العربة المسحورة: أصغر صالةٍ سينمائيّة في العالم

صلاح سرميني ـ باريس

مابين الباب الخلفي لـ “بيت الثقافة” الذي انعقدت فيه فعاليّات الدورة الـ 32 للمهرجان الدولي للأفلام القصيرة في كليرمون ـ فيران (فرنسا) خلال الفترة من 29 يناير وحتى 6 فبراير 2010، وعلى بعد خطواتٍ من المدخل الرئيسيّ لمبنى الصالة الرياضية التي تحوّلت إلى “سوق الفيلم القصير”، كان هناك عربة صغيرة ملونة يتجمّع أمامها عادةً مجموعة من الضيوف، يشربون، ويأكلون، ويتناقشون.
البرامج المُكثفة، والمُثيرة للمهرجان، والتجوال المكوكيّ في ردهات سوقه، لا تمنح الوقت لضياعه في أمورٍ أعتقدها في البداية هامشية، ولكنّ الفضول المعرفيّ يقودني غالباً إلى اكتشافاتٍ لم تكن في الحسبان، فما المانع من معرفة المزيد عن هذه العربة الطريفة التي تُرفرف بجانبها راية كبيرة قرأتُ فيها عبارة أثارت انتباهي :
أصغر صالةٍ سينمائية في العالم.
إذاً، لم يكن الأمر تجمعاً عارضاً للثرثرة، ولم تكن تلك العربة بيتاً مُتنقلاً، ومُجهزاً للإقامة المُريحة بعيداً عن غرف الفنادق الغالية، يستخدمها مهووسٌ شغوفٌ للانتقال فيها من مهرجانٍ سينمائيّ إلى آخر، كما حال المخرج البوسني “أمير كوستاريكا” الذي عرفتُ مؤخراً بأنه يمتلك طائرةً خاصة لتنقلاته الكثيرة في أرجاء العالم .
اقتربتُ من المكان مُستعجلاً، وتمعنتُ قليلاً بما يحدث، فأمهلني أحدهم، ودعاني إلى الدخول، نعم، إنها فعلاً صالة سينمائية صغيرة تمّ تجهيزها في عربة سفر “كارافان”، لقد أصبح الأمر احترافياً، واستثنائياً.
ما حكاية هذه الصالة السينمائية المُتجولة القادمة من منطقةٍ أخرى في فرنسا لتعرض خدماتها على ضيوفٍ جاؤوا من كلّ أنحاء العالم كي يهرولون من صالةٍ إلى أخرى، وينتظرون دورهم في صفوفٍ طويلة لمُشاهدة أفلام المُسابقات المختلفة، أو البرامج المُصاحبة على شاشات كبيرة في قاعاتٍ كبيرة، ومريحة حتى ولو كانت مدرجات الكليات الجامعية الجاثمة بمُحاذاة “بيت الثقافة” .

عربة السينما المتجولة

هذه العربة المُلونة ـ الشبيهة بـ”البقرة الضاحكة” المُصاحبة لأشهر نوعٍ من الجبن في التاريخ ـ تعشق الطريق، تهيم، تتجوّل، وتحلم،..
وكما شرح لي أحد المُنظمّين، بأنها توقفت في أصغر قريةٍ، وأكبر مدينة فرنسية، ولكنها اجتازت الحدود أيضاً، وسافرت من “درسدن” إلى “إستانبول”، ومن “براغ إلى “كوبنهاغن”،…
هي صالة سينمائية متجولة تزرع الأرياف، وتحصدها رُبما، ترتاح بجانب العمارات، تغفو بالقرب من الأبنية، تترنح في الدروب الضيقة، تختلط مع الباعة في الأسواق الثابتة، والمُؤقتة، تتنزه تحت أشجار الكستناء، تشارك الأطفال لعبهم في باحات المدارس، وتتهادى مع موسيقى المهرجانات السينمائية المُتلاحقة.
وهي موجهة لكلّ أنواع الجمهور الذي لا يستطيع بسهولةٍ مشاهدة أفلام الفنّ، والتجربة، ولكلّ الأعمار، والجنسيات، والثقافات لمُشاهدة أفلاماً قصيرة، واكتشاف ثراء السينما، حيث يقترح كلّ عرض اختياراتٍ من 2 إلى 4 أفلام بمدةٍ زمنية تتراوح ما بين 10 إلى 20 دقيقة، أفلام روائية لقصص مضحكة، أو حزينة، كلّ أنواع أفلام التحريك، أفلام تسجيلية للتفكير بما يحدث في العالم، والاستمتاع بالواقع، وأفلام تجريبية متفردة لإثارة الخيال بصرياً، وسمعياً.
يمكن أن تتوقف العربية بسهولةٍ في الأحياء، القرى، المُنتجعات، المؤسّسات التعليميّة، بيوت المُسنين، ساحات انتظار السيارات، الاستراحات، أو المُجمعات التجارية،…
لقد أصبح لهذه الأداة مكانها في الأحداث المحلية، احتفالات القرى، والأحياء، الأيام الثقافية، التربوية، والمهرجانات، …

لماذا اختار المنظمّون “كارافان” لهذه المهمّة ؟
ببساطة، لأنها ترتبط بالأذهان بالسفر، والعطلات، إنها بيتٌ صغيرٌ متحركٌ بعجلات، يستطيع أيّ شخصٍ اقتنائها بسهولة، مجهزة بجهاز عرض فيديو احترافيّ، ويمكن أن تتسع مابين 10 إلى 15 شخصاً.
وبالإضافة للعروض، يمكن استخدامها مكاناً طريفاً، وحميماً من أجل اللقاء مع أحد محترفي السينما، أو تنظيم ورش عملٍ في إحدى الصالات القريبة من مكانها .
باختصار، هي عربة ساحرة، ومسحورة، تذهب إلى المُتفرج في أيّ وقتٍ، وأينما كان.


إعلان