طنجة في الأحلام… السينمائية

أحمد بوغابة – مرسيليا (فرنسا)

تأسست جمعية “أفلام” قبل 8 سنوات بمدينة مرسيليا بجنوب فرنسا سنة 2002، وهي جمعية تعنى بالثقافة العربية من خلال الصورة والسينما. مجمل مؤسسيها وأعضائها من الفرنسيين الذين تربطهم بالأقطار العربية علاقات وروابط قديمة إما اشتغلوا ببعضها مدة طويلة فاحتفظوا بإرث تلك العلاقة الإنسانية أو ازدادوا بها، أو آباءهم (أو أحدهما) من أصول عربية، وبعضهم ارتبط بصداقة مع العرب والعربيات المقيمين بفرنسا بحكم السكن كجيران أو جمعتهم ظروف العمل المشترك أو في الدراسة فأصبحت الثقافة العربية في مختلف أبعادها جزء من ثقافتهم.
نظمت هذه الجمعية، منذ تأسيسها، عدة أنشطة سينمائية حول السينمات العربية ضمن محاور لأقطار معينة، حول المغرب والجزائر وتونس وسوريا وفلسطين وهي بصدد تهيئ دورة للسينما اللبنانية. كما نظمت تظاهرات أخرى حول محاور تمس التاريخ المشترك مثل “الاستعمار والاستقلال في السينما العربية” و “السينما العربية الجديدة” و”الهجرة والمنفى في السينما العربية” أو عروض خاصة بأفلام عربية للتعريف بها في الوسط الفرنسي بحضور مخرجيها قبل عرضها التجاري كدعم لها فضلا عن تكريم أسماء من ممثلين ومخرجين.
وتُعد جمعية “أفلام” ذات نفع العام لكونها تشيع الثقافة العربية من خلال السينما بربط الجسور بين الفرنسيين والعرب المقيمين بمدينة مرسيليا. ونظرا للنجاح الذي حققته طيلة عشر سنوات، توسعت خريطة أنشطتها لتشمل الجهة الجنوبية لفرنسا، منذ ثلاث سنوات، عبر تظاهرة سنوية تعقدها في بداية فصل الصيف – عادة خلال شهر يوليوز – بعدد مهم من المدن والقرى، بالقاعات المتواجدة بها أو بالهواء الطلق وبالساحات العمومية، تطلق عليها إسم “القافلة السينمائية العربية تحت النجوم”. وأنشطة أخرى تمتد طيلة السنة.
وتستعد أيضا جمعية “أفلام” في أفق سنة 2013 لتنظيم مهرجان سينمائي عربي بمدينة مرسيليا ونواحيها بعد هذا التراكم في تجربتها مع الإنتاج السينمائي العربي ومبدعيه طيلة عقد نتيجة لتجارب سابقة في المجال لمؤسسيها وأعضائها.  
تحتضن هذه الجمعية – حاليا بمرسيليا- طلية أسبوع من 27 مايو إلى غاية 4 يونيو المدينة المغربية طنجة وبذلك تكون طنجة هي أول مدينة عربية تحظى بتظاهرة خاصة بها فتنتقل مدينة طنجة إذن الواقعة في أقصى شمال المغرب والمطلة على أوروبا (لا تفصلها عنها سوى ب 14 كلم فقط) إلى مدينة مرسيليا بجنوب فرنسا لتحلم فيها سينمائيا.
إن دوافع اختيار مدينة طنجة كثيرة أهمها أنها المدينة التي سكنتها الجاليات الأوروبية والأسيوية إبان المرحلة التي كانت فيها تحت النظام الدولي ومحطة أساسية للعبور بين القارتين ومركز تجاري هام بفضل مينائها قبل أن تظهر نقط أخرى في حوض المتوسط. وهذا الوضع، سمح لها بأن تدخلها السينما بسهولة وبسرعة بعد سنوات قليلة جدا من ظهورها سواء كفرجة أو فضاء لتصوير الأفلام.

• “أفلام”… و…”الخزانة السينمائية بطنجة”

تنعقد هذه التظاهرة بتعاون بين جمعية “أفلام” الفرنسية المذكورة و”الخزانة السينمائية بطنجة” بحيث تم الاتفاق أن تنطلق الخطوة الأولى من مرسيليا ثم تليها خطوة ثانية في مدينة طنجة في تاريخ لاحق (لم يُحدد بعد) ببرنامج موسع تُضاف له أفلام أخرى وفقرات جديدة كلها حول عروسة الشمال طبعا كما يسميها المغاربة.

