الدراما المصرية في 2019.. نصف خطوة للأمام وخطوات للخلف

مع نهاية عام وولادة عام جديد، يطيب لموقع الجزيرة الوثائقية أن يفتح ملف حصاد العام المنصرم (2019) في السينما العربية والعالمية، فيبحث في أهم ما تناولته صالات السينما من مضامين وعروض وأفلام روائية أو وثائقية. ويناقش المقال الثالث من الملف وضعية الدراما المصرية في عام 2019، وأهم ما أنتجته من مسلسلات تلفزيونية.

 

خالد عبد العزيز

لا شك في أن الدراما المصرية رسخت قواعدها وجمهورها؛ ليس فقط لدى المشاهد المصري، بل والعربي أيضاً. فعلى مدار سنوات طويلة ظلت الدراما المصرية هي صاحبة النصيب الأكبر عربياً مشاهدة ورواجاً، وإن كانت تأثرت بشكل أو بآخر بصعود الدراما السورية والخليجية والتركية أيضاً. مما يطرح على أذهاننا ذلك السؤال المُلح: هل تطورت الدراما المصرية في العام الماضي عن سابقه، وما هي ملامح ذلك التطور إن وجد؟

بالنظر إلى خريطة الدراما للعام الماضي 2019، سنجد في البداية أن عدد المسلسلات المنتَجة في ذلك العام تصل إلى نحو 37 مسلسلاً، بميزانية إجمالية تصل إلى نحو ثلاثة مليارات جنيه (الدولار الواحد يعادل 16 جنيها تقريبا)، عُرض الجزء الأكبر منها (نحو 27 مسلسلاً) خلال شهر رمضان الكريم، بفارق أقل عن حجم الإنتاج في العام السابق، حيث بلغ عدد المسلسلات المعروضة في رمضان 2018 نحو 34 مسلسلاً.

أما باقي المسلسلات، ويبلغ عددها نحو 10 مسلسلات، فقد تنوعت أوقات عرضها ما بين النصف الأول والأخير من العام، فعُرضت أربعة مسلسلات في أول العام، وستة عُرضت قُرب نهاية العام، وبالتالي نشأت مواسم أخرى لها ملمح مُختلف ولها جمهورها، ولم يعد الموسم الرمضاني هو المسيطر مثلما كان في السابق، مما جعل عدد المسلسلات المتنافسة خلال شهر رمضان يقل إلى حد ما عن السنوات السابقة.

 

خِفة درامية.. تمرد على عدد الحلقات

اتسمت الدراما هذا العام، ببعض الصفات، وذلك على مستوى الشكل تحديداً، أبرزها التأثر بالدراما التركية من حيث عدد الحلقات، فأغلب المسلسلات المعروضة في مواسم بداية ونهاية العام تعدت حلقاتها الثلاثين، في تمرد واضح على هيئة وشكل الثلاثين حلقة، فبلغ عدد حلقات بعض المسلسلات 45 حلقة، بل و60 حلقة في أحيان أخرى، كما شهد هذا الموسم العودة إلى الدراما القصيرة، أي التي تصل عدد حلقاتها إلى 15.

وقد جاءت الأعمال الدرامية موسومة بالخفة في تناول المحتوى الدرامي، رغم زيادة عدد السيناريوهات المأخوذة من ورشات الكتابة، على حساب سيناريو الكاتب الأوحد، ليبدو أن المشكلة الرئيسية التي واجهت دراما هذا العام هي ضعف السيناريو الذي يُعد العمود الفقري لأي عمل فني.

وهنا نلقي نظرة بانورامية على أهم الأعمال الدرامية في ذلك العام، رغم تباين مستواها الفني، بما يشير لعام درامي يُعد من أسوأ السنوات إنتاجياً وفنياً.

 

دراما تاريخية.. حنين إلى الماضي

المثير للتأمل في هذا العام، هو عودة الأعمال الدرامية إلى الماضي، فقد لجأ صنّاع هذه الدراما إلى بلورة أعمالهم وتقديمها في قالب زمني تدور أحداثه في الماضي، على سبيل المثال في زمن الأربعينيات والخمسينيات؛ ليس فقط لأن الأحداث تحوي ضرورة درامية لهذه العودة، بل بدت هذه الأعمال تحوي قدراً لا يستهان به من النوستالجيا أو الحنين إلى زمن سابق.

