وثائقي يستعيد النصّ الشعري لمحمود درويش
المخرج نصري حجّاج يمزج العاطفة والحبّ بالتجريب والتجريد
بيروت – نديم جرجورة
بدأ المخرج الفلسطيني (المقيم حالياً في بيروت) نصري حجّاج تصوير فيلم وثائقي جديد (لم يضع له عنواناً مؤقتاً أو ثابتاً بعد)، يتناول فيه الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، من خلال شعراء لبنانيين وعرب وأجانب عرفوه والتقوه (بعضهم كان صديقاً له)، لا يتحدّثون عنه أو عن أدبه وقيمته الإبداعية وحضوره الطاغي في المشهد الثقافي العربي/ العالمي، بل يقرأون مختارات من أشعاره القديمة والحديثة، بلغاتهم الأصلية، ومنها العربية والفرنسية والإنكليزية والكردية. وإذ انطلقت رحلة التصوير من فلسطين المحتلّة، قبل أسابيع قليلة، فإن حجّاج أنجز جزءاً من المشروع، بتصويره السياسي والديبلوماسي والشاعر الفرنسي دومينيك دو فيلبان (صديق درويش) في باريس، والشاعر الأميركي مايكل بالمر في المدينة الإسبانية سان سيباستيان، والشاعر الفلسطيني أحمد دحبور في عمّان، والشاعر الكردي شيركو بيكه س في السليمانية في كردستان العراق؛ على أن يُصوّر الأديبين البرتغالي خوسيه ساراماغو والنيجيري وول سوينكا قريباً، علماً أن محطّته الجغرافية الأخيرة ستكون لبنان، أكثر الأمكنة والفضاءات الشعرية والإنسانية تأثيراً وتأثّراً بحضور الشاعر الراحل وتجربته وعلاقاته)، حيث سيُصوّر المخرج الشاعرتين اللبنانيتين جمانة حدّاد ولوركا سبيتي، بالإضافة إلى أمكنة ومناخات متفرّقة. وذلك كلّه بعد زيارتيه إلى تونس وفلسطين (التي يعود إليها حجّاج لاستكمال التصوير)، اللتين يُتوقّع القيام بهما في الأسابيع القليلة المقبلة.
لم يشأ نصري حجاج، منذ البدية، أن يُحقّق فيلماً وثائقياً تقليدياً، ولم يرغب في جعل الشهادات “ثرثرة” كلامية لا فائدة منها. أصرّ على أن يكون المشهد السينمائي مزيجاً فنياً بين ابتكار لحظات ومواقف وحالات عاشها درويش واختبر تحوّلاتها، وجعل شعراء وأصدقاء صوتاً آخر له، كامتداد إنساني وإبداعي لحيوية النصّ الشعري الذي وضعه الراحل. لم يكتف حجّاج بتصوير الشعراء، لأنه اختار أمكنة قرأ فيها درويش بعضاً من شعره، أو تناول فيها طعاماً، أو شرب القهوة، أو أحبّها، كالفندق الباريسي الذي كان يُقيم فيه دائماً، والمقاهي التي ارتادها هنا وهناك، ومدرج جامعة دمشق ومكتبة الأسد، ومنزله في عمّان، ومسرح “أوديون” في العاصمة الفرنسية وغيرها من الأمكنة التي يزمع المخرج تصويرها، خصوصاً في فلسطين، من قريته إلى المدن التي أقام فيها، ومن مكتبه إلى الشوارع والأزقة والمقبرة التي دُفن فيها: “سنسمع صوت درويش من بداية الفيلم إلى نهايته (تتراوح مدّته بين خمسين واثنتين وخمسين دقيقة)، على خلفية أصوات الشعراء”، كما قال حجّاج، مضيفاً أنه لم يرغب في تحقيق فيلم كلاسيكي “عن الطفولة والسيرة الذاتية والتجربة الحياتية والشعرية والإنسانية، بل أردته مختلفاً كلّياً، فيه مزيج من العاطفة والحبّ والتجريب والتجريد”.