حيوانات السينما الهندية.. أبطال صامتون يصنعون الأحداث الخارقة

 

تحظى الحيوانات بأنواعها على أهميةٍ قصوى في عموم الأساطير الهندوسية، وتتمثل معظم الآلهة وتتداخل مع حيوانٍ ما، يُسمّى “حاضن الإله”، وهي رموز وإطارات للآلهة المُتعددة، ويُعتبر بعضها آلهة بحدّ ذاتها، وفي الأفلام الهندية الجماهيرية تلعب هذه الحيوانات دورا دراميا نبيلا لا يقل أهمية عن الشخصيات الإنسانية، ويمكن الإشارة إلى عينات من بعض هذه الأفلام.

“الخبز”.. جيش القردة ينقذ البطل من موت محقق

في فيلم “الخبز” (Roti) الذي أخرجه “مانموهان ديساي” (1974)، يهرب “مانغال سينغ” (الممثل راجيش خانا) من الشرطة ورئيس العصابة الذي جعله مجرما منذ صغره، بعد أن ماتت أمه بسبب المرض والجوع. يلحق به “بيجلي” كلب عائلة المحبوبة (ممتاز)، ليدافع عنه ويخلصه من مطاردة كلب الشرطة، ولكنّ أنيابه تمزق الكلب المنزليّ الصغير.

وفي مشهد آخر يقوده رئيس العصابة إلى مكانٍ مهجور يعيش فيه كثير من القردة فوق الأشجار المُحيطة بواحدة في أسفلها تمثال لأحد الآلهة القردة، وحينها يتوجه “مانغال” إليه بالصلاة والدعاء، ويطلب منه أن يخلصه من شر أفراد العصابة.

وفي السينما الهندية عادة ما تستجيب الآلهة -أيا كانت- لدعاء المؤمنين، وهكذا في نفس اللحظة تبرق السماء وترعد، فتهيج القردة، وتهاجم رئيس العصابة ورجاله، وتخلص “مانغال سينغ” من موت مُحقق.

“قصة حب 2050”.. فراشة تجسد المعادل الشعري لقلب البطل

في فيلم “قصة حبّ 2050” (Love Story 2050) الذي أخرجه “هاري باويجا” (2008)، كانت الفراشة مفردة درامية جمالية وشعرية، وظهرت عندما التقى “كاران” (الممثل هارمان باويجا) لأول مرة مع حبيبته “سناء” (الممثلة بريانكا تشوبرا) في إحدى حدائق مدينة عطلتهما.

وفي محطة القطار، بدأت تحوم أمام جدول مواعيد السفر، وارتاحت فوق اسم المدينة التي سافرت إليها المحبوبة، يلحقها “كاران” كي تتواصل الأحداث وقصة حبهما، وهكذا كانت الفراشة تُجسّد المُعادل الشعري لبوصلة قلب “كاران” ودليله.

“الفيل صديقي”.. أنيس العائلة ومنقذها من الأفاعي والرصاص

في فيلم “الفيل صديقي” (Haathi Mere Saathi) الذي أخرجه “م.أ. تيرموغام” (1971)، ماتت أمّ البطل منذ عشر سنوات، وها هو الأب يموت أيضا، ويترك ابنه “راج كومار” (الممثل راجيش خانا) وحيدا مع أفياله الأربعة المُدربة حتى على لعب كرة القدم.

وفي لقطة واحدة ينتقل الزمن سريعا من مرحلة الطفولة إلى الشباب، ونشاهد الكرة تقع في سيارة الحسناء “تانوجا” (الممثلة تانوجا سامارت) التي تعطلت في الطريق بالقرب من منزل “راج”، تشارك الأفيال في جلب الحبال وشدّ السيارة، وتبلغ ما هو أبعد من ذلك، حين تساعده في تسهيل علاقته مع الفتاة “تانو”.

فيما بعد يخسر “راج” أملاكه، ويُرحل عن المدينة مع أفياله الصديقة، وكالعادة في معظم الأفلام الهندية الجماهيرية تظهر إحدى العقبات، ويرفض وافق والد الفتاة “تانو” زواجها من “راج”، وكالعادة أيضا لا بد أن يعتمد على حجة/ كذبة ما، فيخبرها بأنّ “راجو” باع بيته، ورحل إلى بومباي للزواج من فتاة أخرى أكثر ثراء، وسوف يحصل من أبيها على مهر أكبر، وهو موقف يحدث غالبا في السينمات الهندية.

