وفاة مؤسس أيام قرطاج السينمائية :الطاهر شريعة
كمال الرياحي. تونس
فقدت الساحة السينمائية في تونس يوم الخميس الأب الروحي للسينما التونسية والإفريقية الناقد والكاتب السينمائي التونسي “الطاهر شريعة” مؤسس مهرجان “أيام قرطاج السينمائية” عن عمر 83 عاما.
وتوفي الشريعة في منزله بمدينة الزهراء (جنوب العاصمة تونس) بعد صراع طويل مع المرض ودفن بمسقط رأسه مدينة “صيادة” بولاية المنستير (جنوب العاصمة).
قبل شهر فقط من رحيله هاتفني يطلب نشر مذكراته التي ظل يكتبها منذ سنوات بعد أن سمع من الناقد التونسي يوسف البحري أني أطلقت دار نشر تهتم بالسينما والنقد السينمائي وكان سعيدا بهذا وباسم الدار ترافلينغ للنشر. كان يبدو متخوّفا من ضياع وثائقه. قال لي انه سينزل العاصمة ليقدم لي المخطوط من بيته بمدينة الزهرة، أنه لم يعد قادرا على النهوض وحتى نظره أصبح ضعيفا للغاية لذلك طلب مني أن أتحول إلى بيته لاختيار ما يناسبني من وثائق والمذكرات. حالت سفرتي لسلطنة عمان دون أن ألتقيه وعدت لأيام قرطاج السينمائية لأجده قد تبرّع بكل مكتبته وأرضه في حركة رمزية لرجل معطاء خدم السينما التونسية والثقافة التونسية بلا غاية. كان يبدو أنه يريد أن يتخلص من ذلك الإرث والمنجز معا لأنه يشعر بقرب النهاية.
عم الطاهر كان قد صرّح تصريحات خطيرة في أيام قرطاج السينمائية التي أسسها يوما وهو يشاهد اليوم بعض إخفاقاتها وأوصى بأن تبقى هذه الأيام مستقلة وحذّر من التدخل الأجنبي فيها.
وقبل رحيله بأسبوع التقته جريدة الشروق التونسية وأملى على مراسلها وصيته قائلا:«أنا الطاهر شريعة أعلن أنني قررت إعلان وصية قانونية تتمثل في منح أرض على ملكي بمسقط رأسي بصيادة مساحتها قرابة 800 متر مربع إلى وزارة الثقافة والمحافظة على التراث بشرط أن تخصص النشاطات الثقافية في هذا الفضاء للسينما والآداب والفنون عموما» (انتهى فحوى الوصية) وأضاف قائلا: «لي أيضا النصف في هذا المنزل الذي أقطن فيه وهو منزل أبي وان وافق أخي صاحب النصف الآخر على بيع منابه فسأجعل كل المنزل يستعمل كمعارض لمختلف الانتاجات الأدبية وفضاء كبيرا تقع فيه حفلات توقيع الأدباء التونسيين على جديد مؤلفاتهم، أظن اليوم أنني قد قمت بأهم عمل يرضيني وأرجو أن تتم الأمور قبل أيام قرطاج السينمائية أو ليلة الافتتاح لذلك أنا سأتواجد هناك لتحقيق هذا الحلم».
وللطاهر الشريعة تجربة نقدية مهمة تناولها بالنقد يوسف البحري في كتابه “السينما التونسية من الأفلام إلى النقد” خاصة فيما يتعلق بالاقتباس عن الأدب. يقول البحري:” يلاحظ الشّريعة أنّ السّينما العربيّة تشكو من غياب تقاليد راسخة في فنون التّشخيص بالصّورة والحركة وبخاصّة في فنون المسرح والميوزيك هول. وتشكو السّينما العربيّة كذلك من غياب تقاليد في الرّواية والأقصوصة قادرة على التّأثير في السّينما وإثرائها على ما وقع في أوروبا، فالمسرح والرّواية والأقصوصة وغيرها،فنون مستحدثة عند العرب لا يزيد عمرها عن القرن أو يزيد بقليل. ويذكر الشّريعة أنّ تطوّر بعض تلك الفنون ظلّ تطوّرا كميّا لا نوعيّا، بل إنّه تطوّر مقصور على بعض البلدان في الرّواية والأقصوصة مثلا باعتبار ارتباطه بهياكل النّشر في القاهرة وبيروت وتونس خاصّة”
يحمل شريعة الذي ولد في الخامس من كانون أول / ديسمبر 1927 إجازة في الآداب العربية حصل عليها سنة 1951 من جامعة تونس. وقد سافر بعد تخرجه من هذه الجامعة إلى فرنسا حيث أتم تعليمه العالي بكلية الآداب في العاصمة الفرنسية باريس.
![]() |
السينمائي التونسي الراحل طاهر شريعة |
أقام الراحل 10 سنوات في فرنسا أشرف خلالها على قسم السينما في الوكالة الفرنسية للتعاون الفني والتقني التي أصبحت تعرف فيما بعد باسم “المنظمة الدولية للفرنكفونية” وعند عودته إلى تونس اشتغل مديرا للسينما بوزارة الإعلام من 1962 إلى 1970.
أسس شريعة مصلحة السينما بوزارة الثقافة التونسية، وأعد سنة 1960 النصوص القانونية المنظمة للقطاع السينمائي في تونس.
وأسس سنة 1966 مهرجان “أيام قرطاج السينمائية” (أول مهرجان سينمائي عربي وإفريقي) وحدد هويته وملامحه العربية الإفريقية، وأدار شريعة المهرجان حتى سنة 1974. ساهم المهرجان الذي يعقد مرة كل سنتين بالتناوب مع مهرجان “أيام قرطاج المسرحية” في بروز أجيال من المخرجين والسينمائيين العرب والأفارقة.
وساهم شريعة سنة 1971 في بعث مهرجان “واجادوجو” (بوركينا فاسو) للسينما الإفريقية ومهرجان مقديشو بالصومال. شارك الراحل في لجان تحكيم عدة مهرجانات سينمائية عربية وإفريقية ودولية.
احترف شريعة منذ سنة 1956 النقد السينمائي في مجلات وصحف تونسية وأجنبية وألف عددا من الكتب حول السينما والثقافة السينمائية، وعمل من 1963 إلى 1974 خبيرا في الثقافة العربية والسينما والتلفزيون لدى منظمة اليونسكو.
كما ترجم الشعر من وإلى اللغتين العربية والفرنسية.
وكرمت الدورة 23 من مهرجان “أيام قرطاج السينمائية” التي انتظمت من 23 إلى 31تشرين أول/أكتوبر 2010 الطاهر شريعة الذي حضر حفل التكريم على كرسي متحرك.
وقال شريعة خلال الحفل:”أنا معتز كل الاعتزاز باستمرار هذا المهرجان اعتزازا أستمده من فخري بانتمائي إلى بلدي فالفعل الإبداعي الصادق يبقى ويكتب له الخلود وهذا ينطبق على هذه التظاهرة التي نحتفل اليوم بدورتها الثالثة والعشرين”.
ولكنه صرح للإعلام قبل رحيله أن إدارة المهرجان التي كانت تستشيره قبل سنوات لم تعد تفعل ذلك في نسخها الجديدة وأوصى مرة أخرى بضرورة استقلال المهرجان.ولا ندري حقيقة هل وفاة مؤسس أيام قرطاج لسينمائية في دورتها 23 التي أجمع المتابعون على إخفاقاتها هي وفاة رمزية أيضا تعلن عن وفاة المهرجان؟ .