المسحراتي وليلة النقطة والدوسة..عادات في الذاكرة

 لكل أمه أو شعب عاداته وتقاليده التي تميزه عن غيره، وتتوارث من جيل لآخر فترسخ في الأذهان وتنطبع في الأفكار، والمصريين من أكثر الشعوب تمسكًا بالعادات والتقاليد وبتراثهم القديم. فهناك عادات كثيرة بعضها استمر على حاله والبعض الآخر دخلت عليه عوامل التطوير ولكن ظل المثل الشعبي -جملة قصيرة تحمل معنى و مضمونا كبيرا ولا يعرف لها مؤلف- عبارة يتوارثها الناس جيلاً بعد جيل تعكس لنا المعتقدات الدينية المختلفة والنواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وظلت البوتقة التي تحمي هذا التراث النادر من الضياع إلى جانب ما يحفظه ويتمسك به المصريين من عادات.
وصرح الدكتور خالد عزب، المشرف على مشروع ذاكرة مصر المعاصرة، أن فريق عمل الذاكرة قد عكف على توثيق هذا الجانب من تاريخ المصريين والعادات والتقاليد التي حرصوا عليها على مر الزمان، وإن كانت قد اختلفت في بعض تفاصيلها عما هي عليه الآن إلا أن جذورها ترجع إلى من سبقوهم من أجيال سواء في الأعياد والاحتفالات الدينية أو الاحتفالات العامة والمناسبات الخاصة وبالطبع لكل منها الطقوس والمراسم التي تميزها عن غيرها ومن ضمن هذه العادات التي حرص عليها المصريين الاحتفال بشهر رمضان حيث يبدأ الاحتفال به منذ ليلة الرؤية فكان يسير موكب من الناس ومعهم فرق من الموسيقيين حاملي الطبول وأيضًا فرق من الجنود ويسير الجميع من القلعة إلى مجلس القاضي ثم يقسم الموكب نفسه إلى عدة أقسام تطوف في شوارع القاهرة لإعلان الأهالي بموعد بدء الصيام، ففي ذلك الوقت لم يكن هناك تليفزيون أو راديو ينقل بث مباشر لوقائع استطلاع هلال الشهر الكريم.
ولفت إلى أن عادات المصريين في الشهر الكريم لم تختلف إلا من حيث وسائل التسلية كالذهاب إلى المقاهي وسماع الموسيقى وممارسة بعض الألعاب كذلك من ضمن العادات الرمضانية أن يجول المسحراتي ليلاً حاملاً الطبلة ليعلنوا وقت السحور، والتي تغيرت اليوم مع وجود القنوات الفضائية والبرامج والمسلسلات الرمضانية.
أما عيد الفطر ويسمى عادة بالعيد الصغير وفيه تظهر الناس بملابسهم الجديدة وكانت العادة أن تطلق المدافع في عيد الفطر أو الأضحى كل يوم ثلاث طلقات احتفالاً و ابتهاجًا بقدوم العيد، تعود الناس في العيد تناول (الفسيخ- الكعك – الفطير) ومنهم من كان يذهب لزيارة المقابر وهم يحملون سعف النخيل والريحان وبعض أنواع الطعام لتوزيعها على الفقراء.
وعيد الأضحى يحتفل به لمدة أربعة أيام ابتداء من يوم عشرة ذي الحجة وتتبع فيه معظم التقاليد المتبعة في عيد الفطر ولكن يتميز عيد الأضحى عن عيد الفطر في أنه في هذا العيد تذبح أضحية العيد لمن يستطيع ذلك.
وأوضح عزب أنه من المناسبات الدينية الهامة التي يحرص عليها المسلمين الاحتفال بالمولد النبوي الشريف؛ ويبدأ الاحتفال به من يوم 2 إلى 12 ربيع الأول وكان المكان الرئيسي للاحتفال هو ميدان الأزبكية فيجتمع الدراويش للذكر في كل ليلة من ليالي الاحتفال.
وأضاف “من الاحتفالات التي لا نسمع عنها الآن “الدوسة” وهي من العادات القديمة التي تستحق الملاحظة، كان يقوم بها الدراويش حيث يقفون جنبًا إلى جنب متلاصقين يهتفون باسم الله ثم يجرى اثنا عشر درويشًا حفاة على ظهور رفاقئهم المستلقين على الأرض ثم يخطوا الشيخ بحصانه عليهم جميعًا”.
وقال عزب أن  هناك عدد من الاحتفالات التي لا تزال موجودة حتى الآن -وإن لم تكن بنفس القوة – موالد الأولياء. فهي تنتشر وتكثر بالقاهرة وضواحيها وتكون ذو صبغة عامة حيث يحتفل بها كافة المصريين مثل مولد السيد الحسين، والسيدة زينب، والإمام الشافعي وغيرهم من أولياء الله، ويبلغ عدد موالد الأولياء في القاهرة 80 مولدا كل عام وبصفه عامه تتشابه مظاهر الاحتفال بهذه الموالد.
وذكر خالد عزب أن هناك مجموعة من الأعياد العامة غير الدينية التي حرص المصريون على الاحتفال بها فنجد شم النسيم عيد الطبيعة والربيع الذي ظل قائمًا من عهد الفراعنة حتى اليوم وفيه يخرج المصريون إلى الحقول والحدائق والمتنزهات يلهون ويمرحون ويأكلون البيض والفسيخ والبصل ويركبون القوارب النيلية.
وأشار إلى أنه من الاحتفالات التي حرص عليها الشعب المصري “ليلة النقطة” يقام الاحتفال في 17 يونية وأحيانًا في 18 يونية فكان المصريون القدماء يعتقدون أنه إذا لم تقم الاحتفالات بوفاء النيل في حينها  فإن النيل يمتنع عن الزيادة و لا يغمر الأرض لذلك يقضي سكان القاهرة تلك الليلة على ضفاف النيل.

