نوليوود.. قصة ثاني أكبر سينما في العالم

بعد حلقات “السينما المصرية” في سلسلة من أربعة أفلام تحكي قصتها من التأسيس إلى الألفية؛ تفتح الجزيرة الوثائقية ملف “ذاكرة السينما” وتتناول فيها السينما العربية إضافة إلى السينما النيجيرية والتركية. وتتناول السلسلة بدايات السينما وتطوراتها في كل دولة، إضافة إلى أبرز الأحداث التي أثرت فيها والتغييرات التي طرأت على محتواها والتحديات التي واجهتها والآمال المرجوة منها، كما تتطرق إلى أبرز الممثلين والنجوم الذين صنعوا السينما في هذه الدول، وتعرض لأبرز أفلام كل مرحلة. وفي الحلقة السابعة نُلقي الضوء على تاريخ السينما النيجيرية وهي ثاني أكبر صناعة للسينما في العالم من حيث عدد الأفلام، كما نتعرف على بدايتها وأصولها، وكيف استطاعت أن تصبح صوت أفريقيا للعالم.

 

خاص-الوثائقية

قالوا إنها رواية حُبّ، المستقبل والأمل، قالوا إنها أصيلة وجاءت لتبقى، وإنها صنعت شيئا من لا شيء، أما بالمعنى القريب والمجرّد فهي صناعة السينما النيجيرية، التي ساهمت بشكل رئيسي في نمو البلاد اقتصاديا، وقُدّرت الثروة الخاصة للسينما النيجيرية في عام 2014 بــ1.5 مليار دولار أميركي، فهي ثاني أكبر صناعة سينما في العالم من حيث عدد الأفلام.

السّر في ذلك يكمن خلف سحرها الأفريقي وفي أصالتها، فهي ترسم الصورة الحقيقية لأوضاع المجمتع والعلاقات الإنسانية والاجتماعية، إنها دراما حقيقية للحياة النيجيرية.

وقد يكون السر عائدا إلى كثافة السكان وحبّهم لرواية القصص، فهنالك أكثر من 400 لغة مختلفة وثقافات متعددة وحوالي 116 مليون نسمة، كل هذه المكوّنات وُضعت في قالب واحد، إضافة لتجربة أكثر من 50 سنة للتلفزيون الأول في القارة السمراء.

هناك إصرار قوي عند بعض الأشخاص النيجيريين لرواية قصصهم، وبالتالي هي صناعة بَنَت نفسها بنفسها ومن الناس إلى الناس، وليست صناعة أو ثقافة مستوردة، وصارت شيئا من لا شيء، صُنّاعها روّاد مجازفون.

تطورت السينما النيجيرية بالممارسة وليس بالتدريب، وعلى الرغم من أنها ليست على ذلك المستوى المتقدم من التكنولوجيا فإنها أثارت الاهتمام، وأصبحت صناعة تُدرّ أرباحا كثيرة، وقطعت شوطا كبيرا.

إنها ثورة صغيرة آخذةٌ بالتطور، استطاعت عبر أفلامها السيطرة على أفريقيا كاملة، فالجمهور صار يفضل أن يشاهد فيلما نيجيريا على أن يشاهد فيلما أميركيا ناجحا، وهذا يعود إلى الأسلوب القوي في رواية القصص.

وفي الفيلم التسجيلي الذي أنتجته الجزيرة الوثائقية بعنوان “السينما النيجيرية” ضمن سلسلة “ذاكرة السينما”، نتعرف عن قرب على نوليوود التي استطاعت أن توجد ما يسمى بالبوصلة الأخلاقية الأفريقية للجمهور العالمي.

 

الشاشة الصغيرة.. ميراث الرجل الأبيض

تاريخ نوليوود موضع خلاف، والسؤال عن أصولها ليس له جواب محدّد، حيث يُعتقد أن أول فيلم في نوليوود هو فيلم “حياة الاستعباد” الذي أنتجه صاحب محل لبيع أشرطة الفيديو بهدف زيادة مبيعاته، ولكن تاريخ الأفلام النيجيرية يعود لما قبل نوليوود حيث يقال إنها بدأت من بقايا الاستعمار السينمائي الذي ورِثه النيجيريون من الرجل الأبيض قبل أن يغادر البلاد.

بدأت صناعة هذه الأفلام على أيدي روّاد نيجيريين أمثال “أوغاندي” و”آدي لوف” وغيرهم ممن عشقوا صناعة الأفلام، وبدأوا بتحويل ما يعرف بالمسرح المتجول إلى السينما المتجولة، ويمكننا أن نرى الترابط الشديد بين المسرح والسينما في معظم إنتاجات نوليوود.

