“النازيون الألمان الجُدد واليمين المتطرف”.. وقود الكراهية يشعل المجتمع تحت أنظار الشرطة

قيس قاسم

في وثائقيه “النازيون الألمان الجُدد واليمين المتطرف” (Germany’s Neo-Nazis & the Far Right)، يستقصي الصحفي والمخرج البريطاني “إيفان ويليامز” حقيقة توسّع المنظمات اليمينية المتطرفة في ألمانيا بعد عدة اعتداءات قام بها أعضاء منتمون إليها، وبشكل خاص في السنوات العشر الماضية، وذلك ضد شخصيات سياسية ألمانية وأماكن عبادة تعود لأديان أخرى غير المسيحية، لا سيما وأن نشاطها الدعائي آخذ بالتوسع بشكل لافت للانتباه على الشبكة العنكبوتية، ويتركز على نشر الدعاية النازية وكراهية الغير، والتحريض على ممارسة العنف.

 

لكن أكثر ما أثار انتباهه المعلومات الخطيرة التي حصل عليها حول صلة كثير من العسكريين ورجال الشرطة الألمان بتلك المنظمات، وكون هؤلاء يوفرون لها السلاح والتدريب على تنفيذ عمليات إرهابية يُراد بها تقويض النظام السياسي الديمقراطي في البلد، مما يشير إلى توجهات وأهداف تتجاوز كراهية المسلمين واليهود ومعاداة الأغراب، إلى مستويات تهدد أمن ألمانيا ونظامها السياسي بالأساس.

حادث المعبد اليهودي.. تساؤلات المجتمع حول الشرطة النائمة

ينطلق فيلم “النازيون الألمان الجُدد واليمين المتطرف” من حادث اعتداء أحد أعضاء منظمة يمينية متطرفة على معبد يهودي في منطقة هاله الألمانية، وقد قتل في الحادث اثنان من الموجودين بالقرب منه، بعد أن عجز مُنفّذ الهجوم عن الدخول إلى المعبد.

أثار الحادث حفيظة المجتمع، واستدعى نقاشا حول دور الشرطة في حماية تلك الأمكنة، ولماذا عجزت الأجهزة الأمنية عن رصد نشاط الإرهابي الذي اعترف بعد تقديمه للمحكمة بجريمته؟

 

هذا السؤال حمله الصحفي إلى المعنيين بالشأن الأمني، ولاحظ من خلال إجابتهم بأن نشاط تلك المنظمات غير مسيطر عليه تماما، وأن حادث المعبد وغيره من الحوادث كان منفذوها يتبادلون مواقفهم الفكرية على صفحات الإنترنت ضمن مجموعات خاصة كان من السهل رصدها، لكن الشرطة لم تأخذها على محمل الجد، الأمر الذي ساعد تلك المنظمات على توسيع نشاطها، وكسب أعضاء جُدد لها، كما أصبحت مجموعات المحادثة تلك منصة لنشر أفكارها من دون خوف ولا ومحاسبة.

كراهية المسلمين واليهود.. إرث هتلر وواقع الإسلاموفوبيا

يقابل الصحفي شخصيات تابعت مسار صعود الحركات النازية الألمانية الجديدة واليمينية المتطرفة، ومن خلال ما قدموه من معلومات مهمة توصّل إلى الطرق والأساليب المتعبة في عملها، وبشكل خاص في حقل الدعاية والتحريض.

أساليب مبتكرة في الدعاية والتحريض لنشر الفكر الفاشي

 

تتركز دعايتهم وفق ما جاء في الوثائقي إلى قسمين، الأول مرجعيته الفكرية هي الفاشية الألمانية ورمزها هتلر، وعلى ضوء أفكاره يستندون في معاداتهم لليهودية، أما الثاني فحديث العهد يركز على كراهية المسلمين ونبذ المهاجرين، حيث يروجون لفكرة الخطر القادم مع الإسلام، وقُرب سيطرة المسلمين على المجتمع الألماني، ارتباطا بوجود أعداد كبيرة من المسلمين بين أوساط المهاجرين الأجانب، فإنهم يدعون إلى التخلص منهم، وحتى من كل مَنْ يؤيد وجودهم.

“فالتر لوبكه”.. جريمة قتل سياسي ألماني متعاطف مع المهاجرين

ينقل الوثائقي تسجيلات فيديو خاصة بعملية اغتيال الشخصية السياسية الألمانية “فالتر لوبكه” عام 2019، والمعروف بمواقفه المؤيدة للهجرة، ودعواته للتعايش السلمي بين جميع الأديان ومكونات المجتمع الألماني.

وقد أثار مقتله نقاشا سياسيا واسعا حول الخطر الجدّي الذي يهدد الديمقراطية الألمانية والسلم المجتمعي، وضرورة العمل على كبح نشاط المتطرفين اليمينيين، ووضع حدّ لتجاوزاتهم التي تكشف عن استهتار صارخ بكل القيم والأعراف الإنسانية.