إذا كان خط تحرير جمعية “أفلام” يسطر بوضوح الاقتصار على عرض الأفلام العربية فقط دون سواها كاختيار وتوجه فإنها في تظاهرة “طنجة في الأحلام…” التجأت إلى الأفلام الأوروبية أيضا وهذا ليس خرقا لبند في خط تحريرها وإنما تكب في لب الموضوع لمعاينة الصيغ التي تعامل بها الغرب سينمائيا مع مدينة مغربة/عربية قديما وحديثا إلى جانب أفلام مغربية أغلبها من إخراج أبناء المدينة نفسها كالمخرجة فريدة بليزيد والمخرج جيلالي فرحاتي فيما رفض مومن السميحي المشاركة حيث أراد فرض أفلامه واختياراته هو ومنتجه وليس التي اختارتها الجمعية، مضيفا شروطا لا تخدم الثقافة ولا السينما ولا المدينة التي “ينتمي” إليها بعقد الازدياد.
إن التعاون الذي جمع بين الجمعية الفرنسية والخزانة السينمائية بطنجة لتنظيم مثل هذه التظاهرة القيمة والاستثنائية في التعامل مع بعضهما هو سابقة إيجابية لمد جسور تهدف لقراءة تاريخ مشترك بالاعتماد على الفن السينمائي الذي أرخ بالصوت والصورة نظرة الآخر فينا.
ويعلم الجميع أن مدينة طنجة أسست لنفسها – دون وعي منها أو بإرادة منها – أسطورة تم تشكيلها في المخيلة الجماعية، سواء عند الغربيين أو عند المغاربة أنفسهم، تم التعبير عنها في مختلف أشكال الإبداع والسينما جزء منه حتى كاد الواقع أن يتحول إلى أسطورة وهذه الأخيرة فرضت نفسها على الواقع فغابت التفاصيل في الخيال بينما المدينة تعيش إيقاعاتها المختلفة والمتعددة حسب الأحداث والأجساد التي تحركها وتتحرك فيها وهو ما يزيدها تعقيدا حين يتم ضبطها على الأشرطة السينمائية.

 طنجة … “تحلم” في … مرسيليا

15 فيلما مُبرمجا في تظاهرة مرسيليا ضمن تظاهرة “طنجة في الأحلام…” المُنظمة من لدن جمعية “أفلام” الفرنسية التي عرفنا بها أعلاه. أفلام تغطي 70 سنة من الإنتاج السينمائي، فبعضها يرجع تاريخها إلى سنة 1938 وأخرى حديثة جدا أُنتجت في السنة الماضية (2009) مرورا بمختلف السنوات. كما تم اختيار أفلام من جنسيات أوروبية متعددة التي صورت مدينة طنجة من زوايا ورؤى مختلفة سواء من فرنسا أو سويسرا أو بريطانيا أو ألمانيا أو إسبانيا. أفلام روائية، طويلة وقصيرة، ووثائقية. وتم التركيز في اختيار الأفلام المغربية على المخرجين أبناء المدينة لتكتمل الصورة عند المشاهد المتتبع ل”صورة طنجة”

تخضع الأفلام المُبرمجة للنقاش والنقد والقراءات حيث كل شخص يستحضر “طنجة”ــهُ ويتأكد ذلك خلال الندوات والموائد المستديرة التي يتضمنها البرنامج العام. كانت المائدة المستديرة الأولى تحت عنوان “طنجة والفنانون”، تناولت الشعر والرواية والتشكيل والصورة الفوتوغرافية بمشاركة الكاتب والروائي المغربي محمد برادة الذي سبق له أن نشر رواية عن فضاء مدينة طنجة بعنوان “الضوء الهارب” حيث تحدث عن طنجة الأسطورة في ذهنية المواطن المغربي نظرا لما عاشته كمدينة استثنائية في التاريخ والجغرافية المغربيين خاصة وان الكاتب المغربي عاشر مجموعة من كُتاب المدينة ومثقفيها على رأسهم الراحل محمد شكري.
ساهم في هذه المائدة الثقافية الناقد الفني ومُؤرخ الفنون كزافيي جيرار الذي تحدث بالأساس عن الفنان ماتيس الذي عاش في طنجة سنوات طويلة (منذ سنة 1912) فاعتُبرت تلك المرحلة من أهم مراحل تاريخه الفني حيث قام المؤرخ بقراءة لوحاته التي رسمها إبان فترة إقامته بها وما حملته عن المدينة.
أما السيد إيمانويل بونسارت، مدير المركز الدولي للشعر الذي يوجد مقره بمرسيليا، فقد ركز على عدد من الكتب الصادرة عن طنجة لكتاب أجانب مضيفا الجانب الموسيقي الذي كانت المدينة فضاء متميزا لاحتضان جميع المدارس والأصوات.
شارك في هذا اللقاء أيضا الناقد الفني المغربي الشاب عمر برادة بقراءة في الأعمال الفوتوغرافية للفنانة يطو برادة، مديرة الخزانة السينمائية بطنجة المساهمة في هذه التظاهرة، عارضا بعض أعمالها التي واكبها بمداخلة حول اختياراتها الفنية والتزاماتها النضالية في الفن الذي تربطه بالمجتمع وبفضاءات المدينة خاصة في مجال البيئة والهجرة السرية والمهمشين.