فإذا كان عدد ما عُرض عام 2018 من مسلسلات تدور أحداثها في الماضي هو مسلسل واحد فقط يدور في فترة الأربعينيات، وهو مسلسل ليالي أوجيني، فقد ارتفع عدد المسلسلات التي تدور عوالمها في أجواء الماضي إلى مسلسلين هذا العام.

قد لا يكون العدد كبيرا، لكن من المتوقع أن يرتفع في الأعوام القادمة، فالعودة إلى الماضي، تبدو كاشفة عن رغبة ما لدى المبدع، بالعودة إلى الوراء، واستكشاف زمن لم تسنح له فرصة العيش فيه، أو -وهذا هو الأعمق- التعبير عن همّ ما أو قضية تراود صانع العمل، فلا يجد سوى التاريخ للاستلهام منه والعودة إليه، وفي هذا السياق جاء مسلسلا “أهو ده اللي صار” و”حواديت الشانزليزيه”، فكل منهما عاد إلى التاريخ، ولكن برؤية متباينة عن الأخرى.

 

“أهو ده اللي صار”.. مصر سعد زغلول

تدور أحداث هذا المسلسل –وهو سيناريو عبد الرحيم كمال وإخراج حاتم علي- في قالب رومانسي، ومن خلال خطين سرديين:

الخط الأول تدور أحداثه في الحاضر عن شخصية يوسف القائم على الحراسة القضائية لقصر جده يوسف نوار باشا، حتى يتم تحويله لمركز ثقافي خشية سيطرة أحد رجال الأعمال عليه، ثم يتعرف على الصحفية سلمى التي تُجري تحقيقاً صحفياً عن تاريخ القصر.

أما الخط الدرامي الآخر فهو الماضي، وتدور أحداثه حول يوسف نوار باشا الذي يقع في حب نادرة؛ الفتاة الريفية التي تعمل في خدمة الأسرة، لينطلق هذا الجزء من أحداث المسلسل بدءاً من عام 1918 حتى ثمانينيات القرن الماضي.

قد يبدو أن المسلسل يدور حول الحب، وهو ركن أساسي من الدراما، لكنه يمتد لما هو أعمق، إذ أنه يرصد التاريخ المصري منذ ثورة 1919 بقيادة سعد زغلول، وإلقاء نظرة بانورامية على الدولة المصرية في فترات متعددة من التاريخ والتغيرات التي طرأت على المجتمع طيلة هذه الفترة، في إطار يجنح نحو التوثيق، بالإضافة إلى متابعة أثر التغيرات الاقتصادية والسياسية على المجتمع في السنوات الأخيرة.

جاء السرد في هذا المسلسل متعرجا، فقد ضم شذرات من الماضي مع مثيلاتها من الحاضر، وهكذا يتداخل العالمان معا وتتماس شخصياتهما في دراما أجيال تفتقدها الدراما المصرية في هذا الوقت، وفي أجواء قد تبدو جديدة وغير مطروقة من قبل، وبشكل يجعل العمل يبدو جيداً ومتماسكاً.

وهنا بدت سيطرة المخرج السوري حاتم علي على باقي العناصر الفنية، لكن المسلسل أصابته بعض الهنات -الدرامية على وجه التحديد- تتعلق بالسيناريو الذي بدا جزؤه المتعلق بالحاضر مفتعلاً يفتقد للصدق في بعض الأحيان، وقد دعم هذا الإحساس الجمل الحوارية التي جاءت مباشرة، بالإضافة إلى أداء روبي في شخصية سلمى، ليأتي أداؤها شديد الافتعال، وكأنها لا تشعر بالشخصية المؤداة، بعكس أدائها لشخصية نادرة الذي اتسم بالصدق والحيوية.

وعلى الرغم من هذه الهفوات فإن العمل في النهاية يظل من أجمل وأقوى الأعمال الدرامية في ذلك العام، سواء على مستوى المضمون الهام الذي يتناوله، أو على مستوى الشكل الذي بدا جذاباً.

 

“حواديت الشانزليزيه”.. تشوقٌ إلى أيام مصر الأولى

انطلاقاً من الرغبة في العودة بالزمن إلى الوراء، يأتي هذا المسلسل –وهو سيناريو أيمن سليم بمشاركة نهى سعيد وإخراج مرقس عادل- لتدور أحداثه في قالب بوليسي، حيث يتم العثور على جثة رياض (الممثل إياد نصار) داخل شقته مطعوناً بعدة طعنات، ومن هنا تنطلق الأحداث -التي تقع في 45 حلقة، في سرد متعرج متشعب الخيوط الدرامية- للبحث عن شخصية القاتل.

