فيلم ” ع وين ” : غزة في سيارة أجرة !

غزة _ أسماء شاكر

الشوارع و المباني و الوجوه ، ذلك الضجيج الصباحي المعتاد الذي سرعان ما يتلاشي علي أرصفة المدينة ، ليس سوي ذاكرة يومية  لجغرافيا  غزة ، من شمال القطاع الي جنوبه، وهو ذاته الطريق الذي يقطعه سائق سيارة الأجرة  في فيلم ( ع وين ) ، للمخرج الشاب محمد أبو سيدو، ومساعد مخرج : نغم مهنا  .
الفيلم الذي لا يتجاوز الـ 15 دقيقة ، يصف شكل الحياة الديناميكية من وراء نافذة سيارة الأجرة ، و مجاراتها  للأحاديث و القصص التي تدور بين راكبي ” التاكسي” ، بعضها ما رصدته الكاميرا بطبيعتها العفوية ، وبعضها الآخر ما يحكيه السائق الذي اعتاد سماع  ذلك الكم الهائل من الهموم البشرية ! ابتداءا ً من تحريكه للمقود و مشغل الموسيقي . حيث يشرع ُ المخرج في فيلمه و في جولته بالمدينة .
غير أن المخرج أبو سيدو لم يكتفي بجولته الاستعراضية للشوارع ، فقد ألتفّ علي اللغة المباشرة في التعبير عن فكرته ، بجراءة الاحاديث اللاذعة التي كانت تدور داخل سيارة الأجرة ، منتقدة ً الواقع و الوضع السياسي الراهن بكل وضوح و بساطة ، حيث تتجاوز الحوارات في السيارة كل الخطوط الحمراء ، كاشفة عن الوجه الحقيقي للانقسام السياسي الفلسطيني ، و سوء ما آلت اليه الأحوال العامة للقطاع ، خاصة تلك التي أباحها الحصار و الحرب .
فسائق ” التاكسي ” لم يكن مجرد عابر بالقصص التي تدور في سيارته ، لكنه هو أيضا يعيش سوء الواقع بكل ثقل كاهله ، معلقا ً علي مكسب عيشه اليومي الذي قد لا يكون موفقا ً دوما ً، متذبذبا ً بين يوم سيء و يوم جيد ، او كما يصفه المثل الشعبي : (  يوم عسل و يوم بصل ) .
الموسيقي كانت عاملا ً مهما ً في الفيلم ، حيث تعامل المخرج معها بذكاء ، موظفا ً كل عناصر الفيلم في ذات الاتجاه الذي يمضي فيه المخرج و المشاهد معا ً ، حيث أن المخرج باسلوبه البصري يُشارك المشاهد الي نهاية الفيلم ، حيث يترك المخرج ابو سيدو مساحة ً وافرة لشخصيات فيلمه التي لم تتعدي السائق وبعض الركاب .
وهو ما صنع توازن خفي و تلقائي ، بعيد عن التصنع ، رغم انتقائية المؤثرات اللونية و كثافة الصورة ، اضافة الي الأغاني التي تداخلت كلماتها لتنسجم مع اتجاه الفيلم .
ورغم ايقاع ( ع وين ) السريع و النابض ، الا انه يقف تماما ً علي محطات الوجع الانساني للغزيين باختلاف طبقاتهم المهنية و الاجتماعية  ، خاصة تلك التي تقع في حيز قضاياه السياسية و الوطنية ، و تداخلاتها مع سوء الحياة المعيشية في القطاع ، و المدي الضيق الذي يحاصرهم بين الحزبين المتناحرين ، حتي يصبح الشعب لعبتهم المفضلة التي باتت مكشوفة للغزيين .
فالنقاشات في السيارة غالبا ما تدور حول الانقسام و آخر التطورات السياسية ، فقد يحكي أحد الركاب عبارة تنتهي بعراك و تشابك بالأيدي ، اضافة للشتائم الطائرة أحيانا ً !
وهو ما يركده السائق كأحد المواقف اليومية الكثيرة التي يواجهها ، حيث أنه غالبا ما يلتزم الصمت ، مستمعا ً لا أكثر ، غير انه بتدخل اذا ما تطورت الأمور علي نحو سيء .

الكثير من الاحاديث رصدتها كاميرا فيلم ( ع وين ) في طريق السيارة من غزة المدينة الي جنوب القطاع ، والتي جاءت علي نحو يكشف تماما ً حجم الهموم التي خلفها الحصار و الانقسام الفلسطيني ، ذلك الوصف الذي جاء بلغته العامية المباشرة لمس التغيرات  الاجتماعية أيضا ً في قطاع غزة ، و قد كان الفيلم محظوظا ً بأحد النقاشات الحادة في السيارة ، وهو ما انقذ المنحني السردي من الضياع في جلبة اللقاءات و المشاهد المتكدسة ، أما نهاية الفيلم فلم تخلو من الظرافة ، فالسائق الذي كان يشكو من سوء الحال و ضيق اليد ، و من ثرثرة ركابه و  معاركهم ، يعلق للكاميرا عن تصرفه الاخير معهم ، فقد يطردهم أحيانا لشدة ضجره بهم في سيارته ، قائلا ً لهم  :
” انزلوا .. بطّلت اشتغل !  ” . 


إعلان