فرقة 4 مارس النسائية.. ألحان التوعية والوطنية منذ استقلال جيبوتي

“تراثنا ثابت لا نستطيع تركه”

“تراثنا ثابت لا يسقط ولا ينهار”

“الله يحفظ تراثنا فهو ثابت أصيل في عروقنا”

بهذه الأغنية الجيبوتية الشعبية افتتحت قناة الجزيرة الوثائقية فيلمها عن “فرقة 4 مارس النسائية” التي اختصت بالأغاني الشعبية الحماسية ورقصات الفلكلور الجيبوتي.

وقد التقت كاميرا الفيلم اثنتين من العضوات المؤسسات للفرقة، وهما: “دهبو علي بقيرو” الملقبة “جيلو”، و”عائشة حسين بوح” الملقبة “عائشة بسلي”، وهما الوحيدتان من المؤسسات للفرقة اللتان بقيتا داخل جمهورية جيبوتي.

أما بقية المؤسسات فقد سافرن إلى أنحاء متفرقة من العالم، وبعضهن سافر إلى أوروبا وأمريكا، وبعضهن إلى الدول العربية، وأخريات توفاهن الله.

طرد الاستعمار.. فرقة الاستقلال التي تنشر الوعي

قبل تشكيل الفرقة، كانت جيبوتي تحت الاستعمار الفرنسي، وكما هي حالة بقية الشعوب العربية التي بدأت آنذاك بالتحرر من الاستعمار، بدأ الشعب الجيبوتي بالتحرك لطرده منذ سنة 1976. وقد تحقق له ما أراد، وتحررت جيبوتي عام 1977.

باقتراح من الحزب الحاكم تم تأسيس فرقة غنائية لنشر الوعي لدى الشعب

وبعد تحرر البلاد من الاستعمار، فكر الحزب الحاكم بتأسيس فرقة غنائية لنشر الوعي لدى الشعب، وإيصال أفكار الحزب إلى الجمهور. وفعلا تأسست الفرقة عام 1979، وبدأت نشاطها الفعلي عام 1980.

تقول “عائشة بسلي”: دخلنا مجال الفن من أجل محاربة الاستعمار، فحينها لم تكن هناك معاهد تعليم غناء ولا أكاديميات للفن، فكنا نتعلم الفن والرقص الشعبي في ملعب كرة القدم.

وكان المشاركون من جميع أنحاء جيبوتي ومن مختلف المستويات الاجتماعية ومن كل أطياف المجتمع ومن كل القبائل، رجالا ونساء.

تتعلم المشارِكات كيف يتحركن معا على المسرح ويرقصن ويغنين معا

وبمناسبة يوم الاستقلال، حددنا مكانا للاحتفال، وذهب الجميع ركضا إلى مكان الحفل، غير مصدقين أنفسهم، فلقد كانت فرحتهم لا توصف بأن تحرروا أخيرا من الاستعمار. وكان يوما مشهودا وكانوا جميعا يغنون ويرقصون:

“لقد تحررنا اليوم”

“لقد تحررنا اليوم”

“لقد تحررنا من مصيبتنا التي أصابتنا في أغادير”

معلمات الفرقة.. نقل التراث من جيل إلى جيل

تقول “عائشة بسلي”: أنا من عائلة متعلمة، وإخواني كلهم متعلمون، وقدت اخترت أن أكون فنانة، ولم تشكل عائلتي عائقا في طريقي، بل شجعوني.

وفي الفرقة تتعلم النساء كثيرا من المهارات، مثل التمثيل والغناء المنفرد والرقص والغناء الجماعي والعزف، وغير ذلك. و”عائشة” الآن معلمة في الفرقة، فكما تعلمت سابقا، فهي الآن تعلم الفتيات الصغيرات الغناء والرقص.

في الفرقة تتعلم النساء كثيرا من المهارات، مثل التمثيل والغناء المنفرد والرقص والغناء الجماعي والعزف

أما “أفراح جيرة بلة” فتقول إنها انضمت إلى الفرقة عام 1999، فقد كانت عائلتها تحب الفن، وجدّتها شاعرة مشهورة، وأما والدتها فكانت تصنع الأشياء الفنية اليدوية، ولم تكن هنالك مشكلة مع الفن في عائلتها.

وتروي “فاطمة محمد لوباك” أنها دخلت مجال الفن قبل انضمامها إلى الفرقة، فقد كانت صغيرة آنذاك، وفي نفس الوقت كانت خائفة، ولكنها فيما بعد تعودت مع مرور الأيام ولم تعد تخاف، ففي البداية رفض أهلها عملها في المجال الفني لخوفهم عليها بسبب صغر سنها، ولكنهم في نهاية الأمر قبلوا بالأمر الواقع.