فقد بُني السيناريو على خمسة خيوط درامية متشابكة ومترابطة معاً في تماسك واضح، وكل خط يُمثل شخصية ما كانت على علاقة بالقتيل وتحوم حولها الشبهات، لينتقل السرد من شخصية إلى أخرى، كل منها تتداخل مع الأخرى، وهكذا حتى تكتمل مصفوفة الحكي في النهاية، وبشكل يبدو تشويقياً جذاباً، حيث يقدم المسلسل الصراع الأزلي بين الخير والشر، وذلك من خلال شخصية رياض الذي يحترف النصب على السيدات والإيقاع بهن، في مقابل شخصية محمود سليم (الممثل إدوارد) المحقق ووكيل النيابة الذي يبحث عن القاتل الحقيقي لرياض، في أداء بثوب جديد لإدوارد وخروج عن الشخصية النمطية التي ظل لسنوات لا يقدم سواها.

وعلى الرغم من أن المسلسل يعتمد في أحداثه على الجانب البوليسي، فإنه يحوي بين طياته حنيناً إلى الماضي، إذ أن أحداثه تدور في خمسينيات القرن الماضي، ليقدم مصر من رؤية مُغايرة تختلف عن السائد، وهي في أوج تنوعها الثقافي والعرقي، وقبل العدوان الثلاثي 1956، وهجرة الأجانب من مصر، حيث لا فرق بين مواطن مصري أو مقيم من أصول أخرى.

وقد عمد المسلسل إلى إبراز هذا الجانب، ويبدو هذا من أبرز مقومات نجاحه، بالإضافة إلى إظهار مصر في تلك الفترة على المستوى المجتمعي والحياة العامة، وبعيداً عن أي قضايا أو نواح سياسية، فالمهم هو اقتناص تلك الفترة، والتعبير عنها من ناحية جمالية، وذلك من خلال ديكور يتسم بالفخامة، في بذخ إنتاجي واضح، بالإضافة إلى الأزياء التي تنتمي إلى ذلك العصر، والحوار الذي شابه بعض الافتعال، كل ذلك جعل المسلسل يتربع على قوائم أكثر المسلسلات مشاهدة، مما يُشير إلى أن المشاهد في حاجة إلى هذه الأعمال التي تُخاطب رغبته بالعودة إلى الماضي، أو الزمن الجميل كما يُطلق عليه.

 

دراما التشويق والإثارة.. حصان رابح ولكن!

من بين دراما هذا العام، جاءت خمسة مسلسلات تدور في إطار من الإثارة والتشويق. وعلى الرغم من أن هذا النوع من المسلسلات له جاذبية خاصة لدى المشاهد، فإن عدد هذه الأعمال جاء أقل من المتوقع، وكذلك من ناحية المستوى الفني.

وبالنظر إلى المسلسلات التي عُرضت، سنجد أن أربعة أعمال عُرضت في شهر رمضان هي “علامة استفهام” و”زي الشمس” و”قمر هادي” و”قابيل”، وأما في موسم أول العام فقد عُرض مسلسل واحد هو “بلا دليل”.

قد يبدو الإطار العام لهذه المسلسلات مُتقاربا، إذ يدور أغلب عوالمها حول جرائم قتل، لكن لم يبرز في ذلك العام سوى مسلسلين حظيا بنسب مشاهدة عالية بالإضافة إلى تقييمات جيدة من النقاد، رغم بعض الهفوات التي شابت العملين، وهما مسلسلي “قابيل” و”زي الشمس”.

 

“قابيل”.. قصة الصراع بين الخير والشر

جاء مسلسل قابيل –وهو من إخراج كريم الشناوي وسيناريو مصطفى صقر ومحمد عز الدين وكريم يوسف وأشرف نصر- على قمة قوائم المشاهدة، فأحداثه تدور في إطار يحكمه الغموض والإثارة حول قاتل يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي في الإعلان عن جرائمه، ليبدأ ضابط الشرطة طارق (محمد ممدوح) في البحث ومحاولة تحديد هوية القاتل والضحية، وفي الوقت نفسه يُعاني من الهلوسات التي تُباغته أثناء عمله، في تأثر واضح بالفيلم الأمريكي “أرق” (Insomnia) الذي أخرجه المخرج البريطاني الشهير “كريستوفر نولان” عام 2002.

