سينما موجزة ينقصها التقدير
طهران – فاطمة الصمادي
رغم الإختلاف بشأنه من حيث التعريف والتأثير، إلا أن “الفيلم القصير” صاحب حضور قوي في إيران ، وإن كان بعض المخرجين يرى فيه “تمرينا لصناعة الفيلم الطويل” فإن أصحابه ومحبيه لايعجبهم هذا الرأي ويرفضون تصنيفه على أنه “ورشة تدريبية ” لتطوير إدوات الإخراج السينمائي إذ أن كثيرا من المخرجين الكبار وبعد سجل حافل بأفلام سينمائية طويلة لايجدون حرجا في إخراج هذه النوع . ويرى صانعوه أن الفيلم القصير فن سينمائي قائم بذاته،يحمل مكوّناته وعناصره الخاصة ، وليس إبنا شرعيا أوغير شرعي لغيره من الفنون السينمائية .و صناعته ليست عجزا عن إبداع الفيلم الطويل ، وإن كانت تكاليف العمل السينمائي الباهظة هي التي تدفع مخرجين في بلد مثل إيران لتوظيف طاقاتهم في هذا الفن. ويعرف الفلم القصير بأنه نوع من أتواع الفيلم السينمائي يتميز بقصر وقته الذي يتراوح بحسب التصنيفات من دقيقة إلى 59 دقيقة، وتشبه علاقته بالفيلم الطويل بعلاقة القصة القصيرة بالرواية في عالم الأدب.
الفيلم الإيراني القصير: محروم من العرض والنقد الجاد والمهرجانات فرصته الوحيدة
لاثبات الوجود
![]() |
من فيلم الحياة في القمر |
مؤثر ولكن
ويرى الناقد السينمائي حسن معظمي أن “الفيلم القصير” أو بتعبير آخر “السينما القصيرة” وبسبب بنائها الروائي تعد الأكثر نفوذا في مجال التصوير السينمائي، فالمخرج عليه أن يقدم فكرته ويوصلها إلى المخاطب في أقصر زمن ممكن. وهو مابجعلها شديدة التأثير في مجال صناعة السينما عالميا. وهو مايفسر اقدام دول مشهورة في سينمائيا بانتاج هذا النوع من الأفلام والإستثمار فيه . وتعتبرة الكثير من الدول وسيلة لنشر لغتها وثقافتها في العالم. ويضيف معظمي أن إيران لديها الكثير من المخرجين الشباب المميزين على هذا الصعيد، وتقديم الدعم لهم يبشر بمكانة مرموقة عالميا على صعيد الفيلم الوثائقي والقصير.
راية للفكر المستنير
وفي السياق ذاته يشير الناقد زاون قوكاسيان إلى أن الأفلام الوثائقية والقصيرة في إيران تحمل راية الأفلام التي يمكن وصفها بالراقية وذات الأبعاد الثقافية العميقة ،ويوضح قوكاسيان أن 80% من مخرجي الأفلام القصيرة لديهم الحرفية العالية لصناعة أفلام طويلة، لكن الظروف الإقتصادية وتكاليف الإنتاج تمنعهم من ذلك فيضعون موهبتهم وجهدهم في الأفلام القصيرة، ويؤكد أن هذا النوع من الأفلام يكشف بشكل أفضل من غيره قدرة وبراعة المخرج في إيصال فكرته إلى المتلقي بأبسط الوسائل والإمكانات السينمائية المتاحة.
وينتقد المخرج مسعود ده نمكي النظرة السطحية والمبسطة للفيلم القصيرة، ويشير إلى أن بساطة هذا النوع من الأفلام ظاهرية فقط، لكنه على أرض الواقع أعقد من صناعة فيلم طويل، لأنه يقوم على البراعة في إيصال المفهوم في أقصر فرصة، ويرى أن مخرجا لايملك القدرة على الإيجاز لن يكون موفقا في صناعة فيلم قصير.
![]() |
مؤسسة الفيلم القصير الإيرانية |
محروم من العرض العام
ومن وجهة نظر الناقدة نزهت بادي فالفيلم القصير في ايران يعاني من مشكلات عدة في مقدمتها عدم تقديم الدعم المالي ، وهي المشكلة الكبرى التي تواجه المخرجين الشباب على وجه التحديد، وهو مايدفعهم غالبا الى صناعة افلامهم بإمكاناتهم المالية الخاصة وهي محدودة في الأغلب .