تعليم العادات والتقاليد.. مسار مستمر رغم تراجع الإقبال

تقول “جيلو” -وهي إحدى مؤسسات الفرقة- إنها لم يدخلها أحد إلى المجال الفني، بل هي من اجتهدت ودخلت المجال بنفسها. ورغم رفض عائلتها للأمر -وما زالت ترفضه حتى الآن- فإنها متمسكة به، وقد أكملت المسار، ففي وقت دخولها الفن كانت مغنية فقط، ثم فضلت التخصص بالعزف على البيانو.

“عائشة حسين بوح” الملقبة “عائشة بسلي” واحدة من مؤسسات فرقة 4 مارس”

وكان عدد المتعلمين والمقبلين على تعلم الفن سابقا كبيرا، وكان المشاركون في الفرقة من الجنسين كثيرين، على عكس هذه الأيام، فقد بلغ عددها أعضائها فقط تسع نساء، فما إن تنضم المشاركة الجديدة للفرقة حتى تتغير حياتها، فتتعلم في البداية العادات والتقاليد لمدة ستة أشهر، قبل تعلمها الفن والغناء.

وإلى جانب ذلك تتعلم المشارِكات كثيرا من الأشياء، مثل الوقوف صفا واحدا على المسرح والنظام، وكيف يتحرك الجميع ويرقصون ويغنون معا على المسرح، وكيف يكونون على الخشبة إخوة، فلا يوجد فرق بين عفري وصومالي، ولا بين فرد وآخر.

عصرنة الموسيقى.. لغة يفهمها العالم وتحصد الجوائز

للفرقة مشاركات سنوية في المهرجانات العالمية في كل أنحاء العالم، في أفريقيا وفي أمريكا وأوروبا، وخصوصا فرنسا، وهي تحصد كثيرا من الجوائز. وتقام المسابقات عادة في الغناء والرقص الشعبي، ودائما ما تحصل الفرقة على المراكز الأولى، حتى غدت مشهورة عالميا بسبب اجتهادها ومثابرتها وتدريبها المستمر، وبسبب حبها للفن.

للفرقة مشاركات دورية في المهرجانات العالمية في كل أنحاء العالم

فعندما تغني أغانيها الشعبية، يتفاعل الجمهور، ويصفق ويرقص. فالفرقة بهذا المعنى عالمية الحضور، فموسيقاها عصرية يمكن أن يفهمها الجميع من محبي الموسيقى والغناء العالمي والتراثي.

أما الأغاني التي تغنيها الفرقة، فهي الأغاني الوطنية الحماسية التي ترسل من خلالها رسائل إلى الشعب، فالفن رسالة هادفة، وهن يبعثن الرسائل الأخلاقية الهادفة للجمهور، والفنان الناجح يجب أن يكون قدوة وأن يرى الناس شخصيته الإيجابية.

تجاوز العقبات.. فن يتسلل من بين الانشغالات والانتقادات

تحاول عضوات الفرقة الجمع بين الفن والعائلة، وبسبب العائلة أحيانا يمتنعن عن أشياء كثيرة من أجل الأبناء والزوج، فالجمع بين حياة الأزواج والأبناء والتزامات العائلة وأوقات الفن من الأمور الصعبة، ولكنهن يحاولن باستمرار التغلب على الصعاب.

الجمع بين حياة الأزواج والأبناء والتزامات العائلة وأوقات الفن من الأمور الصعبة على أعضاء الفرقة

ومع أن نظرة المجتمع للفنانات سلبية، فإنهن مع الأيام يحاولن تغيير هذه النظرة، فهنالك من لا يزال يحاول التشويش عليهن حتى اليوم، ولكنهن لا يلتفتن لهم، ويكملن أعمالهن، وقد حققن ما كانت تصبو نفوسهن إليه محليا، وعندما ينظرن أين كن وماذا حصل معهن وأين هن الآن، يحمدن الله على ذلك. وكما تقول “فاطمة”: لقد أصبحنا مشهورات في تركيا وفي أثيوبيا، ونطمح في الوصول إلى العالمية.

وأما اللواتي تقدم بهن العمر، فهن يسعين إلى التخفيف من الظهور على المسرح، فلا يظهرن إلا في المناسبات فقط، ويرغبن في التوجه إلى العبادة.