ينشأ في المسلسل صراع ذو حدين؛ شق نفسي داخلي يتعلق بالضابط ومرضه النفسي الذي يتصاعد حتى يصل لدرجة اتهامه في القضية التي يحاول فك شفراتها. وهذا الجزء بالتحديد تم التعبير عنه بصرياً بشكل جيد ومُعبر درامياً، خاصة الإضاءة القاتمة التي تُظلل البطل، مُشيره إلى ما بداخل نفسه من هواجس وهلوسات تسيطر عليه. أما الشق الآخر الخارجي فهو البحث عن القاتل الذي تتكرر جرائمه، دون الوصول إليه.

قد تبدو القصة مُبشرة وثرية بالأحداث المشوقة، وهذا صحيح إلى حد بعيد، فالأجواء المشحونة بالتوتر تجذب المتفرج، لكن بعض الهفوات أصابت السيناريو وجعلت العمل يحوي قدرا كبيرا من الملل تجسد في التطويل والتكرار، فجرائم القتل تتكرر وتتشابه دون مُبرر درامي كافي، ليس إلا لزيادة جرعة الإثارة، بالإضافة إلى الكشف عن هوية القاتل مع النصف الثاني من المسلسل.

وهنا يطرأ سؤال هام: فإذا كانت شخصية القاتل هي حجر الزاوية للبناء الدرامي، فما الذي يجعل المتفرج يحافظ على مشاهدته بعد الكشف عن سر المسلسل؟

وهنا لجأ السيناريو إلى خلق بُعد آخر، وهو التعمق في شخصية الضابط، وإظهاره كشخص يُعاني من المشاكل الشخصية واليأس في علاقاته، ليفقد المسلسل قدراً كبيراً من جاذبيته الأولى، رغم فكرته الجيدة التي تحوي في باطنها إشارة إلى هابيل وقابيل، وأول جريمة قتل في التاريخ، والصراع الدائم بين الخير والشر.

 

“زي الشمس”.. حبكة مثيرة ومعالجة مملة

نتتبع في هذا المسلسل –وهو من إخراج سامح عبد العزيز وسيناريو اشترك في كتابته ستة من كتاب السيناريو تحت إشراف مريم نعوم هم: نجلاء الحديني ودينا نجم ومحمد هشام عبية وسمر عبد الناصر ومجدي أمين وسارة لطفي- النسخة المعربة من المسلسل الإيطالي ذو الحلقات السبع “الأخوات” (Sorelle) الذي أُنتج عام 2017، حيث تدور أحداثه حول جريمة قتل “فريدة” (الممثلة ريهام عبد الغفور) ورحلة تحديد هوية القاتل، وفي الوقت نفسه تعود شقيقتها المحامية نور (الممثلة دينا الشربيني) من لندن للدراسة والعمل محامية، لتبدأ البحث عن قاتل شقيقتها.

حبكة مثيرة دون شك وتجذب المتفرج بل وتجعله يلهث وراء الأحداث، فالشبهات تحوم حول المقربين من دائرة معارف الضحية، ويبدأ المسلسل في نسج خيوطه الدرامية، فالكل على علاقة بالقتيلة التي يبدو أنها تعاني من اضطراب ما، فإطار علاقتها يبدو مشوباً بالأسرار، مما يزيد من جرعة الغموض التي غلفت المسلسل كله، ومع تميز خاص لعنصري التصوير والديكور.

كل ذلك يبدو جيداً، لكن كعادة الدراما المصرية فالحلو لا يكتمل، فقد أصيب سيناريو المسلسل في مقتل بسبب المط والتطويل المبالغ فيهما، مسلسل من ثلاثين حلقة ينبغي أن تحتوي كل حلقة فيه على الأقل على حبكة فرعية أو عنصر جذب ما في الأحداث، خاصة إذا كنا بصدد مسلسل تدور أجواؤه عن جريمة قتل. لكن مع التأمل في هذا المسلسل، سنجد أن هذه القاعدة التي هي في حقيقتها أولية في الدراما، لم تُطبق بشكل كاف، أو بالأحرى لم تُطبق على الإطلاق، فقد عمد السيناريو إلى خلق خيوط درامية فرعية لا طائل من ورائها، وتبدو بعيدة كل البعد عن الخط الدرامي الرئيسي وهو مقتل فريدة، ليصبح المتفرج مُشتتا من كثرة التشعبات الدرامية، ويكاد ينتفي الحدث الرئيسي الذي تقوم عليه أحداث المسلسل.

