كي تُقرأ الذاكرة وتُحصَّن من الاندثار
مقاتلون ومقاتلات لبنانيون سابقون يروون تجاربهم في فيلمين قصيرين
بيروت: نديم جرجورة
في إطار البحث النقدي والسجالي في شؤون الحرب الأهلية اللبنانية (1975/ 1990) وتداعياتها الإنسانية والثقافية والاجتماعية المتفرّقة، وجد لبنانيون عديدون في الصورة البصرية أداة ناجعة في استعادة اللحظة وإعادة رسم ملامحها، على ضوء التجارب الفردية والجماعية معاً. ولئن اعتبر بعض هؤلاء أن الصورة تلك تتيح مجالاً واسعاً أمام الجميع (الشخصية الأساسية، صانع الفيلم والمتلقّي معاً) للاطّلاع والمعاينة والنقاش، فإن الهمّ الإنساني طغى على بعض النتاجات التوثيقية الأخيرة، كالفيلمين “الوثائقيين” اللذين أُنجزا في سياق أكاديمي أو تربوي: “لكي تكون فقط ذكرى… نساء مقاتلات” (20 دقيقة) لسحر عسّاف و”من الحرب إلى المصالحة” (14 دقيقة) وهو عمل جماعي أنتجته مؤسّسة “أديان”، الهادفة إلى تفعيل التواصل بين الطوائف/ المذاهب اللبنانية.
![]() |
بدأ الفيلمان جولة من العروض اللبنانية الداخلية، بهدف طرح أسئلة الحرب والهوية والانتماء، من خلال مقاتلين/ مقاتلات لبنانيين سابقين، خاضوا الحروب الوحشية بعضهم ضد البعض الآخر، وباتوا اليوم في موقع “الشاهد” على الخراب الفظيع الذي ضرب الجميع من دون استثناء. في الفيلم الأول، بدا واضحاً أن النصّ الأساسي أهمّ من أي شيء آخر، إذ ابتعد تصوير المقاتلات الأربع عن أي همّ بصري أو فني أو جمالي أو درامي، وهذا ما قالته الباحثة عسّاف في تقديمها عملها هذا، المرتكز على إعادة أربع مقاتلات إلى زمن الحرب كي يروين مقتطفات من سيرهنّ الذاتية، وكي يبلغن جميعهنّ اللحظة الآنيّة لتقديم خلاصة ما للتجربة الفردية. وهذا ما ذهب إليه الفيلم الثاني، مع مقاتلين اثنين فقط، تبوأ أحدهما مركزاً أمنياً مهمّاً جداً في ميليشيا القوات اللبنانية (أسعد شفتري): ما الذي حصل، ولماذا خاض المرء حربه هذه، وإلى أين وصل. لكن الفيلمين لا يبغيان تقديم اعتذارات عشوائية، أو إعلان ندم انفعالي، لأن بعض هذه الشخصيات أصرّ على التزامه السياسي/ الفكري/ الثقافي، وإن بأسلوب مختلف.
أما الناحية الفنية، فلم تأخذ حيّزها الطبيعي، لأن استخدام التقنيات المتواضعة جداً في إجراء المقابلات الفردية في الفيلمين ظلّ عادياً للغاية، بل أقرب إلى تصوير مباشر (من دون تدخّل المونتاج أو الإضاءة مثلاً في تشذيبهما الفني والجمالي)، كأنهما “ريبورتاج” تلفزيوني، أو “تسجيل” لقاءات خاصّة. مع هذا، أثار العملان نقاشاً سياسياً وثقافياً، يبدو أن هناك من لا يزال متمسّكاً به (النقاش) بهدف قراءة الماضي وغربلته والبحث فيه، استكمالاً لمشروع الذاكرة اللبنانية وحمايتها من الاندثار.