يعتبر “أوغاندي” الرائد الأول في إدخال السينما إلى نيجيريا في أواخر السبعينيات، وأول من وضع الأفلام على أشرطة سينما كما هو الحال في سينما بوليوود، حيث كان يحمض الأفلام في المختبرات اللندنية، ويظهر في الفيلم الأدوات والمعدّات والكاميرات والإكسسوارات التي كان يستخدمها في صناعة أفلامه، لقد كان “أوغاندي” مُلهما للكثيرين من بعده، ويجب عليهم أن يعترفوا له بالفضل.

استخدم صانعوا الأفلام المعروفين هذه الأفلام السينمائية في الثمانينيات، وشاركوا في العديد من المهرجانات السينمائية حول العالم، وكانوا يوزعونها بأنفسهم لباقي أنحاء أفريقيا لعرضها في دور السينما.

وفي أواخر الثمانينيات أصبحت صناعة الأفلام صعبة جدا لعدم توفر مختبرات للتحميض، فكان يجب الذهاب بها إلى لندن وهذا أمر باهظ التكلفة، فكان لا بدّ من تمويل أجنبي لها، بعد أن قُطع التمويل المحلي من قبل الدكتاتورية العسكرية الحاكمة، مما أدى إلى موت صناعة الأفلام، مخَلّفة من رمادها أفلاما لم تكن بالمستوى اللائق تقنيا، فقد كانت تُصوّر على أشرطة فيديو، ثم ظهرت نهضة سينمائية بعد ذلك لتبدأ الصناعة الحقيقية للأفلام بفيلم “حياة الاستعباد” عام 1992 ليخرج ما يسمى اليوم بسينما نوليوود.

الثروة الخاصة للسينما النيجيرية قُدّرت في عام 2014 بــ1.5 مليار دولار أميركي
الثروة الخاصة للسينما النيجيرية قُدّرت في عام 2014 بــ1.5 مليار دولار أميركي

 

“حياة الاستعباد”.. نوليوود الحقيقية

يعتقد البعض أن فيلم حياة الاستعباد لم يكن بداية نوليوود وإنما جذوة البداية، وسبب لإثارة الاهتمام بالسينما النيجيرية، وقد صنع شيئا للسينما النيجيرية لا يمكن تجاهله.

فقد طور صاحب هذا الفيلم “كينيث نيبو” صناعة الأفلام على أشرطة فيديو، وجاء بالنجوم المعروفين من التلفزيون ووضعهم في قصة الفيلم الذي انتشر بشكل واسع في أنحاء أفريقيا.

تطورت هذه الصناعة في فترة التسعينيات حين بدأ صانعوا الأفلام بتقليده بهذه الأشرطة المنزلية، حتى بدأت نوليوود الحقيقية عام 2005.

لقد كان تحديا صعبا، لكن صاحب الفيلم آمن بفكرته دون الاكتراث بمحدوديّة التكنولوجيا وبما يفعله باقي العالم، لقد استخدم ما كان متوفرا بين يديه فقط.

ثم كان بعده فيلم “التمثال الصغير” لـ”كونلي أفوليان” الذي أراد أن يصنع شيئا مختلفا.

كان كونلي يبحث عن الأفضل، وفكّر في جلب طاقم أجنبي ولم ينجح، وفي النهاية اعتمد على الطاقات النيجيرية حتى أحرز نجاحا باهرا، ليس على مستوى السينما المحلية فقط، بل على مستوى الدول الأفريقية أيضا.

نوليوود.. صبغة أفريقية خالصة

اعتمد أسلوب نوليوود على الدراما؛ فالشعب النيجيري شعب حيويّ يحب أن يُظهر مشاعره وانفعالاته، شعب يعبّر بقوة ويُظهر انبهاره الحقيقي وغير المتلوّن، له أسلوبه الخاص في التعبير عما يريد، فهناك شيء ما يميز الأفارقة دائما.

لقد سيطرت الدراما على أسلوب سينما نوليوود، مما دعا البعض من الجمهور للمطالبة بأنواع أخرى تُظهر إبداعات نوليوود من منظور آخر، وهذا كان سببا في إنتاج أفلام ترفيهية مثل الفيلم الغنائي “هود راش”.

من أي زاوية نظرت إلى أفلام نوليوود تجد فيها صِبغة أفريقية نيجيرية خاصة، ولكن مع ظهور العديد من صانعي أفلام نوليوود الحديثة وبالتعاون مع بعض الأكاديميين الأجانب؛ بدأت بعض القيم الإنتاجية المتعارف عليها في هوليوود تجد طريقها إلى نوليوود.

قدّمت نوليوود لغة مرئية يفهمها صانعوا الأفلام والمُشاهد على حدّ سواء، فطريقة السّرد القصصي جوهرها نيجيري، ولهذا السبب يشيد الجمهور النيجيري بما تقدمه نوليوود ويفتخرون بأنهم يشاهدون أفلاما نيجيرية، ويفضلونها في أحيان كثيرة على أفلام هوليوود والأفلام الصينية وغيرها، ولكنهم في الوقت ذاته يطالبون بتحسين الأداء التقني، فالجمهور هو جزء من نوليوود وليس فقط مستهلكين للأفلام، ويركّزون على جودة الإنتاج.

