“ست الحبايب”.. أهازيج صادقة تعطر أعياد الأم منذ ستين عاما

في هذا الفيلم من سلسلة “حكاية أغنية” تروي الجزيرة قصة أغنية “ست الحبايب” التي أصبحت أيقونة عيد الأم على مر السنين، لحنها موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب وغنتها الفنانة الكبيرة فايزة أحمد، وهي من كلمات الشاعر حسين السيد.
ست الحبايب يا حبيبة
يا أغلى من روحي ودمي
يا حنينة وكلك طيبة
يا رب يخليك يا أمي
زمان سهرتي وتعبتي وشلتي من عمري ليالي
ولسه برضه دلوقتي بتحملي الهم بدالي
أنام وتسهري وتباتي تفكري
وتصحي من الأذان وتيجي تشقري
بعض العناوين التي تتصدر الأوراق البيضاء كبيرة جدا؛ أكبر من أن تصطفّ تحتها الكلمات لتكتب عنها ولها، أوسع من أن تحيط بها اللغة، أعلى من أن تطاولها الحروف؛ مثلا: الوطن، الحب، الصداقة… وهذا العنوان “ست الحبايب”.
محمد عبد الوهاب.. أغنية الذكرى الثالثة لعيد الأم
قد يكون من العبث أن تأتي على ذكر كيفية نشأة عيد أو يوم الأم، وكل الأيام أيامها وكل الأعياد أعيادها، لكنها مقتضيات الضرورة أحيانا، إذ احتفل العالم بأول عيد أم عام 1914 وبقرار جمهوري في الولايات المتحدة بدعوة من محافل نسوية هناك.
تبنى الفكرة فيما بعد الكاتب علي أمين في مقال له في جريدة الأخبار المصرية التي كان يعمل بها، وعرضها على وزير الثقافة آنذاك، فقبلها فورا، وأصدر قرارا وزاريا باعتبار يوم 21 مارس/آذار من كل عام عيدا للأم وهو بداية فصل الربيع، وتقرر إقامة أول عيد أم في العام 1956.
العيد الثالث للأم طلبت زينات الجداوي -وهي مقررة لجنة العيد- من الموسيقار محمد عبد الوهاب أن يعمل على أغنية تتناسب مع عظمة هذه الاحتفالية، ولم يتوان أبدا في تلبية هذا الطلب، خصوصا أنه كان محبا جدا لوالدته، حتى لقد خلت حجرة نومه من أي صورة عدا صورتها.

تعيشي ليا يا حبيبتي يا إمي
ويدوملي رضاك
أنا روحي من روحك أنت
وعايشه من سر دعاكي
بتحسي بفرحتي قبل الهنا بسنة
وتحسي بشكوتي من قبل ما أحس أنا
يا رب يخليك يا أمي
حسين السيد.. كلمات ساحرة تلهب المشاعر
طلب محمد عبد الوهاب من فوره من صديقه المقرب جدا الشاعر الغزير حسين السيد كتابة أغنية لهذه المناسبة، فلبّى طلبه بأسرع مما يتوقع؛ كيف لا وهي الأم وست الحبايب كما كانت أمه تردد هذا الوصف الجميل الذي كان بالنسبة له بمثابة شرارة ألهبت فكره وقلبه وقلمه، فراح يتدفق بأصدق وأرقّ وأجمل ما كُتب على الإطلاق لهذه المناسبة.
بسلاسة وشجن وعذوبة يأخذك في رحلة قصيرة من أحاسيس ومشاعر تصف معاناة الأم وحبها وفرحها وحزنها وعنايتها لأطفالها حتى يكبروا.
أكاد أجزم أن العصافير طربت واقفة على أسلاك الهاتف وحسين السيد يسمع عبد الوهاب كلمات الأغنية خلال وقت قصير جدا من تكليفه بها.
لو عشت طول عمري أوفي جمايلك الغاليه علي
أجيب منين عمر يكفي وألاقي فين أغلى هدية نور عيني ومهجتي وحياتي ودنيتي لو ترضي تقبليهم دول هما هديتي يارب يخليكي يا أمييا ست الحبايب يا حبيبة
فايزة أحمد.. حنجرة صادقة تترنم بأغنية خالدة
في اليوم التالي مباشرة لكتابة الكلمات يدعو محمد عبد الوهاب الفنانة الكبيرة جدا فايزة أحمد للقائه، بمعية حسين السيد، لضبط اللحن والتعديل والبروفات، إنه الإحساس واللحن الصادق والشّعر العذب وصوت فايزة الشجيّ المحايد الذي يجمع بين الفرح والحزن في آن معا.
كل ذلك دفع بالأغنية (الأيقونة) بهذه السرعة وهذا الألق لتتصدّر الطلبات في الإذاعة المصرية، لا بل ولتحل بدل برامج أخرى من كثرة إذاعتها وعرضها على الجمهور المأخوذ بها، ولا عجب أنها حقا أغنية تثير الشجن والدموع ويخفق لها القلب بحضور الأم وبغيابها أكثر وأشدّ.
انطلاق التلفزيون.. فيديوكليب لأغنية عابرة للأجيال
لم يقف تأثير الأغنية الطاغي على هذا الشكل بل عززه أيضا المخرج محمود الصيفي عندما قام بتصوير فيديو كليب للأغنية مع بدء انطلاق التلفزيون في العام 1960، واستعان على ذلك بالفنانة عزيزة حلمي ومحمد عوض وزهرة العلا، ذلك أن الأغنية قريبة جدا من الدراما وسهلة وقابلة جدا لاستخدام تقنيات التصوير المتعددة مثل الفلاش باك وغيرها، مما ساهم في أن تكون أغنية المناسبات الأولى على الإطلاق، إنها أغنية عابرة للأجيال إن صح التعبير.

تمكنت فايزة أحمد من إعطاء الأغنية حقها بما تملكه من صوت شجي وعاطفة صادقة، فخرجت الأغنية بهذا الشجن والرّقة واللطف والحُسن، وكأن فايزة أحمد أعطت الأغنية نفَسا من روحها؛ ها هي ذي بعد أكثر من ستة عقود غابت فايزة وبقيت “ست الحبايب” دفقة نبض صادقة وأيقونة احتفال بيوم الأم لا تعادلها أغنية أخرى.