كل ذلك جعل المسلسل يبدو مُملاً، ولم يقدم جديداً على مستوى الطرح أو الفكرة، وحتى على مستوى التنفيذ، خاصة مع المشاكل التي لاحقته، والاتهامات المتبادلة بين مخرج العمل سامح عبد العزيز والمخرجة كاملة أبو ذكري التي عملت لفترة لا يستهان بها في المسلسل واختلفت مع الشركة المنتجة، مما أدى إلى استبعادها في النهاية.

 

دراما الأكشن.. نوع جديد على الدراما المصرية

في تسعينيات القرن الماضي، تطورت السينما المصرية إلى حد ما، ومعها تطور فيلم الحركة أو الأكشن، وإن ظلت الدراما تفتقد هذا النوع من المسلسلات نظراً لتكاليفه الإنتاجية الباهظة. لكن في الأعوام الأخيرة، ظهر هذا النوع في الدراما، وإن ظل محدوداً ولا يتعدى إنتاجه أصابع اليد الواحدة، رغم جماهيريته التي تتزايد عاماً بعد عام لأسباب كثيرة، لعل أهمها تغير المجتمع نفسه وتطوره، بعيداً عن ماهية هذا التطور، ومدى جدواه على الفرد، وفي هذا العام لم يظهر سوى مسلسل واحد هو الجزء الثالث من مسلسل “كلبش”.

 

“كلبش 3”.. تكرار لا تشفع له مشاهد الحركة

يستكمل المخرج بيتر ميمي وكاتب السيناريو باهر دويدار مع الممثل أمير كرارة، الجزء الثالث من مسلسل كلبش، وذلك في استثمار للنجاح الذي أحرزه الجزآن الأول والثاني قبل عامين.

أحداث المسلسل لا تختلف عن الأجزاء السابقة، والشخصية الرئيسية لا تتغير؛ سليم الأنصاري ضابط البوليس الذي يقع في مشكلات عدة من جراء وقوفه مع الحق في وجه الظلم، وهي مادة مكررة في الدراما بشكل عام، لكن معالجتها الدرامية في هذا العمل مختلفة بعض الشيء، خاصة مع مشاهد المعارك والأكشن المصممة والمنفذة جيداً، وذلك إذا أخذنا في الاعتبار الاستعانة بمصممي ومنفذي معارك أجانب.

فأحداث هذا الجزء من المسلسل تدور حول الضابط سليم الأنصاري الذي يستقيل تحت ضغط من جهاز الشرطة، ويُنشئ شركة أمن خاصة بالتعاون مع أحد رجال الأعمال الذي أصيب ابنه بأحد الفيروسات النادرة، ولا يملك غيره المصل المضاد لهذا المرض، مما يجعل الأحداث تزداد سخونة وتوترا.

أحداث متصاعدة لا تخلو من إثارة، لكن، ومع نظرة متأملة للسيناريو، لن نجد اختلافاً كبيراً عن أجزائه السابقة. فإذا كان الجزء الأول والثاني يتعلق بعمل الضابط في البحث الجنائي، فإنه في هذا الجزء يُقرر نقل ساحة اللعب إلى الخارج.

ولكي يجعل السيناريو البطل ينتقل للخارج ويطور من القصة ويدفع الأحداث إلى الأمام، فإنه لم يجد سوى خلق قوى مضادة للبطل، تمثلت في إحدى العصابات أو المافيات. وإذا قبلنا بهذه الحيلة الدرامية، فلا نقبل بالتطويل والسرد المتكرر الذي يبدو وكأنه يدور في دائرة مفرغة؛ أحداث تتكرر بلا نهاية، حتى يتم حشو المسلسل بها، ودون مبررات درامية مقنعة، وهنا يكمن الخلل.

فقد عمد صناع المسلسل، إلى تقديم جزء ثالث، وقد يأتي رابع، من يعلم؟ فما هي الحاجة الدرامية لكل هذه الأجزاء؟ هل ما يزال لدى الشخصية الكثير لتقدمه؟

صحيح أن هذا الجزء من المسلسل تتعمق إلى حد ما في الحياة الأسرية للبطل على عكس باقي الأجزاء، وبذلك يخلق السيناريو خطاً درامياً فرعياً. قد يبدو ذلك جيداً لو لم يسقط في فخ التطويل والتكرار الذي يبدو أنه سيطر على العمل، ولم تشفع له مشاهد الحركة والمطاردات التي تجذب المتفرج، بحيث يتفوق الشكل على المضمون.

