فضل شاكر.. ملك الرومانسية في قبضة العدالة

في تطوّر مفاجئ أنهى سنوات من الجدل، سلّم الفنان اللبناني فضل شاكر نفسه لقوّة من استخبارات الجيش اللبناني، عند حاجز الحسبة المؤدي إلى مخيم عين الحلوة جنوب لبنان، بعد أكثر من 13 عاما من الإقامة في المخيم، الذي كان يُعدّ منطقة عصيّة على الأجهزة الأمنية اللبنانية.
ونشر نجله محمد شاكر صورة تجمعه به على “إنستغرام”، أرفقها بتعليق: مهما ضاق الطريق، فإن فرج الله أقرب مما تظن.

بدا أن تسليم فضل شاكر نفسه جاء حلا نهائيا لتسوية وضعه القانوني المعقّد منذ عدة سنوات، ويرى مراقبون أنّ القرار لم يكن وليد اللحظة، بل خطوة محسوبة، اتُّخذت في سياق تسوية أمنية وسياسية شهدها لبنان، لكن لم تصدر السلطات أي بيان يؤكّد أو ينفي وجود وساطة عربية في هذا المسار.
اقرأ أيضا
list of 4 items- list 1 of 4كنعان وصفي.. ممثل عراقي في السينما المصرية ومطرب نجح في أدوار الشر
- list 2 of 4في عيد ميلاده الـ68.. رحلة استثنائية للقيصر الرحال كاظم الساهر
- list 3 of 4زياد الرحباني.. تمجيد الهامش وتحطيم الأنماط الموسيقية
- list 4 of 4“بوب ديلان”.. سحر المغني الوحيد المتوج بجائزة نوبل للأدب
المنعطف الحاد في مسيرته
في فبراير/ شباط 2016، أصدرت المحكمة العسكرية اللبنانية حكما على فضل شاكر بالسجن 5 سنوات، مع تغريمه 500 ألف ليرة لبنانية، وتجريده من حقوقه المدنية، بعد إدانته بـ”إثارة الفتنة”.

وفي سبتمبر/ أيلول 2017، أصدرت المحكمة حكما غيابيا جديدا، قضى بسجنه 15 عاما في قضية أحداث عبرا، وحكمت بالإعدام على الشيخ أحمد الأسير.
وبعد غياب دام 8 سنوات عن الساحة العامة، منذ تواريه في المخيم، ظهر فضل شاكر في مقابلات تلفزيونية، نفى فيها مشاركته في قتال الجيش اللبناني، وقال إنه اختلف مع الأسير، وغادر منطقة عبرا قبيل اندلاع المواجهات.

وفي مارس/ آذار 2018، أصدرت المحكمة العسكرية حكما ببراءة فضل شاكر من تهمة المشاركة المباشرة في القتال بأحداث عبرا، لعدم ثبوت الأدلة بحقه، لكنه بقي مدانا في قضايا أخرى، تتعلق بتمويل جماعة الأسير.
وفي يناير/ كانون الثاني 2020، حكم عليه غيابيا بالسجن 22 عاما مع الأشغال الشاقة، بعد إدانته بـ”تمويل جماعة أحمد الأسير، والإنفاق عليها، وتوفير أسلحة وذخائر”. وبحسب القانون اللبناني، فإن الأحكام الغيابية تسقط عند مثول المتهم أمام القضاء، وتعاد محاكمته من جديد.
بيان فضل شاكر في 2025
في أبريل/ نيسان 2025، أصدر فضل شاكر بيانا إعلاميا، قال فيه إنه “ظُلم على مدار أكثر من 13 عاما”، وإن جميع التهم التي لاحقته كانت “نتيجة تصفية حسابات سياسية، لا علاقة لها بأي أساس قانوني”.

وكان قد رفض في الأعوام الماضية تسليم نفسه، بسبب ما سماه “غياب استقلالية القضاء اللبناني”، لكنه غيّر موقفه مع دخوله مسارا قضائيا جديدا، يتيح إعادة محاكمته حضوريا.
التحقيقات المنتظرة
من المنتظر أن تشهد المرحلة المقبلة تحقيقات قانونية حول دور فضل شاكر في أحداث عبرا عام 2013، وعلاقته بالشيخ أحمد الأسير، وتحقيقا في مدى ضلوعه في أي تمويل أو دعم لأنشطة مسلحة.
ويُتوقع أن يسلك ملفه المسار القضائي المعتاد في مثل حالته، فتسقط الأحكام الغيابية، وتُعاد محاكمته حضوريا، وقد تكون المحاكمة سريعة نسبيا، نظرا لتلقيه ضمانات بذلك، ولثقته ببراءته.
التسوية القانونية ودور الشهادات
ذكرت مصادر إعلامية أن تسليم فضل شاكر نفسه، إنما جاء نتيجة تسوية لوضعه الأمني والقضائي، ووضعت اللمسات الأخيرة عليها في ساعات قليلة، من دون تأكيد رسمي من السلطات اللبنانية.
ويبقى قرار إبقائه موقوفا أو إخلاء سبيله رهنا بمسار الإجراءات القضائية.

