الأقوى في الإمارات و… الأضعف “بحريني”

نقاد سينمائيون يرسمون مؤشر سينما الأفلام القصيرة في الخليج

حسين مرهون: المنامة

رسم متخصصون في صناعة السينما واقعاً سوداوياً لسينما الأفلام القصيرة في البحرين والخليج، ورأوا أنها سينما فقيرة تفتقد إلى الجدية والثقافة الأولية الخاصة بهذه النوعية من الأفلام. واعتبروا خلال ندوة نظمها مؤخراً نادي السينما، إحدى أقدم صالات العرض في البحرين، محاولات المخرجين البحرينيين في إطار الفيلم القصير هي الأدنى مستوى في الخليج، فيما امتدحوا في المقابل تجربة الإمارات التي رسموا لها وضعية استثنائية. وقال الناقد السينمائي حسن حداد “سنصادف تجارب سينمائية خليجية في إطار الفيلم القصير أكثر تطورا من التجارب البحرينية، وذلك لأسبقيتها في التعامل مع هذا النوع من الإنتاج السينمائي، وتوفير ثقافة خاصة به”.
 من جهته، رصد الصحافي محمد فاضل ثلاث ملاحظات قال إنها “تشكل قواسم مشتركة لمعظم التجارب الفيلمية التي تأتي في هذا الإطار والتي يتصدى لها في الغالب مخرجون شبان”. وهذه الملاحظات هي: “غياب العناية بصناعة المشهد الفيلمي” و”الافتقار لأسلوب في توضيب الحوارات” و”كتابة السيناريوهات بمنطق السببية” وأخيراً “الاستعاضة عن الصورة بالجمل الشارحة” بحسب ما أوضح. فيما حمل السيناريست أمين صالح على ما أسماه “تضخم الذات لدى بعض المخرجين، حيث الاعتقاد بأن المنجز بلغ درجة عالية من الإبداع الفني لمجرد اختيار فيلمه للمشاركة في أي مهرجان”. كما حمل على الأخبار الترويجية المواكبة التي يتم تمريرها إلى وسائل الإعلام، معتبراً أنها “تخرج عن نطاق الترويج الفني للفيلم إلى نطاق الدعاية الفجّة والترويج لسلع تجارية” على ما عبر. ووافقه في سياق هذه الملاحظة المخرج بسام الذوادي “البهرجة والدعاية كبيرتان.. لا أعرف لماذا؟”، لكنه بدا متريثاً في إطلاق النقد “نظراً لأن هذه التجارب تصدر عن شبان في مقتبل العمر، لذا هم بحاجة للعناية حتى يستمروا وليس تثبيطهم بالنقد القاسي”.


الناقد حسن حداد

وكان نادي السينما الذي يحتضن في الغالب تجارب الشباب في مجال الصناعة الفيلمية والتي تنأى عنها في الغالب الشاشات التجارية الشهيرة لعدم مردوديتها المادية، قد خصص إحدى فقرات برنامجه الذي يدأب على تنظيمه منذ سنوات كل أسبوع لندوة تحت عنوان “ثقافة الفيلم القصير”.
وقال حداد في سياق تشخيص الوضعية التي يحتلها الفيلم القصير في الساحة السينمائية “عليه أن يعيش حالة من الظلم المبرر موضوعيا، باعتباره محجوباً عن الجمهور العريض فيما الفيلم الطويل يملأ صالات العرض في كل مكان في الدنيا”. وأضاف “هذا الظلم جاء نتيجة طبيعية لسيطرة الفيلم الطويل على الساحة السينمائية وبالتالي على دور العرض العامة مما جعل جمهوره في نطاق النخبة من المثقفين المتابعين”.
ويعتبر حسن حداد من الأوجه المتخصصة في مجال النقد السينمائي. وفي رصيد مؤلفاته: “ثنائية القهر والتمرد في أفلام المخرج عاطف الطيب” العام 2000 و”محمد خان.. سينما الشخصيات والتفاصيل الصغيرة” 2006. كما يدير موقعاً إلكترونيا تحت اسم “سينماتك حداد”.
ورأى بهذا الصدد “نتيجة لذلك أصبحت ثقافة الفيلم القصير لدى الجمهور العريض قاصرة بل فقد القدرة على التعامل مع هذا  النوع من الأفلام السينمائية” مستدركاً “حتى أن الغالبية يعتبرون الأفلام القصيرة هي مرحلة تدريب للمخرجين حتى يتمكنوا من إخراج أفلاما طويلة فيما بعد” وفق ما عبر.
وفي سياق النقد الذي يمكن أن يوجه لمحاولات المخرجين الشبان، أوضح “الصورة والدراما التلفزيونيان طاغيان بشكل مخيف على الصناعة الفيلمية. فيما التمثيل فيه كم كبير من التكلف”. وأضاف “لايوجد تعامل جيد مع الممثل وهلة بروزه أمام الكاميرا، في حين أن الحوارات تستبطن قدراً كبيراً من الرغي” وفق العبارة التي استخدمها.