السياسي الألماني “فالتر لوبكه” الذي اغتيل عام 2019، والمعروف بمواقفه المؤيدة للهجرة

 

تُعبّر البرلمانية “مارتينا رينر” أمام الصحفي عن مخاوفها من ذلك النشاط المهدد للديمقراطية، وتُلمح إلى تهاون أجهز الشرطة والمخابرات معها، حيث تخبره بوجود الكثير من السياسيين الألمان في البرلمان يؤيدونهم، وأن عسكريين كبار متقاعدين يدربونهم على استخدام السلاح، ولا يكاد يخضع نشاطهم الدعائي لمراقبة حقيقية.

بالأرقام تؤكد البرلمانية للفيلم أن الأجهزة الأمنية لديها معلومات عن ارتفاع كبير في عدد المنضمين إليها، إذ يقدر عددهم بـ35 ألف شخص، نصفهم تقريبا على استعداد للقيام بعمليات مُسلحة، واعتداء على جاليات مهاجرة، لكن هؤلاء هم الجزء الظاهر فقط من الجبل الجليدي، أما الأكثرية فما زالت تحت السطح.

تجنيد العامة.. صعوبة كشف المجموعات الحوارية

يأخذ الصحفي التسجيلات الخاصة باغتيال السياسي الألماني “فالتر لوبكه”، ويدوّن كلام النائبة البرلمانية استعدادا لمقابلة “كاترينا شونغ – بريوس” عضوة البرمان المحلي لمنطقة تورينغن، وهي معروفة بنشاطها المناهض للنازيين الجُدد، وكشفها المستمر لأساليب عملهم على الملأ.

النائبة البرلمانية لمنطقة تورينغن “كاترينا شونغ – بريوس” المعروفة بنشاطها المناهض للنازيين الجُدد

 

يسألها الصحفي عن رأيها فيما قيل، وما سمعه عن دور العسكريين ورجال الشرطة في تقوية عمل المنظمات المتطرفة، ومن جوابها يتضح أن صعوبة الكشف عن المجموعات الحوارية الخاصة بهم متأتٍّ من أن المشاركين فيها غالبا هم أشخاص عاديون، فهم مهندسون وعمّال ومحامون، وغيرهم من فئات المجتمع.

في تقديرها هذا النوع من المشاركين هو الأكثر مدعاة للقلق، وذلك لصعوبة رصده، وتشخيص هوية الشخص المشارك فيها، أما عن أخطر المجاميع المُسلحة فتشير النائبة المحلية إلى “جروب أس”، هؤلاء ينشرون تعليمات عن طرق استخدام الأسلحة وكيفية صُنع القنابل.

“جروب أس”.. مهاجمة الجوامع وقتل البرلمانيين

برز اسم مجموعة “جروب أس” بعد اغتيال السياسي الألماني “فالتر لوبكه”، وقدم إثرها بعض قادتها إلى المحاكم، ويتركز نشاطهم على مهاجمة جوامع المسلمين، وخاصة في البلديات والمدن الصغيرة.

ومن الوثائق التي حصلت عليها جراء خرقها للجماعة إلكترونيا، واحدة تشير إلى خطة موضوعة لاقتحام البرلمان الألماني، وخطف سياسيين متعاطفين مع المهاجرين، من أجل تصفيتهم في أمكنة بعيدة. المجموعة تستخدم في التواصل فيما بينها وسائل التواصل الاجتماعي فيسبوك وتلغرام وواتساب وغيرها.

مهاجمة جوامع المسلمين هي واحدة من أهداف “جروب أس”، وخاصة في البلديات والمدن الصغيرة

 

تعرض الناشطة على الصحفي الشعارات والرسوم التي يتداولونها فيما بينهم، وأكثرها يمجّد النازية ويدعو إلى كراهية الغير، كما يوزعون أيضا مقاطع موسيقية مضامينها عنصرية تصل بسهولة إلى قطاعات واسعة من الناس. تُخبر النائبة المحلية الصحفي بأن كلمات إحدى الأغنيات كان موجها ضدها شخصيا، وتدعو صراحة لتصفيتها.

وحول سؤال الصحفي لها ما إذا كانت قد اتصلت بالشرطة وأبلغت عن التهديد الصريح لها، قالت له إنها لا تثق بالشرطة، بل هي تخاف منهم لاعتقادها بوجود عدد غير قليل منهم متعاطف مع الأفكار التي تروّج لها تلك المجموعات.

“صليب الشمال”.. ضابط متقاعد يدرب المتطرفين

للكشف عن دور بعض العسكريين ورجال الشرطة في تقوية المنظمات اليمينية المتطرفة، يقابل مخرج الوثائقي الصحفي “ديرك لاس” لكثرة اهتمامه بهذا الجانب، ولأنه استطاع وضع خارطة هيكلية لقيادات أكثر التنظيمات نشاطا.

يعرض “ديرك لاس” أمام المخرج صورا لمواقع يتدرب فيها العنصريون على استخدام الأسلحة، ويديرها ضباط ألمان متقاعدون، من بينهم زعيم تنظيم “صليب الشمال” الضابط السابق “ماركو غروس”.