محمد على باشا

أما عن الأعياد الخاصة، فيذكر الموقع أنها تتمثل في الزواج فهو يعد حدثًا هامًا من أحداث المجتمع المصري وكان له عاداته وتقاليده عند المصرين وشروط وخطوات من ضمنها أنه يفضل الفتيات صغيرات السن بين 12-14 سنه وكان يمنع الرجل من مشاهدة الفتاة ويعتمد في هذا الأمر على والدته أو إحدى قريباته لكي تقوم بمشاهدة الفتاة لتوصفها له وصفًا دقيقًا، هذا إلى جانب أخلاقها الحميدة وسمعتها الطيبة وعندما تشرع المرأة في الزواج تعيين وكيلاً، ينوب عنها إذا كانت الفتاه قاصرًا أما إذا كانت بالغة فيمكن أن تعقد الزواج بنفسها أما من ناحية المهر فإن الذي يحدد قيمته هو الوضع الاجتماعي للبنت ودرجة جمالها. ثم تقام حفلة الزواج التي تمر بعدة خطوات منها (عقد القران– زفة الحمام– ليلة الحناء– ليلة الزفاف – يوم الهروبة– يوم السبوع) ولكل خطوة طقوسها الخاصة.
 ويوثق الموقع لملابس المصريين التي اختلفت كثيرًا؛ فقد كان زي الرجل يتسم بأنه واسع فضفاض لكي يتلاءم مع الجو الحار في مصر. وكان الفقراء يصنعونه من الكتان أما الأغنياء من الحرير وهو يتكون بشكل عام من الآتي (القميص– السروال– الصديري– القفطان– الحزام– الجبة– البنش– العمامة- الحذاء). ومع مرور الوقت طرأت تغيرات على زي الرجال ففي عهد محمد على عندما أرسل بعثات علمية إلى أوروبا لتلقي العلم فحدث أن قام بعض هؤلاء المبعوثون بتقليد الزي الأوروبي في ملابسهم والتخلي عن ارتداء الزي المصري.
أما زي المرأة فهو يمتاز بكثرة الزخرفة ويتكون من (القميص– الحزام– لباس الرأس– الحذاء) كما تستخدم الكحل لتزين العينين وتضع الحناء في الأيدي والأرجل وترتدي الأقراط في الآذن، والأساور في اليد.
ومن أهم الأشياء التي اختفت من تراث المصريين الآن “الحمامات العامة”. فقد اعتاد المصريون  في القرون الماضية التوجه إلى الحمامات العامة للاستغلال وكانت الحمامات تخصص صباحًا للرجال ومساءًا للنساء، وهناك يتبادلن أحاديثهن الرقيقة عن أحوالهن العائلية والزوجية ومن أهم هذه الحمامات على سبيل المثال (حمام الوالي– حمام السلطان الكبير– حمام السبع قاعات- حمام الثلاثاء).


إعلان