تجربة فنية تعتمد تقنية الديجتال

فيلم وثائقي جديد يرصد تاريخ المهدية ويبنيها من جديد بطريقة 3D

تونس.كمال الرياحي

انتهى المخرج التونسي الشاب أحمد الدوس من تصويره فيلمه الوثائقي القصير “المهدية… تخليدا لعاصمة “…والذي يرصد تاريخ مدينة المهدية وراهنها.معتمدا في قسم كبير منه على  تقنية ثلاثي الأبعاد 3D إلى جانب التصوير بالكاميرا. قرأ نصه الصحفي التونسي جميل الدخلاوي ويبدو أن هذا الفيلم يفتح مسلكا جديدا للأفلام الوثائقية في تونس وخاصة منها التاريخية .التقت الجزيرة الوثائقية المخرج وشاهدت الفيلم واطلعت على هذه التجربة السينمائية الجديدة في تونس وسألته عن فكرة المشروع وآفاقه .فأجاب المخرج :”نشأت فكرة إنتاج شريط وثائقي حول مدينة المهدية حين زرت هذه المدينة صحبة عدد من أصدقائي وحين تجولنا في المدينة لم نلاحظ أن للمهدية أسوارا كانت تحيط بها. ولم نلحظ ذلك إلا حين دخولنا للمتحف حيث علق رسم للمهدية يجسد المدينة في القرن العاشر ميلادي. أثار الرسم فضولنا لاكتشاف تاريخ المدينة التي تلقب بعاصمة الفاطميين، و باستثناء هذه المعلومة لم نكن نعلم الكثير عن تاريخ هذه المدينة. وفي أثناء تجوالنا في المتحف تعرفنا على أهم الفترات التي مرت بها المدينة و المكانة التي كانت تحظى بها على المستوى المتوسطي. حيث أن مدينتي قرطاج و القيروان تحضا بقسط من الدعاية والكل يعرف أنهما مثلتا في وقت من الأوقات عاصمة لدولة شاسعة، ورغم أن المهدية كانت عاصمة لكامل شمال إفريقيا و صقلية إلا أنها لا تحظى باهتمام إعلامي متكافئ. وقد أدهشتنا هذه المعلومات وأردنا أن نشارك العالم تاريخ هذه المدينة التي ظلت منسية لقرون.

