الفرقة النسائية الكويتية.. نغمات وردية تصدح بتراث الكويت الشعبي
ماجدة الدوخي فنانة كويتية أسست فرقة “بن دوخي” النسائية، وساندها في إنشائها أخوها دوخي الدوخي، لتكون نواة “الفرقة النسائية الكويتية”.
نستعرض فيما يلي فيلم “كويتيات” الذي أنتجته الجزيرة الوثائقية ضمن سلسلة “نغمات وردية”، ويتحدث عن نشأة الفرقة وتاريخها والتحديات التي واجهتها، وتقول مؤسسة الفرقة ماجدة الدوخي إن تأسيس فرقة يشبه تأسيس بيت، فلا بد من بناء الجدران وجمع الأثاث وزراعة الحديقة وسد كل النواقص.
“ألامس ذلك الإحساس في أعماق الناس”
كانت مؤسسة الفرقة ماجدة الدوخي تعمل ضمن فريق أغان تراثية، وكانت مساعدةَ مهندس الصوت، وقد رأت تفاعل الشباب ورقصهم على الإيقاعات بشكل حماسي وملفت للانتباه، فطار إلى عقلها تساؤل: لماذا لا تؤسس فرقة نسائية شبيهة بهذه الفرقة؟
وبعد تأسيس الفرقة عام 2012، لم يخطر ببال المشاركات فيها بأنها ستستمر، وبأنها ستنجح وستلاقي استحسانا وقبولا، بعد أن كانت مجرد محاولة للتسلية فقط في إحدى الرحلات إلى البر.
يقول دوخي الدوخي ملحن ومدرب الفرقة: كانت فكرة الفرقة النسائية نابعة من محاولة استرجاع الأغاني الشعبية، لكي نبقيها حية تلامس الأسماع، ونستقطب محبي الأغنية الشعبية، ونجعلها قريبة منهم، فسماع على الأغنية على المذياع ليس مثل سماعها على المسرح، لذا أرى أنني ألامس ذلك الإحساس في أعماق الناس.
وتتحدث المؤسسة ماجدة عن ميزة الأغاني التراثية قائلة: تجبرك الأغنية القديمة على أن تعود لسماعها مرة ومرتين وثلاثا وأربعا، لأنها تشدك بلحنها وشجنها وكلماتها، بعكس أغاني اليوم التي لا تجد فيها كلمات ولا ألحانا تستحق، أما الفرقة النسائية الكويتية فقد اتجهت اتجاها واحدا، وهو أغاني التراث الشعبي الكويتي.
دعم الفرقة.. جولة في مؤسسات الموسيقى الوطنية
بما أن الفرقة ستحتاج بطبيعة الحال لمجموعة من العازفات والإيقاعيات وكورال للترديد، وستحتاج لأجهزة ولكثير من الموارد والمصاريف، فقد سعت مؤسسّتها منذ اللحظة الأولى لتوفير ذلك من خلال الجهات الموسيقية الرائدة في الدولة، مثل معهد الموسيقى وكلية التربية الموسيقية.
فقد طُرح الموضوع على المسؤولين وعلى مدارس الفن والمهتمين للمساهمة أو حتى للمشاركة، بهدف الحصول على عدد الحد الأدنى من المشاركين لتسجيل الفرقة بشكل رسمي وهو 25 فردا. فكان الملحن الراحل محمد الرويشد أكثر المؤثرين في إنشاء الفرقة واستمرارها ودعمها وتلحين أغانيها حتى توفاه الله.
تقول عضوة الفرقة د. ماجدة عبد المهدي: جاءني اتصال من ماجدة الدوخي، فقلت لها في البداية إنني لا أحسن غير الموسيقى الغربية، لكن الأستاذ محمد الرويشد رحمه الله قال لي إنه سيعلمني المقامات الشرقية خطوة خطوة ومقاما مقاما، فكنت ألتقي به قبل اجتماع الفرقة بساعتين ليدربني، هو على آلة العود، وأنا على الكمنجة، وخلال شهر واحد تعلمت العزف الشرقي.
أعضاء الفرقة.. بحث عن العازفات في مجتمع محافظ
كان من أهم الصعوبات التي واجهت الفرقة قلة العازفات، لأنه لا يوجد في المجتمع الخليجي عازفات يستطعن الظهور على التلفاز وعلى المسرح، فربما هناك كثير من العازفات اللاتي يحببن العزف الشخصي في البيوت، ولكنهن عازفات هاويات لا يستطعن في هذا المجتمع المحافظ التقدم خطوة أكثر من هذه.
تقول مؤسسة الفرقة ماجدة الدوخي: لم يكن عندنا عازفات بالكويت، فمن النادر أن تجد امرأة عازفة، إلا إذا كانت تمارس ذلك هواية شخصية لنفسها، وهذا بسبب العادات والتقاليد في المجتمع الخليجي، فمن الصعب أن تظهر الفتاة على التلفزيون أو المسرح لتغني أو تلحن أو تعزف، فقد كان ذلك مستهجنا عند الأهالي، بل لا أحد يرضى أن تفعل ابنته ذلك.
