“متاعب كانييه”.. تناقضات المطرب العنصري الساعي إلى البيت الأبيض
ليس من المعروف بعدُ ما إذا كان المطرب الأمريكي المثير للجدل “كانييه ويست” سيرشح نفسه للانتخابات الأمريكية في عام 2024، فعلى الرغم من فشل محاولاته الأولية في الانتخابات السابقة، فإن هناك إشارات عدة تؤكد أنه سيخوض السباق الرئاسي، مسلحا بسمعته العريضة، وسلوكه الغريب الذي يجذب أمريكيين من اليمين السياسي المتطرف.
في الفيلم الوثائقي “متاعب كانييه” (The Trouble with KanYe) الذي أنتجته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، يُقارب صناع الفيلم المواقف الناشزة للمطرب غريب الأطوار في السنوات الماضية، فيفتتح الفيلم زمنه بمونتاج سريع يجمع فيه بعض المواقف التي جذبت ردود أفعال كبيرة من الإعلام، وعلى وسائل التواصل الاجتماعية على شبكة الإنترنت.
معاداة اليهود.. حروب كلامية تفسخ العقود التجارية
تكشف مادة أرشيفية استعادها الفيلم الحرب الكلامية التي شنها على اليهود في الولايات المتحدة الأمريكية، فينقل مواجهة بينه وبين صحافيين كانوا ينتظرونه قرب سيارته، ليؤكد في إجاباته على ما صرح به سابقا من انتقاداته العنيفة لنفوذ اليهود في بلده.
وتستعيد افتتاحية الفيلم الوثائقي أيضا التغطيات الإعلامية لإلغاء شركة “أديداس” الشهيرة عقدها مع المطرب، لتنضم إلى حفنة من الشركات الكبيرة التي فسخت عقودها معه بسبب تصريحاته المتطرفة، ونشاطه السياسي الإقصائي الذي يقلق كثيرين، لا سيما الشركات العملاقة التي تريد أن تحافظ على مسافة واحدة من زبائنها، ولا تتورط بالانحياز والوقوف بصف تيار سياسي.
يقول الصحفي البريطاني “مبين أزهر” -الذي يقود التحقيق في الفيلم- إنه هو نفسه كان من المعجبين بالمطرب “كانييه” وقت انطلاقته الكبيرة في عام 2003، وقد تابع مسيرته لسنوات، قبل أن يحيد عن فنه ويتدخل في الشأن السياسي العام، ويكشف عن أفكار متشددة غير سوية.
وايومنغ.. أسود غير مرحب به في مدينة البيض
يذهب الفيلم إلى وايومنغ، وهي المدينة الجبلية الصغيرة التي انتقل المطرب للعيش فيها منذ سنوات، بعيدا عن لوس أنجلوس التي نال فيها شهرته، وليس معروفا السبب الذي جعله يختار هذه المدينة الباردة للغاية، وهو لم يكتفِ بالانتقال إليها، بل نقل بعضا من نشاطاته الأخرى، مثل إنتاج الملابس والأحذية، وهو الانشغال الذي حقق له ثورة كبيرة في السنوات الماضية.
إذ يقول صاحب محل في القرية الصغيرة التي يعيش فيها “كانييه”، إن انتقاله إلى وايومنغ حير كثيرا من سكان المدينة البيض، إذ لم يعتادوا أن يقطن أمريكي أسود في مدينتهم، ومنهم من لم يعجبه سكن المطرب بينهم، ففي 2018 قدم “كانييه” حفلة موسيقية في مدينته الجديدة شكلت عودة له إلى الغناء، بعد توقف لسنوات عن الغناء في حفلات عامة.
وينقل صاحب المحل نفسه الذي حضر الحفلة، بأنها كانت للموسيقى الدينية بالكامل، وهو الاتجاه الذي بدأ يتخذه المطرب في السنوات الماضية، إذ أطلق ألبوما غنى فيه للرب والمسيح، بل إنه صرح في أكثر من مناسبة بأنه سيترك غناء الراب الذي اشتهر به، وسيتفرغ للغناء الديني.
خطاب الترشح.. دموع وانكسار يجهض حلم السباق
لم يكتفِ “كانييه” بالانتقال وحده إلى مدينة وايومنغ، بل إنه أخذ معه مئات العاملين والخبراء الذين وعدهم بالعمل هناك، ومن المدينة الصغيرة سيطلق “كانييه” حملته الانتخابية لسباق الرئاسة الأمريكية في عام 2020.