وقد فتح تسليمه نفسه الباب أمام تسوية شاملة لملفاته القانونية، فبات يحق له تقديم الأدلة والشهود والوثائق التي قد تثبت براءته، لا سيما أنه قد يستفيد من الإفادات التي قُدّمت في محاكمات سابقة لأناس مرتبطين بجماعة الأسير.
وتفيد بعض الإفادات التي عُرضت أمام القضاء العسكري، أنه اختلف مع الأسير قبل أيام من اندلاع معركة عبرا، وغادر المنطقة، ولم يشارك في قتال الجيش اللبناني.
خلفية عن أحداث عبرا
تُعد معركة عبرا التي اندلعت في 23 يونيو/ حزيران 2013 من أكثر الأحداث الأمنية دموية في لبنان بعد الحرب الأهلية.
وقعت المواجهات بين الجيش اللبناني ومجموعة الشيخ أحمد الأسير في منطقة عبرا بمدينة صيدا، وأسفرت عن مقتل نحو 18 جنديا لبنانيا وعدد من المسلحين، مع خسائر مادية كبيرة في المنطقة.

بعد هذه الأحداث، فرّ فضل شاكر إلى مخيم عين الحلوة، وأصدرت السلطات اللبنانية مذكرات لتوقيفه، موجّهة إليه تهما منها “الاشتراك في تشكيل عصابة مسلّحة، وقتال الجيش اللبناني”، وهي تهم ظل ينفيها في كل إطلالاته الإعلامية.
العودة إلى الغناء
كان فضل شاكر قد عاد قبل سنوات للغناء، فأصدر أغنيات متفرقة، كان ينشرها عبر حسابه على يوتيوب، من دون أن يظهر للعلن، وقد أصدر منذ مطلع 2025 سلسلة أغنيات لاقت صدى واسعا، أبرزها “صحاك الشوق” و”أحلى رسمة”، اللتان تصدرتا القوائم الموسيقية العربية أسابيع متتالية.

وتصدرت أغنية “كيفك ع فراقي” قوائم الاستماع في العالم العربي في صيف 2025، كما حققت الأغاني التي سجّلها مع ابنه محمد انتشارا ونجاحا واسعين.
ضغوط داخل المخيم
كان في مخيم عين الحلوة انزعاج واضح من إعلان فضل شاكر عودته للغناء، فرأى بعض الناس أن عودته الفنية قد تثير حساسية أو جدلا داخل بعض الأوساط.
أسهمت هذه الأجواء المضطربة إلى دفعه لتسليم نفسه طوعا، من أجل طي صفحة الماضي وبدء حياة جديدة.
وتذكر بعض المصادر أنه -في حال تبرئته- سيغادر لبنان مع أهله، مما قد يمهّد لنيل جنسية أخرى، وبدء حياة فنية جديدة، بعد تسوية أوضاعه القانونية.
ملك الرومانسية
ثمة فصول أخرى في قصة الفنان فضل شاكر، الرجل الذي صعد إلى قمة المجد، ثم مرّ بمنعطفات أبعدته عن الساحة سنوات، وقد حاول في السنوات الماضية العودة من خلال المنصات الرقمية، معتمدا على صوت يقول محبوه إنه ما زال يحتفظ ببريقه.
ولد فضل شاكر تحت اسم فضل عبد الرحمن شمندر، في أبريل 1969، وانطلقت مسيرته الفنية من مدينة صيدا اللبنانية أواخر التسعينيات، وكان قد بدأ حياته الفنية يافعا لم يتجاوز 15 سنة، فغنى في الحفلات الصغيرة والأعراس، وقدّم كثيرا من الأغاني الأصلية.

وقد صدر له في مسيرته 11 ألبوما غنائيا، و21 أغنية منفردة، حتى أعلن اعتزاله الفن نهائيا نهاية عام 2012، لكنه عاد إليه عام 2018.
الأسلوب الفني وبدايات النجاح
في عصر موسيقي كانت تسيطر عليه الإيقاعات السريعة، كان فضل شاكر صوتا دافئا مفعما بالإحساس، أعاد للأغنية الرومانسية مكانتها، وقد أطلق ألبومه الأول “والله زمان” (1998)، ثم توالت بعده ألبومات أخرى، منها:
- “بياع القلوب” (1999).
- “الحب القديم” (2000).
- “سهرني الشوق” (2005).
- “الله أعلم” (2006).
- “بعدا عالبال” (2009).

وقد اشتهر أيضا بأداء الثنائيات الغنائية مع عدة فنانات، منهن إليسا ويارا وشيرين عبد الوهاب. وكان ألبومه “بياع القلوب” (1999) بمنزلة إعلان ولادة نجم حقيقي، ثم تبعه ألبوم “الحب القديم” (2000) الذي رسَّخ مكانته.
ثم واصل نجاحه بألبومات أخرى، حافظ فيها على أسلوبه الغنائي المحافظ على الروح الشرقية.
أيقونات رومانسية
توالت نجاحات فضل شاكر بأغان أصبحت جزءا من الذاكرة الموسيقية العربية، منها:
- “يا غايب”.
- “معقول”.
- “الله أعلم”.
- “يا حياة الروح”.
- “نسيت أنساك”.
- “متى حبيبي متى”.
- “لابس وش الطيب”.
كما تألق في أداء بعض الأغاني المصرية الكلاسيكية، مثل رائعة محمد قنديل “ثلاث سلامات”.

