الثنائيات الغنائية.. تيار فني يقفز على القوالب العتيقة

يُسمى الدويتو أصلا بالديالوغ الغنائي، وهو عبارة عن حوار غنائي منسجم في الأداء واللحن والصوت بين مغنييْن، وقد يتناول موضوعات اجتماعية وعاطفية وسياسية ووطنية. ويكون أسلوب الدويتو على شكل فقرات، أو أسئلة وأجوبة، أو أخذ ورد.

عادة ما يكون هدف الدويتو جذب انتباه المستمع، وإنما ينجذب الجمهور لأغانيه لاختلافها عن النمط التقليدي الذي يغنيه مطرب واحد، كما ينجذب إليها المطربون لأنها تعطي فرصة لشهرة كبيرة، إما للمطرب أو للأغنية، لا سيما إذا أدى الأغنية معه مغن آخر مشهور.

لجأت مؤسسات الإنتاج الموسيقية في العقود الماضية إلى تقديم ثنائيات غنائية، تجمع بين فنانين أو أكثر، للاستفادة من نجومية هؤلاء الفنانين، فضلا عن خلق صناعة فنية رائجة يستفيد من مردودها الكل.

ومن أبرز أهداف هذه التجربة البحث عن منافذ موسيقية جديدة وآفاق رحبة، تطوّع فعل الإبداع، وتجعله ينفتح على مناخات فنية مغايرة، بدلا من التنقيب عن شهرة مصطنعة وراء نجم.

فالتجارب التي لجأت إلى “الديو الغنائي” لم تفكر في بادئ الأمر، بما يمكن أن تفتحه هذه التجربة على صعيد الصنعة، فكل ما كان يعنيها هو حجم التفاعل مع الأغنية المشتركة.

موجة الثنائيات.. تعاون للقفز على القوالب وكسب الأرباح

مع أن الأغنية المشتركة تجربة غنية، من حيث المفاهيم والآفاق والتجليات، فإنها لم تصنع في العقود الثلاثة الماضية جديدا يعول عليه موسيقيا، باستثناء تجارب غنائية شابة، عملت فيما بينها على خلق نوع من الموسيقى الهجينة، التي تضمر في اشتغالاتها الموسيقية أشكالا غنية ومتباينة.

تامر حسني وإليسا في دويتو “ورا الشبابيك”

في التسعينيات كان الفنانون يعملون على “الديو الغنائي”، وكان ذلك من باب التعاون في سبيل فرض بعض القوالب الموسيقية المتشابهة، وشيئا فشيئا، أصبح الأمر صناعة فنية رائدة، تدر عائدات مادية كبيرة على مؤسسات الإنتاج، بأقل كلفة ممكنة.

كان مردود أغنية واحدة يفوق ألبوما غنائيا منفردا بأكمله، ومع أن الأغاني المشتركة كانت تحقق شهرة واسعة، فإن التجربة ظلت أسيرة نفسها، ولم تستطع التأثير في الغناء العربي المعاصر، لأن هذه الصناعة لم تخلق امتدادا حقيقيا يبلور مشروعا موسيقيا، بل بقيت سجينة النموذج والآفاق.

جيل الشباب.. ثنائيات متمردة على القوالب العتيقة

نجحت بعض الأعمال الثنائية في تكوين حالة موسيقية خاصة، ويمكن أن نعزو فضل ذلك للأجيال الشابة الجديدة، التي كانت مؤهلة لتشرب هذا الشكل من الأغنيات غير المألوفة يومئذ، وميلها إلى أعمال أكثر صخبا ومرحا وعاطفة.

ومن أبرز تلك الأعمال، أغنية “عيني” التي جمعت بين هشام عباس وحميد الشاعري عام 1997، وكذلك بين محمد منير وخالد عجاج في أغنية “ليه يا دنيا الواحد” عام 2000.

ومنها أيضا أغنية “مين حبيبي أنا” للفنانين وائل كفوري ونوال الزغبي التي صدرت عام 1995. وكذلك تجربة أخرى جمعت بين راغب علامة وإليسا في “بتغيب بتروح” عام 2000.

انتشرت الأغاني المشتركة بقوة خلال التسعينيات، بعدما غدا الفنانون يتنافسون فيما بينهم لكتابة وتلحين أغان بأصوات متعددة.

وإذا ابتعدنا عن غناء “الراي” الذي حقق طفرة قوية في هذا التاريخ، فإن التجارب التي ظهرت في سوريا ولبنان ومصر، كانت هشة ويغلب عليها الترفيه والمحاكاة.

