“أديداس” و”بوما”.. خلاف عائلي يصنع أكبر شركات الأحذية الرياضية

خطّ التاريخ منذ القدم حروبا ومعارك أشعلتها مآرب توسعية طمعا في السلطة أو الأرض أو الثروة، وهي أسباب لا تزال تقسم دولا وتفتت أخرى، وفي المقابل يذكر أيضا أن حربا أطلقت شرارتها ناقة، وأخرى مباراة كرة قدم، لكن أن تَقسم وتُقَسِّم علامتا أحذية رياضية مدينة بأكملها إلى شطرين، فهو السبب الأغرب على مر التاريخ ربما.

في العام 1949، إثر نهاية الحرب العالمية الثانية وبدخول العالم في حقبة الحرب الباردة في بداية النصف الثاني من القرن العشرين، والتي شطرت العالم إلى معسكرين شرقي وغربي؛ دخلت بلدة هيرتسوجيناوراخ الألمانية في حرب باردة أيضا قسمت المدينة إلى نصفين، وكان السبب حذاء رياضيا، فقد اصطفت البلدة وراء علامتين من الأحذية، الأولى ذات شريطين ملونين، وهو شعار علامة “أديداس”، والثانية ذات شريط عريض، وهو شعار علامة “بوما” في بدايتها.

وُلدت شركتا “أديداس” و”بوما” المتخصصتين في صناعة الأحذية الرياضية في بلدة هيرتسوجيناوراخ في العام 1949، وذلك من رحم خلاف بين الشقيقين “رودولف” و”أدولف داسلر”، وقاد ذلك الخلاف العائلي إلى منافسة بين العلامتين، حتى أصبحتا في أعلى قائمة أكبر شركات الملابس الرياضية في العالم.

“أطفال الغسيل”.. مغسلة تتحول إلى ورشة لصناعة الأحذية

عاشت عائلة أدولف المكنى بـ”آدي” ورودولف المعروف بكنية “رودي” في بلدة هيرتسوجيناوراخ في ألمانيا، وكان والدهم “كريستوف فون داسلر” يعمل في شركة أحذية، أما الأم “بولينا سبيتولا” فهي تدير مشروع مغسلة صغيرة في منزلها، وقد أنجب الثنائي الابن الأكبر” فريتز”، والذي يليه “رودولف”، ثم “أدولف” ثم “ماري”.

حين كبر الأطفال، أصبحت “ماري” تساعد أمها في مغسلتها الصغيرة، أما باقي الأبناء فقاموا بمهمة التوصيل في أنحاء البلدة، حتى أنهم عُرفوا باسم “أطفال الغسيل”.

بضع سنين كانت تفصل الأبناء الثلاثة، فحين كان “أدولف” في المدرسة، كان “فريتز” أخوه الأكبر يعمل في أحد البنوك في مدينة ميونيخ، بينما كان الابن الأوسط “رودولف” يتعلم صناعة الأحذية مع والده، لكن حياة العائلة انقلبت شأنها شأن كل دول أوروبا، فحين اندلعت الحرب العالمية الأولى في العام 1914، توقف عمل الأم بسبب الحرب، بينما استُدعي أبناؤها الثلاثة الذين تجاوزوا سن الثامنة عشرة إلى الجبهة للقتال مع الجيش الألماني، وحين عاد الإخوة من الجبهة بدأ “أدولف” بالتفكير في بدء مشروع جديد مستغلا غرفة المغسلة الصغيرة في الطابق الأول بمنزل “آل داسلر”، وهناك تحولت المغسلة إلى ورشة لصناعة الأحذية، وكان ذلك في بداية عشرينيات القرن الماضي.

دعاية النازية.. أجواء مثالية لصناعة الأحذية الرياضية

في العام 1924 انضم الأخ الأوسط “رودولف” إلى أخيه “أدولف”، وأسسا “مصنع الإخوة داسلر للأحذية”، وحالف الحظ الشقيقين “داسلر” مرتين، ونالا فرصتين عززتا ازدهار تجارتهما، الأولى حين لقي منتوجهما الذي يصنّعانه رواجا كبيرا، رغم أن أغلب الألمان لم يكونوا مهتمين بالرياضة، أما الفرصة الثانية فنالاها حين اعتلى “أدولف هتلر” الحكم في العام 1933، فقد عزز شأن الرياضات في ألمانيا باعتبارها إحدى عجلات الدعاية لحزبه في ذلك الوقت.