 

دراما عائلية.. تجديد شكلي ومضمون قوي

على مدار سنوات طويلة، تميزت الدراما المصرية بإنتاج أعمال تلفزيونية تتناول الواقع الأسري، ومناقشة أهم القضايا التي تتعرض لها الأسرة، وآثار التغيرات المجتمعية على العائلة بصفة عامة.

وتكمن قوة المسلسل والعنصر الأبرز في نجاحه في مدى تماسّه مع القضايا التي تهم الأسرة، وتتلاقى معها بشكل أو بآخر. وفي عام 2019 تفاوت عدد هذه النوعية من المسلسلات عن العام السابق، لكن برز على وجه التحديد مسلسل “قيد عائلي”، والجزء الثالث من مسلسل “نصيبي وقسمتك”.

 

“قيد عائلي”.. نفحة من عبق الزمن الجميل

يتناول هذا المسلسل –وهو من إخراج تامر حمزة وسيناريو محمد رجاء وميشيل نبيل- الصراع بين عائلتي كامل وفضل الخولي على المال والميراث، وآثار ذلك الصراع على العائلة وصلة الرحم، وكيف يُمكن أن تتفكك عائلات مترابطة بسبب الصراع الأزلي على المال والسلطة.

تميز المسلسل بسيناريو قوي محكم مترابط درامياً، رغم عدد حلقاته التي تصل إلى 45 حلقة، فالسيناريو يحتوي على العديد من نقاط الحبكة، والشخصيات لا تكشف عن نفسها أو حقيقتها بسهولة، بل تتكشف تدريجياً طوال السرد، مما يجعل المشاهد يلهث وراء الأحداث التي جاءت هي الأخرى متلاحقة، وكل حلقة تحتوي على عنصر ما يجذب المتفرج للحلقة التي تليها، وبالتالي لم يشعر المتفرج بطول عدد الحلقات طالما أن المتعة تحققت، فهذا هو المهم، وخاصة إذا كان المضمون أيضاً لا يقل أهمية.

فالمعالجات التي تنتمي إلى الصراعات العائلية تتمتع بحظوة لدى المتفرج، كما تميَّز المسلسل بعامل جذب آخر، وهو احتواؤه على العديد من الفنانين الذين عادوا إلى التمثيل بعد طول غياب، مثل عزت العلايلي وميرفت أمين وبوسي، ليبدو المسلسل وكأن به قبسا من رائحة المسلسلات المصرية القديمة التي لا تخلو من أصالة.

 

“نصيبي وقسمتك 3”.. موجة تحرك المياه الراكدة

شهدت فترة الثمانينيات والتسعينيات المسلسلات ذات الحلقات المنفصلة، وقد لقيت إقبالاً جماهيرياً كبيراً، لكن مع مرور الزمن أصبح تقديم هذا النوع يتسم بالندرة، حتى جاء الجزء الأول من مسلسل “نصيبي وقسمتك” في عام 2016 ليُحرك المياه الراكدة، ويعود بهذا الشكل من المسلسلات إلى الدراما المصرية التي تفتقده، وقد حقق المسلسل نجاحاً كبيراً، سواء على المستوى الجماهيري أو النقدي، مما شجع صناع العمل على تقديم جزء ثانٍ في عام 2018، وأخيراً الجزء الثالث في عام 2019.

يستكمل المسلسل الذي كتب له السيناريو عمرو محمود يس؛ مناقشة العديد من القضايا المجتمعية التي تهم الأسرة المصرية، والعلاقة بين الرجل والمرأة، ومكانة المرأة على وجه التحديد داخل المجتمع، مثل قضايا الزواج والطلاق، وعلاقات الحب، والحياة العامة.

يتكون هذا الجزء من 45 حلقة، وكل خمس حلقات تُشكل حكاية واحدة مترابطة، وبذلك يُصبح المسلسل مكوناً من تسع حكايات منفصلة، لكل حكاية اسم وعالم قائم بذاته، كما تحتوي كل حكاية على عبرة أخلاقية تتخلل مضمون العمل، وأيضاً لكل حكاية شخصياتها وأبطالها المختلفون، فبطولة المسلسل جماعية، وليست قائمة على بطولة النجم الأوحد، مما سمح باشتراك العديد من الفنانين، خاصة مع النجاح المدوي الذي حققه الجزء الأول والثاني.