وعلى الرغم من ذلك، فقد استطاعت ماجدة تأسيس الفرقة وجمع مجموعة من العازفات والإيقاعيات من حولها، وتقول سارة النصار -وهي إحدى العضوات في الفرقة- إن من الأمور التي ساعدتها على الاستمرار في الفرقة طبيعتها النسائية وأنها رسمية، خاصة من ناحية اللباس والالتزام بالزي الوطني الشعبي.
ويقول دوخي الدوخي إن الهدف من وراء تأسيس الفرقة هو محاولة استرجاع الأغاني الشعبية التراثية، وإعادة توزيع الموسيقى الخاصة بها، وأداؤها أمام الجمهور على المسرح، وبذلك تُقرَّب من الناس، ويساهم في الحيلولة دون اندثارها.
سلم النجاح.. قفز الفرقة على عقبات الطريق
أغلب أغاني الفرقة تراثية، ولكنها ليست تعتمد على الأداتين الرئيستين فقط، فقد جرت العادة بالاقتصار على الطبلة والدف، ويسمى باللهجة الشعبية “الطار”، أما فرقة “بن دوخي” فقد أضافت أدوات موسيقية جديدة للأغنية الشعبية.
وأما الأغاني الجديدة فهي تطوير خاص بالفرقة. وسيصدر فيها “ألبوم” جديد يتكون من 10 أغان، بعضها تراثي وبعضها حديث.
ولم تزل الفرقة منذ تأسيسها -وحتى جائحة كورونا- تنتقل من نجاح إلى نجاح، وحصدت عددا من الدروع التذكارية وشهادات التقدير، حتى بلغ بها أن مثلت الكويت خارجيا. تقول ماجدة الدوخي: هذا ما أوجد لها خصوما من الحاسدين أو من معارضي فكرة الفرق النسائية، لدرجة محاولة إيقاف الفرقة أو عرقلة عملها، أو حتى اختطافها باستنساخ فرقة نسائية أخرى كفرق نسائية كويتية، ولكن ذلك لم يكن ذا تأثير على الفرقة، بل استمرت في انطلاقتها وشهرتها.
“أشعر أن الحلم قد تحقق”.. طموحات مؤجلة لطبيبة العظام
من أعضاء الفرقة د. ماجدة عازفة الكمان في الفرقة، وكان الجميع يظنونها تحمل الدكتوراه في العزف على الكمان، وقد دهشوا عندما علموا أنها طبيبة بشرية متخصصة في العظام.
وتروي أنها كانت تحب الموسيقى منذ طفولتها، ولكن أهلها من حرصهم على دراستها كانوا يمنعونها من التدرب على الموسيقى، فكان لهم ما أرادوا، وقد تفوقت ودخلت كلية الطب وتخرجت طبيبة متخصصة في العظام، وبعد أن افتتحت عيادتها الشخصية، اتجهت نحو معهد الموسيقى وتعلمت العزف من البداية. وتخصصت في آلة الكمان.
تقول د. ماجدة: حين نقدم حفلة إلى الجمهور سواء كانت على المسرح أو مسجلة، فإنني أشعر أن الحلم قد تحقق، وأشعر بحماس غامر، فمن الجيد أن نقدم شيئا كهذا للكويت، حتى يرى العالم ما لدينا من ثقافة موسيقية، لا سيما في العنصر النسائي.
المؤسِسة الإنسانة.. حياة جديدة في أحضان العائلة
لا يخفى على ذي لب ذلك الجزء الإنساني من الفرقة النسائية، فلطالما اعتبرت ماجدة الدوخي أن الفرقة بيتها الثاني، وأن زميلاتها العازفات شقيقاتها. وحين تتحدث عن العائلة تتحدث أيضا عن حفيدها البكر الأول يوسف بإسهاب، وبأنه جزء من عالمها الذي لا تستطيع نفسها العيش بدونه. وهذا الحب هو جزء من حب الموسيقى الذي سكن في وجدانها.
فلم تكن ماجدة الدوخي تحلم بمجد شخصي ولا بمنفعة ذاتية، فكل ما كان يدور بخاطرها هو أن تقدم هذا الفن للجمهور بطريقة حديثة مناسبة للعصر، ولم تكن تخاف من مستقبل فرق البنات، لأنها لا تقدم أكثر من فن محترم.
حفيدي يوسف ليس ابني فحسب، بل هو روحي، فقد شعرت بأن حياتي تغيرت بعد ميلاده، وكأني ولدت من جديد، وأقضي معه وقتا طويلا خلال النهار منذ أن أفتح عيني حتى تعود والدته من الدوام، وهذه الساعات التي أقضيها معه تعادل الدنيا بالنسبة لي.