متابعة إقصائيات كأس العالم بالقاعة السينمائية

                                   أحمد بوغابة – المغرب

لن أتوقف في هذا النص عند الأفلام التي تناولت رياضة كرة القدم سواء الوثائقية أو الروائية رغم أنها ليست كثيرة في الإنتاج العالمي والعربي وذلك بمناسبة مباريات كأس العالم التي تحتضنها حاليا جنوب إفريقيا كما يعلم الجميع وإنما عند ظاهرة في الفرجة ظهرت في المغرب منذ أزيد من عقدين في شمال المغرب قبل أن تنتقل بعد ذلك إلى بعض المدن في وسطه وجنوبه ويتعلق الأمر بنقل مباريات كرة القدم على الشاشة الكبيرة بالقاعات السينمائية عوض الأفلام بفضل مكبر الصورة آلة “داطاشو” التي كانت حديثة الوجود بالمغرب.
عرفت القاعات السينمائية بالمغرب منذ منتصف الثمانينات من القرن الماضي أزمة حقيقية بهجرانها من لدن شريحة واسعة من الجمهور المتعدد لأسباب ذاتية يتحمل فيها أصحاب القاعات المسؤولية المطلقة ليس مجالها الآن لذكرها وأيضا لأسباب موضوعية بظهور وسائل جديدة في الفرجة خاصة مع انتشار البارابول (أو ما يُسمى في الشرق ب “الدش”) الذي سرق الجمهور من القاعات بسبب أخطاء ولامبالاة أصحابها. هذه العوامل وغيرها أدت إلى مسح من الوجود قاعات كثيرة وتقلص تدريجي للجمهور.
لمواجهة غياب الجمهور من القاعات السينمائية والبحث عن سُبل جديدة للموارد، فكر صاحب قاعة سينمائية بمدينة طنجة وهي قاعة “كابيطول” الموجودة في المدينة العتيقة بنقل الدوري الإسباني الذي يتابعه بكثرة سكان المدينة منذ عقود بحكم قربها لإسبانيا بحيث يتحول اللقاء الذي يجمع فريقي ريال مدريد وبرشلونة لحدث رياضي واجتماعي (وأيضا سياسي لن نتوقف عنده هو أيضا الآن) في هذه المدينة التي تطل على إسبانيا وتراها بالعين المجردة.
كان الجمهور سعيدا بمشاهدة الدوري على الشاشة الكبيرة وعلى أريكة مريحة (نسبيا طبعا ؟؟؟) متوهما بكونه في الملعب خاصة وأنه لم تكن قد ظهرت بعد شاشات التلفزيون الكبيرة. وكان للجمهور حق التفاعل مع أحداث المباريات بكل الهيجان الذي يتم في الملاعب وطبعا حق الأكل والشرب والتدخين و….و…إلا مغادرة القاعة حتى لا تضيع “بطاقته”.
كان عرض مباريات كرة القدم بالقاعة السينمائية الحدث الغريب حيث صلى عشاق السينما ومتتبعيها حينها صلاة الجناة على الفرجة السينمائية لكون ذلك الجمهور لم يعد يفرق بين مشاهدة فيلم بالشروط الحضارية ومتابعة مقابلة في كرة القدم بنفس القاعة. تدهورت قاعة “كابيطول” بشكل مرعب لتندثر ثم يهدمها صاحبها ليشيد على أنقاضها عمارة وقيسارية علما أن تلك القاعة تشكل جزء من تاريخ المدينة وكثير من سكانها شاهدوا فيها أفلاما كثيرة مهمة.
انتقلت العدوى إلى عدد من القاعات في مختلف المدن المغربية وكأنها تحولت إلى ملاعب مغطاة إلا أن انتشار أجهزة التلفزيون بالشاشات الكبيرة بصورة أكثر دقة وصفاء بالمقاهي أرجع الجمهور إلى كراسيهم الأصلية وأكثر من ذلك يوفر الفرجة الرياضية طيلة اليوم ويسمح لروادها الدخول والخروج بحرية وليسوا مرتبطين بالزمن المفروض في القاعة.
كنت أعتقد بأن هذه الظاهرة الاجتماعية قد ولت موضتها وانتهت لتفاجئني قاعة سينمائية بمدينة فاس (وسط المغرب) أنها مازالت مخلصة لهذا الانحراف أمام أعين المسؤولين المحليين والوطنيين. فهل في هذه الحالة تخضع مداخل بث مباريات كرة القدم ضمن حسابات ضرائب المقاهي؟ أم الاقتطاعات تذهب إلى المركز السينمائي المغربي؟ أم يجد صاحبها نفسه متحررا من هذا وذاك؟ من يحاسبه على هذا الإخلال؟ وهل توافق له الوزارة الوصية، يعني وزارة الاتصال، بأن يحول القاعة السينمائية لغرض آخر؟ وهل روادها يُعدون ضمن أرقام عدد المشاهدين السينمائيين أم لا؟.

اعلانات عرض المباريات “الدائرة الحمراء” بجانب اعلانات الافلام

لا تمارس قاعة “أومبير” ممارستها في السر بل تعلن عنها صراحة – الآن واليوم – حيث توجد بالشارع الرئيسي لمدينة فاس، تقرأ على واجهتها إخبار بنقلها لمباريات إسبانيا وكأس العالم (أنظر إطار الصور بالأحمر).
يبرر أصحاب هذه البدعة بالأزمة التي تعرفها القاعات ويختفون وراءها ليفسحوا لأنفسهم حق “إنتاج” جمهور جاهل في شروط الفرجة السينمائية وثقافتها مادام غرضهم هو الربح الآني دون التفكير في نتائجه السلبية البعيدة المدى وهو ما يعاني منه كل مشاهد ذكي.
إن من يذهب حاليا لمشاهدة مباريات كرة القدم في القاعة السينمائية ليس للمتعة بل لأغراض أخرى تتيحها الظلمة المطلقة التي لا توفرها المقاهي المنيرة وبالتالي فليس حبا في الرياضة الآن بل في أشياء أخرى يعلمها “الزبناء” وربنا فوقهم.