ملصق فيلم “الفيل صديقي”

في تلك الفترة كان “راجو” يعيش في بيت مهجور، وحين يصيبه المرض تنطلق الأفيال للبحث عن طبيب لمُعالجته، حتى أنها تبكي حزنا عليه، وتؤدي الصلوات أمام تمثال الإله “غانيش” كي يشفى، وهي التي سوف تلاحق أيضا مربي القرود اللصّ، بعد أن ضرب “راجو” وسرق نقوده.

يدفع الأب ثمن كذبته، فتهجر ابنته المنزل، وتذهب للبحث عن “راجو” والعيش معه، ويعمل الاثنان مع الفيلة، وتنهال النقود عليهما في لقطاتٍ متتالية من قطع معدنية صغيرة إلى ورقية كبيرة (إشارة إلى ازدهار نشاطهما)، ويجمع “راجو” ثروة، ويشتري بيتا فاخرا يُخصص فيه حديقة كبيرة يجمع فيها أصدقاءه من الحيوانات.

يفرح الفيل “رامو” بمولد “سوراج”، فيهزّ سريره ويلعب معه، ولكنه يفهم ما تخشاه الزوجة، وحينها يبكي ويعطي “راجو” السلاسل كي يربطه إلى جذع شجرة، ولكن يؤدي إهمال الخادمة إلى سقوط الطفل في بركة ماء، فيكسر الفيل سلاسله ويُنقذه.

يصفح الفيل عن “راجو” بعد أن ضربه، ويحاول منع سيارة والد الزوجة من المُغادرة، وينقذ الطفل مرة أخرى من أفعى سامة، وخلال معركة مع خصمه وأحد أعوانه (مربي القرود الشرير)، ينقذ الفيل “راجو” من طلقةٍ رصاصة، ولكنها تُصيبه، وهكذا يضحي بحياته من أجل صاحبه.

في المشاهد الأخيرة، يقدم الفيلم جنازة الفيل، تتبعها نمور وأسود، حتى قبره الذي يتحول إلى ضريح يرتاده المؤمنون بالإله “غانيش”.

“جاكاما”.. وفاء الكلب الجريح ينقذ الصبي من حفرة الأفاعي

في الفيلم التاميلي “جاكاما” (Jakkamma) الذي أخرجه “س. م. كارنان” (1972)، يخطف زعيم العصابة الصبي “بابو” فيلحقه كلبٌ ينبح خلفه، فيتلقى رصاصة تصيب قدمه، وعندما يعود إلى القرية يعرف “جامبو” بأن “بابو” في خطر، ويذهب مع رجاله لتخليصه وإنقاذ أمه من الأسر.

وبفضل الكلب الجريح يعثر “جامبو” على مكانه في حفرة تحت الأرض محاطا بثعابين سامة، لا أعرف لماذا لم تلدغه حتى تلك اللحظة، وانتظرت وصول “جامبو” ورجاله حتى يقتلوها وينقذوا الصبي وأمه “جاكاما”.

تعتبر “جاكاما” زعيمةً وقديسةً بالنسبة لأهالي القرية، لأنها تقاوم بضراوة زعيم العصابة ورجاله الذين ينهبون ممتلكات الفلاحين ومحاصيلهم، ويقتلونهم ويحرقون منازلهم ويغتصبون نسائهم. إنه فيلمٌ يجمع بين أفلام الكابوي على الطريقة الإسبانية، ممزوجة ببهاراتٍ تاميلية حارقة.

“سري كانشي كاماكشي”.. جوقة الببغاوات مع الآلهة الهندية

في أحد المشاهد الغنائية من الفيلم التاميلي “سري كانشي كاماكشي” (Sri Kanchi Kamatchi) الذي أخرجه “ك. س. غوبالاكريشنان” (1978)، نجد بعض الآلهة الهندية تغني، وحولها ببغاوات تردد المقاطع، وكأنها جوقة في فرقةٍ موسيقية.

