“15 دقيقة حرب”.. فيلم لتمجيد قوات مكافحة الإرهاب الفرنسية

عدنان حسين أحمد

لم يكن فيلم “15 دقيقة حرب” للمخرج الفرنسي الكندي فْرَيد غريفوا بريئا تماما، فهو يهمل الضحية المُستلَبة ويركِّز على الجلاد المحتلّ، بل إنه يلمِّع صورة قوات النخبة (GIGN)، وهي مجموعة تدخّل الدرك الوطني التابعة للقوات الخاصة الفرنسية التي تأسست في عام 1974 بعد مذبحة ميونخ الشهيرة، لكنه لم يُناقش أبدا حق الجيبوتيين في تقرير مصيرهم وتأسيس دولتهم الحرة المستقلة التي تُحكَم وتُدار من قِبل أبنائها باستثناء إشارة خاطفة وردت كإسقاط فرض على لسان أحد الثوار يقول فيها إنّ مطالبهم هي الانسحاب الفوري من الأراضي الجيبوتية التي يعدّونها جزءًا من الصومال، وإخلاء سبيل السجناء السياسيين الذين تحتجزهم قوات الاحتلال الفرنسية في معتقلاتها المبثوثة في العاصمة جيبوتي.

ولو شئنا الدقة أكثر لقلنا إن رسالة الفيلم الأساسية هي تمجيد قوات النخبة الفرنسية الخاصة التي تنحصر مهماتها الرئيسة في مكافحة الإرهاب وإنقاذ الرهائن قبل أن تتوسع لحماية المسؤولين الحكوميين والقضاء على الجريمة المنظمة. لكنه نسي أو تناسى أنّ القوات الفرنسية تمارس إرهابًا مبرمجًا في البلدان التي استعمرتها، ونهبت ثرواتها جهارًا نهارًا، وأزهقت أرواح الآلاف من مواطنيها الأبرياء والعُزّل عن السلاح.

لا يُنكر أحد أن قصة الفيلم واقعية وأنّ التغييرات التي طرأت عليها طفيفة لأسباب درامية، لكن الجوهر يظل واحدًا؛ هو تقديم المقاتل أو العنصر الأمني الفرنسي كمخلّص ومنقذ من الأزمات الكبيرة، وربما يتمادى البعض -كما هو الحال في هذا الفيلم- ليقدّمه بمبالغة عاطفية تصل إلى حدّ الانخراط في البكاء لأنه فقدَ خلال عملية تحرير الرهائن طفلة صغيرة، بينما أنقذ بقية التلاميذ العشرين ومعلمتهم واستقبلتهم عوائل الضحايا استقبال الأبطال الفاتحين، ولم يُشِر الفيلم إلى شعوب مُختطفَة بالكامل في المستعمرات الفرنسية.

ثنائية التوتر والانفراج

يجمع “15 دقيقة حرب” بين الحركة والدراما والتاريخ، الأمر الذي جعل منه فيلمًا تشويقيًا مثيرًا، فما إن يتم اختطاف الحافلة المدرسية التي تضم 21 تلميذا وتلميذة من قِبل ثوّار صوماليين حتى يقع المُشاهِد في حالة من التوتر الدائم والترقب الشديد الذي لا ينتهي إلاّ في اللحظات الأخيرة التي يتم فيها تحرير الرهائن بعد خوض مواجهة قتالية تستغرق 15 دقيقة ثم تسترخي بعدها أعصاب المتلقين.

يلعب التصعيد الدرامي دورًا مهمًا في الفيلم لأنه يعزز الحبكة القائمة على ثنائية التوتر والانفراج، فما إن يُؤخَذ التلاميذ رهائن ويصلون إلى الأرض الحرام على مقربة من الحدود الصومالية، حتى تبلغ القصة السينمائية إلى مرحلة ما قبل الذروة خصوصا حينما تصل المعلمة جين أندرسون التي جسّدت دورها الفنانة الفرنسية من أصول أوكرانية أولغا كورلينكو إلى موقع الحادث وتطلب من الضابط أن يسمح لها بالذهاب إلى الحافلة، لكنه يرفض بشدة هذا المقترح اللاعقلاني، وحينما ينشغل مع شخص آخر تندفع صوب الحافلة وتدخل في جدال مع أحد الخاطفين فنعرف أنها أمريكية وليست فرنسية لكنها تحب الجميع ولا تفرّق بين الأطفال على أساس اللون أو العِرق أو الدين.

