“كوكب ابن بابل”.. ألحان محرر الأغنية العراقية من قيودها التقليدية

عدنان حسين أحمد

“يا طيور الطايرة مُرّي أبهلي
ويا شمسنا الدايرة شوفي هلي
سلّميلي وغنّي بحجاياتنا (بحكاياتنا)
سلّميلي وضوّي لولاياتنا
وروحي شوفي لي بساتين الوطن
هم طلع طلّيعها (طَلْعها) أبنخلاتنا؟”

لم يكن كوكب حمزة طالبا مُجدّا في دراسته الابتدائية والمتوسطة، لكنه كان شغوفا بالموسيقى بشكل عام، ولعل هذا الشغف هو الذي سيقلب حياته رأسا على عقب، خاصة عندما يقبل بالمُصادفة في معهد الفنون الجميلة في بغداد، إثر تخلّي أحد المرشحين عن قبوله في المعهد المذكور.

لم يستفد كوكب حمزة كثيرا من مدينة القاسم التي وُلد فيها سنة 1937، لكنها تركت أثرا روحيا غامضا فيه، بينما تُهيمن مدينة البصرة في تأثيرها الفني والثقافي عليه إلى درجة تجعله يفكِّر في تجديد الأغنية العراقية التي يعتقد أنها كانت أسيرة للأشكال الثابتة والأنماط المتحجرة، أما بغداد بالنسبة لكوكب، فهي العاصمة التي تحتوي الجميع، ويحقّق فيها الفنان والمثقف كل الأحلام التي تلتمع في مخيلته المتوهجة.

لا بد من الإشارة إلى أنّ المخرج فاروق داوود صوّر حوارات هذا الفيلم الوثائقي سنة 1988، لكنه -لسبب ما- لم يضع اللمسات الأخيرة عليه، بحيث كانت شخصيات الفيلم آنذاك قد تجاوزت مرحلة الشباب قليلا، وهم الباحث فالح عبد الجبار، والشاعر الشعبي هاشم العقابي، والصحفي سعود الناصري.

أما فكرة الفيلم الرئيسية فتتمحور حول الملحن الموهوب كوكب حمزة الذي جدد الأغنية العراقية، ونقلها من النمط الجامد إلى شكلها الحديث الذي يعتمد على التلوين والعمق والحداثة، تاركا وراءه الأبوذية والمقام، وما يعقبهما من بسْتات رتيبة و”طقاطيق” توارثوها عن جيل الرواد الذي يتمثل بأحمد الخليل ورضا علي وعباس جميل، ومن على شاكلتهم من المطربين العراقيين الذين ينتمون إلى مرحلة ما قبل الحداثة.

 

“يا طيور الطائرة”.. ثورة تجمع بين إيقاعات الريف والمدينة

ارتأى المخرج فاروق داوود أن تنطلق وقائع فيلمه الوثائقي بالحديث عن أغنية “يا طيور الطائرة” المشهورة في العراق، وهي من كلمات الشاعر المُجدِّد زهير الدجيلي، وألحان كوكب حمزة، وغناء الفنان سعدون جابر وكان الباحث فالح عبد الجبار -هو الدارس لعلم الاجتماع والمتخصص فيه، والحاضر في المشهد الثقافي العراقي- هو أول المتحدثين الذين ينتبهون إلى جدة هذه الأغنية وخروجها عن النمط التقليدي السائد، حيث يقول: عندما سمعت “يا طيور الطايرة” أصابني الذهول، وانسقتُ وراء متعة شديدة وأنا أسمع لأول مرة أغنية عراقية تجمع بين إيقاعات الريف والمدينة، بما تنطوي عليه من صور شعرية حديثة، ولغة ريفية مفصّحة، والانتقال من لحن إلى آخر بعيدا عن النمطية والرتابة.

وبهذا المعنى فقد لامسَ عبد الجبار فكرة التجديد التي يسعى إلى تحقيقها الملحِّن كوكب حمزة الباحث عن كلمات جديدة ومغايرة، وصوت جديد يمتلك خامة مختلفة تماما عن الخامات السائدة، لكي يقدّم في نهاية المطاف لحنا جديدا يُسجل به انعطافة كبيرة في الأغنية العراقية التي تتسم بالحزن والرتابة وبُطء الإيقاع.