تقول الكاتبة “باربارا سميت” في كتابها “حرب الأحذية” إن “أدولف” المعروف باسم “إيدي” لم يكن منتميا للحزب النازي، فقد أخفى في الحرب العالمية الثانية عائلات يهودية، كما كانت له معاملات تجارية مع تجار الجلود اليهود.

وتقول في حوار لها مع صحيفة “نيوزويك”: كان من الصعب جدا على أي شركة ألمانية خلال ذلك الوقت الاستمرار في العمل دون أن يكون لها رابط ما مع الحزب النازي، خاصة إذا كانت الشركة تنشط في مجال ذي علاقة بالرياضة التي كانت في صميم آلة الدعاية النازية.

دورة الألعاب الأولمبية.. سباق الأحذية إلى أقدام الرياضيين

ربط الإخوان “داسلر” علاقات مع مسؤولين رياضيين في تلك الحقبة، وقد ساعد ذلك بالتأكيد في أن تُفتح لهما أبواب إلى الملاعب الأولمبية في الدورة التي نظمتها ألمانيا النازية في العام 1936، بل للوصول إلى العدّاء الأمريكي المعروف “جيسي أوينز”.

العداء الأمريكي “جيسي أوينز” كان فوزه إشهارا لشركة أحذية داسلر في دورة الألعاب الأولمبية عام 1936

استفاد الأخوان من مواهب مختلفة كانا يتمتعان بها، أما “أدولف” فهو رجل موهوب، وهو من صمّم الأحذية من بقايا مظلات المحاربين التي خلفتها الحرب العالمية في بداية تصنيعه للأحذية الرياضية، أما “رودولف” فهو البائع الذي يملك موهبة التجارة والتسويق.

نمت شركة “الإخوة داسلر للأحذية” بسرعة في ظل سنوات حكم الحزب النازي، وذلك بسبب الطلب المتزايد على الأحذية التي تُصنّعها الشركة بعد أن أصبحت الرياضة في ألمانيا النازية إحدى الركائز التي دعمها الحزب آنذاك.

تقول “باربارا سميت” في كتابها “حرب الأحذية”: التقى “أدولف” مع “جوزيف ويتزر” مدرب سباقات المضمار والفريق الأولمبي الألماني، وكان ذلك اللقاء منعرجا سيغير حياة الشقيقين “داسلر” إلى الأبد، فقد بدأ في العام 1933، حين استولى “أدولف هتلر” على السلطة في ألمانيا.  كان من المقرر أن تقام دورة الألعاب الأولمبية لعام 1936 في برلين بألمانيا، حين كان “جوزيف ويتزر” مدربا لعدد من الرياضيين النازيين، وارتدى معظمهم الأحذية التي صنعتها شركة الإخوة “داسلر”، غير أن “إيدي” سعى لأن يرتدي العدّاء الأمريكي “جيسي أوينز” الحذاء الذي تنتجه شركته، وكان له ذلك. وقد فاز “أوينز” بأربع ميداليات ذهبية في تلك الدورة، وكان ينتعل حذاء الإخوة “داسلر”.

كان فوز العدّاء الأمريكي “جيسي أوينز” إشهارا مميزا لـ”شركة أحذية داسلر”، فقد تمكنت من إزاحة صانعي الأحذية الذين حزموا حقائبهم إلى برلين للفوز بسيقان العدائين وباقي الرياضيين.

مضاد المدرعات.. تسخير الصناعة لنُصرة الجنود في الميدان

في العام 1943 انتهت فسحة نجاح الأخوين “داسلر”، فقد بدأ الحزب النازي بتنفيذ خطة التعبئة الشاملة التي دعا إليها “غوبيلز” أحد مقربي “أدولف هتلر”، وتحولت المصانع الصغيرة والمتوسطة إلى صناعة حرب، ولم تكن أي شركة بمنأى عن استعمال تجهيزاتها وآلاتها من أجل تصنيع السترات المجهزة بجيوب لحمل الرصاص، وأصبحت شركة “هوغو بوس” الشهيرة على سبيل المثال منشأة عسكرية، وهو الأمر ذاته بالنسبة لشركة الأخوين “داسلر”.

مصنع “الإخوة داسلر للأحذية” أصبحت تعمل على تصنيع سلاح بانزيرشريك المضاد للمدرعات بدلا من الأحذية

أصبحت آلات مصنع “الإخوة داسلر للأحذية” تعمل لتصنع أسلحة بدلا من الأحذية، بعد أن تلقى عمال شركة الأحذية سابقا تدريبا مختصرا لصناعة السلاح، وأصبحت الشركة تصنع سلاح “بانزيير شريك” المضاد للمدرعات، وينقل المؤرخ الألماني “مانفريد ويلكر” شهادة عن عامل سابق بالمصنع المذكور يقول فيها: كان تصنيع “بانزيير شريك” بسيطا جدا، لدرجة أنه بقدر قليل من الممارسة لم يواجه العمال غير المهرة أي مشاكل في تصنيعها.

