“شرهة قلب”.. نغمات نسائية تحلق في صنعاء القديمة

“الفن والموسيقى كل شيء في حياتي”، بهذه الكلمات افتتحت أمينة العمراني ابنةُ صنعاء القديمة حديثَها في فيلم “شرهة قلب” الذي أنتجته الجزيرة الوثائقية -ضمن سلسلة “نغمات وردية”، ويسلط الضوء على فرقة “شرهة قلب” اليمنية النسائية. والشرهة هي الشغف باللغة الفصحى.
“كان المجتمع ينتقص من قيمة الفنانة”
تقول أمينة العمراني إن أمها كانت مطربة، وأن والدها عندما أراد أن يقترن بها عارضه أهله وعشيرته ورفضوا زواجه من مطربة، لما في ذلك من نظرة دونية للمطربات، ولكنه تخلى عن أهله وعن جميع الناس وتزوج بها. وتقول عن بداياتها، إنها بدأت قبل 16 سنة مع الفنانات الشهيرات مثل بنات العروسي وجميلة سعد.
وتقول الفنانة جميلة سعد: إننا نعيش في مجتمع محافظ ونحن نفتخر بذلك، وكان هذا المجتمع ينتقص من قيمة الفنانة، ولكن الحال تحسن الآن عن السابق، فقد بدأ الناس يفهمون ويقدرون معنى الفن، فالفن رسالة وله قيمة، وليس شيئا بسيطا.

بدأت الفنانة أمينة بعزف الإيقاع على الصحن، وكانت تعزف على آلات موسيقية شعبية، منها الكشكشة وأبو اثنين. وتتحدث عن نظرة المجتمع فتقول: في مجتمعنا ينظر إلينا بنظرة دونية، كلنا أبناء تسعة شهور، وكلنا بشر، ولا يوجد أي اختلاف بين البشر كلهم.
تأسيس الفرقة.. مواهب موسيقية من داخل العائلة
تعلمت أمينة العمراني الغناء واشتد عودها في بيت الفنانة تقية الطويلية وغيرها من الفنانات، ورغبت بعد ذلك في أن تكون فنانة قائمة بذاتها لوحدها، فبدأت بتأسيس فرقة خاصة بها.
كان من أول الصعاب التي واجهت فرقة “شرهة قلب” اختيار الفرقة، وتدريب الفتيات، وعمل البروفات، وقد بدأت أمينة ببنات أختها اللاتي يعزفن على العود والأورغ، وبنات أخيها اللاتي يعزفن الإيقاع على الدف والصحن، أما ابنتاها فإحداهن تعزف البَرَع، والأخرى بعصا الخشب، وكلاهما من المعازف الشعبية المتعارف عليها محليا.

تقول الفنانة جميلة سعد: الفرق النسائية عندنا حصرية، فالأخوات يعلم بعضهن بعضا، لأنه ليست هناك معاهد أو مدارس لتعليم الفن، خصوصا أن مجتمعنا محافظ، ولا يسمح لهن أن يتعلمن أو يبرزن أو يظهرن إعلاميا، بل محصورات في حفلات الزفاف أو في البيوت.
عزف العود.. شغف عائلي تتوارثه الأجيال
بدأت ابنة أخت أمينة قصتها مع عزف العود من تأثرها بخالتها، فكانت تشاهد أداءها وتدريباتها في البيت، وكذلك تأثر بها جميع من معها في البيت من الصغار، فأحبت أن تكون معها في الفرقة.
تقول: كانت خالتي أمينة تأتي إلى منزلنا، وكنت أجلس وأستمع لغنائها، وأردت أن أجاريها بعزف العود، وعندما تبدأ الغناء كنت آخذ العود وأبدأ الدندنة معها، أرايد أن أجاريها وأرافق الصوت، فكانت تغني وأنا أدندن بالعود.

وعن كيفية تعلمها العزف على العود، تقول إنها تأثرت بعزف أخيها الذي يكبرها بسنة واحدة، فعندما كان يعزف على العود تشعر بالشغف وبالرغبة في تقليده، وعندما كان يخرج من البيت كانت تغافله في محاولة تقليده في العزف على تلك الأداة التي عشقتها.
أما بداية احترافها عزف العود فكانت من خارج المنزل، إذ تقول: في إحدى المرات حضرت حفلة برفقة خالتي أمينة، والتقيت بالفنانة جميلة سعد، فتكلمت معها فرأت أنني فعلا عاشقة للعود، وأريد عزفه، فبدأت تعلمني العزف والنغمات وأسرار الحرفة.
بداية الشهرة.. طريق المجالس النسائية وحفلات الزفاف
بدأت فرقة “شرهة قلب” نشاطها في نطاق العائلة، ثم اتسع إلى المحيط القريب، ثم أصبحت مشهورة على مستوى المدينة كلها، فصار تطلب خصيصا لإحياء حفلات زفاف النساء، وازداد الطلب إلى أن وصل لدرجة الحجز المسبق لعدة أسابيع مقبلة.
وتُعتبر أيام طقوس العرس اليمني مثل يوم الذهب ويوم البراقع ويوم الحمَّام من أغلب أنواع السهرات النسائية التي تحييها الفرقة.

كما تقوم الفرقة بإحياء بعض الحفلات النسائية الخاصة مثل الولادات، أو سهرات خاصة حسب الطلب، وكذلك الزفة الصنعانية.
اختيار الفن.. قرار يملأ الحياة بالنكبات
تقول أمينة متحدثة عن حياتها الشخصية، إنها تعتبر نفسها يتيمة الأب والأم، فقد توفي أبوها وعمرها أربع سنوات، فتزوجت أمها برجل غريب، وتركتها عند أختها الكبرى التي ربتها، وعندما عادت والدتها إليهم أصيبت بالسرطان، وتخلى عنها زوجها.
وقد تزوجت في وقت مبكر حين بلغت 13 سنة، لحاجتها إلى رجل يسندها ويعلمها الغناء والفن، وهو ما حصل بالفعل، فسمح زوجها لها بتعلم الغناء، وشجعها على الخروج لإحياء الحفلات، ولكن النهاية لم تكن سعيدة كما كانت البداية، فكانت المشاكل حاضرة دائما بينها وبين عائلته.
فأهل زوجها كانوا يعارضون خروجها لإحياء الحفلات والغناء، فقام بتخييرها بين الحياة الزوجية والعائلة ورعاية أبنائها أو الفن، فاختارت الفن.

كان الطلاق مشروطا وصعبا، فقد اتفق الطرفان على أن تتكفل هي بأبنائها وبإعالتهم وبتربيتهم وبكل ما يختص بهم، في مقابل حصولها على الطلاق، فقامت بالتوقيع على وثيقة بذلك، وهكذا رجعت من جديد بلا زوج وبلا سند، ذلك الذي كانت تبحث عنه ليحميها، وصارت هي الأم والأب لأبنائها وتحملت المزيد من المسؤوليات والأعباء.

تقول أمينة إنها تعيش حياة الفقر، ولاقت في هذه الحياة العنت والتعب والشقاء، وعمِلَت وضحَّت بشبابها، ولم تخرج من حياتها بغير بناتها. أما أمنيتها في حياتها فهي أن تكبر ابنتها وتتعلم العزف على العود، وأن تؤسس فرقتها الخاصة بها، وأن تصبح فنانة مشهورة، وأن تغني هي في فرقة ابنتها.