فيلمان وثائقي وروائي يلتقيان عفويا في موضوع واحد

من غير اتفاق يعالج فيلمان مصريان أحدهما تسجيلي لمخرجة مصرية تقيم في كندا والثاني روائي لمخرج شاب ما يعتبرانه ترديا للذوق العام وتآكلا للقيم الاخلاقية وتشويها للطرز المعمارية في بعض أحياء القاهرة التي كانت يوما رمزا للجمال قبل أن تزحف عليها العشوائية.

فتهاني راشد ترصد في فيلمها التسجيلي (جيران) مصير حي جاردن سيتي الذي كان يضم مقر المندوب السامي البريطاني وصفوة الاجانب في النصف الاول من القرن العشرين وكيف هدمت بعض الفيلات ونبتت مكانها بنايات عالية غير جميلة لا تتناسب ارتفاعاتها مع مساحة الشوارع التي تحولت الى مرآب للسيارات معظم ساعات النهار وما يتربط بذلك من نداءات وشجارات لا تتناسب مع “وقار” الحي.

تهاني راشد

وتقول حفيدة لعائلة كانت تقيم في جاردن سيتي وهي تستعرض المسبح الخاص بالفيلا ان أفراد الاسرة كانوا يسبحون هنا بتلقائية دون أن يتطفل عليهم الجيران بالنظر من الشرفات أو من أسطح البنايات المجاورة في حين تحول حي مصر الجديدة وغيره من أحياء القاهرة الى ما يشبه الريف بقيمه التي يسعى فيها كثيرون لمعرفة أسرار الاخرين كأن يقوم سائق سيارة أجرة بدور الواعظ الديني عبر شريط كاسيت كلما استقلت سيارته بنت غير محجبة كما يسجل ذلك فيلم (هليوبوليس) الذي كتبه وأخرجه أحمد عبد الله.

“جيران”

والفيلم الذي تبلغ مدته 103 دقائق عرض مساء الاثنين ضمن مسابقة الافلام الروائية الطويلة في مهرجان الشرق الاوسط السينمائي الدولي في أبوظبي وينظم له مساء يوم الثلاثاء عرض اخر.

والمهرجان الذي تنظمه هيئة أبوظبي للثقافة والتراث يشارك في دورته الثالثة 129 فيلما من 49 دولة ويختتم الثالثة السبت القادم.

ويبدو الفيلم كأنه صرخة انقاذ أخيرة لضاحية مصر الجديدة ( هليوبوليس) التي كانت نموذجا للتعدد الديني والعرقي قبل أن يغادرها الاجانب منذ نحو نصف قرن وتتحول البنايات ذات الطرز المعمارية الكلاسيكية الى محال تجارية وتتغير معالم وملامح المكان ومعها تتغير أيضا ” أخلاق الناس” الذين كانوا يمثلون الصفوة من المصريين فاذا بهم يضيقون بالمختلف عنهم حتى ان اليهودية فيرا التي أدت دورها الممثلة عايدة عبد العزيز لا تجرؤ على التصريح بأنها يهودية وتعتز بمصريتها ولا تغادر البلاد.

من فيلم هليوبوليس

وبهمس فني لا يدين أحدا يتناول الفيلم قصصا متوازية لعدة شخصيات لا يعرف بعضهم بعضا ولا تتقاطع مصائرهم ولكن طموحاتهم تجهض ولا تتحقق أحلامهم الصغيرة كشراء منزل بسبب زحام خانق يجعل الحياة نفسها حلما مستعصيا أو حقيقة معطلة فاحدى بطلات الفيلم (الممثلة حنان مطاوع) تعمل في فندق قديم لكنها تنفصل عن واقعها وتمارس حلم يقظة فتتخيل نفسها في باريس وترسل من القاهرة خطابا لاهلها في مدينة اقليمية مصرية تؤكد أنها في “عاصمة النور والحرية” حيث لا يراقب أحد أحدا ولا يتلصص عليه.

والتآكل الذي يتعرض له حي مصر الجديدة لا يقتصر على البنايات التي تعد تراثا معماريا بل يشمل أيضا مفهوم قبول الاخر المختلف -حتى لو كان مصريا- دون فرض وصاية عليه أو تحويله الى نموذج يرضي مزاج الاخرين.
وأشاد كثير من المشاهدين في ندوة عقدت يوم الثلاثاء بالفيلم ” المختلف” الذي تحمس له صناعه حتى ان الممثلين تنازلوا عن أجورهم كجزء من الاسهام في انتاجه.

المخرج أحمد عبد الله

وقال المخرج عبد الله انه تعمد أن يكون الفيلم “قصصا غير مكتملة لاناس لا تكتمل أحلامهم… حاولت أن أقدم اخر بصيص من شكل القاهرة” قبل أن تفقد القيم الجمالية التي كانت احدى سماتها مضيفا أنه لم ينشغل بمدى النجاح التجاري للفيلم بقدر اهتمامه بتقديم عمل “يستحق المغامرة”.


إعلان