مهرجان الرباط .. السينمائي .. وما ملكت معرفتكم ؟..
انطلق أمس مهرجان الرباط السينمائي الذي يستمر حتى نهاية الشهر الجاري ، حاملا معه نفس الإرث من الأخطاء التي لم يتمكن من التخلص منها.
فهذا المهرجان لم يستقر، منذ تأسيسه، على أرضية قارة ويؤسس هوية خاصة به لذلك عاش طيلة مدة وجوده متخبطا في جميع الاتجاهات. لم يخرج منها بعد إلى حدود كتابة هذا التقرير.
• ” سوبر مارشي” ثقافي
لقد انطلق مهرجان الرباط كتظاهرة تجمع جميع فنون الفرجة والكتابة من الغناء والموسيقى والرقص والمسرح والسينما والتشكيل إلى الشعر والرواية والقصة والنقد. طبق كبير وواسع يحتوي جميع ” أنواع ” الإبداعات، وكان يمتد في بدايته طيلة شهرين، وكأنه supermarché كبير تجد فيه كل شيء لكن بدون طعم وعمق ثقافي وفني. لا تتذوق شيئا بقدر ما تختلط عليك مواده فتنفر منها إذ كان يدمج كل من يستعد للمشاركة تحت حجة توفير الفرجة لجميع الفئات بمختلف مستوياتها، وبتبرير دعم المواهب.
وكان وراء تنظيمه، بشكل مباشر، مؤسسات عمومية مُنتخبة كمجلس المدينة وبلديتها التي أرادت تنشيط المدينة في فصل الصيف بحيث كانت تعرف ركودا في تلك الفترة بحكم أنها مدينة إدارية بامتياز.
كان إذن مهرجان الرباط شاملا ليتغير مصيره بعد سنوات قليلة من تأسيسه نظرا لتغيير حصل على رأس مجلس المدينة وظهور أطراف جديدة من داخل السلطة التي دخلت في خط التظاهرة لتنزع من مهرجان الرباط الجانب الأكثر جماهيرية و هي الموسيقي والغناء ليتأسس بها مهرجان ” موازين “. وبذلك فقد مهرجان الرباط جزء أساسي من جماهيره وجماهيريته، ثم ظهر مهرجان المسرح العربي الذي مات في المهد. ولم ير مهرجان الرباط أهمية الاستمرار في احتضان ما هو ثقافي محض كالكتاب ومشتقاته الأدبية التي لا تثير اهتمام العامة.
ولكي لا يفقد المهرجان ما تبقى له من نشاط، بعد أن اقتُطعت منه كما سبق القول فقرات هامة، أسس بعض المشرفين عليه جمعية أطلقوا عليها إسم ” جمعية مهرجان الرباط للفنون والثقافة ” مركزين على السينما أساسا. ونظرا لوجود تظاهرات كثيرة بالمغرب تنعت كل واحدة منها نفسها باسم معين للاشتغال على توجه محدد في السينما، اختارت جمعية مهرجان الرباط ” سينما المؤلف ” دون صياغة أرضية تحدد ملامح هذه السينما ومكوناتها وخصوصيتها وبعدها الفني ليبقى مجردا من هويته الحقيقية ولم يعد ” سينما المؤلف ” سوى عنوان بريدي لأصحاب التظاهرة وقناع لاصطياد الأفلام. واكب هذا التعديل خلق جوائز سينمائية تحمل إسم ملك المغرب الراحل ” الحسن الثاني “.
![]() |
ملصق المهرجان |
إذا قمنا بتقييم تاريخي سريع للمرحلة السينمائية لهذا المهرجان سنرصد عثرات وأخطاء كثيرة تتعلق بالشكل والجوهر معا إذ لم يعتمد اختياره على أفلام يمكن إدراجها في خانة ” سينما المؤلف ” إلا بنسبة ضئيلة جدا بل ضم في مسابقاته الرسمية أفلاما تجارية محضة بعيدة عن ” سينما المؤلف ” بُعد السماء عن الأرض. ويُتوج المهرجان تخبطه هذا في إسناد رئاسة لجان التحكيم الرسمية (نعم الرئاسة) لممثلات مصريات لا تربطهن بسينما المؤلف لا الخير ولا الإحسان إذ لم يسبق لهن أن شاركن ولو في فيلم واحد على الأقل لتبرير وجودهن على رأس تلك اللجان ( نذكر على سبيل المثال لا الحصر الممثلة بوسي ). كما يكرم هذا ” المهرجان ” سنويا ممثلين وممثلات من مصر لم يسمعوا قط بسينما المؤلف أو يفهموا معناها الفلسفي والفني كما هو الشأن في السنة الماضية مثلا حيث تم تكريم الممثلة نادية الجندي.
مهرجان الرباط للسينما في حاجة لإعادة التأليف سينمائيا وفكريا بعد دورته الحالية (15) ليؤسس علاقة جديدة بمحيطه بالقطيعة مع تجاربه الفاشلة السابقة نحو أفق جديد يعطي المعنى لهذه السينما التي اختار الاشتغال عليها أو الإعلان عن تخليه عنها لصالح سينما ” على واحدة ونص”
• تكريم القدس كعاصمة للثقافة العربية
يعود مهرجان الرباط هذه السنة إلى نقطة الصفر، إلى بدايته حيث ” استرجع ” أنشطته في المجال الأدبي ليس اقتناعا بها وإنما لملء فراغ يعيشه وبالتالي لا يمكننا الحديث عن مهرجان سينمائي وإنما تظاهرة ثقافية تشكل فيه السينما جزء منه وليس جوهره.
