“يا لميمة ما تبكيش”.. أغنية بلحن العشرية السوداء في الجزائر

خاص- الوثائقية

 

هذه المرة لم تكن شائعة، فقد أسكتت رصاصة مجهولة النسب صوت العاطفة والحب وغَشي الحزن مدينة وهران في التاسع والعشرين من سبتمبر/كانون الأول عام 1994.

حدث ذلك في أوج العشرية السوداء بالجزائر، حيث كانت بعض عمليات الاغتيال تحمل رسائل غير مشفرة، فيما يبدو بعضها مربكا وغامضا لدفع الناس إلى المزيد من الحيرة والخوف.

لم يجرؤ أي من زملاء الفنان الشاب حسني شقرون على إحياء حفل لتكريمه طيلة ثلاثة أعوام من عملية الاغتيال.

بعدها تملّك الشاب بلة الشجاعة وأقام حفلا في وهران لتخليد ملك الأغنية العاطفية، وغنى من أجله المقطوعة الشهيرة:

يا لميمة ما تبكيش
حسني راح ما يوليش..

قصة “يا لميمة ما تبكيش” ترويها الجزيرة الوثائقية في فيلم قصير ضمن “سلسلة حكاية أغنية” التي تبث في رمضان الحالي.

يبدأ الفيلم بصورة من مدينة وهران المستلقية على الأبيض المتوسط، ثم ينتقل إلى أمواج إذاعة وهران وهي تخاطب مستمعيها: “نحييكم أيها الأحبة في كل مكان ونسعد كثيرا بأن نكون معكم ضمن هذه الرحلة الصباحية لكل عشاق أغاني المرحوم حسني، أهلا بكم، هذه الأغنية التي ترثي ابن الباهية وهران بصوت الشاب بِلّة”:

يا لميمة ما تبكيش
حسني راح ما يوليش…

 

فلسفة الحياة

في حديثه للوثائقي، يقول الفنان محمد بوسماحة إن الشاب بلة هو الفنان الوحيد الذي أدى أغنية عن حسني بعد وفاته، فبكا صديقه وحبيبه. كان بلة يَكبر حسني ويمكن القول إنه بمثابة والده.

أما الناقد محمد علال فيروي رحيل حسني في السادسة والعشرين من العمر قائلا “كانت لديه فلسفة عن الحياة. وكان قريبا من الناس ويحكي عن الحب وعن يوميات الجزائريين.

في ذلك الوقت كانت مشاعر الموت تسيطر على الشعب الجزائري، وكان طبيعيا أن يغني عن الحزن ولكن بطريقته الفلسفية والعاطفية فيتحدث عن الأم والأسرة.

الفنان رشيد سرير هو الآخر تحدث عن حسني وحيويته وضحكته التي لا تزال مرسومة في الذاكرة وكأن حادثة الاغتيال وقعت بالأمس فقط.

وقي مقطع فيديو يظهر الشاب حسني بعد شائعة أطلقت في ذلك الوقت عن اغتياله ويقول إنه يسلم على الناس ويخبرهم بأنه يبادلهم الحب.

 

أرشيف الحب

حسني الذي لقب بملك الأغنية العاطفية ترك 180 ألبوما موسيقيا يتعلق معظمها بالحب والأمل والأسرة، وكانت مشاكله الشخصية حاضرة في أغانيه وخصوصا بُعده عن زوجته وابنه المقيمين في فرنسا.

حادثة الاغتيال أثرت كثيرا في جمهوره في الجزائر وخارجها، وكذلك في أصدقائه من الفنانين. وعندما بدأ الشاب بلة إحياء حفل لتكريمه، أطفئت الأضواء وغنى في العتمة:

يا لميمة ما تبكيش
حسني راح ما يوليش..

كانت والدة حسني في الصف الأول بجانب شقيقه وعائلته، وقد تفاعل الجمهور مع الكلمات فبكى كل الحاضرين، ومن خلال هذه الأغنية عادت الحياة لمدينة وهران.

وبعد هذا الحفل أصبح بلة محبوبا لدى الجزائريين “لأن حسني كان يعطف على اليتيم والمساكين والفقراء وكان متواضعا وكان شعبيا بامتياز”، كما يروي الفنان حسني جينيور.

ويرى الناقد محمد علال أن هذه الأغنية كانت رسالة نعي جميلة حاولت أن تجسد أو تعيد الفن الذي كان يقدمه الشاب حسني وأن تعبر عن حب الجزائريين له.

وفي ختام الوثائقي يظهر الشاب حسني في مقطع فيدو يلهب بأنغامه المكان ويتراقص على وقعها الشباب المتمسك بالأمل والحالم بالحب والأمن والفرح.