نجحت أغاني الدويتو في مطلع الألفية، فقد كانت هناك رغبة قوية في تجديد الغناء العربي. وكانت تلك الأيام مختبرا جماليا، حاول فيه فنانون القطع نهائيا مع القوالب الغنائية القديمة، فكانت هذه الأغاني المشتركة شكل تعبير جديدا يوحد الأغنية العربية، ويخرجها من سراديبها المظلمة على مستوى التجريب.

لقد كانت الأغاني المشتركة تمهيدا حقيقيا لصناعة الكليبات، التي أصبحت خلال هذه المرحلة أكثر قوة وانتشارا.

“قلبي بغاك نتيا”.. ثنائي عربي إيطالي صنع ثورة مدهشة

حين صدر دويتو “قلبي بغاك نتيا” (Così Celeste) بين الشاب مامي والمغني والعازف الإيطالي “زوكيرو فورناتشاري”، لم يكن تقييمه الجمالي راجعا إلى عدد الإعجابات والمتابعات كما يحدث اليوم، بل التأثير الذي أحدثه في صفوف المجتمع.

حتى أن أغنية “قلبي بغاك نتيا” للشاب مامي قد حققت رقما قياسيا على مستوى الاستماع، وأخذت تحفر مجراها عميقا في جسد المجتمع.

إن نجاح الأغنية يبدأ من اللحظة التي ترج فيها السلالات الغنائية، وتهدم النسق الموسيقية، وتحاول بوجودها أن تبني أفقا فنيا كونيا لها.

يكاد هذا الأمر ينعدم في تاريخ الموسيقى العربية قديما وحديثا، فالأغنية العربية مؤسسة على الإنشاد والمحاكاة، فاللحن والصوت أهم من الموسيقى، على خلاف التجربة الغربية الحديثة والمعاصرة، ذات الوعي القوي بالموسيقى وتشابكاتها الجمالية مع الصوت.

استطاع الشاب مامي النفاذ إلى جوهر النص، وحاول اجتراح موسيقى تتلاءم في تشكلاتها الفنية مع الكلمات الإيطالية، بل إن سحر الأغنية ونجاحها شكلا ومضمونا، جعلها إلى حدود اليوم باقية في وجدان المستمع وكأنها أغنية جديدة، فلم تختفِ الأغنية عبر مسارها الجمالي الطويل المرتبط بعملية التداول اليومي، كما حدث مع التجربة الغربية.

شادية.. سيدة الدويتو مع عمالقة السينما والغناء

في زمن مضى، تألقت شادية وليلى مراد في أداء عدد من الدويتوهات الناجحة، وكذا فعل فريد الأطرش.

فقد قدمت شادية ما لا يقل عن 15 أغنية ثنائية اتسمت جميعها بالفرح والبهجة، كانت أشهرها مع العندليب عبد الحليم حافظ، وفريد الأطرش، ومنير مراد، وكمال حسني، ومحمود شكوكو وإسماعيل ياسين.

من هذه الأغاني تحفظ ذاكرة الفن “لو سلمتك قلبي” مع كمال حسني، ومنها “يا سلام على حُبي وحُبك” مع فريد الأطرش، ومنها “تعالى أقول لك” و”حاجة غريبة” و”إحنا كنا فين” و”لحن الوفاء” مع عبد الحليم حافظ.

ناهيك عن الأغاني التي جمعت بينها وبين شكوكو في أغنية “ربنا يبسطنا كمان وكمان”، وبينها وبين إسماعيل ياسين في أغنية “الفراخ والجمبري”، و”يا سم يا دم”، و”إنت فاكراني”.

ولئن كانت رحلة شادية مع الثنائيات رحلة خاصة، فإنها تصبح أكثر خصوصية وتميزا مع عبد الحليم حافظ في فيلم “لحن الوفاء” للمخرج إبراهيم عمارة (1955)، فقد قدمت معه دويتو “لحن الوفاء”، ثم دويتو ثانيا هو “احتار خيالي” من لحن حسين جنيد.

ثم جاء الدويتو الثالث “تعالي أقول لك” الذي كتبه فتحي قورة، وكان قد ألّف لها عددا كبيرا من أغانيها الخفيفة، ولحنه لها منير مراد، الذي رافقها في مسارها مع الأغنيات الخفيفة.

وبذلك تكون شادية قدمت مع عبد الحليم في فيلم واحد 3 دويتوهات من أبدع ما عرفته السينما والغناء في هذا اللون.

توالت الدويتوهات بين شادية وعبد الحليم حافظ، وكان يُنظَر إليه على أنه نجم الرومانسية الأول في الخمسينيات والستينيات. كما قدما دويتو آخر في فيلم “دليلة”، بعنوان “إحنا كنا فين”.

