الدورة العاشرة للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش
احتفاء بالسينما الفرنسية ودروس في السينما
مراكش: قيس قاسم
أجواء الاحتفاء بعقده الأول، بانت بوضوح في مراكش. فالمدينة تحولت، نفسها، الى ما يشبه المهرجان، والناس تسابقوا للاحتفال به قبل منظميه، ورعاته، فالمهرجان السينمائي اقترن بإسمها وصار جزءا منها، كما صار المراكشيون يفخرون به كعادتهم حين يفخرون وبحماسة طاغية بمدينهتم في عرض الأيام، والتي منحوها أوصافا جميلة، كالمدينة الحمراء أو مدينة النخيل. مدينة ساحرة كهذة، وبحق، تستحق أن يكون لها مهرجانا كبيرا ومتميزا، ومهرجان مراكش حقق لها ما أرادت، والناس يدركون هذا والزائر يشعر به منذ اللحظة التي تطأ قدميه أرض هذة البلاد.
أحتفاء بالسينما الفرنسية
علاقة المهرجان بمهد السينما فرنسا معروفة ولكن هذا العام فاقت غيره من الأعوام، بسبب تكريسه حيزا كبيرا من فعاليته للإحتفال بسينما الأخوين لومير، وأن جاء ضمن ما درجت عليه العادة في دوراتها السابقة في إختيار بلد معين والاحتفال به، غير أن الحضور الفرنسي كان لا يشبه من سبقه، لا من حيث عدد الضيوف من الفنانين السينمائيين الذين لهم حضورهم البارز في تاريخ السينما الفرنسية، والتي عرضها وتحدث عنها بإعجاب وتقدير المخرج الأمريكي سكورسيزي حين أعطيت له كلمة أفتتاج الأحتفائية وتقديم ما فاق عن أربعين فنانا جاءوا الى مراكش ليكونوا جزءا من فعالياته التي ستكون استعادة السينما الفرنسية عنوانها الأبرز حيث سيعرض قرابة سبعين فيلما تغطي الفترة الممتدة منذ ثمانينات القرن الماضي حتى اللحظة. من بين الأفلام السبعين “شرفة على البحر” لنيكول كارسيا أختير ليدشن الأحتفالية الفرنسية، كونه يحمل بعدا عربيا لا من خلال أحداثه التي لها علاقة بمدينة وهران الجزائرية فحسب، بل أيضا، الى مخرجته التي ولدت هناك. الفيلم يحكي عن مارك باليسترو الذي توزعت حياته بين جنوب فرنسا ومدينة وهران التي ولد فيها، وقت الاحتلال الفرنسي للجزائر. معالجة كاسيا لا تأخذ البعد السياسي مركزا له بل تذهب الى العمق البشري حيث التمزق والتوزع يظلان قائمين عند الذين تركوا المكان الأول وجاءوا الى المكان الآخر، ولنسميه الوطن، فهولاء سيظلوا غرباء بعض الشيء، حين تحضر الذاكرة، ودون مقدمات، متراكمات الماضي كما عاشوها،أو كما عاشها مارك، في اللحظة التي التقى فيها و بالصدفة بإمرأة ظن انها نفس الطفلة التي أحبها يوما هناك في وهران وكان هو في نفس سنها. الفيلم يعتمد بدرجة كبيرة على فكرة علاقة الفرد داخل العلاقات الكبيرة المتشابكة، مثل علاقة أبناء المحتلين في المكان الغريب الذي ولدوا فيه، وما إذا كان غريبا بالنسبة لهم؟ على هذا السؤال لم تجب كارسيا، فهو اشكالي وملتبس، وليس عندها توصيفا جاهزا له أكثر دقة من عبارة مارك (لممثل جون دي جاردان) التي قالها في نهاية الفيلم: لقد أضعت طرقي!. وعلى مستوى أخر كرم المهرجان فنانين عالمين ومحلين منهم: الممثل جيمس كان وهارفي كيتل والياباني كيوشي كوروساوا، الذي سيعرض له “طكيو سوناتا” الحاصل قبل سنتين على جائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان. ومحليا كرمت مراكش العربي الدغمي، لمنجزه السينمائي وحضوره في السينما المغربية ومشاركته في أفلام أخرى خارج المغرب كما في تجربته مع فرانسيس فورد كوبولا في “الرجل الذي أراد أن يكون ملكا” في عام 1975 . والى جانب الدغمي كرم محمد عبد الرحمن التازي، الذي أخرج أول فيلم له عام 1981 وكان بعنوان “ابن السبيل” ثم “البحث عن زوج امرأتي” وصولا الى آخرها “جارات أبي موسى”.
