مهرجان القارات الثلاث: نموذجٌ للاحتفاء، والاحتذاء
صلاح سرميني ـ باريس
وُفق النبذة التاريخية المُتوفرة في الموقع المُتميّز لمهرجان القارات الثلاث في نانت (فرنسا)، نعرف بأنّ الجمعية تأسّست في 7 مايو عام 1982 تحت العنوان الأصلي “مهرجان القارات الثلاث”(الذي أسّسه الأخويّن فيليب، وآلان جلادو، وانطلقت دورته الأولى عام 1979)، ومن ثمّ تخيّرت اسم “جمعية القارات الثلاث”.
كان هدفها، وما يزال، تنظيم تظاهرة سينمائية دولية، وتحقيق نشاطاتٍ ثقافية مُتعلقة بالسينما، أو تظاهراتٍ سينمائية أخرى بهدف التعريف بثقافات، وفناني أفريقيا، أمريكا السوداء، أمريكا اللاتينية، وآسيا.
ومنذ سنواتٍ عديدة، لم تعد الجمعية مخصصة حصراً لتنظيم المهرجان الذي يُعتبر الحدث الأساسي، والنشاط الأكثر جذباً، ولكن أيضاً:
بدءاً من عام 2000، بدأت بتنظيم دوراتٍ تدريبية خلال فترة انعقاد المهرجان تحت عنوان “إنتاج الجنوب”، تتمحور حول الإنتاج المُشترك، ومنذ عام 2004 امتدت إلى خارج فرنسا بالتعاون مع مهرجاناتٍ دولية أخرى.
ومع عام 2005 تتولى مسئولية متابعة المُحترفين، والضيوف في “خيمة سينمات العالم” ـ “سينمات الجنوب” سابقاً ـ خلال مهرجان كان، وسوق الفيلم، وذلك بالتعاون مع وزارة العلاقات الخارجية، والأوروبية حتى عام 2008، ومع) (Culturesfrance بدءاً من عام 2009.
وفي عام 2006 تهتم بإدارة، وتنسيق “صندوق دعم إنتاج الأفلام القصيرة في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء”.
ومنذ عام 2007 تساهم مع “الهيئة الأوروبية” في “بروكسل” بإنشاء صناديق دعمٍ مخصصة للبلدان الأفريقية، جزر الكاريبي، والمحيط الهادي.
وطوال العام، تشارك في برمجة أحداثٍ تقدم من خلالها أفلام الجنوب، وتدعو السينمائييّن مواطني هذه البلدان، أو تتعاون مع محاضرين لشرح المشاكل، والعقبات التي تتعرض لها هذه السينمات اليوم.
من جهةٍ أخرى، تقود نشاطاتٍ تعريفية للجمهور، وبشكلٍ خاص، تلاميذ المدارس، وذويّ الاحتياجات الخاصة، وتهتم بعرض الأفلام في مدنٍ، وقرى قريبة من “نانت”.
***
وعلى الرغم من متابعتي القليلة لهذا المهرجان، حيث ينعقدُ في فترةٍ مشحونة جداً بالمهرجانات السينمائية العربية، ويتقاطع مع مواعيدها، إلاّ أنّ أهميته (كما مهرجاناتٍ متخصصة كثيرة) تجعلني أتابعُ عن بعدٍ البرمجة الثرية لدوراته الماضية، والتي تتضمّن عادةً مُسابقةً رسمية للأفلام الطويلة، والتسجيلية، وأفلاماً خارجها، وعروضاً خاصة، ولكن ما يُثير انتباهي حقاً في هذا المهرجان، وأيّ واحدٍ آخر، برامجه المُوازية/المُصاحبة التي لن نعثر عليها جزئياً، أو كلياً إلاّ في هذه المهرجانات تحديداً، وأكثر من ذلك، لن نحلم بمُشاهدتها في أيّ صالةٍ تجارية حتى لو كانت في قلب “باريس” نفسها(باستثناء بعض الأفلام).
خلال مسيرته الحافلة، كرّم المهرجان عدداً كبيراً جداً من السينمائييّن:
ـ إدوارد يونغ، ناغيزا أوشيما، أكرم زعتري، ساتياجيت راي، تو دوـ شيه، عباس كياروستامي، تولوموش أوكييف، هومبيرتو ماورو،…..