المائدة المستديرة الثانية المهمة المُقررة في البرنامج ستنعقد يوم الأربعاء (2 يونيو مساء) حول “طنجة في السينما” بمشاركة المخرجة فريدة بليزيد والمخرج جيلالي فرحاتي والناقد/ الأستاذ الجامعي حميد العيدوني وكذا كاتب هذا المقال أحمد بوغابة.
سيتناول الجميع تاريخ السينما بالمدينة بدءا بالقاعات السينمائية وجمهورها منذ بداية القرن الماضي ثم الأفلام الأجنبية التي صُورت بالمدينة والأفلام التي صورها المغاربة والوقوف عند بعض الأسماء المغربية التي اشتغلت في السينما من ممثلين ومخرجين وتقنيين.

• برنامج… الأفلام/الأحلام

قبل أن أعرض لائحة الأفلام التي تم اختيارها لهذه التظاهرة، أشير إلى أن صعوبات جمة حالت دون الحصول على بعض الأفلام التي ضاعت وأُتلفت مع التقادم والتي تذكرها المراجع التاريخية كأعمال هامة حول مدينة طنجة أو صُورت بها كليا أو جزئيا من بينها أفلام مغربية أُنتجت في أواخر السبعينات مثلا. كما أن بعض الأعمال غير مُترجمة إلى الفرنسية وبالتالي لا يمكن برمجتها لجمهور فرنسي، ولا تسمح ميزانية “جمعية أفلام” من القيام بذلك، فحبذا لو تفضلت جهة مغربية لتمويل المشروع لترجمتها إلى مختلف اللغات مادامت تلك الأفلام تتحدث عنا وعن مدينتنا وعن تاريخنا وفضاءاتنا فهذه الأفلام ينبغي أن تكون جزء من الأرشيف المغربي.
لم تتمكن الجمعية أيضا من عرض بعض الأفلام نظرا للتعويضات المرتفعة جدا التي يطلبها أصحابها أو ورثتُها وغيرها من المشاكل التي تعترض كل من حاول استرجاع التاريخ ودراسته وتقييمه من خلال السينما.
ولا داعي لتكرار ما ذكرناه أعلاه حول “المخرج المغربي المنتمي لمدينة طنجة”

وفي ما يلي لائحة الأفلام التي سأعرضها حسب تاريخ إنتاجها:

– “جبل طارق” إخراج فيدور أوزيب (فرنسا سنة 1938) روائي طويل
يحكي الفيلم قصة تدور أحداثها سنة 1933 لضابط بريطاني الذي يتقمص شخصية الخائن بغرض الوصول إلى العناصر التي تفجر البواخر البريطانية العابرة لمضيق جبل طارق والتي تتخذ من مدينة طنجة مقرا لها وذلك بتاريخ .
– “استنفار في البحر الأبيض المتوسط” إخراج ليوج وانون (فرنسا سنة 1938) روائي طويل
يركز هذا الفيلم على ثلاث ضباط بحريين (فرنسي وإنجليزي وألماني) الذين يتحالفون في ما بينهم للبحث عن مهرب للمواد الكيماوية الخطيرة جدا.
– “طنجة: مدينة دولية” إخراج أندري زوفودا (فرنسا سنة 1946) وثائقي قصير
يعرف الفيلم بالمدينة في عهدها الدولي كملتقى للمال والأعمال الشرعية والممنوعة. 
– “رجل جامايكا” إخراج موريس دو كانونج (فرنسا 1950) روائي طويل
عنوان الفيلم هو الإسم المستعار لشخص مشهور في التهريب الذي ستُسند له مهمة جد خاصة بمدينة طنجة.
– “أيكاط، إمرأة الليل” إخراج دانييل شميدت (سويسرا/فرنسا سنة 1982) روائي طويل
سفير سابق يتذكر أول تعيين له بمدينة طنجة وارتباطه بإمرأة غريبة الأطوار.
– “الصيف الأخير بطنجة” إخراج ألكسندر أركادي (فرنسا سنة 1987) روائي طويل
تدور أحداث الفيلم سنة 1956 عشية إعلان استقلال المغرب الذي ستزعزع استقرار بعض المهربين والعملاء.
– “وليمة مفضوحة” إخراج دافيد كرونينبيرغ (كندا/بريطانيا سنة 1991) روائي طويل
تم اقتباس الفيلم من رواية كتبها الكاتب الأمريكي ويليام بروغس الذي أقام بمدينة طنجة. قصة الفيلم من النوع البوليسي الذي يجد شخصا نفسه محاصرا بين مجموعة من المهربين والقتلة بطنجة الدولية بعد اغتيال زوجته.
– “نافذة بطنجة” إخراج إيف دو بيريتي (فرنسا سنة 1999) وثائقي قصير
فيلم وثائقي عن المرحلة التي قضاها الرسام الفرنسي ماتيس بطنجة وبالضبط بفندق “فيلا فرنسا” وقراءة أعماله ومدى التغيير الحاصل فيها بعد مكوثه بالمدينة التي وجدها الفضاء المثالي منذ أن وطأت قدماه المدينة سنة 1912.
– “ضفائر” إخراج جيلالي فرحاتي (المغرب سنة 2000) روائي طويل
يرسم المخرج الصورة الحديثة للمدينة من خلال علاقات متشابكة بين أسرة غنية يغتصب إبنها أخت الفتاة التي تشتغل عندها
وفي ذات الوقت حول عدد من المواضيع والعلاقات الاجتماعية بالمدينة التي تغيرت كثيرا في زمن قياسي.
– “بعيدا” إخراج أندري تيشيني (فرنسا سنة 2001) روائي طويل
يجمع المخرج في فيلمه جميع الظواهر المعروفة عن طنجة في الأساطير مؤكدا على استمرارها كمنطقة لتهريب المخدرات والبشر وتعدد الجنسيات والألسن أو بعبارة أخرى مفترق الطرق لكل شيء مباح أم لا.
– “طنجة، حلم الحراكة” إخراج ليلى الكيلاني (المغرب سنة 2002) وثائقي طويل
الفيلم واضح من عنوانه فهو يثير قضية الهجرة السرية التي تتخذ من طنجة منطلقها
– “خوانيطا طنجة” إخراج فريدة بليزيد (المغرب سنة 2005) روائي طويل
خوانيطا هي إمرأة من أب إنجليزي وأم إسبانية فيما هي تعتبر جنسيتها “طنجوية” انتماء للمدينة. لكن ستكتشف أن أحداثا كثيرة تدور حولها ولم تكن على علم بها حيث كانت تعيش حياتها العادية بالمدينة لتجد نفسها تواجه مشاكل جديدة لم تتعود عليها وتتحدث عن المدينة بنوسطالجيا. 
– “تجارة محسومة” إخراج ميكايل دريهير (ألمانيا 2006) روائي قصير
إمرأة ألمانية تتبنى طفلا مغربيا مقابلا صفقة مالية ثم تحضر إلى مدينة طنجة لتحمله معها فإذا بها تصطدم بالمشاكل التي تعانيها أم الطفل فيؤنبها ضميرها.
– “باريس على البحر” إخراج منير العبار (المغرب سنة 2007) روائي قصير
يتطرق بشكل ذكي للهجرة السرية وبأسلوب مختلف عن السائد
– “طنجرين” إخراج إيرين فون ألبيرتي (ألمانيا سنة 2008) روائي طويل
موسيقيون ألمان يزورون طنجة للقاء بالمجموعة الموسيقية المعروفة بالمدينة وفي إحدى الليالي يشاهد أحدهم فتاة مغربية ترقص فيرتبط بها بينها هي تعتبر أنه منقذها للهجرة معه.
– “العرض الأخير” إخراج محمد العبداوي (المغرب سنة 2009) روائي قصير
هذا الفيلم هو بورتريه حول الممثل المغربي العربي اليعقوبي (82) وفي ذات الوقت تكريما له باستحضار خاصة تاريخه بالمسرح. 
– “شقوق” إخراج هشام عيوش (المغرب سنة 2009) روائي طويل
رؤية أخرى عن مدينة طنجة بالتركيز على ثلاث شخصيات (رجلان وامرأة) من لدن مخرج مغربي شاب مُغرم بالمدينة الآتي من مدينة أخرى.            


إعلان