وبعد نقاش طويل نسبيًا يوافق الخاطف على بقائها مع التلاميذ الذين تعرفهم جيدًا فتنتبه إلى أن بيرنارد قد أصيب في وجهه لأنه سأل الخاطف إن كانوا سيذهبون إلى المدرسة أم لا، فصفعه صفعة قوية أدمتهُ وبثّت فيه الرعب، وستكون هذه الإصابة سببًا في عودة المعلمة إلى النقطة الحدودية لجلب الماء للتلاميذ والعلاج لبيرنارد، وهناك تلتقي الكابتن جيرفال الذي يقود مجموعة صغيرة من قوات النخبة الفرنسية التي وصلت توًا وأجرت بعض الاستطلاعات السريعة للتموضع على مقربة من الحافلة والشروع بإطلاق النار في اللحظة المناسبة.

وحينما يعرف الكابتن أن الأطفال متعبين جدًا وسيصيبهم الذعر إذا ما بدأت المواجهة، يطلب من المعلمة جين أن تضع حبوبًا مخدرة في قناني الماء، وعندها يغطّون في نوم عميق، ليجنّبهم الصدمة والذعر الشديد.

يتحرك فريق الإنقاذ إلى مجموعة صخور على مسافة جيدة من الحافلة
يتحرك فريق الإنقاذ إلى مجموعة صخور على مسافة جيدة من الحافلة

القنّاص.. سبق الإصرار والترصد

يتحرك فريق الإنقاذ إلى مجموعة صخور على مسافة جيدة من الحافلة، ويتخذون منها مكانًا أمينًا للرصد والمراقبة حيث ينتقل مناخ الفيلم من الحركة والتوتر والانفعال إلى الهدوء النسبي الذي يمكن أن يتفجّر في أية لحظة.

وفي أثناء هذه المدة القلقة نتعرف على خمس شخصيات دفعة واحدة وهم كازانوفا ولاراين وكامبير ولوركا إضافة إلى الكابتن جيرفال، وخلال فترة الترصّد الطويلة نسبيًا نتعرف على حياتهم الشخصية، فمنهم المتزوج الذي يفكر بزوجته وأطفاله، ومنهم المُحب الذي ينشغل بحبيبته، ومنهم الأعزب الذي يسكن مع والدته ولم يرتبط بصديقة بعد.

وقد حاول المخرج أن يقدّمهم بطريقة إنسانية رائعة وشفّافة وكأنهم لم يُقدِموا على قتل أي ضحية سواء أكانت إرهابية أم متمردة أم ثائرة، مع أن القنّاص يقتل مع سبق الإصرار والترصد، أي أنه يختار الضحية ويسدّد فوّهة بندقيته ويردي الضحية في الحال. ولهذا فإن جريمة القناص مضاعفة بينما الجندي العادي يقتل عشوائيًا ومن دون سابق ترصّد.

استعمل المخرج خلال مدة المراقبة والترصد لقطات مقرّبة جدًا عكست لنا وجوههم وجعلتنا نغوص في أعماقهم
استعمل المخرج خلال مدة المراقبة والترصد لقطات مقرّبة جدًا عكست لنا وجوههم وجعلتنا نغوص في أعماقهم

قوّة مفرطة

استعمل المخرج خلال مدة المراقبة والترصد لقطات مقرّبة جدًا عكست لنا وجوههم وجعلتنا نغوص في أعماقهم، كما كانت الكاميرا تذهب إلى الحافلة المخطوفة لترينا الرهائن والمُختطفِين وتُعرّفنا على طريقة تفكيرهم وخاصة “باركاد” الذي أدّى دوره الممثل البريطاني كيفن لين الذي أحاطنا بخلفيته الثقافية، فهو معلّم أيضًا منذ زمن طويل قبل أن يلتحق بحركة التمرد والمقاومة، وكان حريصًا على الأطفال أيضًا، ولكن المخرج جعل حرصه مُقتصرًا على الأطفال الصوماليين فقط وكأنه يريد تجريده من هذه الصفة الإنسانية المشتركة عند الجميع، مع الأخذ بنظر الاعتبار أنّ الغالبية العظمى من الناس -إن لم نقل كلهم- يحبون الأطفال ويتعاطفون معهم في الظروف الصعبة.

تعود المعلمة من النقطة الحدودية ومعها قناني الماء التي ذُوِّبت فيها الحبوب المخدِّرة وبعض الأدوية للطفل المُصاب. وبينما كان باركاد يتناقش من الجندي رحماني بخشونة، سقط في الانفعال فأطلق عليه النار وأرداه قتيلاً في الحال.

وبما أن مدة الاختطاف قد طالت ومرّ عليها أكثر من 24 ساعة، فإن الجميع كان يتململ؛ المختطَفون والمُختطِفون، ومجموعة الإنقاذ التي أدرك عناصرها أن أمامهم عشر ساعات لا غير قبل أن يحسموا أمرهم وإلاّ فإن الرهائن سيذهبون إلى المجهول.