ولكي يكسب تعاطفا جماهيريا في دورته هاته رفع شعار ” القدس ” دون أن يدرج أفلاما لها علاقة بموضوع الشعار باستثناء فيلم ” عيد ميلاد ليلى ” للمخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي الذي سيُعرض على الهامش في عروض موازية وكذا تكريم المخرجة الفلسطينية مي المصري. وكان مقررا أن يشارك المخرج الفلسطيني ميشيل الخليفي كعضو في لجنة التحكيم حيث تم الإعلان عن إسمه في الوقت الذي له التزامات أساسية لإتمام فيلمه الجديد حسب ما صرح لنا به شخصيا بمعنى أنه لن يحضر إلى مهرجان الرباط.
القدس، إذن، حاضرة في الشعر والأدب وليس في السينما وهو ما يعبر عنه بوضوح ملصق المهرجان حيث شعار ” القدس عاصمة الثقافة العربية ” موضوع على الكتاب فقط. ألم يكن من الأفضل تحديد فقرة خاصة بالسينما الفلسطينية؟ لا يرى رئيس الجمعية أهمية في ذلك ردا على سؤال لنا في الندوة الصحفية بل يجهل بوجود أفلام فلسطينية حديثة وجديدة إذ يمكن أن نذكر له ” ملح هذه الأرض ” لآن- ماري جاسير على سبيل المثال وهو من أحدث الأفلام فضلا على أفلام وثائقية رائعة لمخرجين فلسطينيين وأوروبيين.
أنطلق مهرجان الرباط، من يوم 20 يونيو الجاري إلى نهايته، في مجموعة من فضاءات مدينة الرباط. ففضلا على المسابقة الرسمية التي ستضم 12 فيلما ويترأس لجنة التحكيم المخرج Moritz De Hadeln هناك فقرات أخرى مُبرمجة ك ” سينما العالم ” التي تتضمن أفلاما تتوزع جنسياتها على مختلف الأقطار أغلبها سبق عرضها في مهرجانات مغربية أو بالمراكز الثقافية الأجنبية بالمغرب ( حتى بعض أفلام المسابقة سبق مشاهدتها من قبل في نفس الإطار المذكور) وهذه هي السياسة التي اعتمدتها دائما إدارة المهرجان إذ لا تبتعد عن المراكز الثقافية الأجنبية.
كما يتضمن المهرجان فقرة تم تسميتها ب ” عروض استعادية ” يخصها هذه السنة لإعادة عروض أفلام من روسيا وتركيا وكذا عروض للأطفال وبانوراما للسينما المغربية.
|
• “النافذة الوثائقية” بأفلام “علمية”
برمج المهرجان هذه السنة لأول مرة فقرة خاصة بالفيلم الوثائقي العلمي بتسمية ” النافذة الوثائقية ” حيث ستحتضن عروضها المكتبة الوطنية وستُتوج بندوة تحمل عنوان ” العلوم عبر الشاشة، التواصل بالصورة: مشاكل ورهانات ” حسب ما جاء في الملف الصحفي دون تحديد عناوين الأفلام التي سنطلع عليها في حينها.
المثير في إطار الحديث عن هذه الفقرة بإدراج كلمة ” إقحام ” (؟؟؟؟؟) في الملف الصحفي بذكر هذه الفكرة أنها ” مقحمة ” في المهرجان لكم الخبر كما وُرد في الملف: ” تعرف هذه السنة إقحام فقرة جديدة بالمهرجان الدولي لسينما المؤلف للرباط، ويتعلق الأمر: بالنافذة الوثائقية ” ( التشديد على ” إقحام ” من طرف كاتب هذا النص). وعليه فهي – أي الأفلام الوثائقية – هي مُقحمة بالقوة (هل لملء الفراغ ) وبالتالي ليس باقتناع واضح والذي يمكن أن تعتبره تقدما في تجربتها لذلك فهي رضخت لقوة الفراغ ل ” إقحام ” ها.
وستُنظم أيضا ندوة أخرى بعنوان ” نظرات متقاطعة حول السينما والأدب التاريخي ” التي ستتناول إشكالية الرواية التاريخية المتعلقة تحديدا بالأندلس من خلال السينما دون أن نعلم بالأفلام التي سيتم إدراجها في هذا السياق حتى نستعد بدورنا للمناقشة..
نشير في الأخير إلى أن المهرجان سيفتتح بالفيلم المصري ” دكان شحاتة ” للمخرج خالد يوسف. وقد تعودنا أيضا أن تُلقى الكلمات في الافتتاح، لا تركز طبعا على المفهوم الذي اختارته إدارة المهرجان ” سينما المؤلف ” بقدر ما ستوزع الألقاب على ممثلات وممثلين لا علاقة لهم بفحوى شعار المهرجان وهويته.