كان السلاح الذي صنعته الشركة حاسما للمساعدة في نصر الجنود الألمان، بقدر ما كانت أحذيتها حاسمة بالنسبة للرياضيين في أولمبياد برلين في العام 1936، فقد كان سلاح “بانزيير شريك” دعامة صلبة لمشاة الجيش النازي باعتباره سلاحا مضادا للمدرعات على بعد مسافات بعيدة.

“داسلر”.. انتصار في الحرب العالمية الثانية

في شهر أبريل/نيسان من العام 1945، كان الجنود الأمريكيون قد انتشروا في شوارع بلدة هيرتسوجيناوراخ، وأصبح مصنع الإخوة “داسلر” الذي تحول إلى ورشة لتصنيع سلاح “بانزيير شريك” المضاد للدبابات هدفا عسكريا للآلات العسكرية الأمريكية، غير أن الأمريكيين عدلوا عن فكرة تدمير المبنى.

يُروى أن الجنود الأمريكيين قد يكونون غفروا لمصنع آل “داسلر” بعد أن أقنعتهم زوجة “أدولف داسلر” بأن الشركة مهتمة فحسب بتصنيع الأحذية الرياضية، غير أن “جمعية ذكرى أدي وكايت داسلر” التي أسستها ابنتهما “سيغريد داسلر” تذكر أن والدها وعمها كافحا من أجل بقاء شركتهما بعد اجتياح الأمريكيين مدنا ألمانية في مايو/أيار سنة 1945.

وتذكر الجمعية في موقعها الرسمي أنه كان للأمريكيين مصلحة في نجاح الاقتصاد الألماني، لذلك استفادت شركة الأخوين من ذلك التوجه، مثلما استفاد “أدولف داسلر” من تواصله مع جنود أمريكيين كانوا يقيمون في منزل عائلته بعد وصولهم للمدينة حتى يتمكن من استئناف إنتاج الأحذية. وكان “أدي” قد نفض عنه تهمة الانتماء للحزب، رغم أنه لم يتمكن من إدارة الشركة بنفسه طيلة عامين، حين أقسم صديق يهودي أن “أدولف” آواه في منزله وحماه من النازيين. حينها قامت الشركة من جديد ونفضت جناحيها مثل طائر فينيق وُلد من كومة نيران لتحلق عاليا.

مصنع الإخوة داسلر للأحذية في بلدة “هيرتسوجيناوراخ”

وقف الحظ من جديد إلى جانب شركة الأخوين “داسلر” بعد أن غنمت فرصة فتح سوق جديدة تحت أكوام الدمار الذي خلفته الحرب العالمية الثانية، وكان الحرفاء هذه المرة الجنود الأمريكيين الذين تبركوا بأحذية داسلر، تعويذة بطلهم العداء “جيسي أوينز” الحائز على أربع ميداليات ذهبية في أولمبياد برلين في العام 1936.

استرجعت شركة الإخوة “داسلر” صيتها وحققت مبيعات جيدة، غير أنها سرعان ما ستسير نحو الاضمحلال بسبب حرب باردة أشعلها خلاف غير مفهوم بين الشقيقين “رودولف” و”أدولف”.

شرارة أحرقت خيوط العلاقة التجارية والدموية.. سر الحرب الباردة

لم يحسم الباحثون بتاريخ شركتي “أديداس” و”بوما” في الشرارة التي أحرقت كل خيوط العلاقة التجارية والدموية بين الأخوين “داسلر”، غير أن “باربارا سميت” قالت في كتاب ثان لها بعنوان “اقتحام الملعب” إن الخلاف بين الشقيقين قد يكون سببه قبض الأمريكيين على “رودولف” واتهامه بأنه منتم للحزب النازي.

