سينما حرب العراق.. أفلام أفسدتها تغطية الإعلام ورفضها الجمهور الأمريكي

 

ظهر مصطلح أفلام حرب العراق عام 2005 مع فيلم “جارهيد” (Jarhead) للمخرج “سام منديز”، وهو يطلق على كل فيلم يتناول حرب العراق وآثارها الجانبية المباشرة وغير المباشرة. وبلغ الإنتاج الهوليودي لهذا النوع إلى اليوم حوالي ثمانية عشر فيلما.

وهذا المصطلح لا تدخل فيه أفلام الحرب على الإرهاب والصراعات في الشرق الأوسط مثل “كتلة أكاذيب (Body of Lies) و”الخائن” (Traitor) أو أفلام الحرب في أفغانستان مثل “الإخوة” (Brothers).

وقد جرت عادة هوليود أن تنتج أفلام كل حرب خاضتها الولايات المتحدة بعد انتهائها، مثل ما جرى مع أفلام الحرب العالمية الثانية وحرب كوريا وفيتنام، أما هنا في حرب العراق فكان لديها استثناء في تلك القاعدة.

أفلام العراق.. إنتاجات قبل أن تخمد بنادق الحرب

حملت أفلام الحرب العالمية الثانية نكهة البطولات والانتصارات، لكن هذه النكهة تلونت بالخيبة والمشاكل النفسية والتساؤلات مع أفلام حرب فيتنام، وطغت لاحقا على مواضيع أفلام العراق. فما الذي دفع بهوليود إلى الإسراع بإنتاج أفلام عن حرب عمرها عامان، وأفقها غير واضح إطلاقا؟

يُرجع بعض المنتجين الأمر إلى حاجة أو فضول لدى المشاهد الأمريكي ليرى أكثر. فالتغطية الصحفية للحرب في العراق اختلفت جذريا عن التغطية في حرب فيتنام. وأصبحت أكثر التصاقا بالحدث بشكل يومي، بل بشكل آني.

وقد أنتجت هذه الحرب رغم عمرها القصير كثيرا من القصص والحكايات التي هي بحاجة لأن تروى ويلقى الضوء عليها بشكل أوضح، خاصة أن السياسة الإعلامية للمؤسسات الصحفية متلازمة نوعا ما مع السياسة الأمريكية. وهي تتعمد في كثير من الأحيان في إبراز النصف الممتلئ من الكوب.

نفور المشاهد.. حرب أتخمتها التغطية الإعلامية

هناك عامل آخر ساعد على غزارة الإنتاج السينمائي حول حرب العراق، وهو الإقبال الجماهيري الجيد على فيلم “جارهيد”، وهو فيلم عن حرب الخليج رُوّج له على أنه فيلم عن حرب العراق، وهنا تكمن المفارقة، فالأفلام التي أنتجت مؤخرا عن حرب العراق حاول المنتجون الترويج لها على أنها أفلام بمواضيع أخرى.

ومن تلك الأفلام فيلم “في وادي إيلاه” (In the Valley of Elah) الذي سُوّق على أنه فيلم تحقيق في جريمة. وفيلم “المنطقة الخضراء” (Green Zone) الذي روّج على أنه فيلم حركة وجاسوسية على نسق أفلام “بورن” (Bourne) الجاسوسية.

وكل ذلك لأن الجمهور الأمريكي ثبت أن لديه نفورا من مواضيع حرب العراق. وتبين أيضا أن التغطية الإعلامية عرضت ما يكفي، وجعلت الحرب بأسرها غير مثيرة، فكان حظ معظم هذه الأفلام الفشل على شباك التذاكر الأمريكي.

مشهد من فيلم “المنطقة الخضراء”

إشباع المشاهد.. بحث عن صورة البطل المنقذ في السينما

المشاهد الأمريكي يريد الهروب من أزماته الاقتصادية والسياسية، ولا يريد رؤية صورته إلا وهو منقذ لهذا العالم وبطله الأول، أما فيلم مثل “منقَّح” (Redacted) للمخرج “براين دي بالما” الذي يروي حادثة اغتصاب فتاة وقتل أهلها على يد جنود أمريكيين، فلن يجذب أي مشاهد أمريكي بالتأكيد، إذ سيشعره بالخجل والعار.

وقد فشل الفيلم فشلا ذريعا على شباك التذاكر الأمريكي، وجلب 60 ألف دولار فقط، رغم الاستقبال النقدي الجيد له، واتهم المخرج “دي بالما” من قبل اليمين الأمريكي المحافظ بأنه خائن لبلده وتجدر محاكمته، وكان قد أخرج أيضا فيلما عن اغتصاب فتاة فيتنامية من قبل جنود أمريكيين يدعى “خسائر الحرب” (Casualties of War)، وكان له حظ أفضل مع المشاهد الأمريكي.

أما أفلام حرب العراق فهي محبطة للمشاهد الأمريكي، وتريه عورة سياسات بلده، وتكشف له الجانب القاسي وغير الإنساني من الحرب، كما تريه امتداد أثرها إلى الداخل البعيد عن أرض المعركة، أي إلى المجتمع، من خلال عودة الجنود وتفجر أزماتهم النفسية، أو التغيير الدرامي الذي يتركه مقتل أحد هؤلاء الجنود على أهله وأقربائه.

“خزانة الألم”.. نجاح فني وسقوط في شباك التذاكر

السؤال الذي يكثر طرحه حاليا، هل تخلّت هوليود عن أفلام حرب العراق ولن تعود إلى إنتاجها وندمت على هذا التسرع؟

الآن ليس هناك من فيلم ينتج عن هذه الحرب، أو يجري التحضير له، فشركات الإنتاج الكبرى في هوليود يبدو أنها تعلمت درسا، وتصرفاتها تنبئ عن نفورها من هذه المواضيع، لكن هناك بصيص أمل من جهة أخرى، بعد وصول ثلاثة أفلام عن حرب العراق إلى ترشيحات الأوسكار، وهي “في الأنشوطة” (In the Loop) و”خزانة الألم” (The Hurt Locker) و”المبعوث” (The Messenger)، لا سيما بعد فوز “خزانة الألم” بست جوائز، منها أفضل فيلم وأفضل مخرج.

ومع أن هذا الأمر نجاح فني وليس جماهيريا، فإنه سيؤثر بالتأكيد على عملية إنتاج أفلام عن هذه الحرب الدائرة، ولكن من زوايا جديدة ومختلفة تبتعد عن الخطاب السياسي والوعظي المباشر، وربما يراد لها أن تكون أكثر قربا من عيني الجندي الأمريكي في أرض المعركة، تنقل يومياته المثقلة بالموت والترقب على غرار فيلمي “جارهيد” و”خزانة الألم”، فالأول نجح جماهيريا، والثاني حصد كثيرا من الجوائز، واختارته أكاديمية الفنون لأوسكار هذا العام (2010) باعتباره أفضل من تحدث عن حرب العراق أمريكيا. أو بالأحرى النموذج الذي يجب أن يحتذى.


إعلان