افتتاح مهرجان الجزيرة :”أحلام دب” يحكي بؤس العالم
يوم أمس كان يوما منتظرا من جميع التسجيليين العرب الذين يعدون الدقائق ليكونوا هناك.. لم يتأخر الموعد فأطفئت أنوار قاعة المجلس في فندق الشيراتون بالدوحة.. وانبعث نور خافت بموسيقى تأتي من أعماق الأرض ومن كل جهات ألوان البشر.. وابتدأ مهرجان الجزيرة للأفلام التسجيلية في دورته الخامسة.
سريعا رحب رئيس مجلس إدارة شبكة الجزيرة الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني بالضيوف وأعلن الافتتاح. وجاءت فلسطين قضية وصورة في كلمات الافتتاح..
وحضرت فلسطين من خلال صوت أحمد زايد الذي تكلم في الجزيرة بعد حرب غزة وقال كلاما بريئا عميقا عجز عنه الكبار.. أحمد لم يستطع الوصول إلى الدوحة وظل عالقا في رفح.. فتسلمت جائزة “أحسن صوت في الإعلام” زهرة الفلسطينية بدلا عن أحمد.
هذا كله كان متوقعا .. ما لم يكن متوقعا هو فيلم الافتتاح .. “أحلام دب” من إخراج التركي سافاس كاراركاس.
لم يكن البطل إنسانا ولا مأساة لإنسان إنها مأساة حيوان نزعم أنه مفترس وخطير. يحمل كثيرا من الهدوء وكمّا هائلا من الافتراس. فجأة هذا الحيوان يصبح أسيرا يسحب بحبل كخروف. لقد أصبح الدب لعبة في يد البشر.
كان الفيلم قصيرا ولم يستمر أكثر من سبع دقائق ونصف. سبع دقائق عرضت مأساة الدب كأحسن ما يكون. فأين الإنسان.؟؟
في واجهة الصورة كان الإنسان حاضرا في توحشه والدب وديعا “آدميا” معذبا. انقلبت الحياة وأصبح البشر يمارس الافتراس والتوحش. من خلال تلك التمارين القاسية لترويض الدب وقتل الأم بالرصاص للاستحواذ على صغارها واللعب بهم في نوادي المدين أمام العامة المتشوقة إلى رؤية العنف عيانا.
في خلفية الصورة كانت رمزية الفيلم عميقة جدا حيث يتماهى الدب مع البشر أفرادا وجماعات تروضها أفراد وقوات. فمن مستبد يروض شعبه كدب ضخم. إلى قوى كبرى في العالم تروض شعوبا وإرادات وغزة ليست بعيدة عن الترويض..
ألم الدب هو ألم الإنسان في الصورة ووحشية الإنسان في الفيلم هي وحشية الإنسان في التاريخ والواقع.
إذن الإنسان كان حاضرا في الفيلم وتبادل الدور الرمزي مع الدب فرأينا المقهورين المجبورين على إسعاد الغالبين قهرا لا عدلا. ورأينا الإنسان في حقيقته يذهب بعيدا في بلاد الثلج يخرج الدب من جحره ويقتله ويسبي أطفاله الصغار.
للدب حكاية واحدة وللبشر حكايات.. تلك قوة الفيلم الوثائقي. وقد صرح السيد عباس أرنؤوط مدير المهرجان أن اختياره لهذا الفيلم ليفتتح به المهرجان كان مقصودا للتعبير عن صورة إنسانية بائسة لعالم بائس لا يختلف عن عالم الغابة المسلوب. وكتب أرنؤوط ما يلي تعليقا على فيلم “حلم دب” :
رأيت نفسي على الشاشة..
الحبل .. زماما .. يوضع في أنفي..
رأيت غزة..
فلسطين..
العراق..
الإنسان يُروَّضُ في كل مكان..
عرفت أن عالمنا .. أحيانا..
أشدّ قسوة من الغابة..
وأن الظلم يقسم العالم..
عالمين..
قويا .. يروّض
ومستضعفا يحاولون ترويضه…