وتقول “سميت” إن “رودي” كان مقتنعا تماما أن أخاه هو من وشى به، وتطرح سببا محتملا آخر للخلاف الأبدي بينهما يتعلق بزوجتيهما، وهو ما يؤكده تقرير لموقع “لوبوان” الفرنسي الذي يرجح فرضيات كثيرة للخلاف، وهي غيرة “رودولف” الأخ الأكبر من أخيه بعد أن أرسله النازيون للجبهة، في حين ظل “أدولف” في منصبه ليدير أعمال العائلة، ودور الزوجات في الخلاف الأزلي، أو ربما خيانة “رودولف” لأخيه المعروف بأنه زير نساء، وربطه علاقة مع زوجة أدي،  حسب تقرير لموقع “ذي إنسايدرز”، لكن كما يقول “يورج داسلر” حفيد “رودولف”، فإن “السر لم يُكشف أبدا حتى للأحفاد”.

تروي الكاتبة “باربرا سميت” من جهتها تفاصيل أخرى ربما تكون  شرارة الحقد بين الأخوين، وتقول في كتابها “حرب الأحذية”: حين بدأت الحرب العالمية الثانية، جُند الأخوان “أدولف” و”رودولف”، غير أنه سرعان ما عاد “أدي” إلى المصنع، وأدت الأحداث التي تلت ذلك إلى انهيار علاقتهما تماما، فقد شعر “رودولف” بالحنق من تسريح شقيقه في حين بقي هو في الجبهة، وراسل الحكومة الألمانية بخصوص ذلك، ثم قرر “رودي” الهرب، لكن ألقي عليه القبض من قبل البوليس السري في مرة أولى، ثم بعد خروجه وبعد دخول الحلفاء إلى مدن ألمانية، قبض الأمريكيون على “رودي” مرة أخرى، واحتجز لمدة عام تقريبا، قبل أن يفرج عنه في يوليو/تموز من العام 1946.

 

وتعقبها روايات أخرى عن شجار علني في أحد الملاجئ، حيث اختبأت العائلة من القصف، وقال “أدولف” معلقا على عودة قصف الحلفاء بالتوازي مع دخول عائلة أخيه إلى الملجأ “ها قد عاد الملاعين مرة أخرى”، فظن “رودولف” أن أخاه كان يقصد عائلته لا طائرات الحلفاء، وبنهاية الحرب العالمية الثانية وزحف العالم نحو حرب جديدة باردة، دخل الأخوان في حرب باردة أنهت علاقتهما، وأسست لبناء شركتين أصبحتا بمثابة المعسكرين الأعداء.

انقسام الشركة.. جدار يقسم المدينة إلى الأبد وحذاء يحدد الولاء

في العام 1948 قرر “رودولف داسلر” الابتعاد عن أخيه إلى الأبد وفض الشراكة بينهما، حين توجه إلى عمال الشركة قائلا “من يريد العمل معي فليأت، ومن يريد الاستمرار مع أدولف فليبق”، وحينها انتقل قسم من العاملين في مجال التسويق مع مديرهم، بينما قرر بقية العمال الاستمرار مع “أدولف”.

وفي العام 1949، وبعد نزاع على اقتسام الشركة، أسس “رودولف داسلر” شركته وأراد تسميتها “رودا” في البداية، لكنه ارتأى أن الاسم ليس مناسبا، فاستبدل حرفين لتتأسس شركة “بوما”، في حين أسس أدولف شركة “أديداس” التي تحمل الحروف الأولى من كنيته ومن لقبه العائلي، لتعلن في ذلك الوقت ولادة عملاقين في صناعة الملابس الرياضية، خاضا حروبا تجارية للفوز بأسواق جديدة، وبتلك الولادة انقسمت المدينة إلى معسكرين يميل كل منهما إلى إحدى الشركتين.

يقول الصحفي الألماني “رولف هربرت بيترز” في شهادته في أحد التقارير الصحفية: “كان الانقسام بين الأخوين “داسلر” بالنسبة إلى هيرتسوجيناوراخ بمثابة بناء جدار برلين للعاصمة الألمانية”. وبينما سقط جدار برلين، فقد ظل العداء قائما بين الشركتين.

ينقل تقرير لموقع “20 دقيقة” الفرنسي شهادات لسكان من البلدة الألمانية عاشوا حقبة تلك الحرب الباردة بين شركتي الأخوين العدوين، والتي أصبحت تُعرف ببلدة السكان الذين يخفضون عيونهم في الأرض، ويقول التقرير إن السكان أصبحوا يحددون علاقاتهم بالآخرين وفق شعار الحذاء الرياضي الذي يلبسونه.

ويقول الكاتب “ريتشارد هوفر” في كتابه “شيء ما في الهواء.. العاطفة الأمريكية والتحدي في أولمبياد مكسيكو سيتي عام 1968”: يقال إن السكان كانوا يسيرون في الشارع ورؤوسهم منخفضة إلى الأسفل، حتى يتمكنوا من التحقق من أحذية جيرانهم، وبالتالي تحديد ولاءاتهم. فكان لأتباع “أديداس” حاناتهم ومغازاتهم التي لا يدخلها أتباع “بوما” والعكس صحيح.