اثناء الاعداد للفيلم

وقد ذكر لنا المخرج أن عملية انتاج الفيلم مرت بمراحل كثيرة والتي انطلقت بمرحلة الأولى: تمثلت في دراسة معمقة لتاريخ المهدية و ذلك عبر الإطلاع على الكتب التاريخية الموجودة في تونس و الالتقاء بعدد من المؤرخين المتخصصين في تاريخ المهدية. وقد قررنا كتابة النص بأنفسنا وذلك نظرا لأن لكل مؤرخ إيديولوجيته الخاصة و معلوماته التي تتضارب مع بعض الروايات التاريخية لمؤرخين آخرين كما أن معظم المؤرخين لا يقدمون أدلة و لا تفاسير على المعلومات والاستنتاجات التي يقدمونها.
أما عن المرحلة الثانية فيقول المخرج أنها خاصة بكتابة السيناريو يقول: دامت كتابة النص والسيناريو للفيلم الوثائقي الذي أردناه أن يدوم 52 دقيقة قرابة السنة بالإعتماد على المراجع و المخطوطات و المؤرخين، محاولين التثبت من كل المعلومات. إثر اكتمال البحث التاريخي تمكنا من اكتساب قدر كبير من المعلومات التاريخية مكنتنا من التحقق من كل المعلومات المذكورة. و قد حرصنا خلال كتابة السيناريو على الجمع بين تاريخ المهدية و تاريخ تونس بصفة عامة و جزء من التاريخ الإسلامي.
وانطلق المخرج بعد ذلك في البحث عن تمويل  دون جدوى مما اضطره إلى إنتاج شريط قصير للمهدية يلخص فيه أهم مراحل تاريخ المدينة في 5 دقائق ليكون دليلا على مقدراته الفنية و التقنية.وانطلقت عملية إنتاج الشريط القصير أوائل شهر جويلية 2008 و لم ينته منه إلا أواخر شهر مارس 2009 أي 9 أشهر من العمل، تعاقب خلالها عدد كبير من التقنيين على العمل ثلاثي الأبعاد.
وبعد أن أنجز الشريط يبحث المخرج عن سوق لهذا الفيلم و عن موارد جديدة لتمويل الشريط الأصلي.
وعن سؤال الجزيرة لوثائقية عن قيمة الشريط والأهداف التي خطط لها المخرج قبل أن يقدم على إنتاجه وإخراجه أجاب :”للشريط بعد توثيقي هام حيث أن المهدية تفتقر للعديد من الرسومات والـمشاهد التي تعيد تجسيد المدينة، و هو الشيء الذي تتمتع به عديد المدن التاريخية. ومما يزيد من ضرورة وجود مثل هذه الرسومات للمهدية هو تغيّر شكلها عبر الزمن عبر فقدان أهم ما كان يميزها (الأسوار، باب الفتوح، قصرا الخليفة و ولي العهد، المنارة، دار الصناعة…) لذا فإن إعادة بناء المدينة بطريقة الـ3D يسمح برؤية المدينة كما كانت على حالتها الأولى (أي عند التأسيس). تمّت إعادة بناء المهدية انطلاقا من الخرائط و الرسومات التاريخية باستثناء دار صناعة السفن التي أعيد بنائها انطلاقا من كتاب للمؤرخ مراد رماح الذي قدم لنا يد العون و لم يبخل علينا بالمعلومات التي طلبناها منه. و يعد هذا العمل أول تجسيد كامل لمدينة المهدية الفاطمية بكلّ مكوناتها كما كانت في أوج ازدهارها.
كما أكّد المخرج على البعد التعليمي للشريط فهو ،حسب رأيه،يسمح للمشاهد أيّـا كان عمره ومستواه التعليمي من أخذ بسطة لتاريخ المهدية و هو ما ينمي الإحساس بالانتماء. كما أن إعادة بناء المهدية تسمح للمشاهد أن يخزن في ذاكرته المرئية والسمعية صورا ومعلومات للمدينة، وهو ما يميز هذا الشريط حيث أن الـمُشاهد اعتاد على مشاهدة أشرطة وثائقية تاريخية تظهر بقايا قصر مثلا و يكون التعليق الموازي للمشهد يصف القصر عندما كان مبنيا، و هو ما يحد من إمكانية تخزين المعلومات.
وسأل مراسل الجزيرة المخرج عن ظاهرة 3D وهل هي الموضة الجديدة للمخرجين ام هي لغة السينما المعاصرة خاصة أن أفلام عالمية وهوليودية أصبحت تستعين بهذه التقنية المتطوّرة حدّثنا المخرج:” تعتبر هذه التقنيات بمثابة فرصة للمخرجين لإنجاز بعض المشاهد التي لا يمكن تصويرها (مركبات فضائية، تدمير بنايات، انشقاق الأرض) أو كلفة تصويرها مرتفعة جدا (التصوير في مدن تاريخية وهي على حالتها الأولى) لذا يلتجئ المخرجون إلى استعمال هذه التقنيات للتمكن من تصوير المشاهد الخيالية أو لتوفير كلفة بناء ديكور ضخم يكلف الكثير. ويعود عدم استعمال هذه التقنيات في الوطن العربي لسببين: السبب الأول هو أن كتّاب السيناريو لا يدرجون مشاهد ثلاثية الأبعاد في سيناريوهاتهم و إن عجز بعض المخرجون في تصوير بعض المشاهد فهم إما يلغونها أو ينجزونها بطريقة مبسطة، و يرجع هذا إلى أن أغلب المخرجين و الكتاب ليست لديهم دراية بالمتطلبات التقنية. والسبب الثاني هو عدم توفر معاهد خاصة بتدريس هذه التقنيات مما يجعل تعلم هذه البرامج المعقدة أمرا شاقا، لذا فإن عددا قليلا من الشباب يتمكنون من إتقان هذه التقنيات. 

ملصق الفيلم

 
وعن الفيلم الأصلي والطويل الذي خطط له سألناه أن كان هو من سيخرجه فأجاب:”
كوني أخرجت هذا الشريط لا يعني أني سأخرج الشريط الطويل للمهدية و ذلك لأن الإنتاج و الإخراج عملان متكاملان ولكنهما مختلفان وعليّ أن أختار إما الإنتاج أو الإخراج. و إن شاء الله إذا تمّ تصوير الفيلم الطويل، بكل صراحة أنا لا أنوي إخراجه بل سأوكل هذه المهمة لمخرج سينمائي شاب كان له دور هام في إنجاز الشريط القصير. ويعود هذا الخيار ليقيني من أن التكوين الجامعي يساعد كثيرا على التعامل مع متغيرات وظروف الإنتاج دون إنقاص مستوى اللغة السينمائية المقدّمة.
وقد بدأت الشركة في أنتاج فيلم عن القائد حنّبعل بطريقة الثلاثي الأبعاد وقد أنجز من الفيلم قسما كبيرا حضر مراسل الجزيرة الوثائقية بعض مشاهده.  يوقد اخبرنا المخرج أن الشركة بصدد الإعداد لسلسلة من الأشرطة الوثائقية القصيرة لعدد من المدن العربية التاريخية (القدس، قرطاج، دمشق…)  و تسعى للتعاقد مع بعض القنوات لتمويل هذه السلسلة.
ويعتبر المخرج الشاب أن  إخراج هذا الشريط تجربة فريدة من نوعها بالنسبة إليه شخصيا، فبالإضافة لما اكتسبه من قدرات فنية وتقنية، ساهمت الدراسة التاريخية للسلسة الأشرطة الوثائقية حول المدن العربية و الزيارات لها، في تنمية الإحساس بالانتماء و تحديد هويته وتعميقها.
أحمد الدوس مخرج تونسي شاب (28 سنة) درس التجارة الدولية وبعث شركة زيتون للإنتاج التي يديرها منذ سنة 2005 و مقرها مدينة سوسة.وهي شركة للإنتاج السمعي البصري تعتمد في جزء من نشاطها على تقنيات (3D، compositing) .


إعلان