أما فيلم “معبودة الجماهير” الذي أنتجه عبد الحليم أيضا، وصُوّر بالألوان، وكتب قصته الصحفي الكبير مصطفى أمين، فقد قدمت فيه شادية مع العندليب الأسمر دويتو “حاجة غريبة”، من كلمات حسين السيد، وألحان منير مراد.

عبد الحليم وشادية في فيلم معبودة الجماهير

وبينما كانت تُقدم الدويتوهات مع عبد الحليم، التقت أيضا مع فريد الأطرش في دويتوهات عدة، ففي فيلم “ودعت حبك” (1957)، قدمت معه دويتو “إحنا لها نفدي العروبة وأهلها”.

كما قدمت في فيلم “أنت حبيبي” دويتو خفيف الظل، يناسب أحداث الفيلم الذي كان فيلما كوميديا خفيفا، ألا وهو دويتو “يا سلام على حُبي وحُبك”، وأدت معه أيضا في هذا الفيلم مقاطع من أغنية “زينة”.

ليلى مراد.. الدويتو الأشهر في تاريخ السينما المصرية

قدمت ليلى مراد مجموعة من الدويتوهات الغنائية في أفلامها، ففي فيلم “غزل البنات” استغل المخرج أنور وجدي وجود نجمين بحجم ليلى مراد والفنان نجيب الريحاني، ليُقدم دويتو غنائيا يجمعهما خلال أحداث الفيلم، وقد أصبح بعدها الدويتو الأشهر في تاريخ السينما المصرية.

وكان محمد فوزي صاحب النصيب الأكبر من الغناء مع ليلى مراد، فقد تشاركا الغناء في فيلم “ورد الغرام” بأغنيتين “شحات الغرام” و”في حاجة شغلاك”.

وقدمت في فيلم “عنبر” أغنية من أشهر أغانيها، وهي “اللي يقدر على قلبي”، وقد شاركها فيها الغناء إسماعيل ياسين، وعزيز عثمان، ومحمود شكوكو، وإلياس مؤدب.

بعيدا عن الأفلام، وفي جلسات فنية طربية جمعت العندليب عبد الحليم حافظ والفنانة ليلى مراد، غنيا معا “سنتين وأنا أحايل فيك” و”ليه خلتني أحبك”، وكان على عزف العود منير مراد، وهو أخو ليلى الأصغر.

قائمة النجوم

صدر عدد كبير من أغاني الدويتو التي جمعت بين عدد كبير من الفنانين العرب، وكان بعضها سببا في إطلاق نجوميتهم في عالم الأغنية العربية.

نبدأ بدويتو “مين حبيبي أنا” الذي جمع بين نوال الزغبي ووائل كفوري في التسعينيات، وهو من فكرة وإعداد المخرج اللبناني سيمون أسمر، وكان أول دويتو بين نجمين، بعد غياب الأغاني المشتركة في الوطن العربي نحو 30 عاما.

وقد كتب هذا الدويتو شهادة ميلاد وائل كفوري ونوال الزغبي، في منتصف التسعينيات، وحقق مشاهدات على اليوتيوب تجاوزت 33 مليون مشاهدة.

أما “بتغيب بتروح” فقد جمع بين راغب علامة وإليسا عام 2000، وقد صُوّر بطريقة الفيديو كليب، وكتب شهادة ميلاد نجومية إليسا، وحقق نحو 40 مليون مشاهدة على يوتيوب.

وفي عام 2002، صدر ديتو “يوم ورا يوم” بين سميرة سعيد والشاب مامي، وحقق نجاحا عربيا، وقد سجل 126 مليون مشاهدة على يوتيوب، وكان سببا وراء فوز سميرة سعيد بجائزة الموسيقى العالمية، بوصفها أعلى الفنانات العربيات مبيعا.

وأما “عينك عينك” الذي جمع بين أمل حجازي وفضيل، فقد حقق نجاحا كبيرا في بداية الألفية، وكانت أمل حجازي يومئذ في بدايتها الفنية، وفي أوج نجاحها، وجاء الدويتو ليكمل كل تلك النجاحات. وقد نال أكثر من 3 ملايين مشاهدة على يوتيوب.

وفي عام 2006، نجح دويتو “ماس ولولي” بين الشاب خالد وديانا حداد نجاحا كبيرا، وحقق على يوتيوب أكثر من 32 مليون مشاهدة.

وأما “خدني معك” بين يارا وفضل شاكر، فيعد منذ إصداره إلى يومنا هذا من أهم أغاني الدويتو اللبنانية في الوطن العربي، ويترجم نجاحه بعدد مشاهدته على يوتيوب، التي بلغت 200 مليون مشاهدة.