أما من ناحية الإخراج، فهنا يكمن التجديد، فلكل حكاية أو مجموعة حكايات مخرج ما، فالمسلسل أخرجه كل من مصطفى فكري ومحمد جمعة ومحمد سلامة، في شكل جديد على الدراما المصرية اتسم بقدرته على جذب المتفرج، خاصة وأن كل حكاية تناقش قضية ما تتماس مع الواقع العام، وتُقدَّم في إيقاع سريع لا يخلو من تشويق، مما جعله يحظى بمكانة متقدمة بين المسلسلات الدرامية لهذا العام.

 

دراما كوميدية.. نصيب كبير ومحتوى ضعيف

في النصف الثاني من التسعينيات، اشتهرت السينما المصرية بموجة من الأفلام الكوميدية، خاصة مع صعود ما يسمى بالمضحكين الجدد، مثل الفنان المصري محمد هنيدي. ومع مرور الوقت الذي صاحبه تدهور حال السينما، حيث أصبحت شبه متوقفة في بعض الأحيان، اتجه عدد كبير من نجوم الكوميديا للدراما التلفزيونية، كما ظهر على الساحة نجوم جدد.

وتزامن ذلك التطور مع ظهور ما يسمى بمسرح مصر بقيادة الفنان أشرف عبد الباقي، حتى تتسع ساحة الدراما بالعديد من الأعمال التي تحمل البصمة الكوميدية، ويصل عدد الأعمال الدرامية الكوميدية هذا العام إلى 12 عملاً من إجمالي 37، أي أن نحو ثلث الدراما يتجه إلى الكوميديا، وبطبيعة الحال يطرأ على أذهاننا السؤال المعتاد: هل حققت هذه الأعمال النجاح المرجو منها سواء على مستوى الشكل أو المضمون؟

بنظرة عامة نكتشف أن أغلب هذه المسلسلات لم تلق نجاحاً يُذكر، كما لم تحظ بنسبة مشاهدة تليق بحجم النجوم المشاركين، فأغلب هذه الأعمال تتسم بالنمطية والتكرار من ناحية السيناريو الذي لم يُقدم جديداً، أو من ناحية الأداء التمثيلي الذي جاء هو الآخر مُستهلكاً ومُكرراً وكليشيهياً في بعض الأحيان، وفي هذا الإطار نجد أن مسلسلي “سوبر ميرو” و”طلعت روحي” هما الأبرز على عدة مستويات.

 

“سوبر ميرو”.. ثغرات في أفضل مسلسلات الموسم

تقوم أحداث هذا المسلسل –وهو من إخراج وليد الحلفاوي وسيناريو محمد المحمدي وأحمد محيي- على حبكة بسيطة، وهي وضع بطلة العمل (إيمي سمير غانم) في العديد من المواقف الكوميدية الطارئة، وما عليها سوى مواجهتها.

فأحداث المسلسل تدور حول شخصية “أميرة طفيف” التي تُعاني من المشاكل على الصعيدين الأسري والمهني؛ الأولى مع والدها (سمير غانم) الذي يُعاملها كطفلة صغيرة، والثانية مع مدير الصحيفة التي تعمل بها كصحفية، لتبدأ البحث عن مكمن قوتها الشخصية، وذلك البحث يتزامن مع مقابلتها لصديقها هدهد فخر العرب (حمدي الميرغني) الذي يهوى العلوم ولديه العديد من الاختراعات، ومنها الاختراع الذي يُجري تجاربه على أميرة حيت تتحول إلى شخصية خارقة، وليتحدا سوية لمواجهة قوى الشر.

حكاية بسيطة رغم تأثرها بالأفلام الأمريكية وشخصيات الأبطال الخارقين. قد يبدو ذلك جديداً على الدراما المصرية، حتى مع اقتباس الشخصية أو الفكرة، لكن المشكلة الرئيسية التي واجهت العمل -رغم نقاط القوة فيه- هي السيناريو الذي اتسم بالاستسهال والمبالغة إلى حد كبير، بالإضافة إلى الحوار المباشر، ليخرج المسلسل عن إطاره ويبدو موجهاً للأطفال أكثر من كونه موجهاً لجميع الفئات العمرية.

ومع ذلك يُعد هذا المسلسل من أفضل المسلسلات في هذه الفئة، رغم هفوات السيناريو الذي لو كانت عولجت ثغراته لكنا أمام عمل درامي متميز، خاصة مع مضمونه الهام الذي يتناوله حيث الصراع الدائم بين الخير والشر.