واهتمّ بتنظيم برامج مُتفرّدة لا تخطر على بال منظمي المهرجانات العربية:
ـ الموجة الجديدة في الاكواتور، أفلام النوع، الأرجنتين في الأربعينيّات، باكستان البارحة واليوم، الأفلام الشعبية من الدرجة الثانية، السينما الواقعية البرازيلية فترة الخمسينيّات، تاريخ للسينما التسجيلية البرازيلية، عائلة “براشو” في السينما المكسيكية، تاريخ للسينما الأفغانية، بوليوود البارحة، واليوم، السينما الصينية من البداية وحتى الجيل الخامس، سينمات أمريكا الوسطى، أفلام الفيديو في نيجيريا، سينمات أفريقيا الناطقة بالإسبانية،…..
كما احتفى بسينماتٍ مجهولة، أو قليلة التوزيع في فرنسا :
ـ العربية السعودية، تشيكيا، تايلاند، تونس، هونغ كونغ، الصين، كوريا الجنوبية، مصر، الإكواتور، الهند، اندونيسيا، إيران، اليابان، كازاخستان، كيرغستان، لبنان، ماليزيا، مالي، المغرب، المكسيك، منغوليا، الشرق الأوسط، نيجيريا، أوزبكستان، الفيليبين، السنغال، تايوان، تركيا، أوروغواي، فيتنام.
ومنذ بدايته المُمتدة، وحتى اليوم، يكشف المهرجان عن اهتمامه المُتواصل بالسينما العربية، ويتضحُ ذلك من التكريمات، والبرامج التي أنجزها :
ـ صلاح أبو سيف (1979).
ـ سامية جمال (1984).
ـ الوجوه المُتعددة ليوسف شاهين (1985).
ـ برنامجٌ خاصّ عن سينما المغرب العربي (1989).
ـ أحمد بهاء الدين عطية(1994).
ـ تكريم ممثلتان من الأمس، واليوم : نعيمة عاكف، ويسرا (1995).
ـ نظرة على اثنين من معلمي الميلودراما المصرية : عز الدين ذو الفقار، وحسن الإمام(1997).
ـ سينمائيّو الشرق الأوسط(1999).
ـ نور الشريف (2001).
ـ تاريخ السينما المغربية(2002).
ـ عام الجزائر في نانت (2003).
ـ تاريخ السينما التونسية(2005).
ـ رمسيس مرزوق(2004).
ـ أضواء عل أفلام العربية السعودية (2006).
ـ أكرم زعتري (2007).
وفيما يتعلق بالدورة القادمة التي سوف تنعقدُ خلال الفترة من 23 وحتى 30 نوفمبر 2010، تتحددُ الخطوط العامة وُفق الأقسام التالية التي تمّ الإعلان عنها مُسبقاً:
ـ المُسابقة الرسمية (عشرة أفلامٍ روائية، وتسجيلية طويلة قادمة من أفريقيا، آسيا، وأمريكا اللاتينية تُعرضُ للمرة الأولى في فرنسا).
ـ القسم الرسميّ (دزينة من الأفلام الجديدة التي لم تحظَ بفرصة العرض في فرنسا، وأخرى من الميراث السينمائي العالمي تمّ ترميمها حديثاً).
ـ “نظرة على الجيل السادس في السينما الصينية” (أفلام طويلة روائية، وتسجيلية نادرة تُعرض لأول مرة في فرنسا، ودزينة من الأفلام لمُخرجين معروفين قليلاً)، ويسعى هذا البرنامج إلى تعميق خارطةٍ معقدة، ومتباينة لتحولات المجتمع الصيني اليوم، والسينما التي تُنجز هناك.
ـ “سياسة، وسينما”، برنامجٌ متقاطع، ودوليّ، يهتمُ بالتفكير بقدرة السينما في علاقتها مع السياسة .
ـ برنامجٌ خاصّ بالسينمائيّ الأوزبكستاني “علي خامراييف”.
ـ تكريم السينمائي السنغالي الراحل “جبريل ديوب مامبيتي”(1945-1998).
