“جيران” لتهاني راشد يفوز بجائزة T.Vmonde في تطوان
تطوان ( المغرب ) – فجر يعقوب
نالت المخرجة المصرية تهاني راشد جائزة T.Vmonde الفرنسية عن فيلمها الوثائقي ( جيران ) في الدورة السادسة عشرة من مهرجان تطوان لسينما دول البحر الأبيض المتوسط ( 27 مارس – 3 أبريل 2010) . والفيلم يحكي عبر شخصيات منتخبة من قبل راشد قصة حي غاردن سيتي ، الحي القاهري العتيق الذي جرب مختلف أفكار القوى العظمى وهي تتبارى فيما بينها عشية الحرب العالمية الثانية ، وتتنازع مناطق النفوذ في هذه المنطقة المشتعلة على الدوام سرا وعلانية .
راشد التي وجدت نفسها ، وهي ابنة لحي غاردن سيتي أساسا ، في ضيافة السفير الأميركي بمناسبة عرض فيلمها (البنات دول )، وكأنها تتجول خلسة برفقة كاميرا غير مرئية في بادئ الأمر في حي تحول إلى قلعة حصينة بسبب من وجود السفارة الأميركية فيه ، وهي القلعة التي تبادل الطرفان المصري والأميركي فكرة ضمان أمنها من دون أن تحسم في الفيلم لمصلحة هذا الطرف أو ذاك .
لاتبدو فكرة مسؤولية عودة أمن السفارة للطرف المصري أو الأميركي مهمة في سياق الفيلم الوثائقي ، ذلك أن كاميرا راشد كانت تبحث وتغلغل في اتجاه آخر ، ف( الجيران ) الذين يقيمون على الأسطحة المقابلة والملتصقة بهذا الحي تعطلت عليهم امكانية مواصلة حياتهم اليومية المعتادة ، وقد أقفلت الكثير من المحال التجارية بسبب التحصين المبالغ فيه أمنيا لهذا الحي .
وتعرف راشد أن ثمة أشياء كثيرة يمكن التوقف عندها بقوة في غاردن سيتي ، فهذا الحي يمكنه أيضا اختصار تاريخ مصر الحديث ، وهنا تكمن مصدر قوة الفيلم . لهذا ربما آثرت راشد أن تتغلغل فيه من دون أن تملك مخططا فعليا . لم تكن تعرف من أين تبدأ وأين ستنتهي . لم يكن هذا شغلها الشاغل ، فقد آثرت أن تصور الغابات المهملة ، والقصور المهجورة وقد جفت أشجارها التي كانت باسقة يوما .
بالطبع لايمكن بأي حال اعتبار أن الفيلم يمثل ميلا نوستالجيا إلى ماقبل ثورة يوليو 1952 . هاهنا يعلق الروائي علاء الأسواني بالقول في الفيلم إن غاردن سيتي ليس هو كل مصر ، بل هو قطعة صغيرة منها . هذا صحيح نسبيا ، ذلك أن ثمة رأي أيضا لسعد الدين مرسي يقوله في مستهل الفيلم مفاده إنه لو أحب الناس الرجوع إلى الوثائق التاريخية بعد الثورة الناصرية لوجدوا أن تاريخ مصر الحديث يبدأ من ثورة يوليو 1952.
ومن المؤكد أن تهاني راشد تدرك بحدسها مغزى التبدلات الاجتماعية والسياسية التي ضربت مصر في تاريخها الحديث ، فيبدو معها ( الجيران ) هم كل أولئك الناس المتفاوتين في المستويات المعيشية والحياتية والاجتماعية ، والذين يقطنون حي غاردن سيتي ، ولايعرفون بعضهم البعض ، فقد فعلت هذه التحولات فيهم فعلها المبرم . هؤلاء الجيران المعطوبون في أحلامهم بالتأكيد لديهم تجارب حياتية وأحلام مختلفة ، والأدهى كما يعبر الفيلم أن هناك طبقات جديدة أثرى بكثير من التي كانت موجودة من قبل ، ولكنها لاتعرف كيفية الانتماء الحقيقي إلى عصر غاردن سيتي ، فهو لم يكن حيا للأثرياء والارستقراطيين فقط . كان حيا للأفكار والفنون والعمارة المدهشة أيضا .
![]() |
مديرة التصوير نانسي عبدالفتاح التشكيلي عادل السيوي
عصر غاردن سيتي تبدو جملة فيها الكثير من الاطناب والخيال ، لكنها لاتنحوباتجاه أن تكون ادانة للحقبة الناصرية ، بالرغم من أن ثمة أخطاء لناصر ارتكبت في عهده ، فهاهو الفنان التشكيلي عادل السيوي يقف قبالة تمثال له ، يتأمل قليلا ربطة العنق المعوجة ، وهي لم تكن كذلك من قبل . يتحدث مبتسما للكاميرا عن شقيقه العضو في المنظمة الشبابية الناصرية الذي لوحق وسجن وعذب ، ولم تغفر له عضويته الحزبية حينئذ .
حقا ، ففي مشاهد المفكر المصري الراحل محمود أمين العالم مايسمح بالمرور على تلك الحقبة من دون توجيه ادانة معمقة ، فهو يعلق بورتريه لناصر على جدران مكتبته الضخمة ، ويحملق فيه ، ويعلق ضاحكا :” أنا أحبه بالرغم من أنه سجنني “. مامن ادانة ، فشخصيات غاردن سيتي ليست مستسلمة أو منبطحة أمام التاريخ . هي شخصيات حيّة لاتغادر هذا الحي العريق ، ففيه أيضا تتداخل الحكايات الشخصية مع حكايات لايمكن أن تخطر ببال أحد ، اذ يكفي أن تبحث راشد في أفلام الأسود والأبيض عن الأمكنة ذاتها حتى تكتشف أن فيها ثمة مايتحلل ، وليس هناك من امكانية لترميمها . هنا بالضبط تبدو حكايات غاردن سيتي غير ممكنة الاستعادة ، فمامن مجال لترميمها ، أو ترميم بعضها على الأقل .