنكي).

يبدأ هذا اليوم في المدرسة بتناول قطعة من اللحم والخضار على الطريقة الإسكندنافية، فكل شيء هنا يسير على ما يرام، والطلاب الضيوف يحاولون الاستمتاع بكل شيء، ويحرصون على عدم تضييع أي فرصة من أجل ذلك، فالأجواء ممتعة جدا يصعب عليهم أن يجدوا مثلها في مدرستهم بإيرلندا.

وتعتبر مواد التدبير المنزلي والطهو من الحصص المهمة جدا في المنهاج الفنلندي، وتعمَد المدارس إلى تعليم الطلاب كيفية إعداد طعامهم بأنفسهم وتقديمه بشكل رائع.

خلال الفيلم يقوم الطلاب بإعداد فطيرة محلاة ويتناولونها في أجواء اجتماعية مفعمة بالحماس. تقول مدرسة الحساب فيرونيكا أودونيل المرافقة للضيوف “هذه المواد تعلم الطلاب الاستمتاع بنتائج أعمالهم وتجاربهم”. ولإضفاء أجواء إضافية من البهجة والمتعة، علّم الطلابُ الضيوفُ نظراءهم المضيفين كرة القدم الإيرلندية.

المواد الإبداعية لها أهمية كبيرة في فنلندا
المواد الإبداعية لها أهمية كبيرة في فنلندا

حصص إبداعية

يعمد المعلمون في فنلندا إلى تخصيص حصص قصيرة لاهتمامات الطلاب واحتياجاتهم، فمثلا يأخذ الطلاب في هذا الحصة درسا عن التصوير الإبداعي كجزء من مادة الفنون البصرية.

وأبدى الطلاب الضيوف إعجابهم بهذه المادة لأنها منحتهم الفرصة للتعبير عن أنفسهم، وهو ما لا يجدونه بهذا الشكل في مدرستهم، فهذا النظام من التعليم غير متوفر في إيرلندا.

تقول المعلمة أودونيل: إن العمل الشخصي يحمل الطلاب على التفكير بذواتهم، وموافاة شغفهم تجاه ما يحبون، فالمواد العلمية هي تخصصي، لكن لم أفكر يوما بأهمية المواد الإبداعية التي من خلالها يتمكن المعلم من رؤية كيف تتم تنمية شخصية الطلاب.

تتابع: أصبحت مقتنعة أنهم في فنلندا لا ينمون فقط ثقة الإنسان بنفسه، وإنما يطورون كيفية تعامله مع مجتمعه والحياة، وكيف يصبح فخورا بشخصيته المتفردة وعدم تبعيته للآخرين.

في نهاية الحصة تعلم الطلاب كيفية تصميم قميص يُطبع عليه “ملصق” يحمل رسالة سواء من خلال عبارة مكتوبة أو رسومات معبرة.

الحرية في التعبير عن الرأي والثقة بالنفس هو ما أبهر الطلاب الضيوف في إسبانيا
الحرية في التعبير عن الرأي والثقة بالنفس هو ما أبهر الطلاب الضيوف في إسبانيا

إسبانيا.. ثق بنفسك

“القمر الورقي” فيلم كوميدي وقع اختيار الطلاب عليه لمشاهدته سويا في المدرسة الإسبانية في غرفة صفّية ضمن حصة مدرسية عن موسيقى الأفلام.

الحرية في التعبير عن الرأي والثقة بالنفس هو ما أبهر الطلاب الضيوف في مضيفيهم، يقولون “لقد وجدنا أن الطلاب الإسبان يعبرون عن آرائهم بكل حرية، فهم لا يجدون أدنى حرج في الحديث عن أفلامهم المفضلة حتى لو لم تكن اختياراتهم تروق للجميع”.

وخلال الحصة قدم كل طالب عرضا مختصرا عن فيلمه المفضل، وقد أثارت الطريقة اهتمام الطلاب الضيوف الذين لا يجدون ذلك في مدارسهم، كما أعجبوا بالطريقة التي يعبر فيها الطلاب عن حبهم لأفلام معينة مهما كانت.

تقول الطالبة تارا: في إيرلندا قد يتعرض أي منا للانتقاد أو الإحراج إذا أراد أن يقدم عرضا ما، فهو يوضع منذ البداية تحت الاختبار ويشعر داخليا أنه في أي لحظة قد يكون عرضة للسخرية.

ويقول الضيوف: إن المجتمع في إيرلندا مختلف عما هو في إسبانيا، إذ يحاول هناك كل فرد مجاراة ما يفكر به الآخرون، أحيانا يعتبر الناس هناك أن من يعبر عن رأيه متمرد، لذلك فإن العثور على مكانك الصحيح في إيرلندا أصعب بكثير منه في إسبانيا، هنا الثقة والانفتاح والتحدث بحرية مع المدرسين.

مادة الحاسوب وعلومه وتقنياته لها اهتمام كبير وتقدم على نحو أكاديمي مفصل في إسبانيا
مادة الحاسوب وعلومه وتقنياته لها اهتمام كبير وتقدم على نحو أكاديمي مفصل في إسبانيا

تقنية المعلومات

تهتم المدارس في إسبانيا بمادة الحاسوب وعلومه وتقنياته، وهي مادة دراسية لها اهتمام كبير وتقدم على نحو أكاديمي مفصل إضافة إلى وجود مختبرات متقدمة.

ويمنح الطلاب الوقت لتقديم إبداعاتهم في التصميم خلال هذه الحصة، وهم هنا يعملون على تصميم بطاقات أعمال. ويندهش الضيوف للطريقة التي يتعامل بها الطلاب الإسبان مع الحواسيب، وكيف أنهم ينجزون أعمالا إبداعية.

ويعود السر في ذلك إلى أن مادة تقنية المعلومات تقدّم للطالب في سن مبكرة في إسبانيا، بينما في إيرلندا تعتبر مواد تخصصية في سن متأخرة من المدرسة.

تقول معلمة اللغة الإسبانية إيما أوبراين المرافقة للطلاب الضيوف: أعتقد أننا تخلفنا عن الركب، وسيأتي اليوم الذي ندرك فيه أننا لم نكن نعلّم تقنية المعلومات.