صور لمواقع يتدرب فيها العنصريون على استخدام الأسلحة، ويديرها ضباط ألمان متقاعدون

 

من يرى الصور يظن أن وحدة من الجيش الرسمي الألماني تقوم بتدريبات روتينية، فقد زاد نشاط المجموعة بعد موجة الهجرة التي بدأت عام 2015، ونجحت في كسب أعداد كبيرة من المؤيدين لها، تأثرا بما ينشره قادتها من دعاية تدعو إلى إيقاف الهجرة، وتخويف الناس من “المد الإسلامي” القادم إلى ألمانيا مع حركة الهجرة الواسعة.

“يوم الخلاص”.. سيطرة على مقاليد الحكم بانقلاب عسكري

يكشف الصحفي عن إستراتيجية بعيدة المدى تضعها المنظمة لنفسها وتعمل على تطبيقها، وقد أعطوا العملية النهائية المراد تطبيقها اسم “يوم الخلاص”، ويعنون به يوم أخذ مقاليد الحكم والسيطرة التامة على البلاد بانقلاب عسكري.

في عام 2017 تعرفت أجهزة الشرطة على الجماعة بالصدفة، وتوصلت إلى معلومات خطيرة من بينها حصولها على ذخيرة حيّة وأسلحة من مخازن الجيش الألماني، وقد دفعت المعلومات الأجهزة الأمنية لتقديم زعيم المنظمة إلى المحكمة، والحكم عليه بالسجن لمدة قصيرة جدا، لكنه لم يُحاكم بجريمة الكراهية والتحريض على العنف ضد مجموعات دينية وعرقية، بل انحصرت تهمته بجريمة حيازة أسلحة غير مرخصة.

أحام مخففة ضد مرتكبي جرائم التحريض ضد الديانات والأعراق

 

يراجع الوثائق مجموعة من الأحكام المشابهة، أغلبها تقريبا انتهى بالإفراج عن قادة التنظيمات لضعف الأدلة ضدهم، أو بأحكام مخففة بالسجن لمدد قصيرة جدا.

“فرانكو البريشت”.. خطة انتحال شخصية لاجئ سوري

يكشف الوثائقي عن خبث النازيين الجُدد وحقارة أساليبهم، من خلال حادث إلقاء القبض على قيادي منهم يُدعى “فرانكو البريشت” في مطار فيينا، وذلك لحمله سلاحا ناريا غير مرخص، وقد قال في التحقيق إنه وجده بالصدفة داخل المطار وأخذه.

أثناء التحقيق معه ظهرت بصمات أصابعه في أحد معسكرات اللاجئين، وتبين لاحقا أنها تعود فعلا إليه. حيث كشف التحقيق انتحاله لشخصية لاجئ سوري مكث عدة أشهر في المعسكر، والهدف من وراء انتحاله هوية السوري هو التخطيط لارتكاب جريمة نكراء تهيج الرأي العام الألماني ضد المهاجرين، باعتبار أن مرتكبها لاجئ سوري مسلم.

يقابل الوثائقي “فرانكو” بعد أن أمضى في السجن فترة قصيرة أُطلق بعدها سراحه، ويسأله عن صلاته ببقية زعماء حركة “صليب الشمال”، لكنه نكر كل صلة بها، ومضى في طريقه غير عابئ بسؤال الصحفي.

شرق فرانكفورت.. مجزرة في حي تركي مكتظ

بعد أربعة أشهر من واقعة الهجوم على المعبد اليهودي، قام مسلح متطرف بقتل عشرة أشخاص في منطقة شرق فرانكفورت، وقد وقع الحادث في منطقة مكتظة بالمهاجرين الأتراك، إذ أنها جرى اختيارها بدقة لقتل أكبر عدد من بينهم.

والد المُهاجر التركي الذي قُتل على يد متطرف شرق فرانكفورت يدعو لتقديم الجناة من مخططين ومنفذين إلى العدالة

 

تحدث والد أحد القتلى بحرقة أمام عدسات كاميرات الوثائقي الاستقصائي البارع، بينما كان يضع باقات من الورود على ضريح الضحايا المقام في نفس المكان الذي سقطوا فيه. يُحيل والد الضحية أحد أسباب انتشار العنف في المجتمع الألماني والموجه بشكل خاص ضد المسلمين والمهاجرين إلى تهاون السياسيين مع ما يقوم به النازيون الجُدد، والتغاضي عن أفعالهم.

للاحتجاج على تلك المواقف يواظب الرجل التركي على تنظيم مظاهرات احتجاجية تُذكر بالجريمة، وتدعو لتقديم الجناة من مخططين ومنفذين إلى العدالة، فبوجودهم أحرارا طلقاء لا وجود لأمان حقيقي في البلد.

يقرع الوثائقي بدوره ناقوس الخطر، ويُذكّر مشاهديه باتساع رقعة العنف، وانتشار الفكر اليميني المتطرف في كل مفاصل المجتمع الألماني.