وتوج هذا النجاح بأغنية ثنائية أيقونية، هي “أحاول” مع الفنانة نوال الكويتية عام 2001، وقد عدها النقاد علامة فارقة في مسيرته.
أصبح فضل شاكر ضيفا دائما على أكبر المهرجانات العربية، مثل مهرجان قرطاج الدولي في تونس، ومهرجان جرش للثقافة والفنون في الأردن، وصار ذا مكانة مرموقة في الساحة الفنية العربية.
وقد مُنح عددا من جوائز الموسيقى الرفيعة، وخلال أربع سنوات فقط (1998-2002)، أصبح من أساطير الموسيقى في العالم العربي، ولقّبه جمهوره “ملك الرومانسية”، حتى أن أحد معجبيه أهداه أغنية حملت اسم “صوتك يا فضل”، وتلك بادرة هي الأولى من نوعها بين الجمهور وفنانهم المفضل.
الاعتزال والمنعطف الفكري
في ذروة نجاحه، بدأت حياة فضل شاكر تأخذ مسارا مختلفا، ففي عام 2012، أعلن في حوار تلفزيوني اعتزاله الفن نهائيا، وتزامن ذلك مع مرحلة جديدة من حياته الشخصية والفكرية، شهدت تقربه من شخصيات دينية في مدينة صيدا، فكان ذلك مفاجئا لجمهوره وللوسط الفني.
لم يكن توجهه سياسيا فحسب، بل دينيا أيضا، فقد ظهر فيما بعد منشدا للأناشيد الدينية، ومؤذنا في مسجد بلال بن رباح. وقال في أحد تصريحاته:
اليوم أنا -بصفتي فنانا- السبب في أنك تجلس مع حبيبتك أو خطيبتك أو صديقتك، أثيرك حين أغني مع الموسيقى الصاخبة وأتلاعب بكلمات الحب والغزل لإثارتك، كما أن الوسط الفني عبارة عن قلوب سوداء، وما من نظافة في التعامل بين الفنانين، وأنا لم يكن لي إلا عدد قليل من الأصدقاء، يُعدون على اليد الواحدة.
العودة التدريجية عبر المنصات الرقمية
في مارس 2018، عاد فضل شاكر إلى الساحة الفنية بإطلاق أغنية “ليه الجرح” عبر قناته في يوتيوب، فشكلت مفاجأة لجمهوره، وكانت بداية سياسة جديدة للعودة، تعتمد كليا على الفضاء الرقمي، نظرا لصعوبة ظهوره في الحفلات والمهرجانات، بسبب وضعه القضائي.

لم تكن العودة يسيرة، بل رافقها جدل كثير، لا سيما عند اختياره غناء مقدمة مسلسل “لدينا أقوال أخرى” للفنانة يسرا، فقد قررت الشركة المنتجة فيما بعد حذف صوته من العمل.
ومع ذلك، أصر فضل شاكر على مواصلة مسيرته، فأطلق في السنوات التالية أغنيات باللهجتين المصرية والخليجية، منها “غيب”، و”وحشتوني”، و”يا ترى”، مؤكدا أنه ما زال يحتفظ بقاعدته الجماهيرية الكبيرة.
استمرار النجاح والجيل الجديد
نجحت أغاني فضل شاكر الجديدة التي يصدرها بانتظام نجاحا كبيرا، وحصدت عشرات الملايين من المشاهدات، وتظهر تحليلات منصات -مثل يوتيوب وأنغامي وسبوتيفاي- أن أغانيه تتصدر فور صدورها قوائم “الرواج” في دول متعددة بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وكانت أغنيته الجديدة التي غنى مع ابنه محمد “كيفك ع فراقي” تتويجا لهذه المرحلة، وقد تخطت حتى كتابة هذه السطور 114 مليون مشاهدة على قناته في يوتيوب.
لم تكن أغنية ناجحة فحسب، بل حملت رمزية كبيرة، وتمثل استمرارية فنية بين جيلين ورسالة عاطفية للجمهور، عززتها الصورة المؤثرة التي نشرها محمد مع أبيه، فقد أظهرت جانبا إنسانيا بعيدا عن الجدل.
حياته الخاصة
بعيدا عن الأضواء، عُرف عن فضل شاكر تعلقه بأهله، وزوجته الفلسطينية ناديا، وأولاده الثلاثة ألحان (1990) ومحمد (1994) ورنا (2002)، وهو يردد دوما: أنا تزوجت عن قصة حُب حلوة.
كما تميّز بحبه للموسيقى، ولا سيما عزف البيانو، وباهتمامه بصيد السمك على سواحل صيدا. وحتى عندما سُحبت منه أضواء الشهرة، ظل يحمل وُدا خاصا للذكريات، وللجمهور الذي بكى معه في أغانيه.
