“صبا تينز”.. مراهقات طرابلس المغنيات للحرية وهموم الأمة

في أحيان كثيرة تبدأ في عمل تسعى فيه إلى التميز والتحديث، وإلى أخذ خطوة نحو التطور، ثم ما يلبث أن يأخذك هذا التحديث وهذا التطور إلى عمل مغاير لما كنت عليه، سواء من ناحية الشكل أو المضمون أو حتى المنهج.
وهذا ما حدث مع فرقة صبا الإسلامية التي عرضت قناة الجزيرة الوثائقية فيلما عنها، ذكر فيه مسؤول الفرقة كريم شعراني بأنها بدأت عام 2006 بالغناء الديني والموشحات والأغاني الملتزمة، في مدينة طرابلس التي تُعرف بالتزامها في لبنان، وكانت تؤديها فتيات صغيرات يقمن بحركات تعبيرية ورقص كطفلات بريئات.
“صبا تينز”.. مراهقات يرسمن مسار الفرقة الجديد
بما أن الفرقة خرجت من رحم مجتمع ديني ملتزم، فقد كانت تواجه التحذير من منهج غناء الفتيات، وتخلي الفتيات عن الفرقة وتركهن لها بمجرد أن يكبرن.
وقد جعل مؤسس الفرقة هذا التحدي هو الأساس في انطلاقتها الجديدة عام 2016، حين بدأت بمراهقات أكبر سنا من صبيات المرحلة السابقة، فاختارهن من أعمار 16-22 عاما. وباسم جديد هو مراهقات صبا، أو حسب الاسم الذي استخدمه “صبا تينز” (Siba Teens).

وتتكون الفرقة الآن من أربع فتيات، منهن جوليانا قنطار التي اكتشفت صوتها عندما غنت وهي بنت 8 سنين في حفل “يوم طرابلس” السنوي، حيث كانوا يبحثون عن طفلة صغيرة تؤدي أغنية الحفل.

ومنهن رينا ضاهر التي اشتركت في برنامج مواهب للأطفال، ثم في عمل دعائي تعرفت من خلاله على مدير الفرقة الذي سمع صوتها، فقرر أن يضمها إلى فريق صبا.

ومنهن نور حمداش التي انضمت للفرقة بسبب إعجابها بها، فقد كانت تشاهدهم مسرورين ومنسجمين مع بعضهم، بينما تجد هي نفسها خجولة، فكانت تحب أن تجرب شيئا يُخرجها من خجلها، فأرادت دخول جو الفرقة التفاعلي الذي يشعرها بالحرية.
وأما ماريا حجازي ابنة الشيخ إمام المسجد، فقد كانت تعتاد مشاهدة قناة طيور الجنة، وتدندن معها برفقة والدتها أناشيد لم تكن تفقه معناها، ثم أرادت تطوير موهبتها وشحذ صوتها التي كانت تشعر به هي ووالدتها التي تشجعها، فاشتركت فيما بعد في أكاديمية لتمرين الصوت، وتعرفت على مدير الفرقة كريم، فأُعجب بصوتها وقرر ضمها للفريق عام 2017.
تحول الفرقة.. نقلة تضيّع الجمهور المحلي وتفتح الانتقادات
يقول كريم إن حوالي 90% من الكلمات ومن الموسيقى التي تؤديها الفرقة يصنعها هو، وبالطبع قبل ذلك ينتقي مواضيعها، بما يتناسب مع الجمهور المستهدف، وهو فئة الشباب. لذلك فأغانيهم تحاكي مشاكل الشباب، وتتحدث بلغة البساطة في الكلمات وفي الألحان كي تناسب الروح الشبابية اللبنانية.

ورغم ذلك فإن جمهور متابعيهم ليس من لبنان، بل من الوطن العربي كافة، بسبب خسارتهم للجمهور اللبناني بشكل عام، والطرابلسي بشكل خاص، بعد الموقف الذي اتخذوه من الفرقة، لتحولها من المنهج الديني إلى الغناء والرقص.

فالفرقة تواجه سيلا من التهم والتحذيرات، وما يمكن تسميته “بالتذكير بالماضي الذي بدأت فيه” بشكل لا ينتهي، وحتى الفتيات يواجهن جزءا من هذه المعاناة من بيئتهن المحافظة بشكل خاص، لأنهن صغيرات وعليهن الانتباه إلى دراستهن، فالمعارضة لا تنقطع حتى في المجتمع العربي كافة حسب رأيهن.
ابنة الشيخ.. سيل من النقد للمغنية والإمام
ماريا ابنة العائلة المتدينة، هي ابنة الشيخ التي لا تتوقف الانتقادات لها ولوالدها، بأن ابنته تفعل عكس ما يقول، وتتصرف بخلاف ما دأب عليه من نصح للناس ومواعظ في المسجد.

وحتى الأخريات كان من الصعب عليهن الانطلاق كفتيات من طرابلس، ولو كانت انطلاقتهن من بيروت لاختلف الحال حسب رأيهن. لكن مع مرور الوقت، بدأ الناس بالتأقلم معهن ومع ظهورهن ومع مشاركاتهن.
وحتى الأخريات كان من الصعب عليهن الانطلاق كفتيات من طرابلس، ولو كانت انطلاقتهن من بيروت لاختلف الحال حسب رأيهن. لكن مع مرور الوقت، بدأ الناس بالتأقلم معهن ومع ظهورهن ومع مشاركاتهن.

وربما ساعدت على ذلك أغاني الفرقة ذات الطابع المتنوع، فهي تغني كثيرا من ألوان الموسيقى، ابتداء من المقاطع المرحة الطفولية، إلى الأغاني العاطفية، إلى الأغاني التي تعالج قضايا الشباب. ففرقة “صبا تينز” إنسانية تعبر عن كل الجمال وتعبر عن الحب والحرية، وهذا ما يظهر في أغانيها.
قولك معقول اليوم يعلى صوت الحق
نِرْسِم بلدنا رَسْم.. بلدي حلم وانخلق
قولك معقول لبنان يرسي عبر الأمان
قولك معقول الروح تعود أغلى من مناصبهم
والشعب اللي ضحكوا عليه ييجي يوم ويحاسبهم
بلدي حلو وانخلق.. بلدي حلم وانخلق
ساحة النور.. رسالة الغناء وغناء الرسالة
لطالما كانت الفرقة حاضرة في تعاطيها مع المواضيع الجادة والهادفة، فقد غنت للحق الفلسطيني، ووقفت مع مظلومية الشعب الفلسطيني ومع بعض القضايا التي لحق بها الظلم. وفي أحداث الثورة الشعبية شاركت الفرقة في ساحة النور بطرابلس أمام الجماهير، وأسمعت صوت الناس للعالم، وصدحت بأغاني الثورة والحرية وصرخت بوجه الفساد.

فالغناء بالنسبة للفرقة رسالة، وبالنسبة للفتيات فرصة لإيجاد الذات وللراحة النفسية والحرية، وبالنسبة لمدير الفرقة أن طبيعة أعمار الفتيات من 16-22 سنة هو سن التغيير، وطالما هي مرحلة متغيرة في أعمارهن، من إكمال الدراسة إلى مشروع عمل إلى الزواج إلى السفر خارج لبنان، فإن أي شيء ممكن أن يحدث للفرقة، لأنها تعتمد على عنصر غير مستقر، وبالتالي فإن تغيير الفريق وارد، وكل الاحتمالات واردة، ولكن المهم أن تبقى راية “صبا تينز” مرفوعة بغض النظر من الذي يرفع لواءها.