الأخوان داسلر وهما من قاما بتأسيس شركتي “أديداس” و”بوما”

ويذكر تقرير الموقع الفرنسي أن آثار العداء والولاء بين سكان بلدة الأخوين “داسلر” لا تزال قائمة، إذ يقول ستيني من سكان البلدة تابع لمعسكر “بوما” في شهادته لصحفي الموقع إنه لن يشجع المنتخب الألماني الذي يرتدي قميص أديداس المقرف.

“بيليه”.. عقد مع الأسطورة البرازيلي يخرق الهدنة

اتخذت شركتا “بوما” و”أديداس” من المدينة الصغيرة مقرين لشركتيهما، وتبعد كل منهما عن الأخرى مئات الأمتار، وبدأت الحرب بين الشركتين حين تنازعتا على براءة اختراع حذاء رياضي للعدو.

تواصلت الحرب مع قدوم بطولة العالم لكرة القدم في العام 1954، فقد استغل “أدولف داسلر” خلافا بين مدرب المنتخب الألماني آنذاك وبين شقيقه، لتستحوذ شركة “أديداس” على حصرية تزويد منتخب ألمانيا بالأحذية. حينها وقف الحظ إلى جانب المنتخب الألماني، وفاز ببطولة العالم فوق أرضية معشبة مليئة بمياه الأمطار، وبدا أن حذاء “أديداس” قد ساعد المنتخب على الفوز بسبب صلابة تمسكه بالأرضية المبللة.

احتدت الحرب بين الشركتين حين عمدت شركة “أديداس” إلى عرقلة وصول أحذية “بوما” إلى المكسيك خلال الألعاب الأولمبية في العام 1968 التي نظمتها تلك الدولة، وكان لزاما على الشركتين وضع هدنة تحضيرا لكأس العالم 1970، وسميت تلك الهدنة باتفاق “بيليه”.

نجم كرة القدم البرازيلية “بيليه” في دعاية لشركة “بوما”

حينها كان نجم كرة القدم البرازيلي “بيليه” في أوج شهرته، واتفقت الشركتان على عدم توقيع أي اتفاق دعاية مع البطل العالمي، لكن شركة “بوما” خرقت ذلك الاتفاق حين وضع صحفي يدعى “هانس هينينغسن” عقدا مغريا بـ25 ألف دولار أمام الأسطورة البرازيلي حتى يحمل حذاء “بوما”، فوافق “بيليه” وهو لا يعلم شيئا عن الهدنة بين الشركتين، وكانت لقطة وقوفه أمام كاميرات القنوات التلفزيونية خلال مباراة في بطولة العالم سنة 1970 دعاية عملاقة للشركة ليحتد العداء بين أديداس وبوما.

موت الأخوين.. نهاية الشرارة لا تنهي الحرب ولو بعد حين

في العام 1974 توفي “رودولف داسلر” عن عمر يناهز الـ74 عاما، وبعد ذلك التاريخ التحق به أخوه “أدولف”، ودفن قبالة قبر أخيه.

لم يودع الشقيقان بعضهما ولم يحسما خلافهما، وخلّفا شركتين عملاقتين استحوذتا على عقود الدعاية لأكبر المنتخبات والفرق الأوروبية، ففي بطولة أوروبا في العام 2021 دعمت “أديداس” ثمانية منتخبات أوروبية، ووقعت عقد دعاية مع فريق ريال مدريد بقيمة 125 مليون يورو في السنة، أما “بوما” فوقعت عقودا مع أربعة منتخبات في أوروبا بقيمة 27 مليون يورو.

لم تهدأ نزاعات الشركتين حتى بعد خروج ورثة “داسلر” من إدارتهما، وكان أشهرها النزاع على براءة ابتكار حذاء “إنارجي” الذي صنّعته شركة “بوما”، ففي العام 2016 قدمت “أديداس” دعوى ضد “بوما” من أجل منعها من تصنيع ذلك الحذاء بتعلة أنه نسخة مطابقة لحذاء صنعته في العام 2013، وفي العام 2017 قدمت “بوما” التماسا قضائيا من أجل منع ترويج حذاء “ستان سميث” في نسخته الجديدة، بحجة أنه استنساخ لأحد أحذيتها التي طورتها في العام 2011، وأعلنت عن ترويجها في العام 2013.