الدراما سيطرت على أسلوب سينما نوليوود
الدراما سيطرت على أسلوب سينما نوليوود

 

الملامح السينمائية.. بين التفرد والانصهار

استخدم بعض مخرجي نوليوود في أفلامهم الأسلوب الهوليوودي والصيني والنيجيري معا ليخرجوا بأفلام فريدة من نوعها مثل فيلم “الممر الضيق”، لكن آخرين يصرّون على طرح الأسلوب النيجيري الخاص كما في السينما الهندية (بوليوود) مثلا، وهم يؤمنون بأن أسلوب نوليوود سيتقبّله العالم ويتعوّد عليه، مع التأكيد على أنه يجب استخدام لغة عالمية متعارف عليها في الخطاب.

ولقد تحقق هذا في فيلم “الأول من أكتوبر” الذي كان خطوة كبيرة للسينما النيجيرية في نتائجه، وهو فيلم ستذكره الأجيال القادمة، وستتعلم منه كيف كانت نيجيريا.

إن النجاح الحقيقي في النهاية هو أنه سيكون باستطاعة نيوليوود ليس فقط التحدث عن الحالة النيجيرية بل عن الحالة الإنسانية بشكل عام، كما فعلت السينما الهندية والصينية عندما غزتا العالم، فالتحدي الحقيقي هو قدرة نوليوود على جعل العالم قابل لاستهلاك التراث النيجيري.

13 دار سينما فقط!

النموذج التجاري النيجيري بدأ بالتطور حيث بدأ بإنتاج أفلام الفيديو التي تُنسخ على أشرطة فيديو(DVD) وأسطوانات (CD)، وهذه غير مكلفة كثيرا كما هي الأفلام السينمائية التي تحتاج إلى تكلفة كبيرة.

السينما ثقافة جديدة في نيجيريا بدأ الناس في تقبّلها تدريجيا، فهناك حوالي 13 دار عرض للسينما تُعرض فيها أفلام نوليوود وهيولوود جنبا إلى جنب، وهذا عدد قليل جدا نسبيا مع عدد السكان، فهو بمعدل دار سينما واحدة لكل 3 ملايين شخص.

وهناك سينما نيجيرية لكن نظامها التجاري ما زال في البداية، ولعل أكبر تحديات السينما النيجيرية هو التمويل، رغم أن الحكومة خصّصت بعض الميزانية لإنتاج الأفلام والتدريب والبنية التحتية، ولكن هذا غير كاف، وليس لدى صُنّاع السينما النيجيرية أي اتفاقيات تعاون إنتاجي مع دول أخرى يتم عبره التبادل الثقافي والمعرفي والإنتاجي.

المهرجان الدولي للأفلام الأفريقية عام 2013 حاز فيه الشباب النيجيري على العديد من الجوائز
المهرجان الدولي للأفلام الأفريقية عام 2013 حاز فيه الشباب النيجيري على العديد من الجوائز

 

عظَمة الشباب.. المستقبل الزاهر

تأتي عظمة الصناعة النيجيرية من اعتمادها على الشباب الصاعد، وتستمدّ طاقتها منهم، فـ80% من صانعي الأفلام هم دون سن الثلاثين، وهذا يبشّر بمستقبل كبير للسينما النيجيرية يوصل سِحر نوليوود إلى العالم عبر قصص جوهرية أفريقية ذات جاذبية دولية. ومن المتوقع بعد سنين قليلة أن يخرج الإنتاج النيجيري المستقل إلى العالم بلمسة أفريقية، بسبب ولعهم الشديد بهذه الصناعة.

ومع توفر وسائل الاتصال الحديثة والإنترنت، سيصبح من السهل إيصال السينما النيجيرية وانتشارها عالميا، وخير دليل “المهرجان الدولي للأفلام الأفريقية” عام 2013 والمتخصص بصانعي الأفلام الشباب، والذي حاز فيه الشباب النيجيري على العديد من الجوائز.

استطاعت نوليوود تقديم أفريقيا للعالم على أنها مصدر للطموح، وأن قصصها ليست فقط قصص حروب وفقر ومرض.

صناعة الأفلام في أفريقيا محادثة مستمرة، وستحقق نوليوود نجاحات كبيرة، والجميع متفائل، فالنيجيريون أناس مغامرون والسماء تتسع لمليون طائر.

وستسعى شركات الأفلام العالمية يوما ما للاستثمار في نيجيريا، فهي سوق كبيرة تستحق الاهتمام، وستصبح يوما ما أكبر مكان للسينما في العالم.