ومع أن دويتو “جوا الروح” بين إليسا وفضل شاكر لم يصور بطريقة الفيديو كليب، فقد حقق نجاحا كبيرا بين نجمين يُعدان الأبرز في عالم الأغنية الرومانسية.

وأما دويتو “قولي جاية” بين عاصي حلاني وكارول صقر، فقد نجح وقت إصداره نجاحا كبيرا في أنحاء الوطن العربي، وحقق هذا الدويتو 18 مليون مشاهدة على يوتيوب.

وفي دويتو “ولا عارف” لإيهاب توفيق والتونسية ذكرى، حقق الاثنان نجاحات كبيرة، وكانت الأغنية من آخر ما قدمته ذكرى قبل وفاتها. وقد نالت 20 مليون مشاهدة على يوتيوب.

وبعد نجاح كارول سماحة ومروان خوري في الأغاني التي كتبها ولحنها، تعاونا معا في دويتو “يا رب” الذي حقق رواجا في الوطن العربي. وقد نال 138 مليون مشاهدة على يوتيوب.

أما دويتو “العام الجديد” بين شيرين عبد الوهاب وفضل شاكر، فهي أغنية يحتفل بها الوطن العربي كل بداية عام جديد، وتعد من أهم أغاني الدويتو التي جمعت بين اثنين من أنجح نجوم الأغنية المعاصرة. وقد حققت نحو 10 ملايين مشاهدة على يوتيوب.

وأما دويتو “بتكلم جد” فهو أغنية خفيفة ومرحة أُنتجت عام 1990، وقد أداها الملحن والمطرب حميد الشاعري مع المطربة سيمون، وهي من كلمات جمال عزيز، وألحان حميد الشاعري.

وفي عام 2011، جاء دويتو “سوا” بين مايا دياب ورامي عياش، ليثبت نجاح الفنانة اللبنانية مايا دياب على الساحة الفنية العربية، فحققت نجاحا كبيرا، وكانت الأغنية من أهم الأغاني التي صدرت في ذلك العام.

كانت أغنية “الناس الرايقة” بين رامي عياش وأحمد عدوية من أهم الأغاني المشتركة في الوطن العربي، وكانت سببا في دخول رامي عياش إلى مصر من بابها العريض. وقد حقق هذا الدويتو نحو 40 مليون مشاهدة على يوتيوب.

وأما “ليه يا دنيا الواحد”، فهو دويتو التقى فيه محمد منير وخالد عجاج عام 2000. ومع أن نوعية الموسيقى التي يقدمانها مختلفة، فقد كانت النتيجة أغنية محببة إلى الأذن حتى الآن. وقد نال هذا الدويتو 26 مليون مشاهدة على يوتيوب.

وفي عام 1999، اشترك عمرو دياب مع الجزائري الشاب خالد في أغنية “قلبي”، وقد ساهمت في تحقيق الشاب خالد جماهيرية كبيرة في مصر، كما أفادت عمرو دياب عالميا.

وكانت أغنية “محكمة” بين كاظم الساهر وأسماء المنور من أهم أغاني الدويتو العربية، من ناحية القيمة الفنية والطربية.

وقد نجح دويتو “مش فاكر ليك” بين أصالة ورامي صبري نجاحا كبيرا في مصر والوطن العربي، وحقق مشاهدات على اليوتيوب تجاوزت 50 مليون مشاهدة. ولعل من أهم أسباب نجاحه أنه يعكس وقوف الأصدقاء بجانب بعضهم في المواقف الصعبة.

وتعد أغنية “لو كان بخاطري” بين راشد الماجد وآمال ماهر من أهم أغاني الدويتو العربية، والأعلى نجاحا جماهيريا من حيث عدد المشاهدات والاستماع وتصدر القوائم. وقد نالت أكثر من 20 مليون مشاهدة على يوتيوب.

أما أغنية “عيني” التي غناها هشام عباس مع حميد الشاعري، فقد نجحت وتعلق بها الجمهور كثيرا، وهي من كلمات وألحان عنتر هلال.

وفي عام 1998، غنى حميد الشاعري ومصطفى قمر أغنية “غزالي”، وهي من كلمات سامح العجمي، وألحان أشرف سالم. وقد نالت الأغنية أكثر من 11 مليون مشاهدة على يوتيوب.

وأما دويتو “لو كنت نسيت”، فقد جمع بين تامر حسني وشيرين عبد الوهاب، ويعد من الدويتوهات الناجحة والرائجة. وقد نال نحو 6 ملايين مشاهدة على يوتيوب.


إعلان