أمّا المتحدث الثاني فهو الشاعر الشعبي هاشم العقابي الذي يتحدث هو الآخر بشكل تخصصي عن القصائد المغناة، ويتوغل في مقاماتها وأطوارها على مدار الفيلم (مدته 38 دقيقة)، حيث يقول عن قصيدة “يا طيور الطايرة”: إنها أول نص غنائي متكامل تجد فيه بناء القصيدة المترابطة الأفكار، إن قرأتها كنص تتمتع بها، وإن سمعتها كأغنية من ألحان كوكب تتمتع بها أكثر.

فيما يعلّق المتحدث الثالث سعود الناصري بأسلوب صحفي دارج يفتقر إلى المعلومة الدقيقة كأن يقول: كانت هناك فترة نهوض بالأغنية العراقية عموما في منتصف الخمسينيات، حيث بدأ شباب يدخلون هذا المضمار، ممن يمتلكون ثقافة موسيقية وعامة.

أمّا الشخصية الرابعة التي يتكئ عليها الفيلم فهي شخصية الملحن كوكب حمزة، وهو يعلّق على بعض الآراء والأفكار التي يطرحها المحاورون الثلاثة، أو تلك التي يجترحها بنفسه، فيعترف منذ البداية بأن الشاعر الغنائي زهير الدجيلي قد استعمل لغة جديدة وعميقة وسهلة في الوقت ذاته، وأنّ هذه اللغة الجديدة المليئة بالطراوة والطرافة تحتاج إلى لغة موسيقية مختلفة تتناغم مع هذا الكلام الجديد الذي أبهرَ المستمع العراقي، وأخرجه من دائرة الرتابة والملل والتخدير.

المُلحن العراقي كوكب حمزة الذي جدّد الأغنية العراقية

 

ميلاد “الأغنية الجديدة”.. ظلال التطوّر الحضاري

يرصد فالح عبد الجبار الدوائر الثقافية المُغلقة في العراق، فهو يرى انقطاع البوادي عن الأرياف، وابتعاد القرى عن المدن، وأنّ المدن نفسها هي ذات ثقافات متنوعة، وهو لا يعني منظومة القيم الاجتماعية، وطرز اللباس فحسب، وإنما يعني الغناء والثقافة الصوتية، غير أنّ هذا التشظي قد بدأ يخفّ بفعل تطور وسائل الاتصال الحديثة، ونمو أجيال جديدة من المتعلّمين عبر توسّع نظم التعليم.

يعترف هاشم العقابي بوجود شعراء كتبوا نصوصا غنائية، مثل جبوري النجار وزاهد محمد وعبد الكريم العلاّف وغيرهم، لكنه لا يقرّ بوجود نصوص غنائية متكاملة، لأنها استمرت تُكتَب على منوال الدارمي مع قصائد قليلة غُنيت. كما لم تتوفر الجِدة في القصيدة الشعبية إلا في نهاية الستينيات ومطلع السبعينات، ويعزو تجديد القصيدة الشعبية إلى الشاعر مظفّر النوّاب، خاصة في قصيدة “الريل وحمد” التي يقول فيها “مرّينا بيكم حمد وإحنا بقطار الليل، وسمعنا دك كَهوة وشمّينا ريحة هيل”، ولم تظهر هذه القصيدة من وجهة نظره إلا في أواسط أو نهاية الستينيات.

يرى فالح عبد الجبار أن التطور الحضاري هو الذي مهّد السبيل للنقلة النوعية التي مثّلها كوكب حمزة وجيله من الملحنين الذين تجاوزوا الانغلاق المحلي، ويسميها “الأغنية الجديدة”، فقد كانت لا تستطيع أغنية في بيئة صغيرة أن تتجاوز البيئة الأخرى المجاورة لها، فكان من الصعب على الريفي أن يتذوّق غير الأبوذية، ومن العسير على سكان منطقة معينة أن يتذوقوا طور المحمداوي أو الطويرجاوي، ويشقُّ على البغدادي أن يتذوّق شيئا آخر غير المقام أو المربّع أو البسْتة، ويتعذر على البدوي أن يسمع غير النايل والحداء البدوي وصوت الربابة الذي ألِفهُ وتماهى فيه.