ـ بانوراما لأفضل أفلام التخرّج في السنوات الأخيرة من مدرسة (Sapir Academic College of Sderot) في إسرائيل.
![]() |
على كامريف شارلوت غارسون |
منذ تأسيسه، وحتى عام 2007 تولى “فيليب جلادو” (بمُساعدة أخيه آلان) إدارة مهرجان القارات الثلاث، ومنذ عام 2008 حلّ محله “فيليب رييّاك” الذي تتلخصُ مسيرته المهنية ـ كما وردت في موقع المهرجان، ومواقع أخرى ـ بأنه حصل على دبلوم “المدرسة العُليا للتجارة” عام 1980، وبدأ عمله في وزارة العلاقات الخارجية قسم الخدمات التجارية، الثقافية، والقنصلية، وبعد 15 سنة من العمل الدبلوماسيّ، تخيّر بأن يُخصص عشقه للسينما بإدارة القضايا الأوروبية، والدولية في “المركز الوطني للسينما”، ومن ثم باقترابه من الفرق التنظيمية لبعض المهرجانات الدولية في فرنسا، وخارجها : مهرجان كان، أسبوعيّ أفلام المخرجين، المهرجان الدولي للإنتاج السمعيّ/البصريّ في بياريتز(فرنسا)، المهرجان الدولي للفيلم في تورنتو(كندا)، المهرجان الدولي في مدينة لاروشيل(فرنسا)، باريس سينما.
بعد “فيليب جلادو”، و”فيليب ريياك”، ومن أجل الدورة القادمة(23 – 30 نوفمبر2010)، توقعنا بأن ينوب “فيليب” آخر عنهما، ويضبط ميزانية المهرجان التي تزعزعت بسبب العجز المُتراكم الذي لا نعرف أيّ “فيليب” منهما تسبب فيه (العجز لا يعني الاختلاس)، ولكن، هذه المرة، تسلمت الإدارة “ساندرين بوتو”(Sandrine Butteau) التي تُشير سيرتها التعريفية بأنها قادمة من العمل الدبلوماسيّ أيضاً (وأتمنى بأن لا تقلد المهرجانات العربية هذه الحالة بالتحديد).
ومثل الكثير من المهرجانات الأوروبية، يعتمدُ مهرجان القارات الثلاث على نظام المُبرمجين، وفي أدبياته، نعثرُ على فقرةٍ مهمة جداً تُحدد دورهم، حيث يتولى كلّ واحدٍ منهم مسئولية تنظيم برنامج محدد، منذ اقتراح الفكرة على الإدارة، مناقشتها، وقبولها، مروراً بالخطوات العملية اللازمة لإنجازها : اختيار الأفلام وُفق التيمة المُحددة، البحث عن النسخ المُتوفرة، الاتصال بأصحاب الحقوق، اختيار الضيوف المُرافقين للبرنامج، تحرير نصوص تحليلية، ونقدية للوثائق الإعلامية المختلفة، تقديم الأفلام للجمهور خلال أيام المهرجان، والتعريف بها للصحافة.
ووُفق البرامج التي تمّ اعتمادها، يمكن أن تلجأ الإدارة إلى خبراء، أو متخصصين من خارج فريق العمل الدائم لمُرافقة دورة واحدة من المهرجان، أو برنامجاً معيناً، وفي كلّ الأحوال، يتولى المدير العام مهمة التنسيق، والسهر على توافق عموم البرمجة، ووضع ديناميكية مناسبة للحدث.
وهنا، لن أقدم أمثلة عن بعض المهرجانات العربية التي تعتمدُ هذا المنهج كاملاً، أو جزئياً، كي لا يُعلق أحد الغيورين عليها بأنني أحابي، أو أتصدى لأحدها، ولكن، أؤكدُ هنا، بأنه منهج عملٍ احترافيّ من المفيد اعتماده من طرف كلّ المهرجانات العربية، كي لا يستخدم أحدهم صفة المُبرمج السينمائي (كما حدث مع الناقد السينمائي)، يبتذلها، ويُفرغها من طبيعتها التي تتطلب خبرةً احترافية عالية، وكي لا يستثمرها، بطريقة ملتوية كلّ من يجمع أقراصاً مُدمجة لثلاثة أفلام، ونصف، ويمنح نفسه صفاتٍ وهمية، ومزيفة من نوع : مُنسق، مُستشار، مُبرمج، مندوب،.. (أثبتت التجربة بأنّ المهرجانات العربية لا تُدقق كثيراً في حقيقتها)، ويقفز من هذا مهرجان إلى آخر عاشقاً، ومتيّماً بالفن السابع، وهو ليس أكثر من “ساعي بريد” متطوع تُبهره الأجواء المهرجاناتية، ومزاياها المجانية أكثر من شغفه بالسينما التي تذكرها في لقاءات صدفة من حياته/حياتها .
