“صديقي الذي اختفى”.. الفيلم الذي أثار المحافظين
![]() |
المخرج زين العابدين مختار |
نواكشوط ـ محمد ولد ادوم
“صديقي الذي اختفى” فلم وثائقي من 13 دقيقة لمخرجه الشاب الصحفي زين العابدين محمد المختار، يطرح للنقاش مشكلة الإرهاب والفكر السلفي الجهادي.. إذ يحكي قصة الشاب سيدي صديق طفولة المخرج وزميل دراسته في ثانوية تيارت وقد بدأت رحلة التحول لهذا الشاب المليء بالحياة والعاشق لكرة القدم والمجتهد في صفه بسلسلة غيابات متكررة ثم بدأت نظرته إلى الأشياء تتغير شيئا فشيئا فكان في البداية يجد حرجا في حضور الحصص التي تدرسها نساء، ثم بدأ يفقد ولعه بالدراسة، ومن ثم وضع حدا لعلاقته مع أصدقاء طفولته وزملائه في الثانوية، وترك الثانوية ذات يوم متوجها إلا المحاظر وهي المدارس الدينية التي نهل منها الموريتانيون قرونا وأطلقوا عليها “جامعات الصحراء” نظرا للعلوم الموسوعية التي تدرس فيها، فلا يقتصر الأمر على القرءان والحديث والعلوم الشرعية، بل يتعداه إلى الفلسفة والرياضيات والعلوم الطبيعية والفيزياء والفلك إلى غير ذلك من العلوم الحديثة.
الفلم تابع سيدي بعد عودته من هذه المحاظر بسلوك جديد أكثر تشددا من ذي قبل، وأكثر محافظة وبعدا عن المجتمع.. إلى أن أخذ قراره بالاختفاء عن الأنظار، ذلك القرار الذي ما زال تنفيذه ساريا حتى الآن، وطرح المخرج من خلال الفلم علامة استفهام كبيرة: ترى هل يظهر سيدي ذات يوم متصدرا نشرات الأخبار والصفحات الأولى للجرائد مفجرا نفسه أو قائدا لعملية انتحارية في نقطة ما من هذا العالم؟
وقد قدم زين العابدين قصة صديقه هذا من خلال مقابلات مع أصدقائه وأفراد أسرته، وقدم صورا من مدرسته الثانوية والمحظرة التي كان يدرس بها، واستعان بالأرشيف ليقدم صورا محزنة لشباب آخرين اختفوا عن أنظار ذويهم وأصدقائهم، ولكنهم عندما عادوا كانت العودة أكثر إيلاما وأصعب كثيرا من الغياب.. عادوا إلى الواجهة من خلال عمليات توصف أحيانا بالإرهابية على نطاق واسع، وتوصف حينا بالاستشهادية على حد تعبير البعض.
وقد ووجه “صديقي الذي اختفى” بموجة عارمة من الانتقادات من طرف شيوخ المحاظر وأئمة المساجد والعلماء والتيار الإسلامي بشكل عام ليس لأنه طرح مشكلة الإرهاب وتأثير الأفكار الرجعية والمعتقدات التكفيرية على الشباب الموريتاني بل لأنه حسب قولهم وصم المحظرة الموريتانية معقل التعليم التقليدي بأنها معسكرات لتفريخ السلفيين ومعتنقي الفكر التكفيري القتالي.
موقع الجزيرة الوثائقية التقى مخرج الفلم زين العبدين محمد المختار 26 سنة لمعرفة الأسباب التي حدت به إلى إخراج فلم بهذه الحدة في مجتمع محافظ كموريتانيا فقال “بداية.. لست متفقا تماما مع وصف الفيلم “بالحدة” نظرا لأنه فيلم وثائقي يعالج قضية واقعية بناء علي قصة عايشت بشكل شخصي جزءا منها ، وروي لي بقيتها أصدقاء وذوو الشخصية الرئيسية في الفيلم الذين عايشوا أجزائها الأخرى ، فضلا عن كون قصة اختفاء الشباب الموريتانيين والتحاقهم بخلايا التنظيمات الإسلامية المسلحة ظاهرة باتت خلال السنوات الأخيرة تتكرر بشكل كبير داخل مختلف فئات وأطياف المجتمع الموريتاني” .
وحول رده على الذين انتقدوا الفلم ووصفوه بأنه يسيء إلى المحظرة، أجاب ولد محمد المختار: “لا أجد في الفيلم أي إشارة سلبية تجاه المحظرة كمؤسسة للتعليم الأصلي الذي تتميز به موريتانيا منذ مئات السنين ، لكن بالفعل هناك إشارة في الفيلم إلي كون التيارات الدينية المتشددة والوافدة إلي موريتانيا حديثا ، تمكنت بفعل تغلغلها داخل بعض الأوساط الدينية من إنشاء مدارس لنشر مناهجها التعليمية المختلفة تماما عن المحظرة الموريتانية القديمة ، حيث باتت تعمل علي “انتزاع” الشباب الموريتاني من مدارسه الأصلية والعصرية وإلحاقه “بمحاظرها” الجديدة في ما يشبه المرحلة التحضيرية النهائية لتبني الفكر الديني المتطرف البعيد عن البيئة الدينية الموريتانية ، ولا يفوتني هنا أن أستأنس بما قرأته حديثا للشيخ محمد الحسن ولد الددو رئيس مركز تكوين العلماء في مقابلة له مع يومية السراج الإسلامية حول الوضع الراهن للمحظرة الموريتانية حيث اعتبر أن المحظرة الموريتانية في حاجة ماسة للإصلاح حيث باتت في الفترة الأخيرة تشهد كثيرا من الفوضى وينتسب لها كل من هب ودب على حد تعبيره”
فلم “صديقي الذي اختفى” فاز بالجائزة الأولى في مسابقة “سينى ماجسكيل” في إطار فعاليات النسخة الرابعة من مهرجان الأسبوع الوطني للفلم.. وتم اختياره للمشاركة في عدة مهرجانات دولية.