 

“طلعت روحي”.. جمال الروح والشكل

اقتبس صناع هذا المسلسل –وهو من إخراج رامي رزق الله وتأليف ورشة كتابة تتألف من 11 كاتباً على رأسهم شريف بدر الدين ووائل حمدي- من المسلسل الأميركي “إسقاط ديفا” (Drop Dead Diva)، حيث يتناول مضمون المسلسل أن الجمال الخارجي ليس هو المعيار الحقيقي لجمال الإنسان، بل جمال الروح هو الأهم والأبقى.

تدور الأحداث في قالب كوميدي خيالي حول عارضة الأزياء داليدا التي تتعرض لحادث سير مع صديقتها المحامية عالية، لتنتقل روح داليدا إلى جسد عالية، وبذلك يطرح المسلسل سؤالاً هاماً يتعلق بالإنسان إذا تبدلت أحواله بشكل طارئ؛ هل سيتمكن من الحياة في ظل واقعه الجديد، وكيف سيتعامل مع هذه التغيرات الجديدة التي قلبت حياته رأساً على عقب؟

تميز سيناريو المسلسل بالتماسك والإحكام، رغم أن عدد حلقاته بلغت 45 حلقة، ومع ذلك لم يصب المسلسل بأي ترهل أو ملل يذكر، بل على العكس جاء السرد متدفقاً يحتوي على العديد من نقاط الجذب والإثارة، ونجح إلى حد بعيد في إيقاع المتفرج في شباكه بسهولة ويسر، خاصة مع أداء إنجي وجدان في دور داليدا الذي جاء متناغماً مع الشخصية، وأجاد السيناريو رسمها وتحديد معالمها بشكل دقيق.

 

دراما قصيرة.. عودة بعد غياب

اتسم هذا العام (2019) بعودة الدراما القصيرة التي لا تتعدى حلقاتها 15 حلقة، في عودة للنظام القديم للمسلسلات قبل الانتقال لفورمات الثلاثين حلقة، في تجربة إنتاجية توصف بالجرأة، فهذا الشكل من الدراما قد لا يُقبِل عليه المشاهد الذي اعتاد لسنوات ليست بالقليلة على الحلقات الطويلة، وأيضاً مغامرة من الفنان الذي يرغب -وفق رؤيته- في تقديم عمل طويل يراه هو الأنسب، خاصة مع ندرة هذا النوع من المسلسلات.

وفي هذا الإطار جاء مسلسلا “زودياك” و”أنا شيري دوت كوم”، ليقتحما هذا النوع من الدراما التي تفتقدها الساحة الفنية العربية.

 

“زودياك “.. لعنة فرعونية تحل على جامعة مصرية

يعد هذا المسلسل من أهم الأعمال الدرامية التي عُرضت في 2019، سواء على مستوى الشكل أو المضمون، كما أنه يُمثل عودة صنّاع الدراما للأعمال الأدبية، بالإضافة إلى العودة إلى نمط الدراما القصيرة التي لا تزيد حلقاتها عن 15 حلقة، مما يُمثل مُغامرة إنتاجية، وقد ساهمت الاستعانة بالوجوه الجديدة والممثلين الشباب بعيداً عن النجوم؛ في قيمة هذه المغامرة.

والمسلسل مأخوذ عن إحدى قصص المجموعة القصصية “حظك اليوم” للكاتب الراحل أحمد خالد توفيق، وقدمت لها المعالجة الدرامية ورشة كتابة على رأسها محمد المعتصم مشرفا على السيناريو.

وتدور الأحداث حول مجموعة من الطلبة بإحدى الجامعات يقعون ضحية إحدى اللعنات الفرعونية (المصرية القديمة) تسبب بها أحد اللصوص، فتنتقل إليهم اللعنة بشكل ما، وتبدأ حالات الوفاة تنتشر بينهم؛ كل شخصية تلقى حتفها وفقا لبرجها الفلكي، مما يجعل الأحداث تشتعل وتتطور بما يُعد استمراراً لدراما الرعب والتشويق في السنوات الأخيرة.

وقد جاء السيناريو متماسكاً ومحكما درامياً، خاصة مع تشعب خطوطه الدرامية، وتميزه من ناحية التصوير والإخراج، فقد بدا مُعبرا عن عوالم الرعب التي يتناولها بحرفية، ليبدو المسلسل علامة فارقة في مسار الدراما المصرية لهذا العام.