إستعادة منارة الإسكندرية القديمة

 أختتمت أمس الأربعاء بالأسكندرية ورشة العمل الدولية الخاصة بمشروع “مدستون” MEDISTONE والتي نظمها المجلس الأعلى للآثار تحت عنوان: “الحفاظ على الأماكن الأثرية القديمة في بعض دول حوض البحر المتوسط بدءا من تحديد مصادر أحجارها إلى اقتراح تقنيات حديثة لترميمها والحفاظ عليها”،والتى إستمرت على مدار ثلاثة أيام بمشاركة أكثر من مائة باحث عربى وأجنبى. 

يهدف المشروع، الذي يدعمه الاتحاد الأوروبي نظرا لما يمثله من تعاون دولي بنّاء بين عدة دول مطلة على البحر المتوسط في المجالين العلمي والثقافي، إلى المساهمة في إثراء المعلومات المتعلقة بثلاثة معالم أثرية تقع في مصر والمغرب والجزائر؛ منها: منارة الإسكندرية القديمة، من خلال دراسة أحجارها لمعرفة كيفية ترميمها والحفاظ عليها.
يذكر أن أحجار منارة الإسكندرية القديمة، والتي تعد إحدى عجائب الدنيا السبع القديمة، مازالت موجودة في مياه البحر بالإسكندرية؛ حيث قام بدراستها فريق من المتخصصين من مصر وفرنسا وإيطاليا واليونان وألمانيا ليخلصوا إلى أن الأحجار المستخدمة في البناء جاءت من أسوان ووادي الحمامات، وهي النتائج التي قد تسهم في إعادة بناء المنارة من جديد.
كانت المنارة قد أنشئت في الجزء الشرقي من جزيرة فاروس وسميت باسمها عام 280 ق.م (القرن الثالث قبل الميلاد)، وكان الغرض من بنائها هو هداية البحارة عند سواحل مصر المنخفضة؛ إذ كان النور المنبعث من النار الموضوعة في قاعدة المنارة ينعكس  من المرايا النحاسية كضوء يتجه إلى المناطق المحيطة بالمنارة.

جدير بالذكر أنه قد بدأ تشييد المنارة في عصر بطليموس الأول وانتهى بناؤها في عصر بطلميوس الثاني، وقد بناها المعماري والمهندس الإغريقي سوستراتوس. البناء كان من الحجر الجيري أما الأعمدة فكان أغلبها من الجرانيت، كما حليت أجزاء من البناء بالرخام والبرونز. تكونت المنارة من أربعة طوابق، وكان ارتفاعها مابين 120 متراً إلى 135 متراً. وبلغ ارتفاع الطابق الأرضي حوالي 60 متراً، وكان مربع الشكل وبه العديد من النوافذ وعدد من الحجرات يبلغ عددها 300 حجرة كانت مجهزة لسكن عمال تشغيل المنارة وأسرهم، وكذلك لتخزين الآلات والأدوات الخاصة بها. وينتهي هذا الطابق بسطح في جوانبه الأربعة تماثيل ضخمة من البرونز تمثل تريتون ( triton) ابن نبتون ( Neptune ) إله البحار.

مخطط تقريبي لمنارة الإسكندرية

أما الطابق الثاني فقد كان مثمن الأضلاع وارتفاعه نحو 30 متراً، والطابق الثالث مستدير الشكل يعلوه قمة المنارة وبها مصباح كبير أقيم على ثماني أعمدة تحمل قبة فوقها تمثال يبلغ ارتفاعه حوالي سبعة أمتار، ويرجح أنه كان لإله البحار والزلازل  “بوسيدون”. لم يتوصل المؤرخون على وجه الدقة إلى طريقة إضاءة هذا المصباح المرتفع جداً، ويقال إن الصعود إلى المنارة والنزول منها كان يتم عن طريق سلم حلزوني.
كان يوجد في فناء المنارة آلة رافعة تعمل بنظام هيدروليكي كانت تستخدم في نقل الوقود (الخشب) إلى قمة البناء حيث يوجد المصباح، وقد ذكر الرحالة العربي ابن جبير أن ضوء المنارة كان يرى من على بعد 70 ميلاً في البحر.
كان يوجد في قمة منارة الإسكندرية القديمة مرآة ضخمة كاسرة للأشعة تتيح رؤية السفن القادمة من بعيد قبل أن تتمكن العين المجردة من رؤيتها، وهي أشبه بمنظار مكبر مما يدعو للظن بأن علماء الإسكندرية قد توصلوا إلى العدسات في ذلك الوقت.
وقد سقط المصباح وتحطمت المرآة في عام 700 ميلادية، وبذلك فقدت المنارة وظيفتها منذ ذلك الوقت قبل أن يدمرها الزلزال تماما في القرن الرابع عشر الميلادي.
في عام 880م قام ابن طولون بترميم المنارة، ثم رممت بعد ذلك في عام 980م. وفي حوالي عام 1100م سقط الجزء المثمن الشكل إثر زلزال عنيف ولم يبق من المنارة سوى الطابق الأول المربع الشكل والذي أصبح بمثابة نقطة مراقبة وشيد فوقه مسجد.
وقد حدث زلزال في عام 1303 في عهد الناصر محمد بن قلاوون دمر حصون الإسكندرية وأسوارها. ووصف المقريزي ما أصاب الإسكندرية من دمار لافتا إلى أن ركن الدين بيبرس الجنشكير قد رمم المنارة 703.
وكتب الرحالة العربي ابن بطوطة عند زيارته الثانية للإسكندرية عن المنارة بعد الزلزال الذي حدث لها بنصف قرن عام 1350م قائلا: “وقصدت المنار فوجدته قد استولى عليه الخراب بحيث لا يمكن دخوله ولا الصعود إليه وكان الملك الناصر رحمه الله قد شرع في بناء من��ر بإزائه – أي بجواره –  فعاقه الموت عن إتمامه “. فقد أتى الزلزال الذي أصاب الإسكندرية على المنارة وتبعثرت أحجاره لتختفي منارة الإسكندرية من الوجود في القرن الرابع عشر الميلادي.
وفي عام 1477م، زار الإسكندرية السلطان الأشرف قايتباي؛ حيث أمر ببناء حصن على أنقاض المنارة (عند تهديد الأتراك بغزو مصر). وبالفعل أقيم هذا الحصن عام 1480م وهو ما عرف ببرج قايتباي ثم طابية قايتباي ثم قلعة قايتباي، والتي لا تزال قائمة حتى اليوم.


إعلان