ويتمادى المخرج كثيرًا حين يجعل فريق الإنقاذ ينتظر الأوامر من الجهات الرسمية الفرنسية التي تفضّل الطرق الدبلوماسية قبل أن تلتجئ إلى الحل الأخير وهو استعمال السلاح والقوة المفرطة من أجل تحرير الرهائن.

يلعب التصعيد الدرامي دورًا مهمًا في الفيلم لأنه يعزز الحبكة القائمة على ثنائية التوتر والانفراج
يلعب التصعيد الدرامي دورًا مهمًا في الفيلم لأنه يعزز الحبكة القائمة على ثنائية التوتر والانفراج

هل نجحت العملية؟

وحينما وصل المُختطِفون إلى الساعة الأخيرة التي سيقررون فيها عبور الرهائن إلى الصومال، اتخذ جيرفال قرارًا فرديًا بعد أن يئس من المراجع الرسمية وأعطى فريق القنص الأهداف المعادية، وبعد أن تأكد الجميع من تثبيتها في نواظير القنص أصدر الأمر بالرمي فسقط المُختطِفون جميعهم دفعة واحدة.

وبغية السيطرة على الحافلة اندفع الفريق بسرعة كبيرة إلى موقع الحدث كي يعالجوا الأهداف الجديدة التي انطلقت صوبهم، واشتبكوا معها لمدة 15 دقيقة فكبّدوا فيها المُختطَفين خسائر جمّة مقابل خسارة الطفلة لوي وإصابة أحد القناصة بجرح طفيف.

وعلى الرغم من تحرير الرهائن فإن جيرفال ينخرط في البكاء، ويشعر بأن العملية ليست ناجحة تمامًا وكأنّ الآخرين سواء أكانوا متمردين أم ثوّارًا أم إرهابيين؛ يقاتلون بطلَقات خُلّب أو أنّ رصاصهم يطيش في الهواء.

لم تقتصر البطولة على جيرفال وفريقه وإنما امتدت إلى المعلمة جين التي وضعت أنوثتها وعمرها الغضّ جانبًا لتجازف بروحها وهي تلتحق بالحافلة المخطوفة لتقديم المساعدة للتلاميذ الذين تعرفهم عن كثب، فلا غرابة أن تُؤخذ بالأحضان من قِبل ذوي التلاميذ لأنها تجاوزت حدود مهامها، ووضعت روحها على راحة يدها، وولجت منطقة الخطر الشديد، ويبدو أنّ سعادتها أكبر من جيرفال لأنها أنقذت -بشكل من الأشكال- القسم الأكبر من التلاميذ وعادت بهم إلى أهلهم وذويهم الذين كانوا ينتظرون على أحرّ من الجمر.

لكي يستكمل المخرج قصته السينمائية عزّزنا ببعض المعلومات قبل أن يطوي الفيلم صفحته
لكي يستكمل المخرج قصته السينمائية عزّزنا ببعض المعلومات قبل أن يطوي الفيلم صفحته

عواقب الصدمة

ولكي يستكمل المخرج قصته السينمائية عزّزنا ببعض المعلومات قبل أن يطوي الفيلم صفحته، فأخبرنا بكلمات مكتوبة على الشاشة بأن الرهائن وعوائلهم لم يتم تصنيفهم رسميًا ضحايا إرهاب، وهم يعيشون حتى اليوم عواقب الصدمة النفسية الشديدة التي سببتها حادثة الاختطاف.

وبعد ثلاثة أشهر سُمّيت هذه الوحدة الخاصة رسميًا بـ “جي آي جي أن” التي تعني مجموعة تدخّل الدرك الوطني وحرّرت في آخر 40 سنة أكثر من 100 رهينة، وفقدت في المقابل 11 عنصرًا من عناصرها المدرّبة بشكل ممتاز. وبعد سنة من هذه الحادثة أصبحت جيبوتي مقاطعة مستقلة لتطوي صفحة التبعية والاحتلال.

وفي الختام لا بد من الإشارة إلى أنّ المخرج فْرَيد غريفوا درس السينما في جامعة نيويورك وعمِل مُنتجا قبل أن يتحوّل عام 2001 لإنتاج الكليبات والإعلانات التجارية. وقد أنجز خلال مشواره الفني عددًا من الأفلام الروائية نذكر منها “الوقت يمضي” و”مقاومة الهواء” و “15 دقيقة حرب” الذي يحمل عنوانًا آخر بالفرنسية وهو “التدخّل”، أما فيلمه المرتقب فهو “اهرب معي” الذي يدور في عالم الإثارة والرومانسية والجريمة.