يؤكد فالح عبد الجبار بأنّ الأغنية الحديثة هي تتويج للنقلة الحضارية، ويقارنها بالثورة الكبيرة التي حدثت في الشعر والرواية والفن التشكيلي العراقي، مذكرا بالانعطافة الكبيرة من الشعر العمودي إلى قصيدة التفعيلة أو الشعر الحرّ الذي كتبه السياب ونازك الملائكة وعبد الوهاب البياتي وبلند الحيدري، وينوّه إلى رواية “النخلة والجيران” لغائب طعمة فرمان بوصفها نموذجا للرواية الفنية، إلى جانب روايات التكرلي، ويحيلنا إلى الإنتاجات الفنية التي بلغت ذرى متقدمة في الفن التشكيلي العراقي الذي مثّله جواد وسليم والرحّال ومحمود صبري، وهو يريد القول إن الأغنية الحديثة قد تألقت في ألحان الفنان كوكب حمزة.

 

وزن الدارمي.. انسيابية تصنع ألحان العراق

يعتقد هاشم العقابي بأن الدارمي الذي يتألف من شطرين يحمل معنى قصيدة كاملة، كأن يقول “للحايط إلتجّيت “التصقت” ما مش نفاهة، وروح التفارق روح تتلف تراها”، لقد اكتمل المعنى تماما في الشطر الثاني، ولم تعد هناك حاجة لإضافة أي شيء إلى الفكرة التي اكتفت بذاتها.

لا يخالج هاشم العقابي الشك بأن الأغنية العراقية قد اعتمدت على وزن الدارمي المعروف بسهولته ومرونته وانسيابيته، وهو يشكل بحسب رأيه نسبة 95% من نصوص الأغاني العراقية، ويسوق أمثلة عديدة في هذا المضمار لأغاني مسعود العمارتلي وناصر حكيم وداخل حسن ولمعية توفيق ووحيدة خليل وزهور حسين وغيرهم، ولكي يقرّب صورة الدارمي إلى المتلقين يورِد بيتا من أغنية مشهورة جدا تحمل عنوان “نخل السماوة”، ويقول مطلعها “نخل السماوة يقول طرّتني سمره.. سعف وكرب ظلّيت ما بيّ ثمرة”، علما بأنّ كلمة “طرّ” تعني شقّ أو قطع إلى نصفين.

ينوّه الصحفي سعود الناصري بأنّ كوكب حمزة قد تأثر بالتراث والإيقاعات البصرية، فمنحت ألحانه نكهة جديدة استوحاها من هذه المدينة التي عمل فيها لبضع سنوات معلما للتربية الفنية.

يحتشد كلام الشاعر هاشم العقابي بالمعلومات التاريخية الدقيقة حين يقول: إن الانتقالة بالقصيدة الجديدة قد تبلورت معالمها بشكل واضح في بداية المهرجان الأول للشعر الشعبي الذي عُقد في مدينة الناصرية سنة 1969 بمبادرة من الشعراء الشعبيين الحديثين.

 

“يا نجمة”.. مزيج الفلكلور العراقي بالموشحات الأندلسية

وقد ذهب كوكب إلى هناك بحثا عن شيء جديد يسمعه، وبالفعل فقد انتقى أغنية “يا نجمة” التي شكلت انتقالة جديدة في الكتابة واللحن والأداء، فكاتب الكلمات هو الشاعر المبدع والمجدد كاظم الركابي، والمطرب هو حسين نعمه الذي كان يمتلك صوتا دافئا وجديدا على الساحة الغنائية، والملحن هو كوكب حمزة الذي كان شابا طموحا كرّس حياته لتجديد الأغنية العراقية.

على الرغم من الإطلالات الغنائية العديدة للأغاني التي لحّنها كوكب، فإن مداخلاته المقتضبة كانت تضيء تجربته اللحنية، فهو يقول عن هذا الهاجس التجديدي: كنا شبابا آنذاك، دخلنا للإذاعة بنفس الأسبوع، وكنا ثلاثتنا معلمين؛ أنا، والملحن المبدع طالب القره غولي، وكمال السيد، وكان لدينا نفس اللهاث لإيجاد هوية للأغنية العراقية.

يتوقف هاشم العقابي عند أغنية “يا نجمة” الجديدة في الكلمات واللحن والأداء، ويقول إنها قصيدة دارمي متكاملة، ولو بقي كوكب حمزة يدور ضمن إيقاع الدارمي لوقع في نفس المشكلة التي وقع فيها الملحنون السابقون، وهي النَفَس القصير باللحن، واللهاث وراء نفس الإيقاع، لهذا نرى الشاعر المبدع كاظم الركابي قد تدخّل وأخرجها من قالبها الدارمي حين أضاف بعد مطلعها الصورة الشعرية الآتية التي تقول “آنا بحلم لو يمرّ تاخذني فرحة عيد.. أنصب مراجح ودك (وأدق) لليل خلّي يزيد”.

