“نشيد العمّال”.. ملحمة تنبثق من الزويرات إلى مدن المغرب العربي والمهجر

اتسمت فترة نهاية الستينيات وبداية السبعينيات في موريتانيا بأحداث مؤثرة، أهمها على المستوى الدولي هو الانفجار الذي حدث في فرنسا في مايو/أيار 1968 وشكّل انطلاقة ثورية لحركات احتجاجية في فرنسا ومستعمراتها السابقة، ومن أبرز صور ذلك الانفجار في موريتانيا ما سمي بأحداث يونيو/حزيران 1968 في مدينة الزويرات.

فقد انتفض العمال الموريتانيون بوجه الشركة الفرنسية التي تستخرج الحديد من شمال البلاد، مطالبين بحقوقهم، مما أدى إلى قمعهم بوحشية بالرصاص الحي، وقد سقط جراء ذلك عدد من القتلى والجرحى، وشكّل ذلك الحدث انتفاضة في أنحاء موريتانيا لمناصرة العمال.

كانت البلاد تغلي، وكان عمال الزويرات أيضا قد دخلوا في إضراب جديد، فجاء نشيد العمّال تعبيرا عن غليان نقابي شبابي موجّه ضد الاستعمار الجديد، ومحاولات تجهيل العمال بحقوقهم، في مقابل تأمين المكاسب لأرباب العمل الجشعين:

ضحايا الشقا يا ضحايا الفساد
يـعُـمُّ الفساد عـمـومَ البلاد

كانت رسائل الشاعر أحمدو ولد عبد القادر، مؤلف قصيدة “نشيد العمال”، منسجمة مع هذا السياق، فسببها الرئيسي أحداث الزويرات، ورسائلها ضمان الحقوق ومحاربة الفساد، وذلك واضح من خلال أبيات القصيدة، وهي التي أفردت لها الجزيرة الوثائقية حلقة خاصة من سلسلة “حكاية أغنية”، للحديث عن تأثيرها واتساع رقعة انتشارها.

“نريد حياة بلا ظالمين”.. مطالب العدالة في صفوف الكادحين

يقول الشاعر أحمدو عبد القادر:

فماذا نقول وماذا نريد
نريد حياة بلا ظالمين

الشاعر أحمد ولد عبد القادر كاتب قصيدة “نشيد العمّال”

فالشاعر يخاطب العمال وطبقات الكادحين، يريد العدالة الاجتماعية ورفع الظلم، ولذلك فقد أصبحت القصيدة نشيدا وطنيا في معظم المهرجانات واللقاءات الجماهيرية في البلاد:

تعبنا، سئمنا، صرعنا الرمال
نبشنا المعادنَ عبر الجبال
عملنا الكثير، صنعنا المحال
وكل الجهود وكل الثمار
تعودُ مكاسبَ للمترفين

“نهوضا لنطعن حكم الفساد”.. نشيد الطلاب والعمال العابر للحدود

غدت هذه القصيدة النشيد اليومي لطلاب المدارس والعمال، يتغنون بها بسبب شاعريتها المتدفقة، وسهولة حفظها وبساطة معانيها، وما فيها من وقْعٍ موسيقي جميل باستخدام هذا البحر القصير، كما أن مضامينها تحث على نهوض جميع طبقات الشعب ضد الظلم والفساد، وخصوصا بين أجيال الطلاب والشباب.

أغنية “نشيد العمّال”

وقد كان الشاعر صاحب قضية واضحة يدافع عنها ويحشد لها الأنصار، ولأنها كانت قضية جامعة فقد كانت عابرة للحدود، فتغنى بها التونسيون والكثير من أهل المغرب العربي.

نهوضا لــنطعن حكم الفسـاد
ونقضـي على الظلم والعابثين
فهل تحسبـون بأنَّا نسينـا
رفاق البطــاح، رفاق الجــراح
حقوقا تُضـــاع، دماء تُســال
جموعٌ تثـور على المجرميـن

ومن الطريف أن طلابا موريتانيين في التسعينيات وجدوا مجموعة من العمال التونسيين يغنون النشيد في أحد المصانع، توارثوه منذ السبعينيات من الطلاب الموريتانيين الوافدين، وعندما سئلوا لمن هذا النشيد قالوا لا ندري، ولكن سمعناه من إخواننا الموريتانيين.

“أولاد المناجم”.. رحلة النشيد إلى مدن تونس والمهجر

في تونس كانت الظروف صعبة، وليست أحسن حالا من شقيقاتها دول المغرب، وكانت حوادث العمل خطيرة ونسبة الوفيات تتزايد بين صفوف العمال، تصل إلى خمس وفيات وأكثر في العام.

فقام العمال هناك بتأسيس فرقة “أولاد المناجم” الإنشادية، وكان نشيد العمال من بواكير أعمالهم الغنائية، وتناولوا في أعمالهم كل ما يتعلق بهموم العامل اليومية، من حوادث العمل وتحسين شروطه والبطالة وتحيق العدالة في الفرص.

نهوضا لنكسِـر قيْدَ اللصـوص
وندفـع رايتنـا للأمـام
لنطلع وجـه الصباح الجـديـد
ونــهدم بالعنف عُشَّ الظـلام

فرقة “أولاد المناجم” تؤدي عرضا غنائيا لـ”نشيد العمّال”

حصل أحد أعضاء الفرقة على النشيد من أحد الزملاء الموريتانيين، وقاموا بتلحينه وحفظه خلال أربعة أيام، وقد استحسن جمهور العمال من حولهم هذه الأغنية، ومن بعدها طارت شهرتها في أنحاء التونسية، وسافرت الفرقة إلى عدة مدن ليسمع الجمهور التونسي هذا النشيد المميز.

اشتهر النشيد في أوساط العاملين، وهاجر مثل أصحابه إلى الدول الأوروبية، وغناه العاملون من تونس ودول المغرب في بلجيكا وفرنسا وغيرها من الدول الأوروبية، ولاقى النشيد نجاحا باهرا حتى يومنا هذا، بل أصبح اسمه “نشيد الشعب”، لأنه يمثل همّ كل طبقات المواطنين من طلاب وعاملين.