“درس في التاريخ” بين يدي السياسيين في لبنان
الطائفية في لبنان واقع موضوعي وإيديولوجي وسياسي متغلغل في شتى نواحي المجتمع. ورغم أن الخطاب الرسمي اللبناني سواء خطاب السلطة أو المعارضة يناهض الطائفية فإن الممارسة السياسية لإدارة الصراع في لبنان تأخذ لبوسا طائفيا.
ويمكن اعتبار الطائفية السياسية أمرا متوقعا ومفهوما في دولة يحتوي نسيجها الاجتماعي على حوالي 18 طائفة ومرت بحروب وأزمات متعددة تسببت فيها أجيال لا زال أغلب رموزها يدير دفة السياسة. ولكن الخطير في الموضوع أن يتسرب خطر الطائفية إلى الوعي العادي واليومي ولا سيما عقل الطفل الذي هو مستقبل البلد.
الفيلم الوثائقي الذي أنتجته الجزيرة الوثائقية وأخرجه هادي زكاك “درس في التاريخ” دق ناقوس الخطر. فقد عبر زكاك من منظور المخرج والمبدع والمثقف المكتوي بنيران الحرب الأهلية، عن أحد أصول تكون الفكر الطائفي في الثقافة اللبنانية. وكانت المدرسة من المؤسسات المهمة التي أحدق بها خطر الطائفية فصارت المدرسة في أحد أوجهها تلعب دورا خطيرا لإعادة إنتاج الطائفية.
هذا الفيلم أثار ضجة لدى الجمهور اللبناني مثقفين وسياسيين. وبذلك حقق غايته المتمثلة في تنبيه المجتمع بأسره من المدى الذي وصل إليه خطر الطائفية عبر طرح القضية بأسلوب واقعي وحقيقي ومن منظور ثقافي تربوي وترك الساحة للسياسيين والمثقفين وكل المهتمين بالشأن العام للتحرك والتفكير بهدوء في ما عرضه الفيلم من صخب هادئ حول الطائفية.
وفعلا لقي الفيلم استجابة رسمية من أهم وجوه السياسة وممثل السلطة التشريعية في لبنان رئيس مجلس النواب السيد نبيه بري. فقد أطلق مشروعا يهدف إلى القضاء على الطائفية في لبنان. وهو مشروع موجه إلى جميع الأطراف الفاعلة في المجتمع.
![]() |
بري يدخل المؤتمر الصحفي وبين يديه نسخ من الفيلم
لم تكن حجة بري في المؤتمر الصحفي الذي عقده للغرض نتائج الحرب الأهلية ولا الاصطفاف الطائفي الحالي ولا الأحداث الدامية بين بعض الأطراف في السنتين الماضيتين.. كانت حجة بري فيلم “درس في التاريخ”.
وزع نبيه بري نسخا من الفيلم على الحضور ووصف نتائج الفيلم بأنها كارثة لجهة الوضع النفسي للمواطن اللبناني نظار للانعكاسات الطائفية الخطيرة.. خاصة وأن السؤال الموجه للطلاب في الفيلم كان عن استقلال لبنان. ومن المحبط أن يجيب طلاب وطن واحد بإجابات مختلفة عما يفترض أنه استقلال وطن واحد. فقد أجابوا بحسب تصور الطائفة -أو القائمين- عليها لمفهوم الاستقلال.
وقال بري في مؤتمره الصحفي إنه لم يكن يعلم بوجود هذا الفيلم رغم أنه أنتج في نيسان 2009 وتوجه بالشكر إلى الجزيرة التي وضعت يدها على موطن مهم من مواطن الداء. واستشهد بري أثناء حديثه بأمثلة أوردها الفيلم عن التنافر في تصور مسائل هامة وحساسة بالنسبة للطفل اللبناني كمفهوم الاستقلال أو الهوية العربية أو الرموز الوطنية والقومية. وبهذا يكون فيلم هادي زكاك قد حرك بعضا من المياه الراكدة في الحالة الطائفية اللبنانية. فهل هذا مؤشر على أن رجال السياسة في لبنان قد فهموا بجدية “درس في التاريخ” .. قبل أن تغلق مدرسته التاريخ.