إن هذا الخروج عن الدارمي يعطي مدى أوسع للملحن الذي يحاول تجاوز النمطية والإتيان بشيء جديد، وبهذا يكون كوكب قد حافظ على شيء من أصالة الأغنية العراقية، وأضاف إليها شيئا جديدا لم يكن ملموسا قبل أغنية “يا نجمة” التي غنّاها الفنان حسين نعمة بصوت دافئ يحتشد بالرقة والرومانسية، أما كوكب حمزة نفسه، فهو يصف هذه العملية بالتزاوج بين الأغنية العراقية الفولكلورية والموشحات الأندلسية.

الشاعر الشعبي هاشم العقابي يتحدث عن تأثير مدينة القاسم على المُلحن العراقي كوكب حمزة

 

بيئة القاسم.. ألحان المراثي الحسينية وثقافات الزنوج

يعتقد فالح عبد الجبار أنّ بيئة مدينة القاسم التي نشأ فيها كوكب حمزة قد ساعدته في خلق هذه النقلة، وتحقيق الأغنية العراقية الجديدة، فبيئتها تجمع بين القرب من الحواضر والأرياف، وتتقاطع عندها ثقافات البدو وثقافات المناطق الزراعية، وهو يقصد بالتحديد الثقافة الصوتية، بما فيها من كلام يُغنّى وأصوات وموضوعات، كما تتقاطع في مدينة البصرة -التي عاش فيها كوكب لبعض الوقت- ثقافات متعددة، مثل أغاني الزنوج، وإيقاعات الخشّابة، ومصادر نغمية وصوتية أخرى كانت تتراكم في البصرة بوصفها ميناء كبيرا منفتحا على مجمل الثقافات العالمية الوافدة إلى ثغر العراق الباسم.

يعرّج هاشم العقابي على موضوع غياب القصيدة عن الأغنية العراقية في ذلك الوقت، ويفحص تأثير مدينة القاسم على كوكب حمزة منذ صغره، ويرى أن المراثي الحسينية برمتها هي قصائد، أمّا الرواديد “قرّاء القصائد الحسينية” أمثال فاضل الرادود وحمزة الزعيّر وجاسم الكربلائي وشيخ وطن فهم ملحنون بشكل أو بآخر، ويقضون أياما طويلة في تلحين قصائدهم، ويخفونها في كثير من الأحيان خوفا عليها من السرقة.

كما يذكّرنا بالطقوس الكربلائية وما تنطوي عليه من بكاء وسواد وحزن استوعبه الطفل الصغير كوكب الذي يصبح التراث هاجسه الأول حين يتحول إلى صبي شغوف بالموسيقى، ولا نستغرب لاحقا حين يقدّم أغنية رصينة ذات شكل ومضمون جديدين.

يرى سعود الناصري أن الالتصاق بأرض الوطن هو أحد الأسباب الرئيسية لإبداع كوكب حمزة، كما أن استقرار الوضع الاجتماعي وتطور الفنون الأخرى بما فيها الموسيقى؛ قد عزز نجاحاته بوقت مبكر.

 

“غزل البنات”.. بوح المرأة العراقية الريفية

يفرّق هاشم العقابي بين المفردتين الشعبية والفصحى، ويرى أن كوكب استطاع بموهبته الموسيقية أن يفهم معنى المفردة الشعبية التي تدور في وعاء نفسي واجتماعي وحسيّن ونحن نستعملها أكثر من المفردة الفصحى في حياتنا اليومية، فلا غرابة أن يؤطر كوكب حمزة المفردة الشعبية موسيقيا، ويمنحها مساحة لحنية واسعة توصلها إلى الجمهور، وهذا ما فعله كوكب حمزة في كل ألحانة وتنغيماته الموسيقية التي لامست قلوب المستمعين.

أما عن مسحة الحزن المتأصلة لدى العراقيين، فيرى العقابي أنها ليست وليدة أحداث آنية كما يتصوّر البعض، وإنما تعود لأزمان موغلة في القِدم، ويرى أن العزاءات الحسينية هي أحد العوامل التي تغذينا بالحزن، وما إن نفتح أعيننا حتى نرى لافتات الحزن السوداء والبيارق الملونة، والعيون الغارقة بالدموع، والناس الذين يلطمون الصدور وينخرطون في بكاء حار على مصاب آل البيت.