يلتقي الفيلم الوثائقي رجلا أمريكيا أدار الحملة الانتخابية، وما زال يعيش في المدينة الأمريكية الصغيرة، ويكشف تفاصيل مهمة من كواليس تلك الحملة، منها أن “كانييه” خالف كل الخطط التي أعدوها لإعلانه عن ترشحه، وارتجل كلمة غريبة، وبدأ بالبكاء عندما تحدث عن والده الذي لم يكن يريده، وأن الوالد كان يرغب في إجهاض الأم حينها.
كانت تلك الكلمة الكارثية كافية لإجهاض مشاركته في السباق الرئاسي، بل إنها أثارت أسئلة عن حالته النفسية، إذ ينقل أنه مصاب بمرض اضطراب ذو اتجاهين، ومن أعراضه التأرجح بين مشاعر الحماس والحزن.
ولا يبدو أن “كانييه” كان مهموما بإيصال رسالة سياسية إلى الأمريكيين، فكلمته تلك كانت تبوح بأفكار تشغله، وهي ذات طبيعة خاصة، ولا تهم جمعا غفيرا من الأمريكيين، ولم يكشف عن رؤية واضحة لخططه السياسة، عدا وعوده بنقل المصانع الكبيرة إلى الولايات المتحدة.
استغلال النجاح الفني.. بضاعة تستهوي جماهير الإنترنت
وازى نجاح “كانييه” الفني نجاحه التجاري، إذ تحول إلى وجه إعلاني لشركات عملاقة، كما بدأ قبل سنوات بإنتاج خط الأزياء الخاص به، وتعاون مع شركة “أديداس” لتصميم أحذية خاصة لهم، مما حوّله إلى رب إمبراطورية تجارية عملاقة، تدرّ عليه اليوم ملايين الدولارات سنويا.
لقد استطاع “كانييه” تحويل المعجبين به إلى زبائن لبضاعته، كما يقول خبير تجاري عن نجاحاته التجارية، فقد استغل شعبيته على مواقع التواصل الاجتماعي للترويج لبضاعته، وهي -بحسب خبير آخر- ليست ذات جودة كبيرة، بل لا يمكن تمييزها عن بضاعة أخرى، لولا شعاره المطبوع عليها.
“دونالد ترامب”.. علاقات وطيدة مع سادات الفسطاط اليميني
يعرج الفيلم الوثائقي على علاقة الصداقة التي تربط “كانييه” مع “دونالد ترامب”، وهي الصداقة التي تضاف إلى قائمة السلوكيات الغريبة للمطرب، فهو يتباهى بعلاقته مع الرئيس الأمريكي السابق، في الوقت الذي يشمئز عالم الفن والثقافة من التقرب لـ”ترامب”، ناهيك على التفاخر بصداقته.
وينقل الفيلم أن “كانييه” التقى “ترامب” وشابا أمريكيا اسمه “نيك فوينتيس” على العشاء قبل أسابيع، وهو أمر ربما يؤكد الإشاعات عن قرب إعلان “كانييه” ترشحه للانتخابات الأمريكية القادمة في عام 2024. ويهتم الوثائقي بشخصية “نيك فوينتيس”، وهو شاب ينتمي إلى حركة القوميين البيض الذين يجهرون بعقيدتهم المؤمنة بتفوق الجنس الأبيض ودونية الأجناس الأخرى.
وينقل الفيلم أن “كانييه” استعان بـ”فوينتيس” في حملته الانتخابية، وكان معه في إطلالات إعلامية منها واحدة أجريت قبل أشهر مع المذيع المتطرف والمنبوذ “أليكس جونز”، وقد أعلن فيها “كانييه” أن الزعيم النازي “أدولف هتلر” لم يكن سيئا بالكامل، وأن الهولوكوست هي كذبة كبيرة.
ويبدو “كانييه” كأنه انتقل تماما إلى معسكر اليمين المتطرف، وقطع صلته بجذوره الأفريقية السوداء التي ميزته في بداية حياته الفنية وفتحت له الأبواب الواسعة. وهو يتعمد الهجوم على الثوابت في موروث السود بالولايات المتحدة، فقد هاجم الرواية الرسمية عن العبودية، وادعى أن السود كانوا راضين بالعبودية.
