“الحمير أولا” فيلم تسجيلي عبر عن كوميديا الحصار

مقارنة صغيرة ما بين سيارة و عربة يجرها حمار، تكشف معالم أخري للحياة في غزة ، فليست الفكاهة فقط هي ما يميز الفيلم التسجيلي ” الحمير أولا ” للمخرج : أحمد عوض الله،خاصة و أن بساطة الفكرة و رشاقتها ، تلتقط كل ما هو منسي بين العناوين المكررة الكبيرة عن صعوبة الحياة في قطاع غزة .
الفيلم الذي لا تتجاوز مدته 15 دقيقة ، اعتمد على شخصيتين مختلفتين تشتركان الشوارع و الطرقات، على اختلاف وسيلة المواصلات التي يستقلانها، وما يتبعها من مشادات و متاعب !
فقد لا يتسع الشارع لعربة الحمار الذي يستخدمها ( عادل ) ، في مقابل سيارة ( عبد العزيز ) الذي يضطر إلي أن يتقيد بكل قوانين و شارات المرور، و التي لا يلتزم فيها الحمار أبدا في خط سيره، الأمر الذي يعوق حركة الخط العام، وهو ما يجعلهما على خلاف اعتيادي .

المخرج عوض الله يحاول في فيلمه_ بمساعدة المصور شعيب أبو جهل_، أن يعكس صورة الحياة الديناميكية في غزة عبر تكوين بصري مكثف و جميل ، يعبر عن دلالات ما وراء الصورة ذاتها ، أما التتابع الانسيابي للمشاهد و ضبط تنويعها، فقد ساعد الفيلم على تخطي ضحالة الفكرة بذكاء، رغم التصنع الخافت الذي يتضح في عدة أماكن، نظرا لطبيعة الفيلم الذي جاء كنتاج احدي دورات صناعة الأفلام الوثائقية في غزة، التي أدارها المخرج السويدي بيو هولمكويست ، بإشراف معهد تطوير الإعلام التابع لجامعة بيرزيت، وقد اعتبر ” الحمير اولاً ” آنذاك أفضل فيلم أنتج خلال الدورة .

الحوار بين سائق السيارة وسائق العربية التي يجرها الحمار

المناظرة الشفوية التي ابتدأها المخرج بين سائق السيارة و سائق الكارو لم تتوقف على الشارع فقط ، فكلاهما كان يروي علاقته مع السيارة أو الحمار على حد سواء، مشكلاتهما .. و مميزاتهما أيضا، مما أوجد  فعلياً أوجه كثيرة للمقارنة و الدفاع .
فعبد العزيز يري أن سيارته تمثل جزء مهم في حياته ، خاصة وأنها حلم للكثيرين ، رغم أن مصاريفها  قد أخلت بتوازنه المالي، نظرا لعدم استقرار ظروف المعيشة ، فقطع الغيار و الوقود .. لم تعد متوافرة بسهولة ، بسبب الحصار .
أما ( عادل) فيجد أن ” كارته و حماره ” مصدر رزقه الوحيد ، فهو يبيع ما يُقدر له من خضروات و فاكهة ليبيعها في السوق، مثل بقية سائقي الكارات ، إضافة إلي استخدامها لنقل الأثاث المنزلي و الآلات الكبيرة ، بما أنها الوسيلة الأرخص ، كما يعلق عادل ، حيث يستعرض ” مزايا ” حماره الذي أصبح محبوباً في العائلة، بما انه يرافقهم في التنزه .
لكن عبد العزيز يعتبر أن السيارة هي الوسيلة الأنظف و الأكثر جمالا للتنزه مع أسرته ، وهو ما يظهر الاختلافات الاجتماعية المرئية في تكوين المجتمع الفلسطيني في غزة، فالفوارق الاجتماعية لا تعدو كونها القدرة على امتلاك وسائل مختلفة للحياة ، أكثر من كونها فوارق طبقية . فبيئة المخيمات التي عاش فيها الفلسطينيون منذ ما يزيد عن نصف القرن، لم تسمح للفوارق الطبقية بالنمو والتغلغل، خاصة إذا ما تحدثننا عن تاريخ مأساة مشتركة ، فرضت مساراتها وقوانينها النوعية ، كذلك الحصار على القطاع، أوجد معايير ومقاييس اجتماعية مختلفة، أدت إلى صعود الكثير من الفئات الفقيرة وغير المتعلمة، وتقهقر ملحوظ للفئات المثقفة والثرية تقليديا. وهذه من المفارقات الكثيرة التي بدأت تتأصل في طبيعة الحياة المتقلبة سياسيا و اجتماعيا و اقتصاديا .

هذا التذبذب الذي اضطر عبد العزيز المستاء من ” كارات ” الحمير في الشوارع، ليبيع سيارته ، بعد أزمة الوقود الحادة ، التي جعلت من عربات الحمير الوسيلة المتوافرة الوحيدة لفترة من الفترات، حيث تستعرض نهاية الفيلم بجدية اكبر قضية الحصار، وهو ما تحاكيه الصورة الواقعية في غزة ، ابتداءا من اعتصام الحيوانات أمام  مقر الأمين  العام للأمم المتحدة ، حيث ُعلقت الكثير من الشعارات على ظهور الحيوانات المختلفة من جمال و حمير و أحصنة ، تنديدا بالصمت الدولي على الحصار، وانتهاء بمشهد جميل و مؤثر، اقرب للفكاهة .. حيث تقف سيارة عبد العزيز في إحدى محطات الوقود التي أعلنت إفلاسها : ” لا يوجد وقود ” … ” لا يوجد بنزين ” ، بينما يمر كارو ( عادل ) وحماره متبخترين أمام طابور من سيارات معطلة .
لتكون الجملة الختامية للفيلم : ” عبد العزيز باع سيارته ” ، ” عادل يتجول بحرية أكثر الآن! ” ، ” هكذا و يستمر الحصار …… ” !


إعلان