“المعبد”.. حيوانات تخطط للانتقام من عم العاشق الشرير

في الفيلم التاميلي “المعبد” (Kovil) الذي أخرجه “هاري غوبالاكريشنان نادار” (2003)، نرى “ساكتيفال” (الممثل سيلامباراسان راجيندر) الطالب الهندوسيّ في الجامعة يحب زميلة مسيحية، ولكننا نكتشف في نهاية الفيلم بأنها من عائلة مسلمة، وتبناها أحدهم بعد مقتل والديها في حادثة سيارة.

في هذا الفيلم المُقتبس من مسرحية “روميو وجولييت” على الطريقة التاميلية، يتجسّد الصراع بين عائلتين مختلفتي الديانة، ولكن الأهمّ أن الحيوانات تفكر، وتتحدث مع بعضها، وتنتقم من “باندي” عم العاشق “ساكتيفال” الذي تعامل في يوم من الأيام بفظاظةٍ مع كلب وبقرة وفيل وضربهم.

وتتحقق نبوءة أحد العرافين، فتنتقم الحيوانات على طريقتها في مشاهد موزعة على طول الأحداث، وتخفف المشاهد الكوميدية وطأة الأحداث التراجيدية التي تعصف بأهالي القريتين المُتحاربتين.

“اليائس”.. كلب مخلص يهزم الرصاص القاتل

في فيلم “اليائس” (Betaab) الذي أخرجه “راهول راوايل” (1983)، نرى قصة حب تقليدية بين الشاب الفقير “سوني” (الممثل سوني ديول)، وصديقة طفولته “روما” التي أصبحت فتاة جميلة (الممثلة أمريتا سينغ)، وهي ابنة الثري “سردار” (الممثل شامي كابور).

المُثير في هذا الفيلم ليس علاقة الحب التقليدية بين العاشقين، ووقوف الأب الثري حائلا بين زواجهما، ولكن تلك الشخصية الحيوانية التي تمنح حبها وإخلاصها للشخصيتين الرئيستين، إنه الكلب الذي يتخطى دوره في حراسة منزل “سوني”، وقضاء أوقات مرحة مع صاحبه/ صديقه.

الكلب الذي يصبح صديقا لبطل فيلم إيقاع

يلعب الكلب دورا مهما في مجريات الأحداث، عندما يشعر بأنّ صديقه في خطر، فيجري ويبحث عنه ويُنقذه، وهو أيضا يهاجم الأشرار كي يخلص “روما” منهم، ويتلقى رصاصة نحسبها قاتلة، ولكن يبدو بأن سيناريو الفيلم لا يريد نهاية مأساوية لهذا الكلب، فنجده في اللقطة الأخيرة حيا تلفه أربطة بيضاء، يعوي مبتهجا باللقاء العاطفي بين العاشقين، وينضم إليهما مثل طفل صغير.

“إيقاع”.. كلب صغير يصب الوقود على نار الحب

في فيلم “إيقاع” (Taal) الذي أخرجه “سوبهاش غاي” (1999) يتوضح دور الكلب الصغير في علاقته مع “فيكرانت” (الممثل أنيل كابور) الذي يحب “مانسي” (الممثلة أشواريا راي)، وفي المشهد الأخير من الفيلم يضيع وسط الزحام، ويتوجه نحو السيارة التي تجلس فيها “مانسي”، ينظر إليها بحب، وكأنه يدعوها إلى النزول والتوجه نحو حبيبها “فيكرانت”.

وهكذا نجد بأنّ حيواناتٍ معينة يتكرر حضورها الدرامي في الأفلام الهندية، الكلب بالدرجة الأولى، ويأتي بعده الحصان، ثمّ الطيور بأنواعها، يتبعها الفيل والثعبان، وفي نسبةٍ متساوية العنكبوت والأرنب والمعزة والجمل والفراشة، بينما تأتي الحيوانات الأخرى -ومنها البحرية- في أدوار ثانوية أو هامشية، وهذه الخلاصة لا تمثل إلا الأفلام المدرجة في هذه القراءة بالتحديد.


إعلان