ويحرم الفيلم القصير من العرض العام في دور السينما، و تعد المهرجانات الداخلية والخارجية الفرصة الوحيدة للعرض وهو مايجعل المهرجانات حدثا في غاية الأهمية للمخرجين وطريقهم الوحيد لإثبات وجودهم على الساحة السينمائية، وسلبية ذلك من وجهة نظر بادي أنه يجعل المخرجين يصنعون أفلاما مخصصة للمهرجانات، ويخضعون لشروطها، فضلا عن مشكلات التحكيم وآليات منح الجوائز .
وتضيف بادي أن عدم التعامل بجدية مع الفيلم القصير يطال ساحة النقد أيضا، ويبدو مكان النقد الجدي والعميق له في المطبوعات والصحف خاليا، وتقتصر تغطيات المجلات المتخصصة على المناسبات وفعاليات المهرجانات على وجه التحديد. ومن النادر أن نجد ناقدا متخصصا في الأفلام القصيرة. ولذلك يغيب تأثير النقد في مجال منح الجوائز.
![]() |
فيلم هذه الطرق لانجد نهايتها |
ويعمق من المشكلة الإحترام الذي لايلقاه مخرجو الأفلام القصيرة مقارنة بمخرجي الأفلام الطويلة ، ويبقى المخرج خارج دائرة التقدير إلى أن يلتحق بمخرجي النوع الثاني.
ويعود تاريخ الفيلم القصير في إيران إلى أواخر العقد الرابع من القرن العشرين ، وشهد الفيلم القصير رونقا مع تأسيس التلفزيون الإيراني عام 1965 ، وحمل أول فيلم قصصي قصير انتجه التلفزيون اسم الشارع”خيابان”، وأخرجه هجير داريوش عام 1966. ولعب تأسيس مركز التنمية الفكرية للشباب والصغار عام 1968 دورا كبيرا في تشجيع هذه الأفلام.
وشهد العام الذي حدثت فيه الثورة الإسلامية (1979) انتاج عدد كبير من الأفلام القصيرة ذات الصبغة الخبرية، وشهدت السنوات العشر الأولى من عمر الثورة انتاج 300 فيلم قصير. وكان لتأسيس مؤسسة سينما الشباب أثره في دعم العديد من المخرجين الشباب الذين قدموا أفلاما قصيرة مميزة.
وبدأ الجيل الأول من مخرجي الأفلام القصيرة عملهم بعد الثورة باستخدام “كاميرا 8 ميليمتر”، ثم ما لبثت أن أقصي هذا النوع من العمل بفعل مايمكن وصفه بهجمة الفيديو في ثمانينيات القرن العشرين،وعندما حل الفيديو محل ال”نجاتيف” بدأ الكثيرون من الهواة في صناعة الأفلام القصيرة وهو مامهد لنشوء مايسمي بسينما “تحت الأرض” أو سينما الخفاء في إيران ليبدأ فيما بعد الحديث عن أفلام ما”بعد الحداثة” وجاءت متأثرة بصورة كبيرة بالأدب القصير أو مايسمي ب”الميني مال” وهو نوع من (الأدب) يجد رواجا كبيرا في المدونات على شبكة الإنترنت.
ألعب سينما ولا أصنعها
ويدعو المخرج شهرام مكري الذي لايحب أن يخاطب بصانع السينما ويفضل بدل من ذلك لقب “لاعب السينما”، المخرجين الشباب إلى عدم الخوف من التجربة ، وضرورة اختراق الحدود وصناعة أفلام تخاطب العالم وتحضر في المهرجانات العالمية المهمة، ويشير أن مخاطبي الفيلم القصير اليوم يشاهدونها من خلال شبكة الإنترنت ويحملون الأفلام التي يرغبون فيها من خلال هذه الشبكة.
ورغم أن مكري بدأ بإخراج الأفلام الطويلة إلا أنه يؤكد أنه سيستمر في انتاج الأفلام القصيرة دون توقف، ويؤكد أنه يتعامل بجدية أكبر معها ويصفها بأنها ذات توجهات فكرة مستنيرة بشكل أكبر مما تحمله الأفلام الطويلة. ومن أفلامة القصيرة التي حصدت جوائز داخلية وخارجية فيلم “طوفان سنجاقك ها” ، طوفان اليعاسيب ، والدائرة المحدودة.
![]() |
ملصقات افلام ايرانية |