عن أولئك الذين رحلوا..
توثيق لإنسان الظل ومواجهة الموت بالحياة
نقولا طعمة – بيروت
في فيلمه “عن أولئك الذين رحلوا”، الأول من إخراجاته السينمائية، يتناول علي حمود ما تعرض له ناس أبرياء دفعوا حياتهم ثمنا باهظا من دون أن يكون لهم يد في ذلك، ويعرض أيضا معاناة الباقين أحياء ممن تربطهم صلة أو قرابة مع الراحلين.
فمن جهة، يتناول حمود مباشرة خسارة أشخاص قضوا عن طريق الخطأ في الانفجارات التي وقعت في بيروت من دون ذنب اقترفوه. هي خسارتهم لحياتهم، لكن تأثيرها عليهم انتهى بمجرد الموت.
من جهة ثانية، يحل العذاب الأشد إيلاما لمن تبقى. ففقدان الأبناء والأعزاء يتضمن نسبة معينة من الموت، تضاف إلى الشعور بالنكبة والخسارة والتوق والاشتياق.
يعرض حمود في فيلمه عددا من الأشخاص الذين قضوا في الاتفجارات التي استهدفت رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، والنائبين أنطوان غانم ووليد عيدو. أما لماذ اختيار هؤلاء الأشخاص تحديدا، دون سواهم، فدونه سببان: الأول، أن أعداد الضحايا المماثلين هو بالمئات ولا يتسع إطار للإحاطة بهم جميعا. الثاني، أن الاختيار وقع على الذين استطاع حمود تأمين استمرارية روايتهم بإيجاد من هو مستعد من الأهل للتحدث عن هم.
تكمن أهمية الفيلم في الحساسية المفرطة التي عولج الموضوع بها. فقد آثر مراعاة ذوق المشاهد على الإثارة الإعلامية التي درج عليها الإعلام الحديث. غابت صور الانفجارات والدماء والحرائق لتحل محلها بيئة ترتبط مباشرة بحياة الناس بصورة اعتيادية. وآثر أن لا يظهر أبطال الفيلم من الأهالي الذين لو ظهروا لكان تأثيرهم على المشاهد أكثر سلبية. وأدخل تحديا في مواجهة الموت حيث تناول الأهل غياب أبنائهم بطريقة بعيدة عن السقوط كضحايا للموت ومؤثراته، فغابت صور النكبة والبكاء والندب، وتعامل أكثر الأهل مع الموضوع وكأن أبناءهم ما زالوا أحياء، لكن في حال من الغياب. فإحداهن قالت أنها لم ترغب في لبس الأسود، ولم تبك، وتعاملت مع الحدث بصورة اعتيادية، وذهبت إلى العمل في اليوم الثاني، “لأنني لم أشعر أنه غير موجود”.
كما روى غالبية الأهل الحدث الذي وقع مع ابنهم بطريقة سردية واقعية بعيدا عن تعابير اللوعة وقساوة الغياب.
![]() |
المخرج على حمود لقطة من الفيلم |
ويتحدث حمود ل”الجزيرة الوثائقية” عن نشأته وعن الفيلم، فيذكر أنه درس السينما في إحدى جامعات ألاباما في الولايات المتحدة الأميركية، وعمل مع شركة انتاج في شيكاغو في مجال الفيلم التوثيقي، وعندما عاد إلى لبنان اشتغل مع عدد من الوسائل الإعلامية في المونتاج وسواه.
وذكر أن الفيلم عرض للمرة الأولى في مهرجان الأفلام الوثائقية في بيروت (Docudays) 2009، وفي مهرجان دبي، وأرسل حاليا ليعرض في مهرجانات اوروبية وأميركية.
وقال أنه ركز على الضحايا من فئة الشباب تعبيرا عن مصير الشباب الذين يدفعون حياتهم ثمنا غاليا في أعمال العنف، من دون علاقة لهم بذلك.
كما تحدث عن تحضيره لفيلم ثان تحت عنوان الانتظار، يعرض لأشخاص يعانون في انتظارهم لأشخاص آخرين كالذين يطول غيابهم..
وأفاد أنه يسعى لوضع فيلم طويل عن واقع حياة سائقي الشاحنات، وقد أجريت مع عدد منهم من جنسيات مختلفة مقابلات وأبحاثا، فأخبروني عن حياتهم على الطرق الطويلة التي يعبرونها من لبنان إلى سوريا فالأردن ودول الخليج، والمخاطر التي تحف بهم. شرحوا لي غيابهم عن الحياة الاجتماعية. وسيكون عامل الطريق كمكان، وعامل الزمن من العوامل الأساسية للفيلم.
المخرج فادي يني تورك علق ل”الجزيرة الوثائقية” على عمل حمود فقال: هناك نقطتان تشدانني في الفيلم، الأولى، طريقة توثيق الأحداث ففي العادة يصور الإعلام والتلفزة والمعنيون بأمور من هذا النوع الأمور من زاوية لفت النظر، وأرشفة الأحداث والحروب.لكن قلائل جدا هم الذين أر شفوا من نسميهم أبرياء. 400 بريء رحلوا ومروا كمجرد أعداد.
وقال: كما أن الفيلم سمى الأشخاص الذين يمرون في التلفزيون والأخبار وركز عليهم ليقول أننا أمام الموت كلنا متساوون، السياسي والانسان العادي.
![]() |
من الفيلم |
وعن النقطة الثانية قال: “الطريقة التي جرى فيها تصوير الأشخاص ركزت على الأمكنة والشهادات، فأقرباء هؤلاء الأشخاص كانوا عكس أقرباء السياسيين الذين إلى حدود معينة لم يتقبلوا فكرة الموت. أشخاص علي ليس عندهم موت. هم واقعيون، والفيلم يركز على نظرة الحياة لهؤلاء الناس، ولم يصور القتل والجثث والانفجارات. كان همه أن يبث الحياة في الآخرين الأحياء.
وخلص بقوله: كان فيلم علي كيف نستشعر الحياة من حدث عن الموت”.