مهرجان مراكش الدولي: حينما تزور السينما المدينة

مراكش : حسن المرزوقي

 يبدو أن المهرجان الدولي للفيلم بمراكش قد نجح في الرهان الذي رفعه منذ نشأته. حيث اكتملت ملامح العالمية في هذه الدورة التاسعة سواء من حيث الأفلام المشاركة التي اعتبرها جميع المراقبين أنها من الأفلام ذات الطراز الرفيع. أو على مستوى الشخصيات المكرمة كإمير كوستاريكا وكريستوفر والكن والسير بين كيكنسلي. أو من خلال السينما المحتفى بها وهي السينما الكورية الجنوبية. أو حتى من  خلال قيمة لجنة التحكيم التي ترأسها المخرج الإيراني الكبير عباس كياروستامي.
كما لا تخلو المسائل التنظيمية من جهد واضح يهدف إلى إنجاح الدورة وجعلها على مستوى الصدى الدولي. وقد ساعدت البنية التحتية للسينما في مدينة مراكش على تقديم الأفلام في ظروف تقنية ولوجستية جيدة بشهادة كل من تحدثنا معهم.
أما الرابح الأكبر في المهرجان فكان مدينة مراكش هذه المدينة الرائعة والعالمية بكل المقاييس الطبيعية والثقافية والفنية. وهي بالمناسبة قبلة كثير من نجوم السينما العالمية الذين اقتنوا بيوتا فخمة في المدينة.

من افتتاح المهرجان

في هذه الدورة كان جمهور المدينة من المراكشيين والضيوف الذين لا ينقطع حضورهم على مدار السنة، كانوا في الموعد مع السينما فاكتظت قاعات العرض بجماهير من مختلف الأجناس والجنسيات وكانت ساحة جامع الفنا: “قلب مراكش النابض”، مركزا للفن والامتياز(ساحة الفنا ساحة مشهورة بسبب شهرة جامع الفنا تقام فيها يوميا احتفالات شعبية وألعاب بهلوانية وموسيقى وعادات مغربية تجلب السياح وتعطي طابعا خاصا للمدينة). لقد انخرطت السينما في الخطاب “الكرنفالي” لهذه الساحة حيث تعرض يوميا الأفلام العالمية على شاشة ضخمة.
ولأن الساحة تموج كل يوم كبحر هائج فإن تلك الشاشة التي انتصبت حديثا قد زادت ذلك الموج البشري حيوية فكان الجمهور يروح ويغدو بين قصر المؤتمرات (مقر المهرجان) وساحة الفنا وهو رواح وغدو كما يقول أحد المنظمين يهدف إلى أن يرى الزائرون المدينة في السينما ويعيشون السينما في المدينة. فما إن تقترب من المدينة العتيقة ميمّما شطر “الفنا” حتى تبتلعك شوارعها بشكل ساحر فتجد نفسك “تفنى” بين أشكال شتى من البهجة البسيطة تصنعها رائحة البخور والشواء وأصوات العازفين والبائعين والعرافين.  كل يبيع سلعته ويعرضها بشكل فني ومشهدي. إنها ساحة المشاهدة بامتياز يدخلها الناس ويدفعون ثمن ما يشاهدون…
نوع من السينما في الحياة اليومية لمدينة مراكش من دون مخرج أو مونتاج.. انضافت إليها شاشة عملاقة تعرض أفلاما لمخرجين عالميين ومونتاج عالمي أيضا، يقف أمامها المتفرجون بالساعات ولا ينفضّون إلا بانتهاء الفيلم. وحينما يتسرب الليل إلى المدينة من خلف غابات النخيل والتل الصغير على أطرافها تتلألأ بوابة قصر المؤتمرات بنجوم كثيرة منها ما في السماء ومنها ما فوق الشجر والجدار ومنها ما جادت به السينما العالمية من نجوم البشر يمشون على الأرض مثلما مشوا في أفلامهم وخطّوا الطريق بثبات.. يصعّدون السجاد الأحمر وسط هتافات جمهورٍ لا تعلم من أين أتى ومتى ولكنه كان يأتي كل ليلة قبل الموعد.
يدخل النجوم إلى القاعات ليستقبلهم جمهور آخر لا يقل عددا عن الواقفين خارجا.  أما المفاجأة المعلنة والتي رغم إعلانها ظل بعد المفاجأة ماثلا فيها، فهي السينما الكورية حيث يحضر 44 فيلما كوريا امتد تاريخ إنتاجها من الخمسينات إلى اليوم. وتكمن المفاجأة في أنك تكتشف – لمن لا يعرف هذه السينما جيدا- تكتشف أن فعلا تشاهد “سينما” بما للكلمة من معنى.

صحافة المهرجان

 وفي كثير من تلك الأفلام مشترك فني ومعنوي بين مجتمعين يقعان في ضلعين بعيدين من أضلاع الأرض. وقد صفّق الجمهور طويلا ليلة تكريم السينما الكورية وحيّوا وفدا ضم أكثر من خمسين عضوا بين مخرجين وممثلين ومتخصصين في السينما الكورية. إنه مظهر آخر من مظاهر حضور السينما في مدينة مراكش. حيث يطير الفن آلاف الأميال ليحط في ساحة مليئة بالبسطاء والعابرين.
ولعل أطرف مظاهر من مظاهر حضور السينما في المدينة أيضا – والذي نتمنى أن يكون تقليدا في كل المهرجانات- وهو تخصيص حيز للمكفوفين سواء بالاحتفاء بهم وإدماجهم في أجواء المهرجان أو التعريف بمواهبهم. أما غاية النبل في هذه المبادرة فتكمن في تطوع الجمعية الملكية المغربية لطب العيون بإجراء 200 عملية مجانا على مرضى العيون في مدينة مراكش وما حولها. أما المنتفعون من الخدمة الطبية فيقدر بـ  2000 مريض بأمراض العيون. واعتبر الأطباء مبادرتهم ، جزءا من فعاليات المهرجان. وتمنّوا أن يعود مرضاهم السنة القادمة ليشاهدوا بشكل واضح أفلاما ستعرض في الدورة القادمة ويروا مدينتهم وهي تستعيد ضوء أبصارهم. وربما يعود سبب اختيار مرض العيون إلى أن البصر هو الحاسة المدللة في حقل السينما. فما الكاميرا إلا عين ترى الخيال وما العين إلا كاميرا ترصد الحقيقة.
إن ما قدمه مهرجان مراكش السينمائي لمدينة مراكش يبرهن على أن السينما ليست ترفا وذلك  عندما نستطيع أن نوزع مزاياها بين أركان المدينة ونقسم خباياها بين الناس لكي نبصر مدننا وأنفسنا على نحو جميل.
 

 

إعلان