![]() |
على مستوى لافت غطت المهرجان وسائل اعلام غربية كثيرة، وكانت لها الهيمنة مقارنة بالعربية، وعلى ذات المستوى انعكس حضور الضيوف والمدعوين، فالغالبية هم من خارج العالم العربي، وربما يحتاج هذا الأمر الى بحث مطول مع أنه قد طرح خلال الدورات السابقة. واللافت هنا أن تخصيص المهرجان لقناة تلفزيونية محلية مهمتها بث أخبار المهرجان وتغطية فعالياته، أما على مستوى التميز المهني فمسابقة الفيلم القصير، هي الأكثر تميزا، ومنها يراد التعرف على المواهب الشابة ونسج علاقة سوية بين الأجيال السينمائية في المغرب ولهذا خصصت وفي المقام الأول للطلاب ودارسي المعاهد السينمية، وتعد التجربة الأولى من نوعها في عالمنا العربي، كما هي تجربة “الوصف السمعي” الموجه خدماتها للمكفوفين وضعاف البصر، والتي ستوفر لهم خدمة توصيل الفيلم عبر، أجهزة استقبال وإرسال خاصة. كما يقوم المهرجان بتنظيم المعارض الخاصة بهم وعرض خدمات طبية ضمن مشروع أنساني مرتبط بهذة الفعالية المهرجانية التي أفتتحت بفيلم كمال كمال “السمفونية المغربية”.
أما أفلام المسابقة وعددها خمسة عشر فيلما فبدأت مع “دونور” و”حياة هادئة” وإذا كان فيلم مارك ميلي يعالج ظاهرة اجتماعية خطرة يمارسها فقراء الفيليبين لتأمين عيشهم كما فعلت “ليزيت” عندما أضطرت لبيع أحدها كليتيها من أجل توفير المال لسفرها الى دبي والعمل هناك، فأن الايطالي كلاوديو كوييليني وفي عمله الأول يأخذ الماضي الشخصي وصعوبة التخلص من آثاره من خلال أحداث تجري في مدينة صغيرة قريبة من فرانكفورت الألمانية، حيث بدأ رجل المافيا روزاريو (الممثل طوني سيرفيو) حياة جديدة وأسس عائلة تعيش حياة هادئة، لكنها سرعان ما انهارت حين حضر الماضي ثانية الى تلك البقعة، وعادت المشاكل معه. الفيلم اعتمد على قوة ممثله الرئيس وعلى سيناريو جيد طرح موضوعا فلسفيا عولج بصريا بإسلوب اثارة وحركة. الى جانب عروض الأفلام يحوي برنامج الدورة الجديدة الكثير، مثل: “ماستر كلاس” حيث يقدم كبار المخرجين سلسلة دروس جديدة في السينما موجهة للطلاب والجمهور، وهي فرصة نادرة يوفرها المهرجان لمقابلة الكبار وجها لوجه كما حدث مع فرانسيس كوبولا وسيأتي بعده جون بيير ولوك داردين والكوري الجنوبي لي شونكدونك. فعاليات كثيرة وأفلام أكثر ينتظر عرضها في الدورة العاشرة، ومعها ستكون الحاجة لمتابعتها وتغطيتها أكثر في مقبل الأيام.