عرّاب “سينما المؤلف” يعود على خطى بداياته
مارتن سكورسيزي يستعيد عمله الأول “من ذا الذي يطرق بابي؟”
عثمان تزغارت
من “سائق التاكسي” (“السعفة الذهبية” ـ كان ـ 1976) إلى Raging Bull (أوسكار أحسن ممثل لروبرت دونيرو ـ 1980)، ومن “لون الفلوس” (أوسكار أحسن ممثل للراحل بول نيومان) إلى The departed (أوسكار أحسن مخرج وأحسن فيلم ـ 2006).. تكرّس اسم مارتن سكورسيزي ضمن كبار صناع الفن السابع. ورغم ارتباطه بهوليود منذ مطلع السبعينات، إلى أنه ظل وفيا لـ “سينما المؤلف” التي خرج من معطفها، حيث شهد إلى بداياته إلى جانب رائد “السينما المستقلة” الأمريكية، جون كاسافيتش، وأنجز خلال النصف الثاني من الستينات عددا من الأفلام القصيرة والمتوسطة، التي حملت بصمات تأثيرية واضحة من “الموجة الجديدة” الفرنسية (ما يزال يعتبر فرانسوا تريفو مثله الأعلى في السينما).
التحق سكورسيزي باستوديوهات “وارنر” الهوليودية، حيث عمل في مجال المونتاج لمدة أربع سنوات. وفي العام 1974، اكتشف فرانسيس فورد كوبولا (قبل طلاقه مع “وارنر”) مواهب هذا الشاب الأمريكي ـ الإيطالي القادم من حي “برونكس”، فأتاح له الفرصة لإخراج عمله الهوليودي الأول “أوليس لم تعد هنا”، الذي جعله يقفز إلى الواجهة دفعة واحدة (نالت عنه النجمة إلين بورشتاين أوسكار أحسن ممثلة ـ 1974). مما جعل غالبية النقاد يعتبرون ذلك العمل بمثابة فيلمه الروائي الأول. لكن صاحب “نيويورك.. نيويورك”، كان قد أخرج، سنة 1969، أي قبل عام واحد من وصوله إلى هوليود، فيلما روائيا آخر يعود إلى “المرحلة الفرنسية” التي شهدت بداياته إلى جانب كاسافيتس، يحمل عنوان “من ذا الذي يطرق بابي؟”
وقد قرّر سكورسيزي، الذي يرأس “مؤسسة السينما العالمية”، التي تعنى بترميم الأفلام القديمة، ترميم عمله الأول المغمور هذا، وطرحه مجدّدا في قاعات العرض العالمية، هذا الصيف، في مناسبة مرور أربعين سنة على إنجازه. يحمل هذا الفيلم الأول كل مقوّمات العوالم السينمائية السكورسيزية (مجرمون نبلاء وبالغي الأناقة في أحياء نيويورك الإيطالية، تيمات العنف والتدين والإحساس بالذنب، وبصمات المونتيرة تيلما شومانشر، التي تتولى مونتاج كافة أفلامه…).
![]() |
حاملا الأوسكار |
استغرق إنجاز الفيلم 5 سنوات كاملة. سنتان لكتابة القصة، وسنة ثالثة لإخراج صيغة أولية منه كفيلم دراسي تخرّج به سكورسيزي من جامعة نيويورك، سنة 1967، بعنوان “أنا الذي اتصلت أولا”. وقد حملت تلك الصيغة الأولية من الفيلم بصمات “الموجة الجديدة” الفرنسية، وخاصة لجهة إسقاط السيناريو وإفساح المجال للعفوية والارتجال، وقد كان شبيها إلى حد كبير بفيلم “ظلال” لأستاذه جون كاسافيتش. لكن الفيلم لم يجد موزعا، مما دفع بسكورسيزي إلى إنجاز صيغة معدّلة منه، أقحم فيها قصة حب ساخنة بين النجمة زينا بيتون وهارفي كيتل، الذي أدى بذلك أول دور له على الشاشة، ليبقى حاضرا في كافة أفلام سكورسيزي فيما بعد.
مرة أخرى، عزف الموزّعون عن هذا الفيلم، الذي كان واضحا أنه جاء سابقا لزمانه. إلى أن تحققت المعجزة، سنة 1969، حيث عثر سكورسيزي على موزّع قبل بتبني الفيلم. لكن الأخير كان متخصصا في توزيع أفلام الإثارة الجنسية، فاشترط أن يُضاف إلى الفيلم مشهد جنسي ساخن. ووافق سكورسيزي، بلا تردد، وصوّر مشهدا جنسيا مثيرا لكنه حمّله جماليات فنية آسرة يقول أنه استوحاها من عوالم السينمائي الكبير مايكل أنجلو أنطونيويني.
بالرغم من كل ذلك، لم يلق الفيلم عند طرحه في القاعات أي رواج أو صدى نقدي. ولم يشأ سكورسيزي إدخال أي تعديل على نسخته المرمّمة، واختار أن يضع في متناول الجمهور، اليوم، نسخة مطابقة تماما لتلك التي عزف عن مشاهدتها سنة 1969… ?