يؤكد العقابي بأن الدارمي هو عماد الأغنية العراقية، ويسمّيه البعض بـ”غزل البنات” لأن المرأة العراقية هي التي تكتب هذا النمط من الشعر، وهو إنتاج المرأة الريفية العراقية بشكل خاص، وإن كان الظلم والاضطهاد والقهر الاجتماعي يقع على المرأة في الريف والمدينة على حد سواء، فقد كان يُحرّم على المرأة بشكل عام الحُب والكلام والبوح، فلا تجد متنفسا إلا بالدارمي، وفي أغاني “الدلّول” التي كانت تغذّينا منذ الطفولة، وهي أغانٍ مليئة بالحزن والهم والأسى.

الدكتور فالح عبد الجبار يتحدث عن المنابع الموسيقية التي نهل منها المُلحن العراقي كوكب حمزة

 

باكو وبراغ.. منابع أنهار الموسيقى الكوكبية

يتتبع فالح عبد الجبار المنابع الموسيقية التي نهل منها كوكب حمزة، فقد استطاع الدراسة في العاصمة الأذربيجانية باكو، وهي تُعد عاصمة الموسيقى الشرقية التي تصل تجلياتها إلى الذرى على قدم المساواة مع الموسيقى الكلاسيكية.

كما درس في براغ التي يُقال إنها كانت تتساهل مع المرء إذا أخطأ في الرياضيات أو الفلسفة، لكنها لا تتساهل مع الفنان إذا أخطأ في النوتة الموسيقية، حيث كان كوكب هو ثاني عراقي يدرس في هذا المعهد الموسيقي.

لا يجد كوكب أجوبة شافية لبعض التساؤلات المؤرقة، من قبيل لماذا كُتبت هذه الأغنية، وكيف لُحنت، ومن أين أتت؟ لا يعرف، لكنه يضع احتمال انبثاقها من الشعور بالاغتراب داخل الوطن.

يعزو سعود الناصري عدم ظهور كوكب حمزة على النطاق العربي إلى ابتعاده عن الوطن وانقطاعه عن جمهوره، وعدم قدرته على تسجيل أغانيه لأنه يعيش في المنفى الدنماركي، ويثني على الفنانين العراقيين الذين صمدوا وواصلوا التلحين رغم فرص الانتشار الضئيلة.

العراقي فاروق داود الذي أخرج فيلم “كوكب ابن بابل”

 

“نقاتل ضجر أوروبا”.. بقايا الحلم في المنفى الدنماركي

يختم فالح عبد الجبار آراءه القيّمة بالقول: إن المؤثرات الحضارية ببيئتها المحلية والخارجية، والمتابعة الشخصية لكوكب حمزة هما اللتان خلقتا هذا المنحى الإبداعي، فأسفر عن أغان زاهية بعيدة كل البعد عن البلادة القديمة، والأطر الثابتة الجامدة التي عشناها لفترة طويلة من الزمن، رغم جمالية بعضها، ورقّة البعض الآخر، بفعل ما تمتلك من بساطة وعفوية.

يضع كوكب حمزة اللمسات الأخيرة على تجربته الفنية المتواصلة التي لا تتوقف عند حد طالما ينبض في صدره قلب عذب وشفاف يحنّ إلى مضارب الوطن حتى النفس الأخير، حيث يقول: نقاتل ضجر أوروبا، ونمارس ما بقي لنا من قدرة على الحلم، من خلال هذه الصنعة الصعبة والمتعبة التي هي عملية التلحين.

جدير بالذكر أنّ المخرج فاروق داود من مواليد محافظة كركوك سنة 1946، وقد أنجز فيلمه الأول سنة 1975 بعنوان “نصف الناس”، وغادر العراق سنة 1977 إلى اليمن، فأنجز فيلمي “أنشودة وطنية” و”مشرّدون”، وذلك قبل أن ينتقل إلى الاتحاد السوفياتي السابق ويحصل على درجة الماجستير في الإخراج من معهد السينما والتلفزيون سنة 1989، ومن أبرز أفلامه الوثائقية “العائد” و”نخل السماوة” و”ذاكرة وجذور” و”كوكب من بابل”.