غسان شميط : تصوير المدن المنسية في ثلاثين دقيقة
دمشق – فجر يعقوب
انتهى المخرج السينمائي السوري غسان شميط مؤخرا من تصوير فيلمه الوثائقي الجديد ( المدن المنسية) ، وهو من انتاج المؤسسة العامة للسينما بدمشق . قام بكتابة المادة العلمية والتوثيقية له الدكتور علي القيّم ، وأدار التصوير فيه وائل عزالدين ونائل تركماني . ويقول شميط في لقاء خاص بموقع الجزيرة الوثائقية إن ” المدن المنسية التي يقصدها بفيلمه تقع جغرافيا بين محافظات ادلب وحماة وحلب ، ويربو عددها على أكثر من سبعمائة مدينة حافظ بعضها على آثار رائعة من حيث جودة التصميمات والعمارة مثل كنيسة سمعان العمودي وكنيسة قلب لوزة والبارة وسرجيلا ، وهذه المدن كما هو معلوم بنيت مابين القرن الأول والسابع الميلاديين”. ويقول شميط في معرض تعليله اختيار هذا الاسم لفيلمه الوثائقي :” ربما كان اسمها المدن الميتة أو المندثرة ، وهي تنتظر من يعيدها إلى الذاكرة واحياؤها من جديد بغية فهم ماكان يدور في ساحاتها وشوارعها ، وهي بحاجة بالفعل إلى امكانات ضخمة للنبش بين زواياها وأرجاءها ،فهي قائمة على كنوز عمرانية هائلة ، وقد حاولنا ضمن الامكانات المتاحة العمل على ابراز العلاقة بين سكان هذه المناطق والآثار الموجودة فيها “.
ولايخشى المخرج السوري شميط من أن ياخذ الفيلم طابعا سياحيا أكثر منه وثائقيا ، وهو مايفقده الكثير من خصوصيته ويقول :” الغاية من انجاز فيلم المدن المنسية تكمن في اصابة عصفورين بحجر واحد ، فنحن حاولنا أن نكون صادقين مع الوثيقة التي عملنا عليها لكي تظل بمتناول الباحثين والمهتمين ، وفهمنا بالتالي في سياق عمليات الفيلم التصويرية أنه لأول مرة يصور فيلم عن هذه المدن ، وهذا مازاد في حماسنا ، وأعتقد جازما أن كل مدينة من هذه المدن الرائعة بحاجة لفيلم خاص بها كونها استطاعت أن تحفظ الكثير من أسرارها وأوابدها ومعالمها ، والأهم برأيي أنها أبقت على ملامح أهلها ، ولم يضيعوا في الزمن كما سبق وحصل للكثير من سكان المدن المندثرة ، وفي جولة واحدة فيها يمكن الكشف عن الكثير من معاصر الزيت والعنب المتقدمة التي كان يتمتع بها آهلو هذه المدن المنسية ” . وينفي شميط أن يكون فيلمه الوثائقي الجديد ويقع في ثلاثين دقيقة وصور بتقنية HD بمثابة استراحة اضطرارية في الطريق إلى فيلمه الروائي الطويل الرابع ( الشراع والعاصفة ) الذي يحضر له الآن ويقول :” لاأريد أن أحمل الواقع السينمائي السوري ماهو فوق طاقته ، ولكن الحقيقة أن هناك مخرجون زملاء لايعملون إلا فيلما روائيا أو وثائقيا لأسباب تخصهم وتخص واقع الانتاج السينمائي السوري ، وأنا على العكس منهم تماما ، فمنذ بداية عملي في المؤسسة العامة للسينما أنجزت حتى اللحظة ثلاثة أفلام روائية طويلة واثنا عشر فيلما وثائقيا نال بعضها جوائز في صفاقس ودمشق ، والسبب في ذلك يعود بالطبع إلى الامكانات الانتاجية الموجودة عندنا ، وأنا حتى لاأنتظر دوري كي أقدم فيلما روائيا طويلا أنجز بين الفيلم والفيلم فيلمين وثائقيين “. ويقول شميط في معرض توصيفه للدراما الفيلمية في المدن المنسية وامكان القبض عليها إن ” الدراما في هذا العمل تجدها في الانسان وحضارته التي لايمكن أن تمحوها الأيام ، فنحن حاولنا أن نؤكد من خلال الناس الذين يعيشون في هذه المدن وبين الملامح التي يتسمون بها أنهم قادرون على تحدي تشظيات الزمن “. وعن حظوظ عرض الفيلم يقول غسان شميط :” من المؤكد أنه سيعرض في الصالات السينمائية قبل عرض الفيلم الروائي الطويل كما جرت العادة في سورية ، ومن الممكن أن يتم توزيعه على السفارات السورية في مختلف الدول ، فهذه الأوابد الأثرية المنسية مسجلة لدى اليونسكو على أنها لقى ثقافية عالمية تنتمي بقوة للحضارة الانسانية “. وعما اذا كان المخرج شميط يعود بإجابته هذه إلى المربع الأول المتعلق ب” سياحية “ما في الفيلم يقول :” هذا الفيلم يغطي شمولية من حيث تقديم الأفكار المتعلقة بحضارة المنطقة وهو وثيقة دائمة للأجيال لايمكن التنازل عنها وفق المنطق الذي ترمي إليه بسؤالك ، فتصوير هذه المدن الرائعة لايعني بأي حال من الأحوال سياحة توثيقية من أي نوع “.
![]() |
من التحضيرات لفيلم الشراع |
يذكر أن المخرج السوري غسان شميط من خريجي أوكرانيا ، إحدى جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق عام 1982 ، وقد أنجز حتى اللحظة ثلاثة أفلام روائية طويلة ( شيء ما يحترق – الطحين الأسود – الهوية ) ونال جوائز مختلفة عن بعضها ، أهمها الجائزة الكبرى لمهرجان تطوان 2008 عن فيلم ( الهوية ) ، وهو يقوم حاليا باستطلاع أمكنة تصوير فيلمه الروائي الطويل الرابع ( الشراع والعاصفة ) عن رواية بالاسم نفسه لمواطنه الروائي السوري حنا مينة ، وسيدير التصوير في فيلمه الجديد كما هو متوقع المصور الأوكراني سرغي ميخالتشوك ، الذي سبق له وتعاون معه في فيلم ( الهوية ).