وفي الوقت الذي يمكن أن يكون المدير العام دبلوماسياً، وحتى نقاش قبور(وأنا لا أمزح أبداً)، لا يمكن للجوانب الفنية أن يتولاها غير أصحاب الاختصاص، نقاد السينما بالتحديد، وهذه الحالة المهرجاناتية تضع البلسم على الجرح الذي فتحه أحد النقاد العرب المُخضرمين عندما انتقد بعنفٍ عمل النقاد في المهرجانات السينمائية العربية (رُبما يقصدُ الخليجية فقط)، وفي وقتٍ لاحق، افترض بأن يتوقفوا عن الكتابة كي لا يتحولوا إلى “مُروجين”، أو على حدّ قوله “الخصم، والحكم”.
![]() |
فيليب جالادو فيليب ريالك وجورم بارون |
دعونا نُدقق في المسيرة المهنية لثلاثة من المُبرمجين الذين اعتمد عليهم مهرجان القارات الثلاث في السنوات القليلة الماضية، وبدونهم، ما كان للمهرجان الاستمرار (سينمائياً)، وهم على التوالي:
ـ جيروم بارون (Jérôme Baron) الذي تسلم مهام برمجة القسم الرسميّ للمهرجان منذ عام 2004، وما يزال، وتشير سيرته التعريفية المُقتضبة (حيث لا يستفيض الفرنسيون في عرض منجزاتهم العظيمة) بأنه وُلد في نانت عام 1970، وبعد دراسته للسينما في جامعة باريس الثامنة، والثالثة، وحصوله على الدكتوراه، وأيضاً دبلوم الشهادات المُعمّقة في الحضارة من جامعة “نانت”، قام بتدريس جماليات السينما التسجيلية، والإخراج في شعبة الفيلم التسجيلي بجامعة بواتييه خلال الفترة من 1998 وحتى 2007، ومنذ عام 2001 يُدرّس تاريخ السينما، والتحليل الفيلميّ في بعض المدارس الفرنسية، ويُحاضر في “المدرسة الوطنية العليا للعمارة” في “نانت” حول الجوانب الجمالية في السينما، ويرأس إحدى الجمعيات الناشطة في العمل السينمائيّ”( Le Cinématographe-CinéNantes-Loire-Atlantique)، والأهم، لا يضع حرف الدال أمام اسمه.
ـ جان فيليب تيسه (Jean-Philippe Tessé) من مواليد عام 1977 مبرمج مهرجان القارات الثلاث منذ عام 2004 وحتى 2009، عضو هيئة تحرير مجلة “دفاتر السينما” منذ عام 2003، ورئيس التحرير المُعاون منذ عام 2009، ومسئول عن السينما في موقع ( Chronicart) منذ عام 2003، مؤسس، ومحرر ملفات موجهة للمُعلمين لمُساعدتهم في إطار البرنامج التربويّ “مدارس في السينما”، يكتب في العديد من المطبوعات (Le Monde, La Vanguardia, La Lettre du cinéma)، مؤلف كتاب “الهزل، كما شارك أيضاً في مؤلفاتٍ جماعية.
ـ شارلوت غارسون (Charlotte Garson)، التحقت مؤخراً بفريق المهرجان لبرمجة المسابقة، والأقسام الرسمية، ناقدة سينمائية في مجلة “دفاتر السينما”، و”دراسات” منذ عام 2001 ، مؤلفة عدداً من الكتب : العشاق، جان رينوار، والسينما الهوليوودية، تُحاضر بانتظام عن السينما، وتُشارك في إعداد، وإنتاج برامج لإذاعة (France Culture).