الروائي والسينارست أمين صالح

وتابع زميله فاضل  “أسلوب كتابة الحوارات يحتاج إلى كثير من التطوير، فهو أقرب للغة اليومية في الصحافة. في حين أن بعض الجمل يتم صوغها على شكل كليشيه”. وأردف بشأن ملاحظة أخرى “ليس هناك رؤية تستند إلى المخيلة في توضيب المشاهد. اللهم عدا المشهد الأولي للفيلم”.
في سياق آخر، دعا حداد المخرجين التوجه إلى ما أسماه “السينما الفنية” وعدم “مجاراة السينما السائدة” بما فيها “تلك الشعبية التي نشاهدها تملأ دور العرض عندنا “. وفي تعريف السينما الفنية قال “التي تعتمد على نواحي إبداعية خلاقة.. تسعى لرفع مستوى التلقي لدى المتفرج والاستحواذ على اهتمامه”.
في التعقيب، سجل صالح اختلافاً ضافياً مع سلفه في إطار التفريق المعقود بين “الصورة في الدراما” و”الصورة السينمائية”. وقال “هذا أسهل النقد. لا أجد فرقاً بين أي من الصورتين”. وأضاف متسائلاً “ما هي الصورة الدرامية وفيم تفترق عن تلك الفيلمية؟ أرجو توضيح هذا اللبس حتى لا نلقي الأحكام جزافاً”.  وتابع “أغلب العاملين عندنا على صناعة الأفلام اليوم لم يذهبوا إلى استوديوهات التلفزيون في حين أن مرجع هذا التوصيف السهل إلى الكاميرا الديجيتال”. ورأى “دعونا لا نتوقف كثيراً عند هذه الملاحظة البشعة التي لا تستند إلى أساس فكأن التلفزيون عدو” مضيفاً “نجد في السينما العالمية مخرجين كبار اشتغلوا بواسطة كاميرا الديجيتال على الصورة التلفزيونية ونجحوا” مشيراً  من قبيل التمثيل إلى فيلم “الساعات” للمخرج ستيفن دالدري.
كما انتقد في سياق آخر نوعية اقتراب المحاضر من اصطلاح “السينما الفنية”. وقال “السينما الفنية art movie ليست مصطلحاً بل هي تعبير غير دقيق لنوعية معينة من الأفلام لا يقبل عليها الجمهور العام رغم أهميتها وجدّتها في الأسلوب والمعالجة”. وأضاف “ضمن هذا المفهوم تندرج كل الأفلام الطموحة فنياً، والتي ترغب أن تصل إلى الجمهور العريض عبر شبكات الإنتاج والتوزيع ذاتها. وهي أحياناً تصل إلى الجمهور وتحقق إيرادات عالية، كما الحال مع أي فيلم تقليدي تجاري”. ليخلص من ذلك إلى القول “الفوارق ليست حادة بحيث تشكّل توجهات مضادة، أو تمايزات قابلة للإدراك ومن ثم التقييم” بحسب تعبيره.
وأمين صالح روائي وأحد كتاب السيناريو المبرزين. نشر وترجم عدداً من الإصدارات في إطار النقد والإخراج السينمائي، وكان آخرها كتاب “عالم ثيو أنجيلوبولوس السينمائي، براءة التحديقة الأولى” الذي وجد الطريق إلى منافذ البيع في ظرف الأسبوع الماضي.


إعلان