كما اختار استفزاز ملايين من السود عندما ارتدى بلوزة كتب عليها “حياة البيض مهمة”، وهو شعار الجماعات البيضاء المتطرفة، ردا على شعار “حياة السود مهمة” الشهير الذي ولد من معاناة الأمريكيين السود من قسوة قوى الأمن المفرطة معهم.
“كيف أعادي اليهود وأنا يهودي؟”
من التصريحات الغريبة التي أطلقها “كانييه” قوله “كيف أعادي اليهود وأنا يهودي؟”، وهو تصريح ربما جاء ردا على الانتقادات الكبيرة له، بسبب عدائه العلني لليهود، وعلى الأرجح أنه كان يقصد أنه ينتمي إلى مجموعة من الأمريكيين السود تعتقد أنها العرق اليهودي الأصلي.
يحقق الفيلم في مزاعم “كانييه” بانتمائه لليهودية، فيقابل ممثلا عن المجموعة الأمريكية التي تدعي اليهودية، ويستعرض تاريخ هذه المجموعة الذي بدأ في الستينيات من القرن الماضي، كما يتناول الانتقادات الموجهة إلى هذه الجمعية التي جميع أعضائها من الأمريكيين السود، وبالخصوص الاتهامات لها بتشويهها للتاريخ.
ويزور مقدم الفيلم متحف الهولوكوست في مدينة لوس أنجلوس، ويقابل مديرته التي تحذر من النفوذ الكبير للمطرب “كانييه” على مواقع التواصل الاجتماعي، وتذكر بأن تعداد متابعيه يقترب من 30 مليونا، في حين يقترب عدد اليهود في العالم من 50 مليونا، وأن هذا التقارب في العدد يمكن أن يشكل تهديدا فعليا لليهود.
ويجمع الفيلم مشاهد أرشيفية لتغطيات إعلامية أمريكية عن اعتداءات تعرض لها يهود أمريكيون في السنوات الماضية، فقد ارتفعت بشكل كبير للغاية بسبب المناخ المتوتر في الولايات المتحدة في سنوات حكم “ترامب”. كما يعرض الفيلم مشاهد لافتة لاحتجاجات كانت تهاجم اليهود، وكان بعض أعضائها يحملون لافتات كتب عليها “كانييه على حق”، في إشارة إلى تصريحات المطرب بخصوص اليهود.
غياب الموسيقى.. نقطة ضعف تؤثر على جسد الفيلم
خصص الصحفي البريطاني جزءا من وقته في الولايات المتحدة في محاولة لإجراء حوار مع “كانييه”، لكنها باءت بالفشل، ذلك أن المطرب حذر جدا في إطلالاته الإعلامية، لكنه ينصت إلى مستشاريه المتطرفين الذين يأخذونه دائما إلى الإعلام اليميني المتطرف.
وقد غابت موسيقى المطرب الشهيرة من الفيلم، وكان ذلك على الأرجح بسبب عدم حصول الفيلم على أذونات منه بعرضها، وهذا أمر سيؤثر قليلا على الفيلم، فهو يعرض انهيار سنوات المطرب، لكنه لا يعرض المطرب في سنوات تألقه، عندما خلق كل تلك السمعة والسيرة الفنية الكبيرتين.
ولأجل تسليط الضوء على المنجز الإبداعي للمطرب، حاور الفيلم موسيقيا عمل معه سنوات طويلة، قبل أن يتركه بسبب سلوكه خارج مجالات الفن. إذ يروي الموسيقي أن ما ميز أغاني “كانييه” في بداية انطلاقه هو الانكسار والوحدة والهشاشة، وهي صفات أبعدته كثيرا حينها عن مواضيع موسيقى الراب الذي يندرج تحتها، وميزته بين أقرانه.
وما نجح به الفيلم كثيرا هو تبيان العزلة المتزايدة التي يعيشها المطرب، وسقوطه في قبضة اتجاهات سياسية متطرفة، فيقابل في هذا الاتجاه صديقا وشريكا تجاريا له كان قد تركه بسبب مواقفه السياسية، على الرغم مما ترتب على ذلك من خسارة تقدر بالملايين.
ولا يُخفي الصحفي البريطاني في نهاية رحلته الوثائقية قلقه على وضع “كانييه” النفسي، بيد أنه يحمل قلقا أكبر من تأثيراته على كثير من الشباب في الولايات المتحدة وحول العالم، وخاصة في الزمن الحالي الذي نعيشه، إذ تنتشر فيه رسائل الكراهية بسرعة لا تقارن مع تلك التي تدعو للحب وتقبل الآخر.