فلم وثائقي يقض مضجع برلسكوني
حسونة المنصوري – كان
شغل حدثان سياسيان حديث الناس قبيل انطلاق مهرجان كان في دورته 63. تعلق الأول بوضع المخرج الإيراني جعفر بناهي الذي منع من السفر من قبل حكومته. وكانت إدارة المهرجان قد اختارته كعضو لجنة تحكيم هذه الدورة في محاولة لدفع السلطات الإيرانية لرفع الحصار عن المخرج ولكن للعدالة الإيرانية رأي آخر.أما الحدث الثاني فقد اتخذ بعدا أكثر رسمية حيث قررت الحكومة الإيطالية مقاطعة المهرجان رسميا وستترجم هذه المقاطعة بعدم حضور وزير الثقافة الإيطالي الاجتماع الدوري لوزراء الثقافة الأوربيين على ها مش المهرجان كما جرت العادة. والسبب هو برمجة المهرجان لفلم وثائقي يصور الأحداث التي دارت حول الزلزال الذي ضرب مدينة أكويلا سنة 2009.
الفلم من إخراج سا بينا غوزانتي المخرجة الإيطالية المعروفة بأشرطتها الوثائقية التي تعتمد على التحليل السياسي من خلال متابعتها للسياق المتبع من قبل بعض الساسة في إطار الديموقراطيات الأوربية وخصوصا بلدها إيطاليا. وكانت من قبل قد تعرضت إلى العلاقة المتينة بين الإعلام والسياسة من خلال فلمها يحيى زاباتيرو سنة 2005. في فلمها الجديد تتهم غوزانتي وبوضوح الوزير الأول الإيطالي سيلفيو بيرلوسكوني وأقرب معاونيه بتورطهم الماكيافيلي في التعامل مع المافيا من خلال معالجتهم لقضية زلزال أكويلا.
بأسلوب ساخر يقرب كثير من أسلوب المخرج الأمريكي الجريء مايكل مور في مزج بين الخطاب المباشر من خلال الصوت المرافق للصورة أحيانا والحوار مع الناس العاديين والمسؤولين من هذا الجانب وذاك أحيانا أخرى تحاول المخرجة من أن ترصد ليس فقط مدى تلاعب الساسة بالإعلام ولا من أجل التحكم في الرأي العام وتضليله, ولا من التلاعب بالمال العام وتغطية عملية غسل الأموال المتأتية من أعمال الإجرام المنظم لكن الأدهى من وجهة نظر غوزانتي هو أن تتحول الأدوات الديموقراطية من وسائل لحماية المواطن إلى أدوات لاستخدامه واستغلال أحلك الظروف التي يمر بها من أجل من أجل تمرير مشاريع قوانين تخدم وتؤسس لسيطرة الإجرام على هياكل الدول تحت غطاء الديموقراطية ودولة المؤسسات.
تتعدى المخرجة الخطاب السطحي الذي يعتبر أنها تتهجم على الوزير الأول بشكل شخصي. وهذا واضح منذ عنوان الفلم أكويلا, إيطاليا ترتعش. الفكرة العامة هي أنه لإن كانت أكويلا قد أصابها زلزال بالمعنى الجيولوجي فإن البلد برمته يهتز ومنذ زمن تحت وطأة الأعمال الإجرامية التي تتلاعب بالمؤِسسات. ومثل الزلزال حالة تكمنت هي من أن تدرس المنهجية المتوخات من التنظير إلى سن القوانين إلى سير الأحداث على أرض الواقع .
اتخذت المخرجة الإيطالية من الطريقة التي عولجت بها أزمة الأكويلا مثالا حيا لممارسات المافيا التي تعتمد على التحكم في السياسة والإعلام والرشوة.وهذا ما جعلها تقتنع أن إيطاليا تحولت إلى نوع من الدكتاتورية. حتى أن أحد المواطنين في لحظة غضب أسر لها بأن الشعب في هذه البلدة المنكوبة أصبح : يعيش في ظل دكتاتورية قمامة ليست ككبرى الدكتاتوريات التي سبقت في تاريخ الإنسانية. وكانت المخرجة نفسها قد صرحت في الموقع الرسمي لمهرجان كان حسب وكالة فرنسا للأنباء: البلد يعيش مرحلة تحول تدريجي سيمر إثره من حالة ديمقراطية إلى حالة أخرى لا اسم لها بعد.
![]() |
سا بينا غوزانتي |
أسلوب الفلم قريب جدا من أسلوب المخرج الأمريكي مايكل مور الذي تكن له المخرجة تقديرا خاصا وتعتبر أنهما يلتقيان في الأفكار وفي نظرتهما لدور السينما في كشف الحقائق في ما يسمى بسينما التحقيق نسبة إلى صحافة التحقيق. ويذكر أن غوزانتي كانت في الأصل صحفية تنتج برنامج تحقيقات في القناة الإيطالية الرسمية وتم رفتها سنة 2003 على خلفية أن برنامجها يبالغ في النقد السياسي. ولكن المخرجة المتمردة ترفض الاستسلام وتواصل نقدها عبر الأفلام الوثائقية. ووصل إحراجها للمسئولين السياسيين في إيطاليا إلى مقاطعة المهرجان .وتتهم وزارة الثقافة الإيطالية الفلم بأنه فلم دعائي يسيء إلى كل الإيطاليين.
بهذا يبدو أن المخرجة قد حققت هدفين. يتمثل الأول في انتقام شخصي من الساسة الذين يختفون وراء قطع عيشها بطردها من العمل بالتلفزيون. أما الثاني فهو إجبار الحكومة الإيطالية على المساهمة في الحملة الإعلامية للفلم قبل أن يعرض مما زاد في جلب الأنظار إليه.